إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من أكثر البلدان تعرضا لتداعياتها.. تونس تحمل البلدان المصنعة مسؤولية تداعيات التغيرات المناخية

 

تونس- الصباح

تتفق عدة تقارير اقتصادية وبيئية دولية صدرت من جهات مختلفة وعلى فترات زمنية متقاربة، أن تونس باتت من أكثر البلدان تعرضا لتداعيات التغيرات المناخية، والتي سيكون تأثيرها أكثر وضوحا وحدة وخطورة على مدى السنوات المقبلة على عدة مستويات اقتصادية وصحية وبيئية واجتماعية مثل الجفاف ونقص الموارد المائية، وزيادة عجز الموازنات المالية للدولة خاصة في ما يتعلق بموازنات الطاقة والغذاء، وازدياد نسب تلوث الهواء وانتشار الأمراض وزيادة نسبة الفقر..

وفي هذا السياق تأتي دعوة تونس صنّاع القرار الدولي الى تسريع تطبيق الإجراءات المتعلقة بأقلمة الأنظمة الزراعية مع التغيرات المناخية، وذلك في إطار مشاركة تونس في الدورة 16 من المنتدى العالمي للأغذية والزراعة الملتئمة ببرلين من 17 إلى 20 جانفي الجاري، ضمن وفد ترأسه وزير الفلاحة وزير الفلاحة عبد المنعم بلعاتي.

وأشار بلعاتي خلال مداخلة ألقاها ضمن فعاليات المنتدى إلى تحمل بلادنا لتداعيات التغيرات الناجمة بالأساس عن انبعاثات غاز الكربون للبلدان المصنعة. كما دعا رؤساء الوفود المشاركة إلى تكثيف الجهود من أجل عالم يتسم بالعدالة والأمن الغذائي، مؤكدا على ضرورة متابعة مخرجات المنتدى ومدى إسهامها في مجابهة التحديات التي تهدد الأمن الغذائي العالمي بما في ذلك التقليص من المجاعة في العالم.

في الواقع، ليست هذه المرة الأولى التي تحمل فيها تونس البلدان المصنعة المسؤولية الأولى في تداعيات التغيرات المناخية، فقد سبق أن دعا وزير الفلاحة الى تفعيل صندوق المخصص لفائدة الدول المجاحة من التغيرات المناخية حتى تتمكن تونس من مجابهة معضلة الشح المائي وتوفير الأمن الغذائي.

وطالب بلعاتي، خلال ورشة عمل انتظمت بمناسبة الاحتفال بيوم الأغذية العالمي بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة « فاو »، في أكتوبر 2023، بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدة البلدان المتضررة وخاصة منها تونس على مجابهة التغيرات المناخية التي تسببت فيها البلدان المصنعة باعتبار أن الوضع المناخي في البلاد يزداد سوءا.

وكانت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، قد تبنت خلال المؤتمر، الذي انعقد بدبي من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، قرارا بتفعيل إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" المناخية للتعويض لدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية. كما صادقت على نص يدعو إلى التحول عن الوقود الأحفوري "في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة".

يأتي ذلك في وقت حذرت فيه دراسات وتقارير متطابقة صدرت حديثا منها دراسة حول تأثيرات التغيرات المناخية في العالم، نُشرت في جانفي الحالي، ضمن تقرير خاص بالمنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، وتقرير البنك الدولي حول المناخ والتنمية في تونس الصادر في نوفمبر 2023، من أن عدم اتخاذ تونس إجراءات عاجلة للتعامل مع تأثيرات التغيرات المناخية يمكن أن يؤدي إلى عواقب اجتماعية وسياسية وإنسانية كبيرة..

وتوقعت الدراسة أن تشهد البلدان المطلة على البحر المتوسط، تصنفها الأبحاث ضمن أربع مناطق شديدة الخطورة نتيجة الجفاف بحلول سنة 2050،.. من بينها تونس، حالات جفاف نتيجة انخفاض هطول الأمطار وارتفاع الحرارة.. وخلصت الدراسة إلى أن تغير المناخ في 14.5 مليون حالة وفاة إضافية و12.5 تريليونات دولار من الخسائر الاقتصادية في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2050 نتيجة الفيضانات والجفاف والحرارة والعواصف الاستوائية وحرائق الغابات وارتفاع منسوب مياه البحر.

خسائر فادحة وتحديات مكلفة

بدوره، قال تقرير البنك الدولي حول المناخ والتنمية في تونس إن ندرة المياه وتآكل السواحل والفيضانات واعتماد قطاع الطاقة على الوقود الاحفوري، تمثل أبرز تحديات التنمية والتغيرات المناخية في تونس، والفشل في التعامل معها سيكون مكلفا على الاقتصاد في المدى القريب.

ونبه من أن عدم اتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع مخاطر التغيرات المناخية فإن الاقتصاد التونسي قد ينكمش بنسبة 3.4 % من الناتج الداخلي الخام سنة 2030، وخاصة تأثر القطاع الفلاحي الذي يتوقع أن تنخفض قيمته المضافة بـ15 %.. مشيرا إلى أن ارتفاع منسوب سطح البحر قد يؤثر على نحو ربع المنطقة الساحلية لتونس، بحلول عام 2050، مع احتمال خسارة إجمالية في الأراضي بقيمة 1.6 مليار دولار.

كما توقع البنك الدولي أن تزداد احتمالات وقوع فيضانات كارثية بنحو عشرة أضعاف، وقد تصل تكاليف إعادة تأهيل مرافق البنية التحتية وحدها جراء هذه الفيضانات إلى 277 مليون دولار بحلول عام 2050.

واعتبر أن هذه المخاطر لن تؤدي إلى تعريض مصادر كسب الرزق للسكان الذين يعيشون على الساحل وفي المناطق المعرضة للفيضانات للخطر فحسب، بل إنها ستُعرض مكانةَ البلاد الدولية كوجهة هامة للسياحة والسفر للخطر.

كما دعا البنك الدولي تونس، إلى اتخاذ إجراءات إستراتيجية لمعالجة نقص المياه، بما في ذلك ترشيد الطلب على المياه، وتقوية شبكات التوزيع للحد من فاقد المياه وهدرها، وحماية النظم الإيكولوجية، لا سيما مُستجمعات المياه، والنظم الإيكولوجية للواحات، والغابات، والأراضي الرطبة لزيادة توافر المياه والقدرة على الصمود أمام الصدمات المناخية.

وانضم تقرير البنك الدولي إلى تقرير سابق كان قد نشره البنك الإفريقي للتنمية حول الآفاق الاقتصادية لأفريقيا لعام 2023، أبرز فيه حاجة تونس لتمويلات تقدر بـ24.4 مليار دولار حتى عام 2030 للاستجابة بشكل ملائم لتحديات التغيرات المناخية. وأشارت التقرير إلى خسائر تناهز نحو 5 مليارات دولار تسببت فيها التغيرات المناخية. وقدر تكلفة التأقلم والتخفيف منها، بنحو 4.22 مليار دولار.

ورغم تساقطات الأمطار الأخيرة، إلا أن استمرار حالة الجفاف في تونس بشكل عام أمر ما يزال مطروحا مع تواصل نقص مخزون المياه بالسدود وضعف الموارد المائية.

ويعتبر خريف 2023 الأكثر حرارة منذ أكثر من 70 عاما، وكشف المعهد الوطني للرصد الجوي في نشرية المناخ الشهرية الصادرة في 17 يناير الجاري، أن شهر نوفمبر 2023 كان الأشد حرارة من بين كل أشهر نوفمبر منذ العام 1950، وهو نفس ما تميز به شهر أكتوبر وفق تقرير سابق، فيما كان شهر سبتمبر الماضي الأكثر جفافا منذ 53 عاما، وهو ما يشير إلى حجم الأزمة التي تعرفها البلاد.

مواجهة التغيرات المناخية تتطلب استثمارات ضخمة

ومهما يكن من أمر، فإن هناك توجها رسميا للتعاطي مع المتغيرات المناخية والاستعداد لها من خلال وضع خطط وتصورات إستراتيجية ذات أبعاد وقائية وتنموية، منها خطة الانتقال البيئي، (2023-2025) وخطة الانتقال الطاقي القائمة على تطوير الاعتماد على الطاقات المتجددة والنظيفة..

وتعمل الدولة على تبني مقاربة في معالجة قضية التغيرات المناخية، والبحث عن حلول للحد منها، وإيجاد خطط بديلة للتعامل مع تأثيراته، من أبرزها حوكمة التصرف في الموارد المائية المتاحة، مواصلة تركيز محطات تحلية مياه البحر، ومراجعة الخارطة الزراعية، وتطهير المياه المستعملة وإعادة توظيفها في الاستعمالات المنزلية، فضلا عن تطوير استغلال الطاقات البديلة خاصة في إنتاج الكهرباء والاقتصاد في مياه الري..

غير أن تنفيذ هذه الاستراتجيات يتطلب استثمارات مالية ضخمة قدرها البنك الدولي بحوالي 6.7 مليار دينار، ما يتطلب تكثيف التعاون الدولي الثنائي ومتعددة الأطراف مع شركاء تونس الاقتصاديين لتنفيذ أهداف تلك المخططات..

وكانت وزيرة البيئة قد كشفت خلال مشاركتها في الدورة 28 لمؤتمر الأطراف الاتفاقية لا الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، المنعقد بين شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين أن الانعكاسات والأضرار الناتجة عن التغيرات المناخية في تونس تقدر بين 10 و15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي كما أن الأضرار تتطور من سنة لأخرى.

وللتصدي لهذه الأضرار، كشفت الوزيرة أن الحكومة برمجت مشاريع خاصة في ميدان الطاقة والزراعة بقيمة 20 مليار دولار أي أكثر من 60 مليار دينار على مدى السنوات.. وأوضحت انه تم إعداد مخطط استثماري خلال القترة بين كل 2025 – 2030 مخصص لمشاريع في مجال الطاقة المتجددة وهي في حيز النفاذ.

وفي نفس السياق انطلقت الحكومة في إعداد النموذج الاقتصادي والاجتماعي ليتضمّن الاستجابة لمقتضيات الحد من التغيرات المناخية. كما تعمل علي إعداد دراسة إستراتيجية لقطاع المياه في أفق 2050، تهدف إلى تأمين التوازنات المائية والانتقال من إدارة العرض إلى إدارة الطلب، باعتماد التصرّف المندمج والمستديم في الموارد، مع التأكيد على الجوانب الكمية والنوعية والأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية والبحث العلمي.

وستتركز الدراسة التي تشرف عليها وزارة الفلاحة على تأمين مياه الشرب كأولوية مطلقة وذلك حسب خصوصية كل إقليم، وستعتمد نموذجا ديناميكيا يأخذ بعين الاعتبار ضغوطات التأثيرات المناخية والديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية.

وتعمل الدولة أيضا على ترشيد التصرف في المياه وإنتاج مزيد من الأغذية بكميات أقل من المياه، مع ضمان توزيعها بالتساوي. مع العمل مستقبلا على توفير مياه الشرب كأولوية رئيسية باستعمال تحلية مياه البحر والتوجه نحو استغلال المياه المستعملة المعالجة التي تتراوح بين 300 و350 مليون متر مكعب في القطاع الفلاحي وتحويلها الى المناطق الجافة.

رفيق بن عبد الله

من أكثر البلدان تعرضا لتداعياتها..   تونس تحمل البلدان المصنعة مسؤولية تداعيات التغيرات المناخية

 

تونس- الصباح

تتفق عدة تقارير اقتصادية وبيئية دولية صدرت من جهات مختلفة وعلى فترات زمنية متقاربة، أن تونس باتت من أكثر البلدان تعرضا لتداعيات التغيرات المناخية، والتي سيكون تأثيرها أكثر وضوحا وحدة وخطورة على مدى السنوات المقبلة على عدة مستويات اقتصادية وصحية وبيئية واجتماعية مثل الجفاف ونقص الموارد المائية، وزيادة عجز الموازنات المالية للدولة خاصة في ما يتعلق بموازنات الطاقة والغذاء، وازدياد نسب تلوث الهواء وانتشار الأمراض وزيادة نسبة الفقر..

وفي هذا السياق تأتي دعوة تونس صنّاع القرار الدولي الى تسريع تطبيق الإجراءات المتعلقة بأقلمة الأنظمة الزراعية مع التغيرات المناخية، وذلك في إطار مشاركة تونس في الدورة 16 من المنتدى العالمي للأغذية والزراعة الملتئمة ببرلين من 17 إلى 20 جانفي الجاري، ضمن وفد ترأسه وزير الفلاحة وزير الفلاحة عبد المنعم بلعاتي.

وأشار بلعاتي خلال مداخلة ألقاها ضمن فعاليات المنتدى إلى تحمل بلادنا لتداعيات التغيرات الناجمة بالأساس عن انبعاثات غاز الكربون للبلدان المصنعة. كما دعا رؤساء الوفود المشاركة إلى تكثيف الجهود من أجل عالم يتسم بالعدالة والأمن الغذائي، مؤكدا على ضرورة متابعة مخرجات المنتدى ومدى إسهامها في مجابهة التحديات التي تهدد الأمن الغذائي العالمي بما في ذلك التقليص من المجاعة في العالم.

في الواقع، ليست هذه المرة الأولى التي تحمل فيها تونس البلدان المصنعة المسؤولية الأولى في تداعيات التغيرات المناخية، فقد سبق أن دعا وزير الفلاحة الى تفعيل صندوق المخصص لفائدة الدول المجاحة من التغيرات المناخية حتى تتمكن تونس من مجابهة معضلة الشح المائي وتوفير الأمن الغذائي.

وطالب بلعاتي، خلال ورشة عمل انتظمت بمناسبة الاحتفال بيوم الأغذية العالمي بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة « فاو »، في أكتوبر 2023، بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدة البلدان المتضررة وخاصة منها تونس على مجابهة التغيرات المناخية التي تسببت فيها البلدان المصنعة باعتبار أن الوضع المناخي في البلاد يزداد سوءا.

وكانت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، قد تبنت خلال المؤتمر، الذي انعقد بدبي من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، قرارا بتفعيل إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" المناخية للتعويض لدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية. كما صادقت على نص يدعو إلى التحول عن الوقود الأحفوري "في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة".

يأتي ذلك في وقت حذرت فيه دراسات وتقارير متطابقة صدرت حديثا منها دراسة حول تأثيرات التغيرات المناخية في العالم، نُشرت في جانفي الحالي، ضمن تقرير خاص بالمنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، وتقرير البنك الدولي حول المناخ والتنمية في تونس الصادر في نوفمبر 2023، من أن عدم اتخاذ تونس إجراءات عاجلة للتعامل مع تأثيرات التغيرات المناخية يمكن أن يؤدي إلى عواقب اجتماعية وسياسية وإنسانية كبيرة..

وتوقعت الدراسة أن تشهد البلدان المطلة على البحر المتوسط، تصنفها الأبحاث ضمن أربع مناطق شديدة الخطورة نتيجة الجفاف بحلول سنة 2050،.. من بينها تونس، حالات جفاف نتيجة انخفاض هطول الأمطار وارتفاع الحرارة.. وخلصت الدراسة إلى أن تغير المناخ في 14.5 مليون حالة وفاة إضافية و12.5 تريليونات دولار من الخسائر الاقتصادية في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2050 نتيجة الفيضانات والجفاف والحرارة والعواصف الاستوائية وحرائق الغابات وارتفاع منسوب مياه البحر.

خسائر فادحة وتحديات مكلفة

بدوره، قال تقرير البنك الدولي حول المناخ والتنمية في تونس إن ندرة المياه وتآكل السواحل والفيضانات واعتماد قطاع الطاقة على الوقود الاحفوري، تمثل أبرز تحديات التنمية والتغيرات المناخية في تونس، والفشل في التعامل معها سيكون مكلفا على الاقتصاد في المدى القريب.

ونبه من أن عدم اتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع مخاطر التغيرات المناخية فإن الاقتصاد التونسي قد ينكمش بنسبة 3.4 % من الناتج الداخلي الخام سنة 2030، وخاصة تأثر القطاع الفلاحي الذي يتوقع أن تنخفض قيمته المضافة بـ15 %.. مشيرا إلى أن ارتفاع منسوب سطح البحر قد يؤثر على نحو ربع المنطقة الساحلية لتونس، بحلول عام 2050، مع احتمال خسارة إجمالية في الأراضي بقيمة 1.6 مليار دولار.

كما توقع البنك الدولي أن تزداد احتمالات وقوع فيضانات كارثية بنحو عشرة أضعاف، وقد تصل تكاليف إعادة تأهيل مرافق البنية التحتية وحدها جراء هذه الفيضانات إلى 277 مليون دولار بحلول عام 2050.

واعتبر أن هذه المخاطر لن تؤدي إلى تعريض مصادر كسب الرزق للسكان الذين يعيشون على الساحل وفي المناطق المعرضة للفيضانات للخطر فحسب، بل إنها ستُعرض مكانةَ البلاد الدولية كوجهة هامة للسياحة والسفر للخطر.

كما دعا البنك الدولي تونس، إلى اتخاذ إجراءات إستراتيجية لمعالجة نقص المياه، بما في ذلك ترشيد الطلب على المياه، وتقوية شبكات التوزيع للحد من فاقد المياه وهدرها، وحماية النظم الإيكولوجية، لا سيما مُستجمعات المياه، والنظم الإيكولوجية للواحات، والغابات، والأراضي الرطبة لزيادة توافر المياه والقدرة على الصمود أمام الصدمات المناخية.

وانضم تقرير البنك الدولي إلى تقرير سابق كان قد نشره البنك الإفريقي للتنمية حول الآفاق الاقتصادية لأفريقيا لعام 2023، أبرز فيه حاجة تونس لتمويلات تقدر بـ24.4 مليار دولار حتى عام 2030 للاستجابة بشكل ملائم لتحديات التغيرات المناخية. وأشارت التقرير إلى خسائر تناهز نحو 5 مليارات دولار تسببت فيها التغيرات المناخية. وقدر تكلفة التأقلم والتخفيف منها، بنحو 4.22 مليار دولار.

ورغم تساقطات الأمطار الأخيرة، إلا أن استمرار حالة الجفاف في تونس بشكل عام أمر ما يزال مطروحا مع تواصل نقص مخزون المياه بالسدود وضعف الموارد المائية.

ويعتبر خريف 2023 الأكثر حرارة منذ أكثر من 70 عاما، وكشف المعهد الوطني للرصد الجوي في نشرية المناخ الشهرية الصادرة في 17 يناير الجاري، أن شهر نوفمبر 2023 كان الأشد حرارة من بين كل أشهر نوفمبر منذ العام 1950، وهو نفس ما تميز به شهر أكتوبر وفق تقرير سابق، فيما كان شهر سبتمبر الماضي الأكثر جفافا منذ 53 عاما، وهو ما يشير إلى حجم الأزمة التي تعرفها البلاد.

مواجهة التغيرات المناخية تتطلب استثمارات ضخمة

ومهما يكن من أمر، فإن هناك توجها رسميا للتعاطي مع المتغيرات المناخية والاستعداد لها من خلال وضع خطط وتصورات إستراتيجية ذات أبعاد وقائية وتنموية، منها خطة الانتقال البيئي، (2023-2025) وخطة الانتقال الطاقي القائمة على تطوير الاعتماد على الطاقات المتجددة والنظيفة..

وتعمل الدولة على تبني مقاربة في معالجة قضية التغيرات المناخية، والبحث عن حلول للحد منها، وإيجاد خطط بديلة للتعامل مع تأثيراته، من أبرزها حوكمة التصرف في الموارد المائية المتاحة، مواصلة تركيز محطات تحلية مياه البحر، ومراجعة الخارطة الزراعية، وتطهير المياه المستعملة وإعادة توظيفها في الاستعمالات المنزلية، فضلا عن تطوير استغلال الطاقات البديلة خاصة في إنتاج الكهرباء والاقتصاد في مياه الري..

غير أن تنفيذ هذه الاستراتجيات يتطلب استثمارات مالية ضخمة قدرها البنك الدولي بحوالي 6.7 مليار دينار، ما يتطلب تكثيف التعاون الدولي الثنائي ومتعددة الأطراف مع شركاء تونس الاقتصاديين لتنفيذ أهداف تلك المخططات..

وكانت وزيرة البيئة قد كشفت خلال مشاركتها في الدورة 28 لمؤتمر الأطراف الاتفاقية لا الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، المنعقد بين شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين أن الانعكاسات والأضرار الناتجة عن التغيرات المناخية في تونس تقدر بين 10 و15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي كما أن الأضرار تتطور من سنة لأخرى.

وللتصدي لهذه الأضرار، كشفت الوزيرة أن الحكومة برمجت مشاريع خاصة في ميدان الطاقة والزراعة بقيمة 20 مليار دولار أي أكثر من 60 مليار دينار على مدى السنوات.. وأوضحت انه تم إعداد مخطط استثماري خلال القترة بين كل 2025 – 2030 مخصص لمشاريع في مجال الطاقة المتجددة وهي في حيز النفاذ.

وفي نفس السياق انطلقت الحكومة في إعداد النموذج الاقتصادي والاجتماعي ليتضمّن الاستجابة لمقتضيات الحد من التغيرات المناخية. كما تعمل علي إعداد دراسة إستراتيجية لقطاع المياه في أفق 2050، تهدف إلى تأمين التوازنات المائية والانتقال من إدارة العرض إلى إدارة الطلب، باعتماد التصرّف المندمج والمستديم في الموارد، مع التأكيد على الجوانب الكمية والنوعية والأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية والبحث العلمي.

وستتركز الدراسة التي تشرف عليها وزارة الفلاحة على تأمين مياه الشرب كأولوية مطلقة وذلك حسب خصوصية كل إقليم، وستعتمد نموذجا ديناميكيا يأخذ بعين الاعتبار ضغوطات التأثيرات المناخية والديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية.

وتعمل الدولة أيضا على ترشيد التصرف في المياه وإنتاج مزيد من الأغذية بكميات أقل من المياه، مع ضمان توزيعها بالتساوي. مع العمل مستقبلا على توفير مياه الشرب كأولوية رئيسية باستعمال تحلية مياه البحر والتوجه نحو استغلال المياه المستعملة المعالجة التي تتراوح بين 300 و350 مليون متر مكعب في القطاع الفلاحي وتحويلها الى المناطق الجافة.

رفيق بن عبد الله