وقع التّواطؤ بين جهات في الدّاخل والخارج لتمرير الحكم إلى من جاؤوا من منفاهم ليتسلّموا السّلطة وسيّروها دون كفاءة
في ذكرى 14 جانفي 2011 يكثر الجدل حول الاحتفال بهذه المناسبة من عدمه. فهناك من يعتبر 14 جانفي 2011 تاريخا مفصليّا في حياة التونسيّات والتونسيّين بسبب تغيّر رأس السّلطة وفراره بجلده من البلاد. وهناك من يعتبر أنّ المنعرج الحقيقي الذي عاشته بلادنا وغيّر الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة هو يوم 17 ديسمبر 2010 تاريخ اندلاع الشّرارة الأولى للمدّ الثّوري.
إنّنا نعتبر أنّ تاريخ 17 ديسمبر 2010 لم يكن اللّبنة الأولى للنّهج الثّوري الذي طالب به عموم التّونسيّين من هياكل نقابيّة ومهمّشين ومفقّرين ومعطّلين عن العمل وطلبة وحقوقيّين وقوى تقدّميّة وغيرهم من الوطنيّين الصّادقين.
لقد أقدم محمد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر 2010 على حرق نفسه تعبيرا عمّا شعر به من جور وضيق. وجاء هذا الحدث الجلل بعد تراكمات وإرهاصات كانت بوصلتها الحقيقيّة الثورة على نظام بن علي ونظام بورقيبة. وبدأ هذا المخاض منذ عقود خلت بدءا بنضالات الحركة الطّلابيّة في أواخر الستّينات (حركة آفاق) وحركة فيفري 1972 إذ تناول الطلبة مسائل أساسية عميقة أهمهما الاستقلالية النقابية والمحاكمات وحرية الرأي والتعبير والتنظيم مرورا بأحداث 26 جانفي 1978 و3 جانفي 1984 (ثورة الخبزة) وصولا إلى أحداث الحوض المنجمي في 2008.
وكان يوم 14 جانفي 2011 يوما مشهودا عاشته تونس لاسيّما بشارع الحبيب بورقيبة وبالتّحديد في محيط وزارة الدّاخليّة وما أدراك ما وزارة الدّاخليّة. فمن كان يتجرّأ على أن يتكلّم أو ينبس ببنت شفة أو حتّى يفكّر في المرور أمام هذه الوزارة ولو على بعد أمتار فهي الإرهاب عينه وهي لا تمثّل في مخيال المواطن التونسي إلاّ القمع والتّسلّط والتّجبّر. في يوم 14 جانفي 2011 تحرّرت الجماهير من ذلك الكابوس وانطلقت تصيح وتلجّ في الصّياح إلى عنان السّماء "ارحل" «DEGAGE» أمام أعوان البوليس وإطارات أمنيّة رمز السّلطة. وهيّأت مدينة صفاقس لذلك يوم 12 جانفي 2011 بمسيرة عُدّت بعشرات الآلاف كانت قد انطلقت من أمام مقرّ الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس. ورُفعت شعارات لم تبق ولم تذر تندّد ببن علي وبالعائلة الحاكمة آنذاك: "خبز وماء بن علي لا"، "2011 2011، بن علي ما يلزمناش"، "أرض حرّية كرامة وطنيّة"، "التّشغيل استحقاق يا عصابة السّراق".
وقبل أن تغيب شمس يوم 14 جانفي 2011 سرعان ما وقع الالتفاف على الثورة وشعاراتها وتمّت خيانة دماء الشّهداء والتّعدّي على آمال من قدّموا صدورهم عارية في سبيل تحقيق أحلام الجماهير المسحوقة والمغلوبة على أمرها في كلّ شؤون الحياة دون استثناء. إنّ ما وقع مساء 14 جانفي 2011 لم يجهض الثّورة فحسب بل خانها ووطئ على جثث ضحاياها ودمائهم الزكيّة وذلك بتعيين العديد من رموز النّظام السّابق ومن كانوا على رأس وزارات السيادة في حكومات بن علي وحتى بورقيبة. والأنكى أن وقع تعيين أحد أعمدة النّظام البائد، فؤاد المبزّع، على رأس السّلطة. لقد طُعن التونسيون والتونسيات مساء 14 جانفي 2011 في ظهورهم بسكاكين حادّة.
ثم انهالت عليهم السكاكين بعد هذا التّاريخ لمدّة عشريّة كاملة لتذبحهم من الوريد إلى الوريد. وأمعن الحكام في التّنكيل بالشعب التونسي بشتّى أنواع التّعذيب والتّجويع والحرمان من حقه في العمل والعيش الكريم.
لقد وقع التّواطؤ بين مختلف الجهات السياسيّة سواء في الدّاخل أو في الخارج لتمرير الحكم إلى من جاؤوا من منفاهم حيث تسلّموا السّلطة وسيّروها دون كفاءة. وكان هدفهم بسط الفكر الإخواني لا غير. ولعلّ في استدعائهم لرموز الفكر الرّجعي دليل ناصع على ذلك.
لقد كانت الثورة وثبة شباب يحدوهم الأمل بغد أفضل. كانوا في ربيع العمر. واجهوا الرّصاص. لم يكن لهم من سلاح غير ما احتسبوه. كانت ثورة يافعين كاد اليأس أن يدبّ فيهم. ولكن افتكّها منهم الشيوخ والغرباء عن ساحات النّضال وميادين الصّدام زمن الجمر والعذابات. كانت ثورة انطلقت من أوساط شعبيّة مختلفة أضناها الفقر والحرمان فافتكّها منهم سراة القوم ومن يعتبرون أنفسهم من وجهائه فنصّبوا أنفسهم أوصياء عليه. ووصل "خاصّة الخاصّة" إلى الحكم بالوراثة أو بما كانت له من قرابة بأصحاب السّلطة القديمة أو حتّى بعائلة البايات المالكة.
وعلى العموم، فإن كانت ركائز النّظام الذي ثار الشّعب التونسي ضدّه قد وقعت رسكلته من جديد ليلتفّ على الثّورة وشعاراتها، فإنّ جزءا منّا يتحمل مسؤوليّة الرّضى عما تعرّضت له أحلام الشعب التونسي وطموحاته من خذلان إذ وقفنا باهتين عاجزين أمام خيانة الشهداء والاستخفاف بدمائهم التي سقت أرض البلاد وربوعها.
مصدّق الشّريف
وقع التّواطؤ بين جهات في الدّاخل والخارج لتمرير الحكم إلى من جاؤوا من منفاهم ليتسلّموا السّلطة وسيّروها دون كفاءة
في ذكرى 14 جانفي 2011 يكثر الجدل حول الاحتفال بهذه المناسبة من عدمه. فهناك من يعتبر 14 جانفي 2011 تاريخا مفصليّا في حياة التونسيّات والتونسيّين بسبب تغيّر رأس السّلطة وفراره بجلده من البلاد. وهناك من يعتبر أنّ المنعرج الحقيقي الذي عاشته بلادنا وغيّر الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة هو يوم 17 ديسمبر 2010 تاريخ اندلاع الشّرارة الأولى للمدّ الثّوري.
إنّنا نعتبر أنّ تاريخ 17 ديسمبر 2010 لم يكن اللّبنة الأولى للنّهج الثّوري الذي طالب به عموم التّونسيّين من هياكل نقابيّة ومهمّشين ومفقّرين ومعطّلين عن العمل وطلبة وحقوقيّين وقوى تقدّميّة وغيرهم من الوطنيّين الصّادقين.
لقد أقدم محمد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر 2010 على حرق نفسه تعبيرا عمّا شعر به من جور وضيق. وجاء هذا الحدث الجلل بعد تراكمات وإرهاصات كانت بوصلتها الحقيقيّة الثورة على نظام بن علي ونظام بورقيبة. وبدأ هذا المخاض منذ عقود خلت بدءا بنضالات الحركة الطّلابيّة في أواخر الستّينات (حركة آفاق) وحركة فيفري 1972 إذ تناول الطلبة مسائل أساسية عميقة أهمهما الاستقلالية النقابية والمحاكمات وحرية الرأي والتعبير والتنظيم مرورا بأحداث 26 جانفي 1978 و3 جانفي 1984 (ثورة الخبزة) وصولا إلى أحداث الحوض المنجمي في 2008.
وكان يوم 14 جانفي 2011 يوما مشهودا عاشته تونس لاسيّما بشارع الحبيب بورقيبة وبالتّحديد في محيط وزارة الدّاخليّة وما أدراك ما وزارة الدّاخليّة. فمن كان يتجرّأ على أن يتكلّم أو ينبس ببنت شفة أو حتّى يفكّر في المرور أمام هذه الوزارة ولو على بعد أمتار فهي الإرهاب عينه وهي لا تمثّل في مخيال المواطن التونسي إلاّ القمع والتّسلّط والتّجبّر. في يوم 14 جانفي 2011 تحرّرت الجماهير من ذلك الكابوس وانطلقت تصيح وتلجّ في الصّياح إلى عنان السّماء "ارحل" «DEGAGE» أمام أعوان البوليس وإطارات أمنيّة رمز السّلطة. وهيّأت مدينة صفاقس لذلك يوم 12 جانفي 2011 بمسيرة عُدّت بعشرات الآلاف كانت قد انطلقت من أمام مقرّ الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس. ورُفعت شعارات لم تبق ولم تذر تندّد ببن علي وبالعائلة الحاكمة آنذاك: "خبز وماء بن علي لا"، "2011 2011، بن علي ما يلزمناش"، "أرض حرّية كرامة وطنيّة"، "التّشغيل استحقاق يا عصابة السّراق".
وقبل أن تغيب شمس يوم 14 جانفي 2011 سرعان ما وقع الالتفاف على الثورة وشعاراتها وتمّت خيانة دماء الشّهداء والتّعدّي على آمال من قدّموا صدورهم عارية في سبيل تحقيق أحلام الجماهير المسحوقة والمغلوبة على أمرها في كلّ شؤون الحياة دون استثناء. إنّ ما وقع مساء 14 جانفي 2011 لم يجهض الثّورة فحسب بل خانها ووطئ على جثث ضحاياها ودمائهم الزكيّة وذلك بتعيين العديد من رموز النّظام السّابق ومن كانوا على رأس وزارات السيادة في حكومات بن علي وحتى بورقيبة. والأنكى أن وقع تعيين أحد أعمدة النّظام البائد، فؤاد المبزّع، على رأس السّلطة. لقد طُعن التونسيون والتونسيات مساء 14 جانفي 2011 في ظهورهم بسكاكين حادّة.
ثم انهالت عليهم السكاكين بعد هذا التّاريخ لمدّة عشريّة كاملة لتذبحهم من الوريد إلى الوريد. وأمعن الحكام في التّنكيل بالشعب التونسي بشتّى أنواع التّعذيب والتّجويع والحرمان من حقه في العمل والعيش الكريم.
لقد وقع التّواطؤ بين مختلف الجهات السياسيّة سواء في الدّاخل أو في الخارج لتمرير الحكم إلى من جاؤوا من منفاهم حيث تسلّموا السّلطة وسيّروها دون كفاءة. وكان هدفهم بسط الفكر الإخواني لا غير. ولعلّ في استدعائهم لرموز الفكر الرّجعي دليل ناصع على ذلك.
لقد كانت الثورة وثبة شباب يحدوهم الأمل بغد أفضل. كانوا في ربيع العمر. واجهوا الرّصاص. لم يكن لهم من سلاح غير ما احتسبوه. كانت ثورة يافعين كاد اليأس أن يدبّ فيهم. ولكن افتكّها منهم الشيوخ والغرباء عن ساحات النّضال وميادين الصّدام زمن الجمر والعذابات. كانت ثورة انطلقت من أوساط شعبيّة مختلفة أضناها الفقر والحرمان فافتكّها منهم سراة القوم ومن يعتبرون أنفسهم من وجهائه فنصّبوا أنفسهم أوصياء عليه. ووصل "خاصّة الخاصّة" إلى الحكم بالوراثة أو بما كانت له من قرابة بأصحاب السّلطة القديمة أو حتّى بعائلة البايات المالكة.
وعلى العموم، فإن كانت ركائز النّظام الذي ثار الشّعب التونسي ضدّه قد وقعت رسكلته من جديد ليلتفّ على الثّورة وشعاراتها، فإنّ جزءا منّا يتحمل مسؤوليّة الرّضى عما تعرّضت له أحلام الشعب التونسي وطموحاته من خذلان إذ وقفنا باهتين عاجزين أمام خيانة الشهداء والاستخفاف بدمائهم التي سقت أرض البلاد وربوعها.