ذئابُ السماءِ غُيُومٌ يابسة
مقالات الصباح
-------------------- هاديدانيال*
أنا جاحِظُ القلبِ
أمْسِكُ سَقْفاً/ سَماءً مِن الحبْرِ قد غَدَرَتْهُ ملائكةٌ كُلِّفَتْ بِتَماسُكِهِ
يا بِلاد الأنينْ
كيفَ صارتْ سنابلُ أرضٍ رَوَتْها الدِّماءُ بِغالَ رِهانٍ لِنَصْعَدَ تلكَ الشواهِقَ مِن هيملايا التَّعَبْ؟.
أنا مَن مَشى عُمْرَهُ بَرِماً مِن أرائكَ تَشْتَرِطُ الانحِناءَ، وَظِلِّيَ جاوَزَ كُلَّ العُرُوشِ،
أسيرُ إلى حَجَرٍ مُعْشِبٍ في الطريقِ، وأسألُ آخِرَ أزهارِهِ النَّضِرَه:
-يا حكيمةَ هذي البلاد التي تحتضرْ
ما الذي جَعَلَ "الأوجلانيَّ" صيّادَ جائزةِ مِن حفيد رُعاةِ البَقَرْ؟.
ما الذي يجمع العرَبَ الجائعينَ إلى أثرياءِ العَرَبْ؟.
ما الذي جَعَلَ الأرضَ عاليةً بِبَساتينِها حينَ نمشي إليها ولا نَصِلُ،
والسماء التي فَوقنا تنحني لِخُيُولِ الغُزاةِ مُجَنَّحَةً تصهلُ؟.
هذه الأرضُ لا عَرَبَ يُخْلِصُونَ لها، ولا كُرْدَ، لا تُركُمانْ
وسرْيانُها دُرَرٌ في خليطٍ تَعَفَّنَ، تَبْحَثٌ عَن ظِلِّها بَعْدَ أنْ بَخَّرَتْهُ "عُهُودُ الأمانْ".
البلادُ التي شَمْسُها حارِقَهْ
وَصَحراؤها مارِقَهْ
نهاراتُها شاحِبَهْ
و زَرقاؤها كاذِبَهْ
لَيَالِيُّها: كُلُّ ليلٍ يُسامِرُ ذئباً لِيَعوي قَمَرْ
كُلّما اكتمَلَتْ وأدَتْ سَحَرا
مدائنُها كَقُراها، بعضها يتداعى على بعضها، حجراُ حجرا
وَما عُدْتَ تلمَحُ في أُفُقٍ يَتَوالَدُ
غيْرَ خِيامِ الغَجَرْ
وما هَمَّ مكسيمُ والبهلويّ
إذا لم أفِقْ مِن رقادي ؟!،
إذا لم أُفَكِّرْ بأنَّ الرغيفَ سنابله لم أصنْها
بأنّ الحياةَ، جداولها وينابيعها، في الصخورِ التي لم أكُنْها؟
رُبّما جسْمِيَ الآنَ "يلهو" بعيداً، ولكنَّ رُوحيَ مَزَّقَهُ الآنَ يأسُ الشيوخ، أنينُ الرجال،
هزال الصبايا
في مرايا البلدْ
رُبّما أقدرُ الآنَ أن أتأمَّلَ مِن شُرفَةٍ في البعيدِ بلاديَ تقصفُها الطائراتُ العدوَّةُ
مِن غيْرِ رَدٍّ يصدُّ
رُبّما القَبْلُ فَسَّرَ ما جاءَ بَعْدُ
رُبّما العَقْلُ يُربِكُ أسئلةَ القلبِ
لكنَّ قلبيَ يشْدو:
مَن يُريدُ سماءَ بلادِهِ صافيةً لِطيورِ العدوّْ؟
مَن يُطامِنُ ذلّاً مُقيما؟
وهذا الصقيع يُجَمِّرُ أقدامَنا
والطريق الطويلة فَخٌّ يُجاوِرُ فخّاً، ونمشي
ولا شيءَ غير الرياح تهبّ علينا وذئب المسافاتِ يَعْدُو!.
وَ" مِنْ قاسيونَ أُطِلُّ"، فماذا هنالكَ غيْر الرِّمال، فلا نَخْلَ لا ظبيَةً لا قوافِلَ
لا بَدْرَ أو نصْفَ بَدْرٍ، لا هلالَ ولا شيءَ غيْر الرّماد الذي يستبدُّ
وفي الليلِ، والوقتُ ليلٌ بلا نجمةٍ، أستغيثُ بأعضاءِ جسْمِيَ، بالشَّبَقِ الآدَمِيِّ، أُراوِدُ أزرارَ أنثايَ. ضَوءٌ خفيفٌ يُسامِرُ غُرْفَةَ نَومِيَ، أعني أريكتيَ الدنيويّةَ بينَ الكُتُبْ/ سريرَ تشابُكِ أعضائنا في الطريق إلى عَدَمٍ مُبْرِقٍ: يا حياةُ أنحيا هُنا أم نواصلُ موتاً لذيذاً؟.
لِمَنْ قلتُ: دَعْني.
لِوهْمٍ يُدَغْدِغُني
أمْ لِظلٍّ يشاكسني
وأنا جَبَلاً ظِلُّه النهر كُنْتُ
كيفَ صرْتُ أرانيَ بَحْراً يجفُّ على صدرِ صحراءْ،
وأحلمُ في الحلْمِ أنِّي رغيفٌ وشُربةُ ماءْ
وما أن أنادي فقيراً: تعالَ إليّ
أرانيَ دَرْباً صغيراً يُسَدُّ
..........
فكم ابْتَعَدْتُ عن البلادِ كماءِ نَهْرٍ، كم زلقتُ مِن البلادِ تمدّ زنديها لتحضنني
فأحرنُ لا أرى أو أستجيبُ
فأنا بَنَيْتُكِ يا بلاديَ، قَبْلَ آذار وَبَعْدَهْ
وكأنَّ آذارَ السرابُ. نَرنو إلى أمَلٍ فيَظْهَرُ ضدُّهُ.
كُنّا نُريدُ البلَدَ السيِّدَ جاءَ الحزْبُ يعلُوهُ الضّبابُ
وتَفاكَهَ التاريخُ فاسْتَعَرَ الذِّئابُ
لبسُوا قناعَ الجدّةِ الحمقاءِ وانتشَرَ الخَرابُ
والآنَ يا بَلَدي:
لم يَبْقَ مِن دَمِنا على يَدِنا
إلّا ذبالة روحْ
فَلتَفْتَحي عينَيْكِ وسعهما
فأنا سئمْتُ البَوْحْ
..........
أنا مَن أضَاعَ الأثَرَ المُفضي إلى وَرْدَتِهِ،
فانْفَتَحَتْ بَعْدَ التئامٍ، في الظلامِ،
أقدَمُ الجروحْ!؟.
الوقتُ لا يرحمُ والغابة أُحْرِقَتْ
فَلْنصعد الآن إلى هضبةٍ كشرفةٍ على وَطَنْ
هضبةٍ/مدينةٍ
أو وطنٍ/بستانْ
سماؤه كريستالُها فولاذ
أسواره ضمائرُ الرجالْ
أشجاره وارفة الظلالْ
ثمارها تلمع بالندى
تطالها الأيدي بلا أغلالْ
رغيفُهُ أدنى إلى مَعِدَةِ الفقيرِ مِن مسافةٍ قد تفصل الصوتَ عن الصدى
قمرُها بريء
وشمسها تُضيء
يا شمس دمنا تسطع في ترابنا
كالتبْرِ يزهو بِعُرُوقٍ مِن ذَهَبْ
يا صمْتنا المُخيف عندما يتبعه الشَّغَبْ
نريدُ قَمْحَنا، لا قَمْحَ أمريكا
نريدُ نفطَنا، لا نِفْطَ شخبوط أبي لَهَبْ
هواءنا وماءنا، ترابنا ونارنا نريد
ولا نريدُ غيْرَ ما وَمَن نُحِبّْ
وما عَداهُما يُجَبّْ!.
وها أنا بقلبيَ الجاحِظِ أرتَقِبْ
بُخارَ بَحْرٍ وانعقادَ سُحُبٍ،
بَرْقاً ورعداً
مَطراً يهمي على الشارع
يطفئ الجمارَ
ويجرفُ الدمَ اليابسَ والدخانَ والغبارَ
وقد أرى
أرضاً تشقّقّتْ، فترتوي،
شَعْباً تلاطَمَتْ أمواجُهُ، فَيَرْعَوِي،
وفارساً، طالتْ به الطريقُ
خذَلَهُ القريبُ والرفيقُ
لكنّهُ في لحظةٍ يقطفُها التاريخُ قد تألّقَ
كانَ الأبيَّ العاشِقَ
لكنّها الطريقُ
طالتْ
وشَعبيَ الآنَ هُوَ الغريقُ؟!.
-------------------- هاديدانيال*
أنا جاحِظُ القلبِ
أمْسِكُ سَقْفاً/ سَماءً مِن الحبْرِ قد غَدَرَتْهُ ملائكةٌ كُلِّفَتْ بِتَماسُكِهِ
يا بِلاد الأنينْ
كيفَ صارتْ سنابلُ أرضٍ رَوَتْها الدِّماءُ بِغالَ رِهانٍ لِنَصْعَدَ تلكَ الشواهِقَ مِن هيملايا التَّعَبْ؟.
أنا مَن مَشى عُمْرَهُ بَرِماً مِن أرائكَ تَشْتَرِطُ الانحِناءَ، وَظِلِّيَ جاوَزَ كُلَّ العُرُوشِ،
أسيرُ إلى حَجَرٍ مُعْشِبٍ في الطريقِ، وأسألُ آخِرَ أزهارِهِ النَّضِرَه:
-يا حكيمةَ هذي البلاد التي تحتضرْ
ما الذي جَعَلَ "الأوجلانيَّ" صيّادَ جائزةِ مِن حفيد رُعاةِ البَقَرْ؟.
ما الذي يجمع العرَبَ الجائعينَ إلى أثرياءِ العَرَبْ؟.
ما الذي جَعَلَ الأرضَ عاليةً بِبَساتينِها حينَ نمشي إليها ولا نَصِلُ،
والسماء التي فَوقنا تنحني لِخُيُولِ الغُزاةِ مُجَنَّحَةً تصهلُ؟.
هذه الأرضُ لا عَرَبَ يُخْلِصُونَ لها، ولا كُرْدَ، لا تُركُمانْ
وسرْيانُها دُرَرٌ في خليطٍ تَعَفَّنَ، تَبْحَثٌ عَن ظِلِّها بَعْدَ أنْ بَخَّرَتْهُ "عُهُودُ الأمانْ".
البلادُ التي شَمْسُها حارِقَهْ
وَصَحراؤها مارِقَهْ
نهاراتُها شاحِبَهْ
و زَرقاؤها كاذِبَهْ
لَيَالِيُّها: كُلُّ ليلٍ يُسامِرُ ذئباً لِيَعوي قَمَرْ
كُلّما اكتمَلَتْ وأدَتْ سَحَرا
مدائنُها كَقُراها، بعضها يتداعى على بعضها، حجراُ حجرا
وَما عُدْتَ تلمَحُ في أُفُقٍ يَتَوالَدُ
غيْرَ خِيامِ الغَجَرْ
وما هَمَّ مكسيمُ والبهلويّ
إذا لم أفِقْ مِن رقادي ؟!،
إذا لم أُفَكِّرْ بأنَّ الرغيفَ سنابله لم أصنْها
بأنّ الحياةَ، جداولها وينابيعها، في الصخورِ التي لم أكُنْها؟
رُبّما جسْمِيَ الآنَ "يلهو" بعيداً، ولكنَّ رُوحيَ مَزَّقَهُ الآنَ يأسُ الشيوخ، أنينُ الرجال،
هزال الصبايا
في مرايا البلدْ
رُبّما أقدرُ الآنَ أن أتأمَّلَ مِن شُرفَةٍ في البعيدِ بلاديَ تقصفُها الطائراتُ العدوَّةُ
مِن غيْرِ رَدٍّ يصدُّ
رُبّما القَبْلُ فَسَّرَ ما جاءَ بَعْدُ
رُبّما العَقْلُ يُربِكُ أسئلةَ القلبِ
لكنَّ قلبيَ يشْدو:
مَن يُريدُ سماءَ بلادِهِ صافيةً لِطيورِ العدوّْ؟
مَن يُطامِنُ ذلّاً مُقيما؟
وهذا الصقيع يُجَمِّرُ أقدامَنا
والطريق الطويلة فَخٌّ يُجاوِرُ فخّاً، ونمشي
ولا شيءَ غير الرياح تهبّ علينا وذئب المسافاتِ يَعْدُو!.
وَ" مِنْ قاسيونَ أُطِلُّ"، فماذا هنالكَ غيْر الرِّمال، فلا نَخْلَ لا ظبيَةً لا قوافِلَ
لا بَدْرَ أو نصْفَ بَدْرٍ، لا هلالَ ولا شيءَ غيْر الرّماد الذي يستبدُّ
وفي الليلِ، والوقتُ ليلٌ بلا نجمةٍ، أستغيثُ بأعضاءِ جسْمِيَ، بالشَّبَقِ الآدَمِيِّ، أُراوِدُ أزرارَ أنثايَ. ضَوءٌ خفيفٌ يُسامِرُ غُرْفَةَ نَومِيَ، أعني أريكتيَ الدنيويّةَ بينَ الكُتُبْ/ سريرَ تشابُكِ أعضائنا في الطريق إلى عَدَمٍ مُبْرِقٍ: يا حياةُ أنحيا هُنا أم نواصلُ موتاً لذيذاً؟.
لِمَنْ قلتُ: دَعْني.
لِوهْمٍ يُدَغْدِغُني
أمْ لِظلٍّ يشاكسني
وأنا جَبَلاً ظِلُّه النهر كُنْتُ
كيفَ صرْتُ أرانيَ بَحْراً يجفُّ على صدرِ صحراءْ،
وأحلمُ في الحلْمِ أنِّي رغيفٌ وشُربةُ ماءْ
وما أن أنادي فقيراً: تعالَ إليّ
أرانيَ دَرْباً صغيراً يُسَدُّ
..........
فكم ابْتَعَدْتُ عن البلادِ كماءِ نَهْرٍ، كم زلقتُ مِن البلادِ تمدّ زنديها لتحضنني
فأحرنُ لا أرى أو أستجيبُ
فأنا بَنَيْتُكِ يا بلاديَ، قَبْلَ آذار وَبَعْدَهْ
وكأنَّ آذارَ السرابُ. نَرنو إلى أمَلٍ فيَظْهَرُ ضدُّهُ.
كُنّا نُريدُ البلَدَ السيِّدَ جاءَ الحزْبُ يعلُوهُ الضّبابُ
وتَفاكَهَ التاريخُ فاسْتَعَرَ الذِّئابُ
لبسُوا قناعَ الجدّةِ الحمقاءِ وانتشَرَ الخَرابُ
والآنَ يا بَلَدي:
لم يَبْقَ مِن دَمِنا على يَدِنا
إلّا ذبالة روحْ
فَلتَفْتَحي عينَيْكِ وسعهما
فأنا سئمْتُ البَوْحْ
..........
أنا مَن أضَاعَ الأثَرَ المُفضي إلى وَرْدَتِهِ،
فانْفَتَحَتْ بَعْدَ التئامٍ، في الظلامِ،
أقدَمُ الجروحْ!؟.
الوقتُ لا يرحمُ والغابة أُحْرِقَتْ
فَلْنصعد الآن إلى هضبةٍ كشرفةٍ على وَطَنْ
هضبةٍ/مدينةٍ
أو وطنٍ/بستانْ
سماؤه كريستالُها فولاذ
أسواره ضمائرُ الرجالْ
أشجاره وارفة الظلالْ
ثمارها تلمع بالندى
تطالها الأيدي بلا أغلالْ
رغيفُهُ أدنى إلى مَعِدَةِ الفقيرِ مِن مسافةٍ قد تفصل الصوتَ عن الصدى
قمرُها بريء
وشمسها تُضيء
يا شمس دمنا تسطع في ترابنا
كالتبْرِ يزهو بِعُرُوقٍ مِن ذَهَبْ
يا صمْتنا المُخيف عندما يتبعه الشَّغَبْ
نريدُ قَمْحَنا، لا قَمْحَ أمريكا
نريدُ نفطَنا، لا نِفْطَ شخبوط أبي لَهَبْ
هواءنا وماءنا، ترابنا ونارنا نريد
ولا نريدُ غيْرَ ما وَمَن نُحِبّْ
وما عَداهُما يُجَبّْ!.
وها أنا بقلبيَ الجاحِظِ أرتَقِبْ
بُخارَ بَحْرٍ وانعقادَ سُحُبٍ،
بَرْقاً ورعداً
مَطراً يهمي على الشارع
يطفئ الجمارَ
ويجرفُ الدمَ اليابسَ والدخانَ والغبارَ
وقد أرى
أرضاً تشقّقّتْ، فترتوي،
شَعْباً تلاطَمَتْ أمواجُهُ، فَيَرْعَوِي،
وفارساً، طالتْ به الطريقُ
خذَلَهُ القريبُ والرفيقُ
لكنّهُ في لحظةٍ يقطفُها التاريخُ قد تألّقَ
كانَ الأبيَّ العاشِقَ
لكنّها الطريقُ
طالتْ
وشَعبيَ الآنَ هُوَ الغريقُ؟!.