يمثّل نقص طب الاختصاص في الجهات الداخلية أهمّ معضلات الصّحة العمومية في تونس. ففي أغلب المستشفيات الجهوية لا يوجد بالعدد الكافي، أو حتى أنه ينعدم في البعض منها، أطبّاء اختصاص في المجالات الحياتية مثل طب النساء وطب الأطفال وأمراض القلب وأنواع الجراحة والتّخدير والإنعاش وأمراض الكلى.
وقد طُرحت طيلة السنوات الماضية العديد من مشاريع الحلول لمجابهة هذا النقص في ظل تصاعد وتيرة هجرة الأطباء إلى الخارج من جهة وبسبب تردي أوضاع البنية التحتية ونقص التجهيزات في المستشفيات من جهة ثانية والإشكاليات المالية للدولة من جهة ثالثة.
إيمان عبد اللطيف
يوم الثلاثاء 23 جانفي 2024 التقى وزير الصحة علي المرابط بـ45 طبيب اختصاص، وقع انتدابهم للعمل داخل مناطق الجمهورية. وقد تم في جلسة العمل اختيار مراكز العمل من قبل الأطباء الجدد الحاضرين وفق جدول المناطق التي تشكو من غياب ونقص أطباء الاختصاص.
وأكد وزير الصحة حرص الوزارة على تعميم طب الاختصاص على كل المستشفيات الداخلية والاستجابة لطلب المواطنين في حقهم بالتمتع بخدمات طبية متكاملة. كما أشار إلى أن الوزارة تعمل على تحسين ظروف عمل مهنيّي الصحة بكل أصنافهم، وعلى إسداء الخدمات الصحية في مناخ يرتقي بالمنظومة الصحية الوطنية.
يبقى السؤال المطروح هل يكفي هذا العدد المنتدب لتغطية حاجيات الجهات الداخلية من طب الاختصاص والحال أنّه، وفق العديد من المعطيات والأرقام المتداولة إعلاميا، هناك حديث عن حاجة هذه الجهات إلى 300 طبيب اختصاص في قطاع الصحة العمومية.
قال مسؤول بوزارة الصحة، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، "إن وزارة الصحة أرسلت مؤخرا استدعاء انتداب إلى 200 طبيب شاب تخرج حديثاً للعمل في مستشفيات حكومية عدة، إلا أنها فوجئت بعدم التجاوب باستثناء ستة أطباء فقط باشروا العمل.
وأضاف المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه أن "معظم هؤلاء الأطباء الشبان فضلوا الهجرة إلى خارج البلاد أو العمل في مصحات خاصة براتب أعلى وفي ظروف أفضل، رافضين انتداب الدولة لهم".
مسألة ليست بالمفاجئة، فقد تم التصريح بمثل هذا القول في عدة مناسبات ومنذ سنوات، أرجع الأطباء الشبان بدورهم في عدة تصريحات أن أسباب الرفض هي الظروف غير الملائمة للعمل بسبب تهري البنية التحتية ونقص التجهيزات وغيرها من الأسباب التي تدفع بهم إلى الرفض وتفضليهم إلى الهجرة إلى دول أخرى تمكنهم من التطور في مسيرتهم المهنية.
ولكن في المقابل، هناك محولات وسعي لتجاوز هذه الأزمة التي استفحلت بعد الثورة، البعض منها ذهب نحو سن قوانين وتشريعات تُجبر أطباء الاختصاص من الشبان الجدد على العمل في الجهات الداخلية وهو مقترح لاقى رفضا مطلقا منذ السنوات الأولى من الثورة. والبعض الآخر توجه نحو اقتراح إسناد امتيازات مالية لكل من يعمل بالجهات ولكن هذا الحل واجه بدوره نقاشات وأخذ ورد بالتعلل بأن الإشكال ليس ماليا بالأساس وإنما يعود إلى غياب التجهيزات والظروف الملائمة ليمارس الأطباء مهامهم.
في هذا السياق وفي جلسة عامة بمجلس نواب الشعب بتاريخ 26 ديسمبر 2023 وتفاعلا مع النواب الذين اقترحوا إلزام الأطباء الشبان بالعمل في المناطق الداخلية وسن مشروع قانون في الغرض أشار وزير الصحة علي المرابط إلى أنه في سنة 2017 وقع إصدار نصوص قانونية تلزم الأطباء الشبان وتشجعهم على العمل في الجهات من خلال فتح اختصاصات لفائدة تلك الجهات وتم في المدة الأخيرة انتداب 90 طبيبا وسيتسلم هؤلاء مهامهم في بداية سنة 2024.
وأضاف أنه لتشجيع الأطباء العاملين بالمناطق الداخلية يجري العمل حاليا على إعداد دراسة تهدف إلى تحسين الدخل الشهري لأطباء الاختصاص مع العمل على تحسين ظروف إقامتهم وإعاشتهم.
وأكّد في ذات السياق أن أطباء الاختصاص مطالبون بالقيام بالخدمة المدنية لمدة سنة وذكر أن الوزارة ستعمل على إعداد مشروع قانون يهدف إلى جلب أطباء الاختصاص نحو المناطق الداخلية وذلك لرد الجميل للشعب التونسي الذي ساهم في تكوينهم.
وقد أشار إلى أن وزارة الصحة منكبة على إصلاح المنظومة التشريعية الصحية وتحسين التشريعات الرامية إلى تحفيز أطباء الاختصاص للعمل في المناطق ذات الأولوية وهناك برنامج في الغرض انطلق سنة 2018 وتخرجت الدفعة الأولى سنة 2021، وهناك مجموعة التزمت بالعمل في المناطق الداخلية لمدة أربع سنوات على الأقل لكن هناك أطباء لم يفوا بالتزاماتهم والحال أنه تم تمتيعهم بامتيازات.
أما بخصوص الانتدابات، بيّن وزير الصحة علي المرابط أن الوزارة ستعمل خلال سنة 2024 على انتداب 3000 خطة من بينهم 640 أطباء اختصاص ويوجد ضمنهم 223 طبيب اختصاص سيعملون لفائدة 14 جهة صحية داخلية، وسيتم انتداب 350 مساعدا استشفائيا جامعيا و280 طبيب اختصاص إضافة إلى انتداب أطباء أسنان وصيادلة وأطباء بياطرة كما سيتواصل العمل ببرنامج دعم طب الاختصاص بالجهات ذات الأولوية بحصص استمرار يؤمنها أطباء اختصاص يشتغلون بالمستشفيات الجامعية الكبرى بتونس وسوسة وصفاقس ثم أنه بإمكان الأطباء الخواص مؤازرة زملائهم العاملين في المستشفيات العمومية.
تونس – الصباح
يمثّل نقص طب الاختصاص في الجهات الداخلية أهمّ معضلات الصّحة العمومية في تونس. ففي أغلب المستشفيات الجهوية لا يوجد بالعدد الكافي، أو حتى أنه ينعدم في البعض منها، أطبّاء اختصاص في المجالات الحياتية مثل طب النساء وطب الأطفال وأمراض القلب وأنواع الجراحة والتّخدير والإنعاش وأمراض الكلى.
وقد طُرحت طيلة السنوات الماضية العديد من مشاريع الحلول لمجابهة هذا النقص في ظل تصاعد وتيرة هجرة الأطباء إلى الخارج من جهة وبسبب تردي أوضاع البنية التحتية ونقص التجهيزات في المستشفيات من جهة ثانية والإشكاليات المالية للدولة من جهة ثالثة.
إيمان عبد اللطيف
يوم الثلاثاء 23 جانفي 2024 التقى وزير الصحة علي المرابط بـ45 طبيب اختصاص، وقع انتدابهم للعمل داخل مناطق الجمهورية. وقد تم في جلسة العمل اختيار مراكز العمل من قبل الأطباء الجدد الحاضرين وفق جدول المناطق التي تشكو من غياب ونقص أطباء الاختصاص.
وأكد وزير الصحة حرص الوزارة على تعميم طب الاختصاص على كل المستشفيات الداخلية والاستجابة لطلب المواطنين في حقهم بالتمتع بخدمات طبية متكاملة. كما أشار إلى أن الوزارة تعمل على تحسين ظروف عمل مهنيّي الصحة بكل أصنافهم، وعلى إسداء الخدمات الصحية في مناخ يرتقي بالمنظومة الصحية الوطنية.
يبقى السؤال المطروح هل يكفي هذا العدد المنتدب لتغطية حاجيات الجهات الداخلية من طب الاختصاص والحال أنّه، وفق العديد من المعطيات والأرقام المتداولة إعلاميا، هناك حديث عن حاجة هذه الجهات إلى 300 طبيب اختصاص في قطاع الصحة العمومية.
قال مسؤول بوزارة الصحة، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، "إن وزارة الصحة أرسلت مؤخرا استدعاء انتداب إلى 200 طبيب شاب تخرج حديثاً للعمل في مستشفيات حكومية عدة، إلا أنها فوجئت بعدم التجاوب باستثناء ستة أطباء فقط باشروا العمل.
وأضاف المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه أن "معظم هؤلاء الأطباء الشبان فضلوا الهجرة إلى خارج البلاد أو العمل في مصحات خاصة براتب أعلى وفي ظروف أفضل، رافضين انتداب الدولة لهم".
مسألة ليست بالمفاجئة، فقد تم التصريح بمثل هذا القول في عدة مناسبات ومنذ سنوات، أرجع الأطباء الشبان بدورهم في عدة تصريحات أن أسباب الرفض هي الظروف غير الملائمة للعمل بسبب تهري البنية التحتية ونقص التجهيزات وغيرها من الأسباب التي تدفع بهم إلى الرفض وتفضليهم إلى الهجرة إلى دول أخرى تمكنهم من التطور في مسيرتهم المهنية.
ولكن في المقابل، هناك محولات وسعي لتجاوز هذه الأزمة التي استفحلت بعد الثورة، البعض منها ذهب نحو سن قوانين وتشريعات تُجبر أطباء الاختصاص من الشبان الجدد على العمل في الجهات الداخلية وهو مقترح لاقى رفضا مطلقا منذ السنوات الأولى من الثورة. والبعض الآخر توجه نحو اقتراح إسناد امتيازات مالية لكل من يعمل بالجهات ولكن هذا الحل واجه بدوره نقاشات وأخذ ورد بالتعلل بأن الإشكال ليس ماليا بالأساس وإنما يعود إلى غياب التجهيزات والظروف الملائمة ليمارس الأطباء مهامهم.
في هذا السياق وفي جلسة عامة بمجلس نواب الشعب بتاريخ 26 ديسمبر 2023 وتفاعلا مع النواب الذين اقترحوا إلزام الأطباء الشبان بالعمل في المناطق الداخلية وسن مشروع قانون في الغرض أشار وزير الصحة علي المرابط إلى أنه في سنة 2017 وقع إصدار نصوص قانونية تلزم الأطباء الشبان وتشجعهم على العمل في الجهات من خلال فتح اختصاصات لفائدة تلك الجهات وتم في المدة الأخيرة انتداب 90 طبيبا وسيتسلم هؤلاء مهامهم في بداية سنة 2024.
وأضاف أنه لتشجيع الأطباء العاملين بالمناطق الداخلية يجري العمل حاليا على إعداد دراسة تهدف إلى تحسين الدخل الشهري لأطباء الاختصاص مع العمل على تحسين ظروف إقامتهم وإعاشتهم.
وأكّد في ذات السياق أن أطباء الاختصاص مطالبون بالقيام بالخدمة المدنية لمدة سنة وذكر أن الوزارة ستعمل على إعداد مشروع قانون يهدف إلى جلب أطباء الاختصاص نحو المناطق الداخلية وذلك لرد الجميل للشعب التونسي الذي ساهم في تكوينهم.
وقد أشار إلى أن وزارة الصحة منكبة على إصلاح المنظومة التشريعية الصحية وتحسين التشريعات الرامية إلى تحفيز أطباء الاختصاص للعمل في المناطق ذات الأولوية وهناك برنامج في الغرض انطلق سنة 2018 وتخرجت الدفعة الأولى سنة 2021، وهناك مجموعة التزمت بالعمل في المناطق الداخلية لمدة أربع سنوات على الأقل لكن هناك أطباء لم يفوا بالتزاماتهم والحال أنه تم تمتيعهم بامتيازات.
أما بخصوص الانتدابات، بيّن وزير الصحة علي المرابط أن الوزارة ستعمل خلال سنة 2024 على انتداب 3000 خطة من بينهم 640 أطباء اختصاص ويوجد ضمنهم 223 طبيب اختصاص سيعملون لفائدة 14 جهة صحية داخلية، وسيتم انتداب 350 مساعدا استشفائيا جامعيا و280 طبيب اختصاص إضافة إلى انتداب أطباء أسنان وصيادلة وأطباء بياطرة كما سيتواصل العمل ببرنامج دعم طب الاختصاص بالجهات ذات الأولوية بحصص استمرار يؤمنها أطباء اختصاص يشتغلون بالمستشفيات الجامعية الكبرى بتونس وسوسة وصفاقس ثم أنه بإمكان الأطباء الخواص مؤازرة زملائهم العاملين في المستشفيات العمومية.