خلال اللقاء يوم الجمعة المنقضي برئيس الحكومة أحمد الحشاني، للاطلاع على، نتائج المشاركة التونسية في منتدى دافوس الأخير، كان ملف الأموال المنهوبة حاضرا مرة أخرى بالموقف ذاته الذي دأب رئيس الجمهورية قيس سعيد عن التعبير عنه في كل مرة يطرح فيها هذا الملف المتعثر إلى حد الآن .
وقال رئيس الجمهورية بمناسبة اطلاعه على نتائج الاجتماعات التي عقدها رئيس الحكومة مع بعض المسؤولين الدوليين لاسترجاع الأموال المنهوبة، "هي أموال من حق الشعب التونسي.. وكثيرة هي العواصم التي تعلم أن هذه الأموال نُهبت ومع ذلك لم تتحرك في الوقت المناسب حتى تضع حدا للسطو الممنهج على مقدرات الشعب التونسي. كما أن التعلل بالإجراءات وبتشعبها بل وبتمطيطها لا يجب أن يثنينا على المطالبة بها. فالإجراءات وضعت لضمان الحقوق لا للدوس عليها.”
ويصر الرئيس في كل مرة على انتقاد طريقة تعامل بعض البلدان مع ملف الأموال المنهوبة قائلا في مناسبات عديدة أنه "لو استرجع الشعب التونسي هذه الأموال من حسابات بنكية وعقارات ومنقولات، وهى من حقه وتعد بآلاف المليارات، لما عاش في هذه الأزمة المالية".
مخرج للأزمة.. ولكن
كلام رئيس الجمهورية يبدو وجيها إلى حد كبير على اعتبار أن قيمة الأموال المنهوبة في تونس والتي قدرتها بعض الجهات غير الرسمية بحوالي 23 مليار دولار، قادرة على إخراج تونس من الوضع المالي المعقد الراهن والذي يزداد ضيقا بسبب تواصل تعثر إمكانية حصول تونس على القروض والتمويلات الخارجية.
لكن في المقابل يصر البعض على أن إصرار الرئيس على هذا الموقف يبدو غير ذي جدوى على اعتبار أن جل المختصين والمتابعين للملف يقرون بصعوبة استرجاع تونس لهذه الأموال لعدة أسباب منها تراخي الدولة في البداية في التعاطي بجدية وحرفية مع هذا الملف وتفويت الفرص والآجال القانونية لتحقيق بعض النتائج فيه إضافة إلى صعوبة مثل هذه القضايا الشائكة دوليا والتجارب المقارنة تؤكد ذلك.
رغم ذلك يواصل الرئيس اعتبار هذا الملف من الأولويات حتى بعد أن كانت نتائج اللجنة الخاصة التي شكلها في أكتوبر 2020 لاسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج، دون أثر يذكر إلى حد اللحظة.
جهود الخارجية
من جهة أخرى تواصل الدبلوماسية التونسية العمل على هذا الملف من خلال التأكيد في الحركة الدبلوماسية الأخيرة على ضرورة إيلاء ممثلي تونس في الخارج ملف استرجاع الأموال المنهوبة الأهمية القصوى.
وخلال مناقشة مشروع الميزانية مؤخرا قال وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار خلال رده على ملاحظات أعضاء مجلس نواب الشعب إن اللجنة المكلفة بملف استرجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج "تعمل على وضع خطة عمل ومقاربة جديدة فعالة تأخذ بعين الاعتبار النقائص التي حالت دون استرجاع الأموال المنهوبة".
مضيفا أن هذه الخطة "تستند إلى تقييم الإجراءات التي تم اتخاذها ومتابعة الأحكام القضائية والجوانب القانونية والمالية وتقصي المعلومات لدى الجهات الأجنبية فضلا عن الدعم الدبلوماسي لهذه الجهود".
وأكد الوزير أن "اللجنة التي يترأسها وزير الشؤون الخارجية وتضم وزراء الداخلية والعدل والشؤون العقارية ومحافظ البنك المركزي والمكلف العام بنزاعات الدولة، تواصل اجتماعاتها التنسيقية وأنها ستتولى قريبا رفع أول تقرير لأشغالها لرئيس الجمهورية".
كان أيضا ملف الأموال المنهوبة حاضرا في إطار زيارة العمل التي أداها مؤخرا وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج إلى سويسرا وفي محادثة مع اليزابات بوم شنايدر، المستشارة الفيدرالية للعدل والشرطة. أكد الوزير "حرص السلطات التونسية على أعلى مستوى، على مواصلة التعاون مع السلطات السويسرية المختصة من أجل استرداد الأموال المنهوبة بسويسرا لفائدة الشعب التونسي، حتى يتسنى له تعزيز موارده الذاتية في مواجهة التحديات الراهنة".
وفق بلاغ الوزارة "اتفق الطرفان على مزيد تعزيز التعاون الثنائي في المجال القضائي، من أجل تسريع الإجراءات الكفيلة بإحراز تقدم في هذا الملف".
صعوبات وعراقيل
وفي تقدير الكثير من المتابعين فإن تحقيق تقدم في ملف الأموال المنهوبة يكاد يكود شبه مستحيل على اعتبار أن المتورطين في مثل هذه الجرائم أسسوا شركات واجهة واعتمدوا عمليات مالية معقدة يصعب عبرها تتبع هذه الأموال ورصدها.
وفي تصريح سابق له أكد الخبير الاقتصادي رضا شنكدالي، أن "معالجة قضايا هذه الأموال كان ينبغي أن تتم في السنوات الأولى التي أعقبت الثورة، والمسألة أصبحت اليوم جد معقدة".
ويضيف أنه "بعد كل هذه السنوات أصبح استرداد هذه الأموال "أكثر صعوبة"، في ظل نهاية الفترة التي أقرتها بعض الدول لإصدار قرارات قضائية برفع التجميد عن الأرصدة البنكية التي أعلنت عن حجزها بعد الثورة".
وكانت منظمة "أنا يقظ" في بيان سابق لها، قد أكدت أن "الدولة التونسية تتحمل مسئولية الفشل الذريع في استرجاع الأموال المجمدة في الخارج نظرا لغياب سياسة واضحة في التعامل مع الملف على المستوى الدبلوماسي".
تجدر الإشارة إلى أن الأموال المسترجعة إلى حد الآن اقتصرت على مبلغ 28 مليون دولار وهو رصيد، ليلى الطرابلسي، أرملة بن علي، في بنوك لبنانية أعادتها لبنان إلى تونس في 2013.
واستردت الدولة التونسية من سويسرا 4 ملايين دولار، فقط .
وكان البنك المركزي التونسي قد حدد خلال سنة 2015 قائمة الدول التي توجد بها بعض الممتلكات والأموال المنهوبة، وتشمل سويسرا وفرنسا وكندا وبلجيكا، بالإضافة إلى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ولبنان ولوكسمبورغ.
م.ي
تونس-الصباح
خلال اللقاء يوم الجمعة المنقضي برئيس الحكومة أحمد الحشاني، للاطلاع على، نتائج المشاركة التونسية في منتدى دافوس الأخير، كان ملف الأموال المنهوبة حاضرا مرة أخرى بالموقف ذاته الذي دأب رئيس الجمهورية قيس سعيد عن التعبير عنه في كل مرة يطرح فيها هذا الملف المتعثر إلى حد الآن .
وقال رئيس الجمهورية بمناسبة اطلاعه على نتائج الاجتماعات التي عقدها رئيس الحكومة مع بعض المسؤولين الدوليين لاسترجاع الأموال المنهوبة، "هي أموال من حق الشعب التونسي.. وكثيرة هي العواصم التي تعلم أن هذه الأموال نُهبت ومع ذلك لم تتحرك في الوقت المناسب حتى تضع حدا للسطو الممنهج على مقدرات الشعب التونسي. كما أن التعلل بالإجراءات وبتشعبها بل وبتمطيطها لا يجب أن يثنينا على المطالبة بها. فالإجراءات وضعت لضمان الحقوق لا للدوس عليها.”
ويصر الرئيس في كل مرة على انتقاد طريقة تعامل بعض البلدان مع ملف الأموال المنهوبة قائلا في مناسبات عديدة أنه "لو استرجع الشعب التونسي هذه الأموال من حسابات بنكية وعقارات ومنقولات، وهى من حقه وتعد بآلاف المليارات، لما عاش في هذه الأزمة المالية".
مخرج للأزمة.. ولكن
كلام رئيس الجمهورية يبدو وجيها إلى حد كبير على اعتبار أن قيمة الأموال المنهوبة في تونس والتي قدرتها بعض الجهات غير الرسمية بحوالي 23 مليار دولار، قادرة على إخراج تونس من الوضع المالي المعقد الراهن والذي يزداد ضيقا بسبب تواصل تعثر إمكانية حصول تونس على القروض والتمويلات الخارجية.
لكن في المقابل يصر البعض على أن إصرار الرئيس على هذا الموقف يبدو غير ذي جدوى على اعتبار أن جل المختصين والمتابعين للملف يقرون بصعوبة استرجاع تونس لهذه الأموال لعدة أسباب منها تراخي الدولة في البداية في التعاطي بجدية وحرفية مع هذا الملف وتفويت الفرص والآجال القانونية لتحقيق بعض النتائج فيه إضافة إلى صعوبة مثل هذه القضايا الشائكة دوليا والتجارب المقارنة تؤكد ذلك.
رغم ذلك يواصل الرئيس اعتبار هذا الملف من الأولويات حتى بعد أن كانت نتائج اللجنة الخاصة التي شكلها في أكتوبر 2020 لاسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج، دون أثر يذكر إلى حد اللحظة.
جهود الخارجية
من جهة أخرى تواصل الدبلوماسية التونسية العمل على هذا الملف من خلال التأكيد في الحركة الدبلوماسية الأخيرة على ضرورة إيلاء ممثلي تونس في الخارج ملف استرجاع الأموال المنهوبة الأهمية القصوى.
وخلال مناقشة مشروع الميزانية مؤخرا قال وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار خلال رده على ملاحظات أعضاء مجلس نواب الشعب إن اللجنة المكلفة بملف استرجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج "تعمل على وضع خطة عمل ومقاربة جديدة فعالة تأخذ بعين الاعتبار النقائص التي حالت دون استرجاع الأموال المنهوبة".
مضيفا أن هذه الخطة "تستند إلى تقييم الإجراءات التي تم اتخاذها ومتابعة الأحكام القضائية والجوانب القانونية والمالية وتقصي المعلومات لدى الجهات الأجنبية فضلا عن الدعم الدبلوماسي لهذه الجهود".
وأكد الوزير أن "اللجنة التي يترأسها وزير الشؤون الخارجية وتضم وزراء الداخلية والعدل والشؤون العقارية ومحافظ البنك المركزي والمكلف العام بنزاعات الدولة، تواصل اجتماعاتها التنسيقية وأنها ستتولى قريبا رفع أول تقرير لأشغالها لرئيس الجمهورية".
كان أيضا ملف الأموال المنهوبة حاضرا في إطار زيارة العمل التي أداها مؤخرا وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج إلى سويسرا وفي محادثة مع اليزابات بوم شنايدر، المستشارة الفيدرالية للعدل والشرطة. أكد الوزير "حرص السلطات التونسية على أعلى مستوى، على مواصلة التعاون مع السلطات السويسرية المختصة من أجل استرداد الأموال المنهوبة بسويسرا لفائدة الشعب التونسي، حتى يتسنى له تعزيز موارده الذاتية في مواجهة التحديات الراهنة".
وفق بلاغ الوزارة "اتفق الطرفان على مزيد تعزيز التعاون الثنائي في المجال القضائي، من أجل تسريع الإجراءات الكفيلة بإحراز تقدم في هذا الملف".
صعوبات وعراقيل
وفي تقدير الكثير من المتابعين فإن تحقيق تقدم في ملف الأموال المنهوبة يكاد يكود شبه مستحيل على اعتبار أن المتورطين في مثل هذه الجرائم أسسوا شركات واجهة واعتمدوا عمليات مالية معقدة يصعب عبرها تتبع هذه الأموال ورصدها.
وفي تصريح سابق له أكد الخبير الاقتصادي رضا شنكدالي، أن "معالجة قضايا هذه الأموال كان ينبغي أن تتم في السنوات الأولى التي أعقبت الثورة، والمسألة أصبحت اليوم جد معقدة".
ويضيف أنه "بعد كل هذه السنوات أصبح استرداد هذه الأموال "أكثر صعوبة"، في ظل نهاية الفترة التي أقرتها بعض الدول لإصدار قرارات قضائية برفع التجميد عن الأرصدة البنكية التي أعلنت عن حجزها بعد الثورة".
وكانت منظمة "أنا يقظ" في بيان سابق لها، قد أكدت أن "الدولة التونسية تتحمل مسئولية الفشل الذريع في استرجاع الأموال المجمدة في الخارج نظرا لغياب سياسة واضحة في التعامل مع الملف على المستوى الدبلوماسي".
تجدر الإشارة إلى أن الأموال المسترجعة إلى حد الآن اقتصرت على مبلغ 28 مليون دولار وهو رصيد، ليلى الطرابلسي، أرملة بن علي، في بنوك لبنانية أعادتها لبنان إلى تونس في 2013.
واستردت الدولة التونسية من سويسرا 4 ملايين دولار، فقط .
وكان البنك المركزي التونسي قد حدد خلال سنة 2015 قائمة الدول التي توجد بها بعض الممتلكات والأموال المنهوبة، وتشمل سويسرا وفرنسا وكندا وبلجيكا، بالإضافة إلى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ولبنان ولوكسمبورغ.