اعلن المعهد الفرنسي بتونس عن فتح باب الترشح لمنحة عبد الوهاب عبد الوهاب المؤدب للنشر بعنوان 2024.
وينظم المعهد دورتين الأولى انطلقت منذ موفى ديسمبروتتواصل إلى غاية 29 فيفري القادم تاريخ اخر أجل لقبول الترشحات ويقع الإعلان عن النتائج في 29 مارس القادم وتنطلق الدورة الثانية في 28 جوان المقبل وتتواصل إلى غاية 31 أوت ويقع الإعلان عن النتائج في 29 سبتمبر. وتهدف المنحة وفق بلاغ للمعهد الفرنسي بتونس حول الموضوع إلى تشجيع الأفكار الجديدة والمبتكرة في عالم النشر وتشجّع الترجمات ( عن نص اصلي) من الفرنسية إلى العربية ومن العربية إلى الفرنسية كما تشجع أصحاب الكتب المصورة الموجهة الى الجماهير الواسعة على الترشح للحصول على الدعم على النشر. مع العلم انه لا تقبل الكتب على نفقة الكاتب.
وتحمل منحة المساعدة على النشر في تونس، اسم المفكر عبد الوهاب المؤدب الذي كان قد ولد بتونس في جانفي 1946 وتوفي بباريس في نوفمبر 2014، تكريما له على الرصيد الفكري والادبي الذي تركه وعلى اسهاماته في انارة العقول من هذه الجهة ومن الجهة المقابلة. محاولة لأخذ افضل ما في الثقافة العربية
والإسلامية والثقافة الغربية
فالمفكر الراحل كان يسعى بحكم وجوده في فرنسا ( الغرب) إلى التعريف بالفكر والادب العربي والإسلامي، وكان في المقابل يدعو إلى اعمال العقل في تراثنا الفكري والديني والسياسي حتى نخرج من حالة التخلف التي أصبحت عليها الامة العربية والإسلامية والتي لم تعد برأيه بفعل ذلك ومنذ وقت طويلا، صانعة للتاريخ.
ويعتبر المفكر عبد الوهاب المؤدب مثالا معبرا عن الكثير من التونسيين مزدوجي الثقافة الذي حاولوا ان يأخذوا من كل ثقافة افضل ما فيها ونجحوا في ذلك إلى حد ما. فقد نهل من الثقافة العربية والإسلامية بحكم النشأة والدراسة ونهل من الثقافة الغربية التي مكنه اكتشافه لكنوز الادب الفرنسي الكلاسيكي مبكرا من فهم سريع لخصوصيات هذه الثقافة وهو ما ساعد على تطوير ملكة النقد والابداع لديه وخلقت شخصية عبد الوهاب المؤدب المفكر الجريء الذين لا يتردد في التعبير عن أفكاره بحرية بما في ذلك الأفكار التي جعلته على ما يبدو غريبا في بلاده. فلا يمكن لإقامته وشغله في فرنسا ان يكون السبب الوحيد لذلك. فقد اقتحم عبد الوهاب المؤدب معاقل خطيرة ولم يعبأ بالتابوهات وآمن بأنه لا شيء يقف امام الفكر النقدي وأمام العقل ولو كانت النصوص المقدسة وهو على يبدو كان كفيلا بأن يجعله بعيدا عن الاهتمام وبعيدا عن دائرة الأضواء وقد تم تغييبه تقريبا بالكامل بعد رحيله.
نشأ عبد الوهاب المدب في عائلة تقليدية تونسية. وكان والده اماما وشجعه منذ الطفولة المبكرة على تعلم القرآن، وزاول تعليمه الابتدائي والثانوي بالمدرسة الصادقية الشهيرة بالعاصمة ( كانت تقدم تعليما باللغتين العربية والفرنسية وكانت تتبع نظاما صارما) قبل أن ينتقل الى باريس ليدرس تاريخ الفن في جامعة السربون. ويعود الفضل لعبد الوهاب المؤدب في التعريف بالحضارة العربية والإسلامية للجماهير الغربية الواسعة خاصة خلال عمله كمستشار ادبي في درا نشر السندباد بفرنسا لسنوات عديدة وأيضا من خلال مشاركاته في المنابر الاعلامية. وقد كان عبد الوهاب المؤدب مهتما بكلاسيكيات الأدب الفرنسي وأيضا بادب الصوفية واضافة إلى عمله الجامعي حيث كان يدرس الادب المقارن بجامعات فرنسية وسويسرية ( أستاذ زائر بسويسرا) كان يشتغل بالصحافة وكان ينشر بعدة مجلات أدبية وكان له حضور بالاذاعة الفرنسية خاصة في برامج ثقافية وتحديدا براديو فرنسا الثقافية وهو إلى جانب ذلك روائي وصدرت له اول رواية بعنوان " طاليسمانو ( 1979). واعتبر النقاد ان الرواية تكتسي بعد طلائعيا لأنها تؤسس لرواية ما بعد الاستعمار باللغة الفرنسية.
لا تنافر بين الإسلام والحداثة والديمقراطية بالعالم الإسلامي ممكنة
ورغم نقده الشديد للحركات الإسلامية التي ظهرت بالخصوص بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ولم يكن يتردد في وصف السلفية الجهادية بالفاشية، فإنه كان يعتقد وهو المؤمن بقوة بالعلمانية أن التوفيق بين الإسلام والحداثة ممكن وان بناء الديمقراطية في العالم الإسلامي عملية ممكنة لو وجدت إرادة حقيقية للتخلص من الفكر الذي يشرع للاستبداد ويستغل النصوص الدينية لتأبيد الحكم الشمولي.
صدرت لعبد الوهاب المؤدب العديد من المؤلفات في مجالات الحضارة والفكر والسياسة نذكر من بينها بالخصوص وربما الأكثر تأثيرا «رهان الحضارات» الصادر في 2009 عن دار «سوي» «Seuil» الفرنسية والذي قدم فيه تحليلا اجتماعيا لظاهرة العنف في الإسلام مشيرا إلى أن كل الديانات السماوية وليس فقط الإسلام تحمل في داخلها ما من شأنه أن يقرأ على انه يبرر العنف.
وقبل ذلك صدر لهكتاب «علّة الإسلام " في 2002 عن نفس دار النشر الفرنسية «سوي» التي جازف فيها بالقول أن موطن الدّاء في أمّة الإسلام موضحا ان النصوص التأسيسية للإسلام وهي القرآن والسنة تفسح المجال لقراءات عديدة موضحا أن قراءة النص الديني كانت في القرون الأولى بعد الإسلام اكثر حرية من اليوم مناديا بإعادة النظر في الأحاديث المنسوبة للرسول برفض البعض مما قاله لأنه ينزه رسول الإسلام عن قوله، وبإصلاح ما شاب بعضها من أخطاء متراكمة بفعل الزمن منذ قرون طويلة.
عبد الوهاب المؤدب كان ينادي باستيعاب تطورات العصر وما بلغه الوعي الإنساني من تقدم وما توفر من أدوات حديثة للتفكير وهو لا يتردد في الدعوة إلى تنزيل النصوص الدينية بما في ذلك النصوص المؤسسة واساسا النص القرآني في العصر وهو من الذين لا يترددون في تحميل المسلمين جانبا من المسؤولية في انتشار الإرهاب ( نحن نتحدث في فترة ما بعد 11 سبتمبر 2001 وخاصة في الفترة التي تلت ما يصطلح عليه بالربيع العربي الذي انطلق من تونس في 14 جانفي 2011)، لعدم الإقرار بأن النص الديني يحمل في جيناته ما يمكن ان يقرأ على انه يشرع للعنف وان المسلمين لا يظهرون ميلا لمناقشة " ايات السيف " ( الايات التي تدعو للقتال والتي يرى عبد الوهاب المؤدب ان الحركات الأصولية العنيفة تتخذها تعلة لتبرير عنفها) مثلا وتنزيلها في سياق العصر.
ويجزم عبد الوهاب المؤدب بان الانسان المسلم بتجنبه أي قراءة نقدية للتراث الديني، يبقى خارج دائرة صنع القرار وخارج التاريخ. وقد ظل المفكر التونسي يطالب بقوة بتغيير المعطيات وبناء الاستراتيجيات التنموية على أسس علمية والتعويل على الكفاءات الوطنية التي تواصل في ظل التهميش، البناء لغيرنا بحكم تفضيلها الهجرة على البقاء في مجتمعات لا تقدر العالم والمفكر والمبدع.
هو أيضا لا ينكر ان الحضارة العربية والإسلامية بلغت مرحلة من التقدم جعلت المسلمين سباقين عن الحديث عن نهاية التاريخ حتى قبل فوكوياما. ما هي العلامات التي كانت تدل على تطور هذه الحضارة؟ هكذا كان يتساءل عبد الوهاب المؤدب، وهو يجيب قائلا: من هذه العلامات انتشار العلوم وازدهار الترجمة والفلسفة. اين نحن من كل ذلك اليوم؟ لا شيء طبعا. وقد سبق ان صرح لنا في حوار اجريناه معه خلال زيارة له لتونس قبل رحيله باعوام قليلة: إن "العالم يتقدم بخطوات عملاقة ونحن مازلنا نتحدّث عن أفضلية الرجال عن النساء" وقد كان لعبد الوهاب المؤدب موقف صريح من ارتداء النقاب الذي انتشر حتى في أوروبا في سياق ما يعرف بالربيع العربي الذي مهد لانتشار الحركات الأصولية الإسلامية او المنتسبة للاسلام وقال لنا في نفس الحديث: "اليس في الوجه تجل لجمال الخالق؟"
لو شهد معركة طوفان الاقصى ؟
بقي علينا ان نشير إلى أن عبد الوهاب المؤدب الذي اهتم كثيرا بعلاقة العرب واليهود وبالصراع العربي الإسرائيلي، قد رحل قبل ان يشهد العدوان الصهيوني الأخير المستمر على غزة منذ اكثر من ثلاثة اشهر وكيف قلبت المقاومة الفلسطينية ومعركة طوفان الأقصى المعطيات لصالح القضية الفلسطينية رغم حجم الدمار وحجم الخسائر البشرية في غزة ونتساءل إزاء ذلك كيف كان سيكون موقفه؟
لا يمكن طبعا الإجابة وقد غادرنا عبد الوهاب المؤدب منذ 2014 تأثرا بالمرض، ولكن نعلم انه كان موجوعا بأمرين: أولا بتاريخ الهزائم العرب في حربهم مع فلسطين. فهو قد عاش النكبة والنكسة واحتلال أجزاء كثيرة من الأراضي العربية ( بفلسطين لبنان سوريا وسيناء بمصر قبل استردادها في حرب أكتوبر) وعاش الخذلان العربي وفشل الجامعة العربية في التعبير عن موقف قوي من الصراع واستعراض القوة الذي تمارسه إسرائيل بما في ذلك الحروب العديدة السابقة على غزة. وثانيا كان موجوعا بالحروب العربية مع الكيان الإسرائيلي التي تكون خاسرة مسبقا نظرا لعدم تكافئ القوة. فلا اعداد ولا تخطيط ولا قبل للعرب بمواجهة الدعاية الصهيونية وهو ما كان لا يجد له تبريرا فالحروب برأيه تدرس ويعد لها العدة عسكريا ولوجستيا ودعائيا أيضا قبل خوضها.
على كل تبقى اعمال عبد الوهاب المؤدب المتنوعة، حتى أنه كان شاعرا ومترجما أيضا واعلاميا، جديرة بالاطلاع وبالتناول النقدي. فهو بخلاف بعض المبادرات القليلة على غرار اللقاء الذي نظمته" بيت الحكمة" لتكريمه في 2019، يبقى شبه مغيب في تونس. جدير بالذكر أن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي كان قد كرمه في 2015 وتسملت عنه زوجته التكريم.
مقابل التجاهل والتغييب حتى في الساحة الأدبية والأكاديمية، في تونس، تعددت المبادرات لتكريم المفكر التونسي ابن المدرسة الصادقية واصيل مدينة تونس، في فرنسا وصدرت عنه العديد من المقالات في الخارج التي حاولت الإحاطة بتجربته والتركيز على اهم ما فيها وهو تلك المحاولة المدروسة للتوفيق بين ثقافتين، ثقافة الشرق وثقافة الغرب.
حياة السايب
تونس- الصباح
اعلن المعهد الفرنسي بتونس عن فتح باب الترشح لمنحة عبد الوهاب عبد الوهاب المؤدب للنشر بعنوان 2024.
وينظم المعهد دورتين الأولى انطلقت منذ موفى ديسمبروتتواصل إلى غاية 29 فيفري القادم تاريخ اخر أجل لقبول الترشحات ويقع الإعلان عن النتائج في 29 مارس القادم وتنطلق الدورة الثانية في 28 جوان المقبل وتتواصل إلى غاية 31 أوت ويقع الإعلان عن النتائج في 29 سبتمبر. وتهدف المنحة وفق بلاغ للمعهد الفرنسي بتونس حول الموضوع إلى تشجيع الأفكار الجديدة والمبتكرة في عالم النشر وتشجّع الترجمات ( عن نص اصلي) من الفرنسية إلى العربية ومن العربية إلى الفرنسية كما تشجع أصحاب الكتب المصورة الموجهة الى الجماهير الواسعة على الترشح للحصول على الدعم على النشر. مع العلم انه لا تقبل الكتب على نفقة الكاتب.
وتحمل منحة المساعدة على النشر في تونس، اسم المفكر عبد الوهاب المؤدب الذي كان قد ولد بتونس في جانفي 1946 وتوفي بباريس في نوفمبر 2014، تكريما له على الرصيد الفكري والادبي الذي تركه وعلى اسهاماته في انارة العقول من هذه الجهة ومن الجهة المقابلة. محاولة لأخذ افضل ما في الثقافة العربية
والإسلامية والثقافة الغربية
فالمفكر الراحل كان يسعى بحكم وجوده في فرنسا ( الغرب) إلى التعريف بالفكر والادب العربي والإسلامي، وكان في المقابل يدعو إلى اعمال العقل في تراثنا الفكري والديني والسياسي حتى نخرج من حالة التخلف التي أصبحت عليها الامة العربية والإسلامية والتي لم تعد برأيه بفعل ذلك ومنذ وقت طويلا، صانعة للتاريخ.
ويعتبر المفكر عبد الوهاب المؤدب مثالا معبرا عن الكثير من التونسيين مزدوجي الثقافة الذي حاولوا ان يأخذوا من كل ثقافة افضل ما فيها ونجحوا في ذلك إلى حد ما. فقد نهل من الثقافة العربية والإسلامية بحكم النشأة والدراسة ونهل من الثقافة الغربية التي مكنه اكتشافه لكنوز الادب الفرنسي الكلاسيكي مبكرا من فهم سريع لخصوصيات هذه الثقافة وهو ما ساعد على تطوير ملكة النقد والابداع لديه وخلقت شخصية عبد الوهاب المؤدب المفكر الجريء الذين لا يتردد في التعبير عن أفكاره بحرية بما في ذلك الأفكار التي جعلته على ما يبدو غريبا في بلاده. فلا يمكن لإقامته وشغله في فرنسا ان يكون السبب الوحيد لذلك. فقد اقتحم عبد الوهاب المؤدب معاقل خطيرة ولم يعبأ بالتابوهات وآمن بأنه لا شيء يقف امام الفكر النقدي وأمام العقل ولو كانت النصوص المقدسة وهو على يبدو كان كفيلا بأن يجعله بعيدا عن الاهتمام وبعيدا عن دائرة الأضواء وقد تم تغييبه تقريبا بالكامل بعد رحيله.
نشأ عبد الوهاب المدب في عائلة تقليدية تونسية. وكان والده اماما وشجعه منذ الطفولة المبكرة على تعلم القرآن، وزاول تعليمه الابتدائي والثانوي بالمدرسة الصادقية الشهيرة بالعاصمة ( كانت تقدم تعليما باللغتين العربية والفرنسية وكانت تتبع نظاما صارما) قبل أن ينتقل الى باريس ليدرس تاريخ الفن في جامعة السربون. ويعود الفضل لعبد الوهاب المؤدب في التعريف بالحضارة العربية والإسلامية للجماهير الغربية الواسعة خاصة خلال عمله كمستشار ادبي في درا نشر السندباد بفرنسا لسنوات عديدة وأيضا من خلال مشاركاته في المنابر الاعلامية. وقد كان عبد الوهاب المؤدب مهتما بكلاسيكيات الأدب الفرنسي وأيضا بادب الصوفية واضافة إلى عمله الجامعي حيث كان يدرس الادب المقارن بجامعات فرنسية وسويسرية ( أستاذ زائر بسويسرا) كان يشتغل بالصحافة وكان ينشر بعدة مجلات أدبية وكان له حضور بالاذاعة الفرنسية خاصة في برامج ثقافية وتحديدا براديو فرنسا الثقافية وهو إلى جانب ذلك روائي وصدرت له اول رواية بعنوان " طاليسمانو ( 1979). واعتبر النقاد ان الرواية تكتسي بعد طلائعيا لأنها تؤسس لرواية ما بعد الاستعمار باللغة الفرنسية.
لا تنافر بين الإسلام والحداثة والديمقراطية بالعالم الإسلامي ممكنة
ورغم نقده الشديد للحركات الإسلامية التي ظهرت بالخصوص بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ولم يكن يتردد في وصف السلفية الجهادية بالفاشية، فإنه كان يعتقد وهو المؤمن بقوة بالعلمانية أن التوفيق بين الإسلام والحداثة ممكن وان بناء الديمقراطية في العالم الإسلامي عملية ممكنة لو وجدت إرادة حقيقية للتخلص من الفكر الذي يشرع للاستبداد ويستغل النصوص الدينية لتأبيد الحكم الشمولي.
صدرت لعبد الوهاب المؤدب العديد من المؤلفات في مجالات الحضارة والفكر والسياسة نذكر من بينها بالخصوص وربما الأكثر تأثيرا «رهان الحضارات» الصادر في 2009 عن دار «سوي» «Seuil» الفرنسية والذي قدم فيه تحليلا اجتماعيا لظاهرة العنف في الإسلام مشيرا إلى أن كل الديانات السماوية وليس فقط الإسلام تحمل في داخلها ما من شأنه أن يقرأ على انه يبرر العنف.
وقبل ذلك صدر لهكتاب «علّة الإسلام " في 2002 عن نفس دار النشر الفرنسية «سوي» التي جازف فيها بالقول أن موطن الدّاء في أمّة الإسلام موضحا ان النصوص التأسيسية للإسلام وهي القرآن والسنة تفسح المجال لقراءات عديدة موضحا أن قراءة النص الديني كانت في القرون الأولى بعد الإسلام اكثر حرية من اليوم مناديا بإعادة النظر في الأحاديث المنسوبة للرسول برفض البعض مما قاله لأنه ينزه رسول الإسلام عن قوله، وبإصلاح ما شاب بعضها من أخطاء متراكمة بفعل الزمن منذ قرون طويلة.
عبد الوهاب المؤدب كان ينادي باستيعاب تطورات العصر وما بلغه الوعي الإنساني من تقدم وما توفر من أدوات حديثة للتفكير وهو لا يتردد في الدعوة إلى تنزيل النصوص الدينية بما في ذلك النصوص المؤسسة واساسا النص القرآني في العصر وهو من الذين لا يترددون في تحميل المسلمين جانبا من المسؤولية في انتشار الإرهاب ( نحن نتحدث في فترة ما بعد 11 سبتمبر 2001 وخاصة في الفترة التي تلت ما يصطلح عليه بالربيع العربي الذي انطلق من تونس في 14 جانفي 2011)، لعدم الإقرار بأن النص الديني يحمل في جيناته ما يمكن ان يقرأ على انه يشرع للعنف وان المسلمين لا يظهرون ميلا لمناقشة " ايات السيف " ( الايات التي تدعو للقتال والتي يرى عبد الوهاب المؤدب ان الحركات الأصولية العنيفة تتخذها تعلة لتبرير عنفها) مثلا وتنزيلها في سياق العصر.
ويجزم عبد الوهاب المؤدب بان الانسان المسلم بتجنبه أي قراءة نقدية للتراث الديني، يبقى خارج دائرة صنع القرار وخارج التاريخ. وقد ظل المفكر التونسي يطالب بقوة بتغيير المعطيات وبناء الاستراتيجيات التنموية على أسس علمية والتعويل على الكفاءات الوطنية التي تواصل في ظل التهميش، البناء لغيرنا بحكم تفضيلها الهجرة على البقاء في مجتمعات لا تقدر العالم والمفكر والمبدع.
هو أيضا لا ينكر ان الحضارة العربية والإسلامية بلغت مرحلة من التقدم جعلت المسلمين سباقين عن الحديث عن نهاية التاريخ حتى قبل فوكوياما. ما هي العلامات التي كانت تدل على تطور هذه الحضارة؟ هكذا كان يتساءل عبد الوهاب المؤدب، وهو يجيب قائلا: من هذه العلامات انتشار العلوم وازدهار الترجمة والفلسفة. اين نحن من كل ذلك اليوم؟ لا شيء طبعا. وقد سبق ان صرح لنا في حوار اجريناه معه خلال زيارة له لتونس قبل رحيله باعوام قليلة: إن "العالم يتقدم بخطوات عملاقة ونحن مازلنا نتحدّث عن أفضلية الرجال عن النساء" وقد كان لعبد الوهاب المؤدب موقف صريح من ارتداء النقاب الذي انتشر حتى في أوروبا في سياق ما يعرف بالربيع العربي الذي مهد لانتشار الحركات الأصولية الإسلامية او المنتسبة للاسلام وقال لنا في نفس الحديث: "اليس في الوجه تجل لجمال الخالق؟"
لو شهد معركة طوفان الاقصى ؟
بقي علينا ان نشير إلى أن عبد الوهاب المؤدب الذي اهتم كثيرا بعلاقة العرب واليهود وبالصراع العربي الإسرائيلي، قد رحل قبل ان يشهد العدوان الصهيوني الأخير المستمر على غزة منذ اكثر من ثلاثة اشهر وكيف قلبت المقاومة الفلسطينية ومعركة طوفان الأقصى المعطيات لصالح القضية الفلسطينية رغم حجم الدمار وحجم الخسائر البشرية في غزة ونتساءل إزاء ذلك كيف كان سيكون موقفه؟
لا يمكن طبعا الإجابة وقد غادرنا عبد الوهاب المؤدب منذ 2014 تأثرا بالمرض، ولكن نعلم انه كان موجوعا بأمرين: أولا بتاريخ الهزائم العرب في حربهم مع فلسطين. فهو قد عاش النكبة والنكسة واحتلال أجزاء كثيرة من الأراضي العربية ( بفلسطين لبنان سوريا وسيناء بمصر قبل استردادها في حرب أكتوبر) وعاش الخذلان العربي وفشل الجامعة العربية في التعبير عن موقف قوي من الصراع واستعراض القوة الذي تمارسه إسرائيل بما في ذلك الحروب العديدة السابقة على غزة. وثانيا كان موجوعا بالحروب العربية مع الكيان الإسرائيلي التي تكون خاسرة مسبقا نظرا لعدم تكافئ القوة. فلا اعداد ولا تخطيط ولا قبل للعرب بمواجهة الدعاية الصهيونية وهو ما كان لا يجد له تبريرا فالحروب برأيه تدرس ويعد لها العدة عسكريا ولوجستيا ودعائيا أيضا قبل خوضها.
على كل تبقى اعمال عبد الوهاب المؤدب المتنوعة، حتى أنه كان شاعرا ومترجما أيضا واعلاميا، جديرة بالاطلاع وبالتناول النقدي. فهو بخلاف بعض المبادرات القليلة على غرار اللقاء الذي نظمته" بيت الحكمة" لتكريمه في 2019، يبقى شبه مغيب في تونس. جدير بالذكر أن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي كان قد كرمه في 2015 وتسملت عنه زوجته التكريم.
مقابل التجاهل والتغييب حتى في الساحة الأدبية والأكاديمية، في تونس، تعددت المبادرات لتكريم المفكر التونسي ابن المدرسة الصادقية واصيل مدينة تونس، في فرنسا وصدرت عنه العديد من المقالات في الخارج التي حاولت الإحاطة بتجربته والتركيز على اهم ما فيها وهو تلك المحاولة المدروسة للتوفيق بين ثقافتين، ثقافة الشرق وثقافة الغرب.