إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد.. محكمة القرن والتدخل الألماني المفضوح ..

 

من شأن إعلان الحكومة الألمانية عزمها التدخل كطرف ثالث، في مواجهة الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، أن يدفع للاستنفار تحسبا لمحاولات التأثير على المحكمة أو دفعها باتجاه غير الاتجاه الذي يفترض أن تسير عليه وهو إقامة العدل ولا شيء غير العدل.. ندرك جيدا حجم النفوذ اليهودي في ألمانيا وندرك أيضا حرص ألمانيا عبر التاريخ على التنصل من وصمة عار النازية التي ترفعها إسرائيل في وجهها.. ولاشك أن أكثر من سبب من شأنه أن يدفع الى هذا الاستنفار بالنظر الى التجارب السابقة ومحاولات إفراغ  القرارات الأممية، وقرارات العدل الدولية احدها، بدافع الانحياز الأعمى لكيان الاحتلال والانسياق وراء لعبة الابتزاز والمساومات باعتماد عقدة الذنب الأوروبية من المحرقة التي لا يبدو أن ألمانيا ومعها بقية الدول الأوروبية قريبة من التخلص منها.. وكأنه لم يكف الحكومة الألمانية كل الضغوطات على شريحة واسعة من الرأي العام الألماني ومنعه من إبداء التضامن مع غزة وفرض قيود عنصرية ذهبت الى حد محاكمة  الظهور بالكوفية الفلسطينية أو المشاركة في المظاهرات السلمية بل وحرمان المتقدمين للحصول على الجنسية في حال معارضة العدوان على غزة أو دعموا أهلها.. وهي سياسات تجعل ألمانيا أقرب الى المتواطئ الشريك للاحتلال في هذه الحرب ..

تحركات ألمانيا ورفضها الاتهامات لكيان الاحتلال بجرائم الإبادة في حق أهالي غزة بعد أكثر من مائة يوم من العقوبات الجماعية في حق مليوني غزاوي محاولة لاستباق الأحداث وتحويل وجهة محكمة العدل الدولية بعد الأداء الاستثنائي والحرفي لفريق دفاع أحفاد مانيلا وما قدمه من وثائق إدانة باعتماد تقارير منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها وشهادات مسجلة من داخل القطاع وخرائط تورط كيان الاحتلال في قتل أكثر من 24 ألفا من مواطني غزة دون اعتبار للجرحى والمفقودين وللخراب والدمار وللجروح النفسية للأمهات والأطفال الذين فقدوا عائلاتهم.. الموقف الألماني الذي يصر على عدم رؤية ما يراه كل العالم من جرائم يومية في غزة ويتمسك بمنح كيان الاحتلال صك البراءة ونفي وقوع جرائم إبادة في غزة رغم شلال الدم وأكداس الضحايا وجبال المقابر الجماعية.. تدخل ألمانيا على خط المحاكمة وهي التي كانت مسرحا للمحرقة النازية له حساباته ولكن أيضا تداعياته.. والأرجح أن ألمانيا ستحاول التأثير على المحكمة خلف الكواليس.. كيف ذلك؟ هذه مسألة أخرى والواضح أن المهمة ستكون مشتركة بين تل أبيب وواشنطن وبرلين لتوفير الحصانة مجددا للاحتلال.. وهي مسألة إن تأكدت ستكون تداعياتها خطيرة وربما تكون نهاية هذه المحكمة التي تبقى خيط الأمل الرفيع في رفع الظلم التاريخي على الفلسطينيين ..

رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية توقع أن تتعرض جنوب إفريقيا لضغوط غير مسبوقة بعد أن تمكنت من تعرية إسرائيل أمام العدل الدولية وأنهت الرواية الإسرائيلية المزعومة بأنها الضحية على الدوام.. وهي حقائق قائمة ويتعين التعاطي معها بجدية حتى لا يتم إسقاط جهود جنوب إفريقيا أمام العدل الدولية.. كل شيء ممكن خلف الكواليس خاصة وأن إدانة الاحتلال ستكون إدانة أيضا لكل من يدعم هذا الكيان بالسلاح والمعلومات والتكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية لتنفيذ جرائمه.. تجاهلت ألمانيا انتقادات واتهامات ناميبيا لها بسبب ما اقترفه في هذا البلد من جرائم إبادة.. وحكومة شولتز تصر على أن ما تقوم به إسرائيل دفاع عن النفس ولا نية لما تقوم به بارتكاب جرائم إبادة.. ونفس المنطق الألماني ينكر على الشعب الفلسطيني حقه في الدفاع عن النفس وهو الواقع تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود  ..

الأكيد أن في الشكوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا الى العدل الدولية (وهي متوفرة بالفرنسية والانقليزية ويمكن الاطلاع عليها) تشكل وثيقة إدانة لا يرتقي لها الشك بما تضمنته في صفحاتها الـ84 من معطيات قانونية مستندة الى مفهوم جريمة الإبادة الجماعية  كما تنص عليه الاتفاقية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1948، والتي تعني "ارتكاب أعمال بقصد التدمير الكلّي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية. وتشمل تلك الأعمال, قتل أعضاء من الجماعة. وإلحاق أذى بدني أو نفسي خطير بأعضاء من الجماعة. وإخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً. وفرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة. ونقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.. وكل ذلك قائم ومستمر من غزة الى الضفة تحت أنظار العالم.. لا نعرف ما سيؤول إليه قرار المحكمة الذي يتعين أن يصدر خلال أيام لحماية الفلسطينيين ولوقف حرب الإبادة المستمرة منذ عقود.. ما يحدث في لاهاي سيكون محاكمة القرن وهي محاكمة أخلاقية للاحتلال ولكن أيضا قانونية وإعلامية وسياسية.. العدل الدولية أمام اختبار تاريخي فإما أن تنتصر للعدالة الدولية أو تصدر حكمها بنهاية مهامها..

آسيا العتروس

ممنوع من الحياد..      محكمة القرن والتدخل الألماني المفضوح ..

 

من شأن إعلان الحكومة الألمانية عزمها التدخل كطرف ثالث، في مواجهة الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، أن يدفع للاستنفار تحسبا لمحاولات التأثير على المحكمة أو دفعها باتجاه غير الاتجاه الذي يفترض أن تسير عليه وهو إقامة العدل ولا شيء غير العدل.. ندرك جيدا حجم النفوذ اليهودي في ألمانيا وندرك أيضا حرص ألمانيا عبر التاريخ على التنصل من وصمة عار النازية التي ترفعها إسرائيل في وجهها.. ولاشك أن أكثر من سبب من شأنه أن يدفع الى هذا الاستنفار بالنظر الى التجارب السابقة ومحاولات إفراغ  القرارات الأممية، وقرارات العدل الدولية احدها، بدافع الانحياز الأعمى لكيان الاحتلال والانسياق وراء لعبة الابتزاز والمساومات باعتماد عقدة الذنب الأوروبية من المحرقة التي لا يبدو أن ألمانيا ومعها بقية الدول الأوروبية قريبة من التخلص منها.. وكأنه لم يكف الحكومة الألمانية كل الضغوطات على شريحة واسعة من الرأي العام الألماني ومنعه من إبداء التضامن مع غزة وفرض قيود عنصرية ذهبت الى حد محاكمة  الظهور بالكوفية الفلسطينية أو المشاركة في المظاهرات السلمية بل وحرمان المتقدمين للحصول على الجنسية في حال معارضة العدوان على غزة أو دعموا أهلها.. وهي سياسات تجعل ألمانيا أقرب الى المتواطئ الشريك للاحتلال في هذه الحرب ..

تحركات ألمانيا ورفضها الاتهامات لكيان الاحتلال بجرائم الإبادة في حق أهالي غزة بعد أكثر من مائة يوم من العقوبات الجماعية في حق مليوني غزاوي محاولة لاستباق الأحداث وتحويل وجهة محكمة العدل الدولية بعد الأداء الاستثنائي والحرفي لفريق دفاع أحفاد مانيلا وما قدمه من وثائق إدانة باعتماد تقارير منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها وشهادات مسجلة من داخل القطاع وخرائط تورط كيان الاحتلال في قتل أكثر من 24 ألفا من مواطني غزة دون اعتبار للجرحى والمفقودين وللخراب والدمار وللجروح النفسية للأمهات والأطفال الذين فقدوا عائلاتهم.. الموقف الألماني الذي يصر على عدم رؤية ما يراه كل العالم من جرائم يومية في غزة ويتمسك بمنح كيان الاحتلال صك البراءة ونفي وقوع جرائم إبادة في غزة رغم شلال الدم وأكداس الضحايا وجبال المقابر الجماعية.. تدخل ألمانيا على خط المحاكمة وهي التي كانت مسرحا للمحرقة النازية له حساباته ولكن أيضا تداعياته.. والأرجح أن ألمانيا ستحاول التأثير على المحكمة خلف الكواليس.. كيف ذلك؟ هذه مسألة أخرى والواضح أن المهمة ستكون مشتركة بين تل أبيب وواشنطن وبرلين لتوفير الحصانة مجددا للاحتلال.. وهي مسألة إن تأكدت ستكون تداعياتها خطيرة وربما تكون نهاية هذه المحكمة التي تبقى خيط الأمل الرفيع في رفع الظلم التاريخي على الفلسطينيين ..

رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية توقع أن تتعرض جنوب إفريقيا لضغوط غير مسبوقة بعد أن تمكنت من تعرية إسرائيل أمام العدل الدولية وأنهت الرواية الإسرائيلية المزعومة بأنها الضحية على الدوام.. وهي حقائق قائمة ويتعين التعاطي معها بجدية حتى لا يتم إسقاط جهود جنوب إفريقيا أمام العدل الدولية.. كل شيء ممكن خلف الكواليس خاصة وأن إدانة الاحتلال ستكون إدانة أيضا لكل من يدعم هذا الكيان بالسلاح والمعلومات والتكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية لتنفيذ جرائمه.. تجاهلت ألمانيا انتقادات واتهامات ناميبيا لها بسبب ما اقترفه في هذا البلد من جرائم إبادة.. وحكومة شولتز تصر على أن ما تقوم به إسرائيل دفاع عن النفس ولا نية لما تقوم به بارتكاب جرائم إبادة.. ونفس المنطق الألماني ينكر على الشعب الفلسطيني حقه في الدفاع عن النفس وهو الواقع تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود  ..

الأكيد أن في الشكوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا الى العدل الدولية (وهي متوفرة بالفرنسية والانقليزية ويمكن الاطلاع عليها) تشكل وثيقة إدانة لا يرتقي لها الشك بما تضمنته في صفحاتها الـ84 من معطيات قانونية مستندة الى مفهوم جريمة الإبادة الجماعية  كما تنص عليه الاتفاقية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1948، والتي تعني "ارتكاب أعمال بقصد التدمير الكلّي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية. وتشمل تلك الأعمال, قتل أعضاء من الجماعة. وإلحاق أذى بدني أو نفسي خطير بأعضاء من الجماعة. وإخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً. وفرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة. ونقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.. وكل ذلك قائم ومستمر من غزة الى الضفة تحت أنظار العالم.. لا نعرف ما سيؤول إليه قرار المحكمة الذي يتعين أن يصدر خلال أيام لحماية الفلسطينيين ولوقف حرب الإبادة المستمرة منذ عقود.. ما يحدث في لاهاي سيكون محاكمة القرن وهي محاكمة أخلاقية للاحتلال ولكن أيضا قانونية وإعلامية وسياسية.. العدل الدولية أمام اختبار تاريخي فإما أن تنتصر للعدالة الدولية أو تصدر حكمها بنهاية مهامها..

آسيا العتروس