إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مع اقتراب انتهاء مدة نيابة مروان العباسي... البنك المركزي يدخل مرحلة جديدة رافعا تحديات توفير السيولة.. والرفع من قيمة الدينار والمحافظة على الاستقلالية

 

تونس-الصباح

مع دخول شهر فيفري المقبل، تنتهي المدة النيابية الأولى لمحافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، هذه المدة المحددة بست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، على رأس مؤسسة الإصدار بموجب القانون عدد 35 لسنة 2016 المنظم للبنك المركزي، وبذلك يدخل البنك في مرحلة جديدة وسط تحديات كبيرة وملفات ثقيلة أهمها النقص في السيولة وانهيار للدينار التونسي أمام العملات الأجنبية المرجعية، ويبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على استقلاليته المهددة بسبب توجه الدولة المفرط إلى الاقتراض الداخلي لتعبئة موارد مالية جديدة أمام استحالة تحصيلها من الخارج...

كل هذه التحديات كانت في مرمى شخصية وصفت إلى حد ما بالناجحة والعقلانية في مسكها لزمام الأمور داخل مؤسسة الإصدار الوطنية طيلة ست سنوات حتى أن هذه الشخصية الممثلة في مروان العباسي تم تصنيفها من بين اكبر الشخصيات المالية والاقتصادية الناجحة في القارة الأفريقية، بل توجت بجائزة أفضل محافظ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لسنة 2019 خلال  الجلسة السنوية للصناديق المالية الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية ...

الترفيع في نسبة الفائدة العنوان الأبرز

وبالرجوع إلى بداية تولي العباسي لمهامه على رأس البنك المركزي، فالأكيد أن ظروف تعيينه وقتها كانت مفاجئة ولم تعد لها الحكومة برنامجا مسبقا، باعتبار أن قرار التعيين جاء مباشرة بعد إعلان محافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العياري عن استقالته في 14 فيفري 2018، بعد أن أصبح تحت الضغط منذ إدراج تونس على لائحة أوروبية لتبييض الأموال.

ليتولى العباسي تعويضه بعد شهر تقريبا، ويصطدم مباشرة بواقع مالي صعب، بدءا بتراجع حاد للدينار التونسي، انضافت إليه نسبة التضخم التي فاقت7 بالمائة، علاوة عن إدراج تونس في القوائم السوداء للدول الحاضنة لتبييض الأموال، وقد تمكن العباسي وفريق العمل المرافق له من النزول بنسبة التضخم وقتها من 7.4 إلى 6.7 بالمائة، وتحقيق انتعاشة معتبرة للدينار رغم الظرف الاقتصادي الصعب، هذا إلى جانب الاستحقاق الأهم وهو شطب اسم تونس من هذه القوائم...

وكان أول ظهور إعلامي للعباسي منذ حصوله على ثقة نواب الشعب في شهر مارس 2018، وخلالها قدم العباسي أرقاما كارثية عن الوضع المالي بتونس ومؤشراتها التي وصفها بالمخيفة، مفندا للمعطيات المقدمة من قبل رئاسة الحكومة وقتها في وثيقة  “حول تطور الوضع الاقتصادي والمالي إلى موفى شهر فيفري 2018“، والتي تضمنت مؤشرات تفيد تحسن النمو الاقتصادي وانخفاض نسبة البطالة ونسبة التضخم وتطور سعر الصرف وتحسن الصادرات والاستثمارات وتطور عائدات السياحة.

ليكون آخر ظهور للعباسي في إطار ندوة صحفية منظمة كانت تقريبا منذ سنة في شهر جانفي 2023، واهم ما جاء فيها جملة من التوضيحات حول مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مع مواصلة صريحة من شخصه في الدفاع عن  قراراته للرفع  في نسبة الفائدة المديرية مبينا أنها آلية تمكن من التحكم في التضخم على المدى المتوسط والطويل.

وذكر في نفس السياق بأهمية المحافظة على استقلالية البنك المركزي، معلقا على الدعوات التي طالبت رئيس الجمهورية قيس سعيد بإصدار مرسوم للحد من استقلالية البنك، مشيرا وقتها إلى أن النواب سنة 2020 فهموا أن استقلالية البنك أمر أساسي ومكسب ثمين لابد من المحافظة عليه...

أحداث ثقيلة صاحبت ولاية العباسي

وبالوقوف عند ابرز الأحداث التي صاحبت فترة ولاية مروان العباسي على رأس مؤسسة الإصدار، فتبقى أبرزها القرارات المتتالية للترفيع في نسبة الفائدة المديرية، حيث تم ترفيعها أربع مرات في عام ونصف، لتتواصل في ما بعد الكورونا السنة الاستثنائية التي لم يتم إقرار ترفيعها، وبقيت في السنتين الأخيرين بين الترفيع الطفيف والإبقاء عليها لتحسن وضع التضخم نسبيا..

وكان البنك المركزي قد رفع في نسبة الفائدة 4 مرات في سنة واحدة فقط تحديدا خلال 2018 ليكون آخر ترفيع مطلع سنة 2019 لتصل بذلك النسبة إلى 7.75 بالمائة، ولاقت هذه العملية آنذاك انتقادا كبيرا لدى الأوساط المالية في حين اعتبرها محافظ البنك المركزي عملية استباقية للتحكم في الارتفاع المتزايد في  نسبة التضخم، ومع الخسائر التي تكبدتها أهم محركات الاقتصاد بسبب الأزمة الوبائية تعالت المطالب من قبل العديد من المختصين في الشأن المالي ومن ساسة البلاد بالتخفيض في نسبة الفائدة المديرية بـ 100 نقطة إضافية لتصبح في 5.25 بالمائة لدفع هذه المحركات على غرار التصدير والاستهلاك والاستثمار..

لكن تبقى الأحداث التي صاحبت العباسي فترة ولايته الأكثر جدلا بين التونسيين هي الحرب الضروس في مواجهته للحكومات المتعاقبة من اجل استقلالية البنك المركزي والتي انطلقت فعليا منذ سنة 2020، تزامنا مع مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2021 والحظوظ الضعيفة لتعبئة تمويلات جديدة من الخارج، ليصل الأمر إلى بسط مقترح قانون يتعلق بمراجعة القانون الأساسي المنظم للبنك المركزي والحال أن هذا القانون يعود إلى أكثر من سبع سنوات من تاريخ المصادقة عليه وعلى استقلاليته....

وتمسك العباسي بما نص عليه القانون المؤرخ في 25 أفريل 2016 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي يمنع التمويل المباشر للخزينة من قبل البنك المركزي، واشترط بالمقابل أن أي تدخل من البنك يستوجب غطاء قانونيا حفاظا على استقلاليته...

وهذه الحرب هي التي ستكون النقطة الخلافية والقرار الحاسم في مصير العباسي إما بمواصلته لتقلد منصبه آو التنحي عنه بعدم تجديد مدة الولاية للمرة الثانية، حتى وان اختلفت القراءات في الفترة الأخيرة بين الأوساط التونسية وتأكيد المقربين من العباسي أن الأخير لم يبد بعد رغبته في مواصلة تقلده لمهمة محافظ البنك المركزي..

ووسط كل التخمينات والتأويلات التي تطفو على الساحة الوطنية أياما قليلة قبل اقتراب موعد انتهاء الولاية على رأس مؤسسة الإصدار، تبقى العديد من نقاط الاستفهام مطروحة حول الشخصية التي ستعوض العباسي في منصب محافظ البنك المركزي في صورة عدم تجديد مدة ولايته للمرة الثانية ....

لكن اختيار شخصية قادرة اليوم على حل المشكلات المالية العالقة في السياسة النقدية للدولة ليس بالأمر الهين، فمجرد أن نقف عند تعثر المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي حول برنامج تمويل جديد وإيجاد تمويلات بالعملة الصعبة، ندرك جيدا حجم التحديات التي تنتظر هذه الشخصية...

كما أن العملية ستكون أكثر صعوبة، والحال آن العودة إلى نقطة الصفر في كل خطوات التفاوض ورسم خارطة جديدة للسياسة النقدية للبلاد ليس كما يتصور الكثير من التونسيين، فحتى الشخصية الأقرب لتجسيد كل الأهداف والبرامج في هذا الاتجاه كان نجاحها نسبيا، رغم المساعي الحثيثة، رغم أنها تعد من اكسر الشخصيات التي لها علاقات جيدة مع الجهات المانحة وعلى رأسها البنك الدولي، وهنا نقصد بالتأكيد مروان العباسي..

 13 محافظا على رأس البنك المركزي التونسي منذ إحداثه...

ينص الفصــل 46 على أن يُعين محافظ البنك المركزي وفقا لمقتضيات الفصل 78 من الدستور (دستور جانفي 2014) لمدّة ست سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة. وتجدر الملاحظة أن دستور 25 جويلية 2022 لم يتطرق في فصوله إلى مسالة تعيين وإعفاء وتحديد مهام محافظ البنك المركزي التونسي. ويتمّ اختياره من ضمن الشخصيات المشهود بكفاءتها في المجالات الاقتصادية والنقدية والمالية. ويمكن إعفاء المحافظ قبل نهاية المدّة المشار إليها في الفقرة الأولى من هذا الفصل وفقا لمقتضيات الفصل 78 من الدستور.

ونال شرف أول منصب محافظ للبنك المركزي التونسي الفقيد الهادي نويرة ( من 9 نوفمبر 1970 إلى 18 فيفري 1972 ) ليخلفه على الزواوي إلى حدود 7 افريل 1980 ثم محمد غنيمة الذي لم يعمر طويلا في هذا المنصب ليتركه إلى خلفه منصف بلخوجة (1980-1986) ثم محمد الصخيري (1986-1987).

ويعد كل من محمد الباجي حمدة (1990-2001) وتوفيق بكار (2004-2011) من بين أكثر المحافظين مكوثا في مناصبهم على رأس مؤسسة البنك المركزي التونسي إلى جانب الشاذلي العياري (2012-2018 ) وفق بيانات على موقع البنك المركزي التونسي.

وأثار خروج كل من مصطفى كمال النابلي (2011-2012 ) والشاذلي العياري (2012-2018) جدلا واسعا في الساحة السياسية والمالية حيث أقيل النابلي من قبل الرئيس السابق المنصف المرزوقي (2011-2014) في حين طلب رئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد تفعيل إجراءات إقالة العياري الذي بادر إلى تقديم استقالته من المنصب عشية عقد جلسة عامة كانت يوم الخميس خصصت للبت في مقترح إقالته.

مروان العباسي محافظ البنك المركزي في سطور..

مروان العباسي (64 عاما) الذي تم تعيينه في 16 فيفري 2018، كان حينها خبيرا اقتصاديا لدى البنك الدولي مُكلف بالملف الليبي. حيث صادق مجلس نواب الشعب على تعيين مروان العباسي محافظا جديدا للبنك المركزي بعد استقالة المحافظ السابق (الراحل) الشاذلي العياري إثر طلب إعفائه من طرف رئيس الحكومة يوسف الشاهد.

العباسي حاصل على الدكتوراه في علوم الاقتصاد من جامعة باريس الأولى وعلى الماجستير في الرياضيات الاقتصادية والاقتصاد المتري من جامعة باريس الثانية، والماجستير في الاقتصاد الزراعي من جامعة باريس الأولى، ومجموعة من ليسانس علوم الاقتصاد، كما عُيّن عام 2007 أستاذا بجامعة قرطاج.

واختير العباسي عام 1997 مستشارا لدى المعهد العربي لرؤساء المؤسسات (مستقل)، وخبيرا بالمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية (حكومي)، ومستشارا اقتصاديا لوزير التجارة والسياحة والحرف اليدوية لشؤون تنسيق مشاريع تنمية الصادرات التي يمولها البنك الدولي، فضلا عن كونه أستاذا زائرا بجامعة تسوكوبا في اليابان، وجامعة رينسيلار بوليتيكنيك في نيويورك.

والتحق العباسي عام 2008 بمجموعة البنك الدولي خبيرا اقتصاديا أول، ومنسقا قُطريا (إقليميا) للبرامج في ليبيا، كما عيّن عام 2010 ممثلا للبنك الدولي في ليبيا.

 

وفاء بن محمد

مع اقتراب انتهاء مدة نيابة مروان العباسي...  البنك المركزي يدخل مرحلة جديدة رافعا تحديات توفير السيولة.. والرفع من قيمة الدينار والمحافظة على الاستقلالية

 

تونس-الصباح

مع دخول شهر فيفري المقبل، تنتهي المدة النيابية الأولى لمحافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، هذه المدة المحددة بست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، على رأس مؤسسة الإصدار بموجب القانون عدد 35 لسنة 2016 المنظم للبنك المركزي، وبذلك يدخل البنك في مرحلة جديدة وسط تحديات كبيرة وملفات ثقيلة أهمها النقص في السيولة وانهيار للدينار التونسي أمام العملات الأجنبية المرجعية، ويبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على استقلاليته المهددة بسبب توجه الدولة المفرط إلى الاقتراض الداخلي لتعبئة موارد مالية جديدة أمام استحالة تحصيلها من الخارج...

كل هذه التحديات كانت في مرمى شخصية وصفت إلى حد ما بالناجحة والعقلانية في مسكها لزمام الأمور داخل مؤسسة الإصدار الوطنية طيلة ست سنوات حتى أن هذه الشخصية الممثلة في مروان العباسي تم تصنيفها من بين اكبر الشخصيات المالية والاقتصادية الناجحة في القارة الأفريقية، بل توجت بجائزة أفضل محافظ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لسنة 2019 خلال  الجلسة السنوية للصناديق المالية الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية ...

الترفيع في نسبة الفائدة العنوان الأبرز

وبالرجوع إلى بداية تولي العباسي لمهامه على رأس البنك المركزي، فالأكيد أن ظروف تعيينه وقتها كانت مفاجئة ولم تعد لها الحكومة برنامجا مسبقا، باعتبار أن قرار التعيين جاء مباشرة بعد إعلان محافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العياري عن استقالته في 14 فيفري 2018، بعد أن أصبح تحت الضغط منذ إدراج تونس على لائحة أوروبية لتبييض الأموال.

ليتولى العباسي تعويضه بعد شهر تقريبا، ويصطدم مباشرة بواقع مالي صعب، بدءا بتراجع حاد للدينار التونسي، انضافت إليه نسبة التضخم التي فاقت7 بالمائة، علاوة عن إدراج تونس في القوائم السوداء للدول الحاضنة لتبييض الأموال، وقد تمكن العباسي وفريق العمل المرافق له من النزول بنسبة التضخم وقتها من 7.4 إلى 6.7 بالمائة، وتحقيق انتعاشة معتبرة للدينار رغم الظرف الاقتصادي الصعب، هذا إلى جانب الاستحقاق الأهم وهو شطب اسم تونس من هذه القوائم...

وكان أول ظهور إعلامي للعباسي منذ حصوله على ثقة نواب الشعب في شهر مارس 2018، وخلالها قدم العباسي أرقاما كارثية عن الوضع المالي بتونس ومؤشراتها التي وصفها بالمخيفة، مفندا للمعطيات المقدمة من قبل رئاسة الحكومة وقتها في وثيقة  “حول تطور الوضع الاقتصادي والمالي إلى موفى شهر فيفري 2018“، والتي تضمنت مؤشرات تفيد تحسن النمو الاقتصادي وانخفاض نسبة البطالة ونسبة التضخم وتطور سعر الصرف وتحسن الصادرات والاستثمارات وتطور عائدات السياحة.

ليكون آخر ظهور للعباسي في إطار ندوة صحفية منظمة كانت تقريبا منذ سنة في شهر جانفي 2023، واهم ما جاء فيها جملة من التوضيحات حول مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مع مواصلة صريحة من شخصه في الدفاع عن  قراراته للرفع  في نسبة الفائدة المديرية مبينا أنها آلية تمكن من التحكم في التضخم على المدى المتوسط والطويل.

وذكر في نفس السياق بأهمية المحافظة على استقلالية البنك المركزي، معلقا على الدعوات التي طالبت رئيس الجمهورية قيس سعيد بإصدار مرسوم للحد من استقلالية البنك، مشيرا وقتها إلى أن النواب سنة 2020 فهموا أن استقلالية البنك أمر أساسي ومكسب ثمين لابد من المحافظة عليه...

أحداث ثقيلة صاحبت ولاية العباسي

وبالوقوف عند ابرز الأحداث التي صاحبت فترة ولاية مروان العباسي على رأس مؤسسة الإصدار، فتبقى أبرزها القرارات المتتالية للترفيع في نسبة الفائدة المديرية، حيث تم ترفيعها أربع مرات في عام ونصف، لتتواصل في ما بعد الكورونا السنة الاستثنائية التي لم يتم إقرار ترفيعها، وبقيت في السنتين الأخيرين بين الترفيع الطفيف والإبقاء عليها لتحسن وضع التضخم نسبيا..

وكان البنك المركزي قد رفع في نسبة الفائدة 4 مرات في سنة واحدة فقط تحديدا خلال 2018 ليكون آخر ترفيع مطلع سنة 2019 لتصل بذلك النسبة إلى 7.75 بالمائة، ولاقت هذه العملية آنذاك انتقادا كبيرا لدى الأوساط المالية في حين اعتبرها محافظ البنك المركزي عملية استباقية للتحكم في الارتفاع المتزايد في  نسبة التضخم، ومع الخسائر التي تكبدتها أهم محركات الاقتصاد بسبب الأزمة الوبائية تعالت المطالب من قبل العديد من المختصين في الشأن المالي ومن ساسة البلاد بالتخفيض في نسبة الفائدة المديرية بـ 100 نقطة إضافية لتصبح في 5.25 بالمائة لدفع هذه المحركات على غرار التصدير والاستهلاك والاستثمار..

لكن تبقى الأحداث التي صاحبت العباسي فترة ولايته الأكثر جدلا بين التونسيين هي الحرب الضروس في مواجهته للحكومات المتعاقبة من اجل استقلالية البنك المركزي والتي انطلقت فعليا منذ سنة 2020، تزامنا مع مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2021 والحظوظ الضعيفة لتعبئة تمويلات جديدة من الخارج، ليصل الأمر إلى بسط مقترح قانون يتعلق بمراجعة القانون الأساسي المنظم للبنك المركزي والحال أن هذا القانون يعود إلى أكثر من سبع سنوات من تاريخ المصادقة عليه وعلى استقلاليته....

وتمسك العباسي بما نص عليه القانون المؤرخ في 25 أفريل 2016 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي يمنع التمويل المباشر للخزينة من قبل البنك المركزي، واشترط بالمقابل أن أي تدخل من البنك يستوجب غطاء قانونيا حفاظا على استقلاليته...

وهذه الحرب هي التي ستكون النقطة الخلافية والقرار الحاسم في مصير العباسي إما بمواصلته لتقلد منصبه آو التنحي عنه بعدم تجديد مدة الولاية للمرة الثانية، حتى وان اختلفت القراءات في الفترة الأخيرة بين الأوساط التونسية وتأكيد المقربين من العباسي أن الأخير لم يبد بعد رغبته في مواصلة تقلده لمهمة محافظ البنك المركزي..

ووسط كل التخمينات والتأويلات التي تطفو على الساحة الوطنية أياما قليلة قبل اقتراب موعد انتهاء الولاية على رأس مؤسسة الإصدار، تبقى العديد من نقاط الاستفهام مطروحة حول الشخصية التي ستعوض العباسي في منصب محافظ البنك المركزي في صورة عدم تجديد مدة ولايته للمرة الثانية ....

لكن اختيار شخصية قادرة اليوم على حل المشكلات المالية العالقة في السياسة النقدية للدولة ليس بالأمر الهين، فمجرد أن نقف عند تعثر المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي حول برنامج تمويل جديد وإيجاد تمويلات بالعملة الصعبة، ندرك جيدا حجم التحديات التي تنتظر هذه الشخصية...

كما أن العملية ستكون أكثر صعوبة، والحال آن العودة إلى نقطة الصفر في كل خطوات التفاوض ورسم خارطة جديدة للسياسة النقدية للبلاد ليس كما يتصور الكثير من التونسيين، فحتى الشخصية الأقرب لتجسيد كل الأهداف والبرامج في هذا الاتجاه كان نجاحها نسبيا، رغم المساعي الحثيثة، رغم أنها تعد من اكسر الشخصيات التي لها علاقات جيدة مع الجهات المانحة وعلى رأسها البنك الدولي، وهنا نقصد بالتأكيد مروان العباسي..

 13 محافظا على رأس البنك المركزي التونسي منذ إحداثه...

ينص الفصــل 46 على أن يُعين محافظ البنك المركزي وفقا لمقتضيات الفصل 78 من الدستور (دستور جانفي 2014) لمدّة ست سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة. وتجدر الملاحظة أن دستور 25 جويلية 2022 لم يتطرق في فصوله إلى مسالة تعيين وإعفاء وتحديد مهام محافظ البنك المركزي التونسي. ويتمّ اختياره من ضمن الشخصيات المشهود بكفاءتها في المجالات الاقتصادية والنقدية والمالية. ويمكن إعفاء المحافظ قبل نهاية المدّة المشار إليها في الفقرة الأولى من هذا الفصل وفقا لمقتضيات الفصل 78 من الدستور.

ونال شرف أول منصب محافظ للبنك المركزي التونسي الفقيد الهادي نويرة ( من 9 نوفمبر 1970 إلى 18 فيفري 1972 ) ليخلفه على الزواوي إلى حدود 7 افريل 1980 ثم محمد غنيمة الذي لم يعمر طويلا في هذا المنصب ليتركه إلى خلفه منصف بلخوجة (1980-1986) ثم محمد الصخيري (1986-1987).

ويعد كل من محمد الباجي حمدة (1990-2001) وتوفيق بكار (2004-2011) من بين أكثر المحافظين مكوثا في مناصبهم على رأس مؤسسة البنك المركزي التونسي إلى جانب الشاذلي العياري (2012-2018 ) وفق بيانات على موقع البنك المركزي التونسي.

وأثار خروج كل من مصطفى كمال النابلي (2011-2012 ) والشاذلي العياري (2012-2018) جدلا واسعا في الساحة السياسية والمالية حيث أقيل النابلي من قبل الرئيس السابق المنصف المرزوقي (2011-2014) في حين طلب رئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد تفعيل إجراءات إقالة العياري الذي بادر إلى تقديم استقالته من المنصب عشية عقد جلسة عامة كانت يوم الخميس خصصت للبت في مقترح إقالته.

مروان العباسي محافظ البنك المركزي في سطور..

مروان العباسي (64 عاما) الذي تم تعيينه في 16 فيفري 2018، كان حينها خبيرا اقتصاديا لدى البنك الدولي مُكلف بالملف الليبي. حيث صادق مجلس نواب الشعب على تعيين مروان العباسي محافظا جديدا للبنك المركزي بعد استقالة المحافظ السابق (الراحل) الشاذلي العياري إثر طلب إعفائه من طرف رئيس الحكومة يوسف الشاهد.

العباسي حاصل على الدكتوراه في علوم الاقتصاد من جامعة باريس الأولى وعلى الماجستير في الرياضيات الاقتصادية والاقتصاد المتري من جامعة باريس الثانية، والماجستير في الاقتصاد الزراعي من جامعة باريس الأولى، ومجموعة من ليسانس علوم الاقتصاد، كما عُيّن عام 2007 أستاذا بجامعة قرطاج.

واختير العباسي عام 1997 مستشارا لدى المعهد العربي لرؤساء المؤسسات (مستقل)، وخبيرا بالمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية (حكومي)، ومستشارا اقتصاديا لوزير التجارة والسياحة والحرف اليدوية لشؤون تنسيق مشاريع تنمية الصادرات التي يمولها البنك الدولي، فضلا عن كونه أستاذا زائرا بجامعة تسوكوبا في اليابان، وجامعة رينسيلار بوليتيكنيك في نيويورك.

والتحق العباسي عام 2008 بمجموعة البنك الدولي خبيرا اقتصاديا أول، ومنسقا قُطريا (إقليميا) للبرامج في ليبيا، كما عيّن عام 2010 ممثلا للبنك الدولي في ليبيا.

 

وفاء بن محمد