بقلم ريم القمري
أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها": أقاصيص بطعم الشعر و رحلة وجودية من داخل الذات نحو العالم.
ما الذي يريد أن يقوله القاص و الروائى المصري طارق امام في كتابه " أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها " .
هذا سؤال شديد التعقيد ، و ربما أجدني عاجزة عن الإجابة عن هكذا سؤال، و لكنه ظل يطرق رأسي بشدة منذ أن أغلقت دفات الكتاب.
في كتابه هذا الصادر مؤخرا ، عن دار الشروق
المصرية.
و على إمتداد 128 صفحة ، خاض طارق تجربة الاقصوصة ، حيث قدم لنا 125 أقصوصة.
و في الواقع إمام ، قال أشياء كثيرة ، قالها دفعة واحدة ، و لكن بأسلوب يجعلك في كل مرة تتوقف ، ثم تفكر مليا ، في كل قصة و أحيانا كثيرة في كل جملة، و لفظ و عبارة.
إنه كاتب ذكي ينصب لك فخ سردي مخاتل ،ثم يقنعك أنك تتحرك داخل عالمه السردي المنساب بهدوء ممتع،و يجعلك متواطئ مع شخصياته ، التي تظنها في البداية بعيدة عنك ، ثم لا تلبث أن تكتشف أنك أنت موضوع الكتاب بشكل ما ، و حينها لن تفكر في الافلات من هذا الشرك الجمالي الباذخ ، أنك أصبحت جزء لا يتجزأ من متنه.
في أكثر من قصة ستجد نفسك لا شعوريا ، توقف و تتساءل ،كيف لم يخطر ببالي أن أفكر في كنه هذه الأشياء التي تحيط بي، و تشكل جزءا من عالمي.
كيف مررت بكل هذه الأحداث و الأشخاص و لم أنتبه ، لحقائقها المخفية ، لتلك الجوانب الأخرى داخلها.
لقد حول طارق كل أشياء الحياة المادية و النفسية و العقائدية ،الى مواضيع سردية بامتياز، دون أن يفقدها القها الطبيعي.
تطرق لها من زوايا جديدة مختلفة و مبتكرة ،اعطاها أبعادا جديدة ،فاكتسبت حياة مختلفة عما هو متعارف
عليه.
و أنت تقرأ له ستتوقف أكثر من مرّة ، و ستعد على ضوء عوالمه السردية تشكيل عالمك الداخلي، و خاصة علاقة بالاشياء الحسية و المادية و الروحية أيضا.
لقد نجح امام في تغيير وجهة نظرنا ، للحياة اليومية و العادية ، جعلنا من خلال متنه هذا ، نرى أنه بإمكاننا دائما إكتشاف أشياء جديدة و ربما مفاجاءات كبرى داخلنا، و داخل أشياء العالم حولنا و داخلنا.
أسلوب سردي ممتع و متنوع يشدك من أول الكتاب إلى آخره ، حيث تتمتع بقراءة القصة الومضة، هذا الأسلوب الكتابي الذي اعتبره صعبا و دقيقا للغاية.
إنها الكتابة على حد السكين ، كمن يقوم بعملية جراحية سردية دقيقة للغاية.
و لقد نجح طارق امام في ذلك، استطاع أن يتحكم في بناء سردي محكم و مكثف ، محافظا على رشاقة لغته المعتادة ، ممسكاً ببراعة بدفة الغرائيبي و العجائيبي دون أن يسقط الحاضر و يهمل الاني.
و كتاب تحس أنك تتحرك فيه ، داخل النثر و الشعر في آن واحد.
كتابة لا تخلو من شعرية محببة.
عوالم قصصية فيها الخيالي السحري، و الواقعي و أيضا الفلسفي و الفكري و النفسي.
باختصار هذا الكتاب هو ، رحلة سريعة و ممتعة داخل العالم/ الذات ، و تمجيد للحياة رغم مرارة الفقد و رغم أنف الموت.