توجهت السلطة مؤخرا الى خيار المصالحة الاقتصادية التي طالت كثيرا والتي ستشمل رجال أعمال عبر إقرار قانون الصلح الجزائي الذي سيساعد على إعادة ترتيب البيت الاقتصادي في البلاد.
وإذ شكل التصويت على قانون المصالحة برلمانيا منتجا لضمان الاستقرار الاقتصادي ومنه الى الاستقرار الاجتماعي فان ذلك لم يمنع البعض من الحديث عن ضرورة إلحاق المسألة السياسية وإسعافها هي الأخرى بمصالحة في اطار التهدئة في سنة انتخابية.
ولم يعد الحديث عن المصالحة مجرد تصورات بل أضحى النقاش مفتوحا نقابيا وبرلمانيا وسياسيا بما يعنيه ذلك من أهمية لهكذا طرح في هذا التوقيت وجدية النقاش فيه.
وتطرح المصالحة السياسية واحدة من المشاريع المستقبلية للفاعلين السياسيين إذ ليس من السهولة بمكان تحقيقها على أرض الواقع إلا من خلال إيجاد مخارج مشتركة للوضع المتأزم بقناعات متوافقة.
وفي هذا السياق اعتبر النائب المستقل حليم بوسمة أنه "وبعد المصادقة على مشروع قانون الصلح الجزائي وعلى مشروع قانون المالية لسنة 2024 بكل ما فيهما وما عليهما، يجب علينا جميعا اليوم تجاوز خطاب التحريض والكراهية والتشفي والتخوين وطي صفحة الماضي بما فيه من أخطاء ونقائص ومنجزات سيسجلها التاريخ لكل طرف والتوجه إلى تكريس مصالحة شاملة وإلى تعبئة جهود كل هياكل الدولة والقطاع الخاص لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي من الانهيار ."
واعتبر بوسمة أنه "لا يمكن أن نذهب إلى انتخابات رئاسية نريدها أن تسجل أعلى نسب في الإقبال وأن يشهد العالم بنزاهتها، دون اتخاذ إجراءات ضرورية لشفافية المسار ولعل أهمها تنقيح القانون الانتخابي في الآجال القانونية وتنقيح قانون الجمعيات والأحزاب للحد من إمكانيات تدخل المال الأجنبي والمال الفاسد في العملية الانتخابية مع المحافظة على حق الأحزاب في التنظم والمشاركة وحق المجتمع المدني في المراقبة والتحسيس والمساءلة."
ولم يكن طرح موضوع المصالحة طرحا برلمانيا فقط حيث تطرق الأمين العام للاتحاد العام التونسي نور الدين الطبوبي الى نفس السياقات حيث قال" إنه آن الأوان لمصالحة وطنية حقيقية مبنية على إصلاح العقليات على قاعدة خيارات وطنية حقيقية تؤمن باستقلالية القرار الوطني والسيادة الوطنية وبناء مناخات ثقة ومحاسبة كل من أجرم وأفسد في حق الشعب التونسي واغتال شهداء الوطن وذلك بالعدل والإنصاف بعيدا عن ثقافة التشفي والانتقام."
ودعا الطبوبي في الذكرى الأخيرة لاغتيال النقابي فرحات حشاد الفرقاء السياسيين في الحكم والمعارضة الى مراجعة حساباتهم في الاتجاه الايجابي.
وفي خصوص الصلح الجزائي وعلى رغم الخلافات المطروح حوله فقد ربط الخبير الاقتصادي والوزير الأسبق، محسن حسن مسار الصلح ببقية المسارات حيث اعتبر"إنّ مسار الصلح الجزائي سيمكّن من تحقيق مصالحة بين رجال الأعمال والدولة التونسية."
واعتبر محسن حسن، في تصريح لإذاعة الديوان، أنّ القانون الجديد للصلح الجزائي قادر على تحقيق مصالحة وطنية دون تشفّ وبسرعة.
وأكّد أنّه من الإيجابي وجود إطار تشريعي في تونس، وهو الصلح الجزائي لطيّ صفحة الماضي ولتتمكّن الدولة من استرجاع الأموال المنهوبة.
وإذ تصالحت السلطة مع رؤوس الأموال ورجال الأعمال في إطار الصلح الجزائي فإنه من الضروري اليوم أن تتبنى الأجسام الوسطية من أحزاب ومنظمات الدعوة الى مصالحة وطنية شاملة كما هو خيار الاتحاد العام التونسي لتجاوز الوهن الاجتماعي والاقتصادي في بلادنا والعودة المشتركة الى طاولة الحوار .
ويذكر أن مسألة الصلح الجزائي طرحت منذ سنة 2012 من طرف أستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد، الذي أكد في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء بتاريخ 18 مارس 2013، أن"الصلح الجزائي هو إجراء قضائي تنص عليه مجلة الإجراءات الجزائية" وأن "مقترحه يبقى نتاج تصور شخصي ولا علاقة له بأي تنظيم سياسي"، معتبرا أن "الأمر يتعلق بأموال منهوبة تقارب نصف ميزانية الدولة يجب أن تعود بشكل مباشر إلى الشعب".
ودعا سعيد حينها إلى "ضرورة أن تتم تسوية وضعية رجال الأعمال المورطين في قضايا فساد مع النظام السابق في إطار قانوني شفاف، وبعيدا عن التوظيف السياسي"، أنه طرح المقترح على الجهات الرسمية منذ سنة 2012، بهدف استعادة الأموال المنهوبة، مبينا أن تحويل هذه الفكرة إلى الواقع سيكون عبر إصدار قانون ينظم هذه العملية برمتها.
وواقعيا فإنه لم يتسن التناول الفعلي لمسألة الصلح الجزائي من طرف رئيس الجمهورية، قيس سعيد، إلا بعد حوالي خمسة أشهر من توليه رئاسة الجمهورية، وذلك يوم 31 مارس 2020 لدى إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي، الذي خصص للنظر في الإجراءات التي تم اتخاذها في علاقة بمقاومة تفشي فيروس كورونا.
وعلى الرغم مما تقدم ورغم مرور نحو 3 سنوات منذ طرح الصلح إلا أن الملف لم يشهد أي نتائج وهو ما جعل رئيس الجمهورية يقول في 16 مارس 2023، "لم يتحقق أي شيء يذكر منذ صدور المرسوم المنظم للصلح الجزائي "ليعلن يوم 24 نوفمبر 2023 انه سيتم تعديل المرسوم المتعلق بالصلح الجزائي ليتخذ شكل قانون حتى يتم سد الثغرات التي برزت فيه.
فهل يذهب سعيد لدعم الاستقرار السياسي وخيار المصالحة الوطنية الشاملة كما فعل مع أصحاب الأموال أم أن مفهوم الحوار والمصالحة الوطنيين سيبقيان مجرد عناوين وسقوفا عالية لا يمكن إدراكها؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
توجهت السلطة مؤخرا الى خيار المصالحة الاقتصادية التي طالت كثيرا والتي ستشمل رجال أعمال عبر إقرار قانون الصلح الجزائي الذي سيساعد على إعادة ترتيب البيت الاقتصادي في البلاد.
وإذ شكل التصويت على قانون المصالحة برلمانيا منتجا لضمان الاستقرار الاقتصادي ومنه الى الاستقرار الاجتماعي فان ذلك لم يمنع البعض من الحديث عن ضرورة إلحاق المسألة السياسية وإسعافها هي الأخرى بمصالحة في اطار التهدئة في سنة انتخابية.
ولم يعد الحديث عن المصالحة مجرد تصورات بل أضحى النقاش مفتوحا نقابيا وبرلمانيا وسياسيا بما يعنيه ذلك من أهمية لهكذا طرح في هذا التوقيت وجدية النقاش فيه.
وتطرح المصالحة السياسية واحدة من المشاريع المستقبلية للفاعلين السياسيين إذ ليس من السهولة بمكان تحقيقها على أرض الواقع إلا من خلال إيجاد مخارج مشتركة للوضع المتأزم بقناعات متوافقة.
وفي هذا السياق اعتبر النائب المستقل حليم بوسمة أنه "وبعد المصادقة على مشروع قانون الصلح الجزائي وعلى مشروع قانون المالية لسنة 2024 بكل ما فيهما وما عليهما، يجب علينا جميعا اليوم تجاوز خطاب التحريض والكراهية والتشفي والتخوين وطي صفحة الماضي بما فيه من أخطاء ونقائص ومنجزات سيسجلها التاريخ لكل طرف والتوجه إلى تكريس مصالحة شاملة وإلى تعبئة جهود كل هياكل الدولة والقطاع الخاص لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي من الانهيار ."
واعتبر بوسمة أنه "لا يمكن أن نذهب إلى انتخابات رئاسية نريدها أن تسجل أعلى نسب في الإقبال وأن يشهد العالم بنزاهتها، دون اتخاذ إجراءات ضرورية لشفافية المسار ولعل أهمها تنقيح القانون الانتخابي في الآجال القانونية وتنقيح قانون الجمعيات والأحزاب للحد من إمكانيات تدخل المال الأجنبي والمال الفاسد في العملية الانتخابية مع المحافظة على حق الأحزاب في التنظم والمشاركة وحق المجتمع المدني في المراقبة والتحسيس والمساءلة."
ولم يكن طرح موضوع المصالحة طرحا برلمانيا فقط حيث تطرق الأمين العام للاتحاد العام التونسي نور الدين الطبوبي الى نفس السياقات حيث قال" إنه آن الأوان لمصالحة وطنية حقيقية مبنية على إصلاح العقليات على قاعدة خيارات وطنية حقيقية تؤمن باستقلالية القرار الوطني والسيادة الوطنية وبناء مناخات ثقة ومحاسبة كل من أجرم وأفسد في حق الشعب التونسي واغتال شهداء الوطن وذلك بالعدل والإنصاف بعيدا عن ثقافة التشفي والانتقام."
ودعا الطبوبي في الذكرى الأخيرة لاغتيال النقابي فرحات حشاد الفرقاء السياسيين في الحكم والمعارضة الى مراجعة حساباتهم في الاتجاه الايجابي.
وفي خصوص الصلح الجزائي وعلى رغم الخلافات المطروح حوله فقد ربط الخبير الاقتصادي والوزير الأسبق، محسن حسن مسار الصلح ببقية المسارات حيث اعتبر"إنّ مسار الصلح الجزائي سيمكّن من تحقيق مصالحة بين رجال الأعمال والدولة التونسية."
واعتبر محسن حسن، في تصريح لإذاعة الديوان، أنّ القانون الجديد للصلح الجزائي قادر على تحقيق مصالحة وطنية دون تشفّ وبسرعة.
وأكّد أنّه من الإيجابي وجود إطار تشريعي في تونس، وهو الصلح الجزائي لطيّ صفحة الماضي ولتتمكّن الدولة من استرجاع الأموال المنهوبة.
وإذ تصالحت السلطة مع رؤوس الأموال ورجال الأعمال في إطار الصلح الجزائي فإنه من الضروري اليوم أن تتبنى الأجسام الوسطية من أحزاب ومنظمات الدعوة الى مصالحة وطنية شاملة كما هو خيار الاتحاد العام التونسي لتجاوز الوهن الاجتماعي والاقتصادي في بلادنا والعودة المشتركة الى طاولة الحوار .
ويذكر أن مسألة الصلح الجزائي طرحت منذ سنة 2012 من طرف أستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد، الذي أكد في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء بتاريخ 18 مارس 2013، أن"الصلح الجزائي هو إجراء قضائي تنص عليه مجلة الإجراءات الجزائية" وأن "مقترحه يبقى نتاج تصور شخصي ولا علاقة له بأي تنظيم سياسي"، معتبرا أن "الأمر يتعلق بأموال منهوبة تقارب نصف ميزانية الدولة يجب أن تعود بشكل مباشر إلى الشعب".
ودعا سعيد حينها إلى "ضرورة أن تتم تسوية وضعية رجال الأعمال المورطين في قضايا فساد مع النظام السابق في إطار قانوني شفاف، وبعيدا عن التوظيف السياسي"، أنه طرح المقترح على الجهات الرسمية منذ سنة 2012، بهدف استعادة الأموال المنهوبة، مبينا أن تحويل هذه الفكرة إلى الواقع سيكون عبر إصدار قانون ينظم هذه العملية برمتها.
وواقعيا فإنه لم يتسن التناول الفعلي لمسألة الصلح الجزائي من طرف رئيس الجمهورية، قيس سعيد، إلا بعد حوالي خمسة أشهر من توليه رئاسة الجمهورية، وذلك يوم 31 مارس 2020 لدى إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي، الذي خصص للنظر في الإجراءات التي تم اتخاذها في علاقة بمقاومة تفشي فيروس كورونا.
وعلى الرغم مما تقدم ورغم مرور نحو 3 سنوات منذ طرح الصلح إلا أن الملف لم يشهد أي نتائج وهو ما جعل رئيس الجمهورية يقول في 16 مارس 2023، "لم يتحقق أي شيء يذكر منذ صدور المرسوم المنظم للصلح الجزائي "ليعلن يوم 24 نوفمبر 2023 انه سيتم تعديل المرسوم المتعلق بالصلح الجزائي ليتخذ شكل قانون حتى يتم سد الثغرات التي برزت فيه.
فهل يذهب سعيد لدعم الاستقرار السياسي وخيار المصالحة الوطنية الشاملة كما فعل مع أصحاب الأموال أم أن مفهوم الحوار والمصالحة الوطنيين سيبقيان مجرد عناوين وسقوفا عالية لا يمكن إدراكها؟