فردوس مامي
(ثمة هدف. ولكن ليس ثمة درب. إما ندعوه دربا هو حيرة)
- فراتر كافكا -
إلى شوقي رافع في موت حسين مروة .
بين القلب و القلب ، ينتفض قلب، و بين الرئة و الرئة تعتصم أخرى ، و بين الموت و الموت يخيم موت إذن! لا توقظ الموتى لأنهم ببساطة لن يجيبوك و لا .. لا تصرخ في البرية لأنك لن تتعرف في الصدی الأجوف حتى على صوتك . ولا تعدني بعناقيد الياسمين فلقد تاخرت في عز مواسمها فما بالك في هذه السنوات العصبية ؟!
أذكر الآن. و لوع أنت بالبحر بالأصداف و السفن ، و هذا موسم الزنابق المذبوحة حتى النخاع، فأرجوك لا تفتح الأصداف لكي لا تصطدم بالدموع المتكتلة على شكل يواقيت ملونة و لا .. تفتح المحار الذاهل لكي لا تصطدم بدماء الأمراء و أشجان البنفسج ولا تقترب من اليابسة ، لا تشهر صوتك النقي كصلاة لكي تهاجمك المخالب بلا مناشير و لا إنذار .آه لكم يجدر بنا الآن أن نصحح تاريخ الحروب و عثرات الأبجدية الأولى ! على البوابة المغلقة للمدينة الدامية حدثتك عنه ذلك الرجل الحلم بذلك الوعل . أسررت إليك بأنني أحمل حلم
رؤيته كالتميمة على ضفاف قلبي الغائب في اوجاع الجمر المشتعل...
أدثره بروحي أجوب به الطرقات الموسومة باللوثة القديمة، الموصلة بالبراري القزحية العطشی .. لحظتها تلفع فمك لضحكة صاهلة و تزتر
2 / 3
بشيح الأمسيات القادمة ليعلمني ببساطة أن هذا الحلم هین و سهل . فآه ! لكم ابتسم اليوم بمرارة و حرقة هي ذي الدفاتر تسطر الوقائع و تحمل إلينا النبأ المفجع. هو ذا الوعل يهوي من عليائة مضرجا بالنبيذ معمدا بالجوري. و ذا حلمي يدرج في الملفات العتيقة مكفنا بجبن أمة سلختها الخطابات على
مدى أجيال متلاحقة. سيوفنا مرتبكة خجلى و أغمادنا جوزية مفجوعة علاها صدأ، مؤذ للبصر مؤذ للبصيرة فلكم نحب الصمت في المواقف الصعبة ، و نحمل أشياءنا بالمقلوب، حتى الوطن عاملنا بعكس امرئ القيس فقد حملنا همه صغارا و ضيّعنا كبارا...
جافة حراشفنا و أوراق التين و الزيتون و طور سنين، جافة مساماتنا المزملة بالغبار،
المكللة بالرطوبة في أجسادنا الخلو منا، فأفيقوا أيها اليونانيون القدامى لتروا بأنفسكم أن أصل الكون لم يكن ماء بل هو دم متخثر وآخر يركض .. دم على لحي الأشجار و أثواب الشوارع ووجه البحر . دم على الشرفات ، دم على وجع التوت، و شهقة الصبار ، و غفوة الساحل العربي من الماء إلى الماء...
وحده الماء هذا الذي يسري في شارييننا ببرودة غريبة و يستسلم في آخر الليل إلى النعاس.
آه يا صديقي شوقي لكم فجعت في كل غابات السنونو التي يحلم بها امثالك من الطيبين فلكم يوجعني أنه رحل دون أن يلوح لنا بطرف قلبه .فهلا عرفت أن الموت جاثم على فوهات البنادق، يتلصص علينا من أصص الورد الملغومة، فساعدني لنحنط الوعول في ثنايا المتاحف. فهذا زمن تنقرض فيه الوعول البرية، و تضيع فيه شهقة المصلي قبل أن تصل الآذان المسدودة فالطلقة أقرب إلى صدر المؤذن من صدره ..
لكم أعجز الآن حتى على ندب حظ إبني القادم إلى شوارع مغموسة في دم الشعراء و مدن
3 / 3
متلفعة بصرخة الكتّاب ، مستندة على شهقات الفنانين .. لكم اعجز الآن عن قيء رقع الخيام و أحذية العساكر ، و طاعون الفجيعة.
فلتجمع معي الوجوه المنقرضة ، الأقلام المنقرضة و الأصوات المكتومة . فأنا أعرف جيدا أن إبني القادم مع رمال التصحر و جفاف الأنابيب لن يصدق أن الوعول قد وجدت ذات عسر و سیسر النفسه : لكم كان خيال أمي واسعا و طليقا في ذلك الزمن الصعب !
دمشق 18-03-87
***************************