إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

إصلاح التعليم.. هل تغيّر مخرجات الاستشارة المنهج التربوي "المختلّ"؟

 

تونس – الصباح

في انتظار عرض مخرجات الاستشارة الوطنية لإصلاح التعليم على رئيس الجمهورية قيس سعيد في أقرب الآجال حسب ما جاء على لسان وزير التربية محمد علي البوغديري مؤخرا خلال إشرافه على موكب تدشين المدرسة الابتدائية الشهيد عمر العمري بسيدي حسين بالعاصمة، يتواصل الجدل حول كيفية تنزيل هذه المخرجات على أرض الواقع، في الوقت الذي اعتادت فيه العائلة التونسية على نهج معين في تعليم أبنائها خلال السنوات الأخيرة. نهج ترسخت فيه مجموعة من القواعد "المسقطة" على منظومتنا التربوية اختزلت أغلبها في أنه كلما سخرت العائلة التونسية إمكانيات مادية هامة تكون نتيجة الابن أفضل.

وتعتبر الرتب والمعدلات أي "منظومة الأرقام" العنوان الأبرز لمنظومتنا التعليمية ما يدفع للتساؤل هل ستفرض مخرجات الاستشارة "توحيد التعليم" في العمومي والخاص، وكيف ستكتسب الأسرة وهي شريك أساسي إلى جانب المدرسة في المسار العلمي للأبناء، هذه المخرجات؟

من جانبه بين وزير التربية محمد علي البوغديري بأن الاستشارة الوطنية حول إصلاح نظام التربية والتعليم ستأخذ الوقت اللازم دون ارتخاء، ودون تسرع لأن أي خطوة في غير محلها قد تدفع الأجيال القادمة ضريبتها لأن نتائج هذا الإصلاح التربوي ستكون على امتداد 20 سنة.

وكان قد تم تشكيل لجان لتشخيص مخرجات الاستشارة الوطنية لإصلاح نظام التربية والتعليم التي سجلت مشاركة 580 ألف شخص من جميع شرائح المجتمع.

كما أشار البوغديري خلال إشرافه، إلى أن إصلاح النظام التربوي سيكون شاملا وعاما باعتبار أنه لا يقتصر على مستوى دراسي معين بل يشمل ولأول مرة كافة مراحل التعليم، مؤكدا الحرص على أن تنطلق عملية الإصلاح في أقرب الآجال خاصة وأنها تستوجب بعض الوقت.

أعباء ماليّة مشطّة

قاسم سليم رئيس "جمعية جودة التعليم" اعتبر أن تمسّك الأسرة التّونسيّة بالتّعليم وإيمانها به وتضحيتها في سبيله خاصيّة ميّزت هذه الأسرة عبر تاريخها الطّويل منذ جمهوريّة قرطاج العظيمة، لذلك فليس من الغريب في شيء أن نجدها اليوم حاضرة بقوّة كلّما تعلّق الأمر بتمدرس أبنائها وبناء الكفاءات التي من شأنها أن تساعدهم على النّجاح الفرديّ والمهنيّ والاجتماعيّ في مستقبل حياتهم، وإذا صار الوليّ التّونسيّ خلال العقدين الفارطين يلهث بشكل واضح وراء الأعداد والدّروس الخصوصيّة وتسجيل منظوريه في مؤسّسات تربويّة وأقسام بعينها، فإنّ الأمر لا يتعلّق بكلّ تأكيد بعقليّة سقيمة لدى هذا الوليّ ولا باجتهادات في غير محلّها من طرفه.

وقال رئيس جمعية جودة التعليم لـ "الصباح" إن الوليّ لم يفعل شيئا على امتداد السّنوات الفارطة سوى محاولة التّأقلم مع واقع مختلّ فرضته عليه منظومة تربويّة لم تكن تعيش أفضل فتراتها، وهو بالمناسبة تأقلم يكلّف هذا الوليّ تضحيات جسام، سواء تعلّق الأمر بالأعباء الماليّة المشطّة التي يتكبّدها، أو بما يخصّصه من وقت وجهد لسدّ الثّغرات المتزايدة التي باتت تخلّفها تلك المنظومة في تكوين أبنائه، لذلك فإنّ التوجّه باللّوم إلى الأسرة التّونسيّة لسيرها في طريق فُرض عليها فرضا، يتطلّب منها ما يتطلّبه من مجهودات وتضحيات، هو بلا شكّ قصورٌ عن فهم الواقع أو رفضٌ لتسمية الأشياء بأسمائها، وهو في كلّ الحالات قمّة الإجحاف في حقّ هذه الأسرة: فهل يمكن أن نلوم الوليّ التّونسيّ على لهاثه وراء الأعداد، في منظومة تربويّة جعلت من عدد الامتحان المعيار الوحيد المحدّد لنجاح ابنه وتوجيهه الثّانويّ والجامعيّ، وبالتّالي لمستقبله؟ وهل يمكن أن نلوم هذا الوليّ على سعيه المحموم وراء الدّروس الخصوصيّة في منظومة تربويّة تُثقِل البرامج بالمحتويات وتكاد تحصر تقييم التّلميذ على مدى قدرته على اختزان المعلومات واسترجاعها، مع اختزالٍ لعدد أيّام الدّراسة الفعليّة إلى ما دون المعدّلات العالميّة، وتفتيت للسّنة الدّراسيّة على نحو عجيب؟ ألا نكون بذلك بصدد دفع الوليّ والتّلميذ دفعا نحو الدّروس الخصوصيّة لحلّ هذه المعادلة شبه المستحيلة؟

وأضاف قاسم قائلا:"إذا كانت منظومتنا لا تعمل على تطوير المهارات الحياتيّة لدى التّلميذ، رغم كلّ الشّعارات المرفوعة والنّدوات المعقودة والدّراسات والأدلّة المنجزة، وإذا كانت لا تقيم وزنا لتطوير استقلاليّة التّلميذ وقدرته على التعويل على ذاته والتّخطيط ليومه والتّصرّف في وقته، فهل نتعجّب بعد ذلك من اللّجوء إلى الدّروس الخصوصيّة لتوفير المرافقة اللاّزمة لتلاميذ صارت المراجعة عندهم مشروطة بهذه المرافقة؟ وإذا كانت ظروف الدّراسة ومستويات المدرّسين تختلف من مؤسّسة تربويّة إلى أخرى، بل ومن قسم إلى آخر داخل نفس المؤسّسة، فهل نلوم الأولياء على محاولاتهم المحمومة لتسجيل منظوريهم في هذه المؤسّسة أو تلك، أو في هذا القسم أو ذاك؟".

ضرب مبدأ الإنصاف

وفي نفس السياق رأى رئيس جمعية جودة التعليم إنّ عقليّة الوليّ هي عقليّة تجمع بين الإيمان بالعلم والمعرفة والتّعليم، وبين البراغماتيّة التي تجعله يسعى إلى التّأقلم مع الواقع الذي تفرضه عليه منظومتنا التّربويّة. وإذا كان هذا قد ساهم إجمالا في دعم نواتج تعليمنا، فإنّ من الواجب علينا الانتباه إلى أنّه يمثّل ضربا لمبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص، حيث صار الانتماء الأسري والمستوى المادّيّ والمعرفيّ والاجتماعيّ للأولياء من المحدّدات الرّئيسيّة لمسارات الأبناء التّعليميّة، مع ما يعنيه ذلك من ضمور لدور المدرسة كمصعد اجتماعيّ وفضاء لتكريس قيم الجمهوريّة، لذلك فإنّ كلّ الآمال معقودة على مخرجات الاستشارة الوطنية لإصلاح نظام التربية والتعليم، وعلى المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم، من أجل التّأسيس لمدرسة المستقبل عبر ضمان التّعليم الجيّد لكلّ أبناء تونس وبناتها، وإدارة المنظومة التّربويّة وفقا لأرقى معايير الجودة والحوكمة الرّشيدة، بما يكفل بناء الإنسان التّونسيّ القادر على تحقيق نجاحه الفرديّ والمساهمة في بناء الوطن وضمان مناعته وازدهاره، بفضل تضافر كلّ المجهودات، ومشاركة جميع القوى الوطنيّة المؤمنة بمشروع الإصلاح وبحتميّة استئناف المسار الحضاريّ الرّائد الذي اختطّه جدودنا وساروا على هديه.

جهاد الكلبوسي

إصلاح التعليم..   هل تغيّر مخرجات الاستشارة المنهج التربوي "المختلّ"؟

 

تونس – الصباح

في انتظار عرض مخرجات الاستشارة الوطنية لإصلاح التعليم على رئيس الجمهورية قيس سعيد في أقرب الآجال حسب ما جاء على لسان وزير التربية محمد علي البوغديري مؤخرا خلال إشرافه على موكب تدشين المدرسة الابتدائية الشهيد عمر العمري بسيدي حسين بالعاصمة، يتواصل الجدل حول كيفية تنزيل هذه المخرجات على أرض الواقع، في الوقت الذي اعتادت فيه العائلة التونسية على نهج معين في تعليم أبنائها خلال السنوات الأخيرة. نهج ترسخت فيه مجموعة من القواعد "المسقطة" على منظومتنا التربوية اختزلت أغلبها في أنه كلما سخرت العائلة التونسية إمكانيات مادية هامة تكون نتيجة الابن أفضل.

وتعتبر الرتب والمعدلات أي "منظومة الأرقام" العنوان الأبرز لمنظومتنا التعليمية ما يدفع للتساؤل هل ستفرض مخرجات الاستشارة "توحيد التعليم" في العمومي والخاص، وكيف ستكتسب الأسرة وهي شريك أساسي إلى جانب المدرسة في المسار العلمي للأبناء، هذه المخرجات؟

من جانبه بين وزير التربية محمد علي البوغديري بأن الاستشارة الوطنية حول إصلاح نظام التربية والتعليم ستأخذ الوقت اللازم دون ارتخاء، ودون تسرع لأن أي خطوة في غير محلها قد تدفع الأجيال القادمة ضريبتها لأن نتائج هذا الإصلاح التربوي ستكون على امتداد 20 سنة.

وكان قد تم تشكيل لجان لتشخيص مخرجات الاستشارة الوطنية لإصلاح نظام التربية والتعليم التي سجلت مشاركة 580 ألف شخص من جميع شرائح المجتمع.

كما أشار البوغديري خلال إشرافه، إلى أن إصلاح النظام التربوي سيكون شاملا وعاما باعتبار أنه لا يقتصر على مستوى دراسي معين بل يشمل ولأول مرة كافة مراحل التعليم، مؤكدا الحرص على أن تنطلق عملية الإصلاح في أقرب الآجال خاصة وأنها تستوجب بعض الوقت.

أعباء ماليّة مشطّة

قاسم سليم رئيس "جمعية جودة التعليم" اعتبر أن تمسّك الأسرة التّونسيّة بالتّعليم وإيمانها به وتضحيتها في سبيله خاصيّة ميّزت هذه الأسرة عبر تاريخها الطّويل منذ جمهوريّة قرطاج العظيمة، لذلك فليس من الغريب في شيء أن نجدها اليوم حاضرة بقوّة كلّما تعلّق الأمر بتمدرس أبنائها وبناء الكفاءات التي من شأنها أن تساعدهم على النّجاح الفرديّ والمهنيّ والاجتماعيّ في مستقبل حياتهم، وإذا صار الوليّ التّونسيّ خلال العقدين الفارطين يلهث بشكل واضح وراء الأعداد والدّروس الخصوصيّة وتسجيل منظوريه في مؤسّسات تربويّة وأقسام بعينها، فإنّ الأمر لا يتعلّق بكلّ تأكيد بعقليّة سقيمة لدى هذا الوليّ ولا باجتهادات في غير محلّها من طرفه.

وقال رئيس جمعية جودة التعليم لـ "الصباح" إن الوليّ لم يفعل شيئا على امتداد السّنوات الفارطة سوى محاولة التّأقلم مع واقع مختلّ فرضته عليه منظومة تربويّة لم تكن تعيش أفضل فتراتها، وهو بالمناسبة تأقلم يكلّف هذا الوليّ تضحيات جسام، سواء تعلّق الأمر بالأعباء الماليّة المشطّة التي يتكبّدها، أو بما يخصّصه من وقت وجهد لسدّ الثّغرات المتزايدة التي باتت تخلّفها تلك المنظومة في تكوين أبنائه، لذلك فإنّ التوجّه باللّوم إلى الأسرة التّونسيّة لسيرها في طريق فُرض عليها فرضا، يتطلّب منها ما يتطلّبه من مجهودات وتضحيات، هو بلا شكّ قصورٌ عن فهم الواقع أو رفضٌ لتسمية الأشياء بأسمائها، وهو في كلّ الحالات قمّة الإجحاف في حقّ هذه الأسرة: فهل يمكن أن نلوم الوليّ التّونسيّ على لهاثه وراء الأعداد، في منظومة تربويّة جعلت من عدد الامتحان المعيار الوحيد المحدّد لنجاح ابنه وتوجيهه الثّانويّ والجامعيّ، وبالتّالي لمستقبله؟ وهل يمكن أن نلوم هذا الوليّ على سعيه المحموم وراء الدّروس الخصوصيّة في منظومة تربويّة تُثقِل البرامج بالمحتويات وتكاد تحصر تقييم التّلميذ على مدى قدرته على اختزان المعلومات واسترجاعها، مع اختزالٍ لعدد أيّام الدّراسة الفعليّة إلى ما دون المعدّلات العالميّة، وتفتيت للسّنة الدّراسيّة على نحو عجيب؟ ألا نكون بذلك بصدد دفع الوليّ والتّلميذ دفعا نحو الدّروس الخصوصيّة لحلّ هذه المعادلة شبه المستحيلة؟

وأضاف قاسم قائلا:"إذا كانت منظومتنا لا تعمل على تطوير المهارات الحياتيّة لدى التّلميذ، رغم كلّ الشّعارات المرفوعة والنّدوات المعقودة والدّراسات والأدلّة المنجزة، وإذا كانت لا تقيم وزنا لتطوير استقلاليّة التّلميذ وقدرته على التعويل على ذاته والتّخطيط ليومه والتّصرّف في وقته، فهل نتعجّب بعد ذلك من اللّجوء إلى الدّروس الخصوصيّة لتوفير المرافقة اللاّزمة لتلاميذ صارت المراجعة عندهم مشروطة بهذه المرافقة؟ وإذا كانت ظروف الدّراسة ومستويات المدرّسين تختلف من مؤسّسة تربويّة إلى أخرى، بل ومن قسم إلى آخر داخل نفس المؤسّسة، فهل نلوم الأولياء على محاولاتهم المحمومة لتسجيل منظوريهم في هذه المؤسّسة أو تلك، أو في هذا القسم أو ذاك؟".

ضرب مبدأ الإنصاف

وفي نفس السياق رأى رئيس جمعية جودة التعليم إنّ عقليّة الوليّ هي عقليّة تجمع بين الإيمان بالعلم والمعرفة والتّعليم، وبين البراغماتيّة التي تجعله يسعى إلى التّأقلم مع الواقع الذي تفرضه عليه منظومتنا التّربويّة. وإذا كان هذا قد ساهم إجمالا في دعم نواتج تعليمنا، فإنّ من الواجب علينا الانتباه إلى أنّه يمثّل ضربا لمبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص، حيث صار الانتماء الأسري والمستوى المادّيّ والمعرفيّ والاجتماعيّ للأولياء من المحدّدات الرّئيسيّة لمسارات الأبناء التّعليميّة، مع ما يعنيه ذلك من ضمور لدور المدرسة كمصعد اجتماعيّ وفضاء لتكريس قيم الجمهوريّة، لذلك فإنّ كلّ الآمال معقودة على مخرجات الاستشارة الوطنية لإصلاح نظام التربية والتعليم، وعلى المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم، من أجل التّأسيس لمدرسة المستقبل عبر ضمان التّعليم الجيّد لكلّ أبناء تونس وبناتها، وإدارة المنظومة التّربويّة وفقا لأرقى معايير الجودة والحوكمة الرّشيدة، بما يكفل بناء الإنسان التّونسيّ القادر على تحقيق نجاحه الفرديّ والمساهمة في بناء الوطن وضمان مناعته وازدهاره، بفضل تضافر كلّ المجهودات، ومشاركة جميع القوى الوطنيّة المؤمنة بمشروع الإصلاح وبحتميّة استئناف المسار الحضاريّ الرّائد الذي اختطّه جدودنا وساروا على هديه.

جهاد الكلبوسي