إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"شغل حرية كرامة وطنية".. ماذا تحقق من شعار التونسيين في الثورة..؟

 

تونس- الصباح

"شغل..، حرية..، كرامة وطنية.."، شعار لخص فيه التونسيون والتونسيات مطالبهم الأساسية التي من أجلها انتفضوا وثاروا وطالبوا بتغيير النظام السياسي وخرجوا منذ 13 عاما مضت ذات 14 جانفي 2011 بالآلاف إلى الشوارع .

لم تنطفئ شعلة المطلبية على امتداد كل هذه السنوات وسجلت مختلف ولايات الجمهورية موجات عالية من الاحتجاجات الاجتماعية، تصاعدت ثم تراجعت، ولم تخرج في مجملها عن فلك شعار الثورة المطالب بالحرية وبالشغل والحياة الكريمة. وطالبت بالحق في الصحة وتحسين وضعية المؤسسات الاستشفائية وبالحق في ماء صالح للشراب وبفك العزلة وبتحسين البنية التحتية وبالحق في النقل العمومي وبتطوير الخدمات الإدارية وبمؤسسات تربوية دون شغورات.. فماذا حقق التونسيون من مطالب ثورتهم.. وماذا بقي لهم من شعارهم الأساسي؟

واقع حريات مهدد ..

سنوات ما بعد ثورة عايش التونسيون والتونسيات خلالها، حالة انفتاح هامة تقدمت خلالها تونس بأكثر من سبعين نقطة في ترتيب حريات الصحافة والتعبير حسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود". فبعد أن كانت تونس تستقر في الجزء الأحمر المنتهك لحرية الصحافة والتعبير في العالم، وتحتل المرتبة 164 من بين 180 دولة سنة 2010. سجل ترتيبها قفزات في سنوات ما بعد الثورة لتحتل المرتبة 72 سنة 2019 وبقيت لسنوات من ضمن أولى الدول العربية من ناحية وضعية حرية الصحافة والتعبير، لكن تؤكد في نفس الوقت كل التقارير الدولية أن وضع الحريات يشهد على امتداد سنوات ما بعد الثورة تهديدات وعدم استقرار.

وتدريجيا وبعد انتخابات المجلس التشريعي والرئاسية نهاية 2019، تغير شكل التقارير وكشفت في مجملها تراجعا في واقع الحريات في تونس أين تدحرجت في ترتيبها حسب منظمة "مراسلون بلا حدود" واحتلت المرتبة 94 سنة2022، مع توقعات "بمزيد التراجع السنة الجارية التي ينتظر أن يكون يوم 3 ماي 2024 الموافق لليوم العالمي لحرية الصحافة موعد الإفصاح عنه من قبل "مراسلون بلا حدود".

غلق لباب التشغيل..

والتطور الذي عايشه التونسيون سنوات ما بعد الثورة في علاقة بحرية الصحافة والتعبير، لم يشمل حسب الإحصائيات والتقارير المنشورة، الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فلم يسجل أي تحسن في نسب البطالة ولم تقدم مؤسسات الدولة أي برامج من اجل الترفيع في حجم الانتدابات في الوظيفة العمومية بل بالعكس كانت تعلن حكومات ما بعد الثورة مع كل قانون ميزانية لها عن غلق لباب الانتداب ورغبة واضحة في التقليص من كتلة العاملين في القطاع العام.

ولم تنجح كل حكومات ما بعد الثورة في التقليص من نسبة البطالة أين استقرت في حدود الـ 16% بعد أن كانت في حدود الـ 13% سنة 2010. وعرفت سنة 2021 أعلاها أين وصلت نسبة البطالة إلى حدود الـ 18%. وتكون هذه النسبة مضاعفة في صفوف العاطلين عن العمل من حاملي الشهائد وخريجي الجامعات التونسية. كما تتفاوت نسب وحجم البطالة بين ولايات الجمهورية، حيث تصدرت منطقة الوسط الغربي معدلات البطالة الوطنية وتعرف نسب بطالة في حدود الـ28.6%، يليها الجنوب الغربي 26.9%، فالجنوب الشرقي بنسبة 24.8%، وتكون أدنى نسب البطالة في المنطقة الشمالية حيث تراوحت بين 17.3% و17.8%.

وبلغة الأرقام يمكن القول أن التقليص من نسب البطالة وتوفير فرص عمل للتونسيين، رغم أنه كان من مطالب الثورة وأحد أبرز أسباب انتفاضة التونسيين ومطالبتهم بإسقاط النظام إلا أن نسبتها تفاقمت بعد الثورة بدل تراجعها.

أزمة اجتماعية..

وأكثر ما تقره تقارير المعهد الوطني للإحصاء خلال السنوات الأخيرة هو الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية المكونة لقفة التونسيين والتي سجلت قفزات هامة كانت في حدود الـ 30% حسب آخر نشرية للمعهد. لتتفاقم أكثر الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وتحتد أكثر نسبة الفقر ليشمل حسب آخر الإحصائيات نحو ربع التونسيين.

وبالاعتماد على المؤشرات الوطنية لواقع الصحة والتعليم والنقل، فبمتابعة وتشخيص للأرقام والإحصائيات المسجلة خلال العشرية السابقة، نجد انه سجل خلالها سنويا تسرب مدرسي لنحو 120 ألف تلميذ، وتتفق كل الهياكل المتداخلة في المنظومة التربوية من نقابات ومختصين ومسيرين، أن التحصيل العلمي عرف تراجعا غير مسبوق وأن حجم هوة الفوارق بين القطاع العام والقطاع الخاص ما انفكت تتسع حتى أن السنوات الخمس الأخيرة عرفت هجرة لنحو 50% من التلاميذ نحو الخاص..

أما بالنسبة لقطاع الصحة والخدمات الاستشفائية، فتكشف التقارير أنها تعيش صعوبات عميقة تشمل البنية التحتية ووضعية المستشفيات ونقص حاد في الإطارات الطبية وشبه الطبية وهو أمر مطروح منذ ما قبل العشرية السابقة.. وعلى امتداد السنوات الماضية كانت حكومات ما بعد الثورة تخص قطاع الصحة بميزانيات ضعيفة للغاية تتقلص من عام إلى آخر ولا تتجاوز نسبتها الـ 5% في الوقت الذي دعت منظمات المجتمع المدني إلى ترفيعها على الأقل إلى نسبة الـ 11%. مع العلم أن السنة الماضية وبصفة استثنائية عرفت الميزانية ارتفاعا بنحو 13% وكانت في حدود الـ 5.5% من حجم ميزانية الدولة.

وبالوصول إلى قطاع النقل العمومي، فلا يختلف اثنان في تونس، على أن الأسطول يشكو نقصا وحالة من العطالة المفرطة، خلف اكتظاظا وتأخرا في الوصول.. وانه في كل مرة يكون خبر تحسين المواقيت ومزيد ضبطها من الأخبار الزائفة غير القابلة للتحقيق.. وحسب مرصد المجلس لا تمثل نفقات الاستثمار إلا 1% من حجم الميزانية المرصودة لوزارة النقل واللوجستيك سنة 2021. وهي نسبة لم تتحسن خلال السنتين الماضيتين. بل بالعكس تفيد تقارير وزارة النقل أن حجم الأسطول تراجع أكثر وأن النقل الحديدي في وضع كارثي. نقطة الضوء الوحيدة هي دخول قطار النقل السريع حيز التشغيل خلال شهر مارس الماضي.

ريم سوودي

 

 

 

 

 

 

"شغل حرية كرامة وطنية"..   ماذا تحقق من شعار التونسيين في الثورة..؟

 

تونس- الصباح

"شغل..، حرية..، كرامة وطنية.."، شعار لخص فيه التونسيون والتونسيات مطالبهم الأساسية التي من أجلها انتفضوا وثاروا وطالبوا بتغيير النظام السياسي وخرجوا منذ 13 عاما مضت ذات 14 جانفي 2011 بالآلاف إلى الشوارع .

لم تنطفئ شعلة المطلبية على امتداد كل هذه السنوات وسجلت مختلف ولايات الجمهورية موجات عالية من الاحتجاجات الاجتماعية، تصاعدت ثم تراجعت، ولم تخرج في مجملها عن فلك شعار الثورة المطالب بالحرية وبالشغل والحياة الكريمة. وطالبت بالحق في الصحة وتحسين وضعية المؤسسات الاستشفائية وبالحق في ماء صالح للشراب وبفك العزلة وبتحسين البنية التحتية وبالحق في النقل العمومي وبتطوير الخدمات الإدارية وبمؤسسات تربوية دون شغورات.. فماذا حقق التونسيون من مطالب ثورتهم.. وماذا بقي لهم من شعارهم الأساسي؟

واقع حريات مهدد ..

سنوات ما بعد ثورة عايش التونسيون والتونسيات خلالها، حالة انفتاح هامة تقدمت خلالها تونس بأكثر من سبعين نقطة في ترتيب حريات الصحافة والتعبير حسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود". فبعد أن كانت تونس تستقر في الجزء الأحمر المنتهك لحرية الصحافة والتعبير في العالم، وتحتل المرتبة 164 من بين 180 دولة سنة 2010. سجل ترتيبها قفزات في سنوات ما بعد الثورة لتحتل المرتبة 72 سنة 2019 وبقيت لسنوات من ضمن أولى الدول العربية من ناحية وضعية حرية الصحافة والتعبير، لكن تؤكد في نفس الوقت كل التقارير الدولية أن وضع الحريات يشهد على امتداد سنوات ما بعد الثورة تهديدات وعدم استقرار.

وتدريجيا وبعد انتخابات المجلس التشريعي والرئاسية نهاية 2019، تغير شكل التقارير وكشفت في مجملها تراجعا في واقع الحريات في تونس أين تدحرجت في ترتيبها حسب منظمة "مراسلون بلا حدود" واحتلت المرتبة 94 سنة2022، مع توقعات "بمزيد التراجع السنة الجارية التي ينتظر أن يكون يوم 3 ماي 2024 الموافق لليوم العالمي لحرية الصحافة موعد الإفصاح عنه من قبل "مراسلون بلا حدود".

غلق لباب التشغيل..

والتطور الذي عايشه التونسيون سنوات ما بعد الثورة في علاقة بحرية الصحافة والتعبير، لم يشمل حسب الإحصائيات والتقارير المنشورة، الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فلم يسجل أي تحسن في نسب البطالة ولم تقدم مؤسسات الدولة أي برامج من اجل الترفيع في حجم الانتدابات في الوظيفة العمومية بل بالعكس كانت تعلن حكومات ما بعد الثورة مع كل قانون ميزانية لها عن غلق لباب الانتداب ورغبة واضحة في التقليص من كتلة العاملين في القطاع العام.

ولم تنجح كل حكومات ما بعد الثورة في التقليص من نسبة البطالة أين استقرت في حدود الـ 16% بعد أن كانت في حدود الـ 13% سنة 2010. وعرفت سنة 2021 أعلاها أين وصلت نسبة البطالة إلى حدود الـ 18%. وتكون هذه النسبة مضاعفة في صفوف العاطلين عن العمل من حاملي الشهائد وخريجي الجامعات التونسية. كما تتفاوت نسب وحجم البطالة بين ولايات الجمهورية، حيث تصدرت منطقة الوسط الغربي معدلات البطالة الوطنية وتعرف نسب بطالة في حدود الـ28.6%، يليها الجنوب الغربي 26.9%، فالجنوب الشرقي بنسبة 24.8%، وتكون أدنى نسب البطالة في المنطقة الشمالية حيث تراوحت بين 17.3% و17.8%.

وبلغة الأرقام يمكن القول أن التقليص من نسب البطالة وتوفير فرص عمل للتونسيين، رغم أنه كان من مطالب الثورة وأحد أبرز أسباب انتفاضة التونسيين ومطالبتهم بإسقاط النظام إلا أن نسبتها تفاقمت بعد الثورة بدل تراجعها.

أزمة اجتماعية..

وأكثر ما تقره تقارير المعهد الوطني للإحصاء خلال السنوات الأخيرة هو الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية المكونة لقفة التونسيين والتي سجلت قفزات هامة كانت في حدود الـ 30% حسب آخر نشرية للمعهد. لتتفاقم أكثر الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وتحتد أكثر نسبة الفقر ليشمل حسب آخر الإحصائيات نحو ربع التونسيين.

وبالاعتماد على المؤشرات الوطنية لواقع الصحة والتعليم والنقل، فبمتابعة وتشخيص للأرقام والإحصائيات المسجلة خلال العشرية السابقة، نجد انه سجل خلالها سنويا تسرب مدرسي لنحو 120 ألف تلميذ، وتتفق كل الهياكل المتداخلة في المنظومة التربوية من نقابات ومختصين ومسيرين، أن التحصيل العلمي عرف تراجعا غير مسبوق وأن حجم هوة الفوارق بين القطاع العام والقطاع الخاص ما انفكت تتسع حتى أن السنوات الخمس الأخيرة عرفت هجرة لنحو 50% من التلاميذ نحو الخاص..

أما بالنسبة لقطاع الصحة والخدمات الاستشفائية، فتكشف التقارير أنها تعيش صعوبات عميقة تشمل البنية التحتية ووضعية المستشفيات ونقص حاد في الإطارات الطبية وشبه الطبية وهو أمر مطروح منذ ما قبل العشرية السابقة.. وعلى امتداد السنوات الماضية كانت حكومات ما بعد الثورة تخص قطاع الصحة بميزانيات ضعيفة للغاية تتقلص من عام إلى آخر ولا تتجاوز نسبتها الـ 5% في الوقت الذي دعت منظمات المجتمع المدني إلى ترفيعها على الأقل إلى نسبة الـ 11%. مع العلم أن السنة الماضية وبصفة استثنائية عرفت الميزانية ارتفاعا بنحو 13% وكانت في حدود الـ 5.5% من حجم ميزانية الدولة.

وبالوصول إلى قطاع النقل العمومي، فلا يختلف اثنان في تونس، على أن الأسطول يشكو نقصا وحالة من العطالة المفرطة، خلف اكتظاظا وتأخرا في الوصول.. وانه في كل مرة يكون خبر تحسين المواقيت ومزيد ضبطها من الأخبار الزائفة غير القابلة للتحقيق.. وحسب مرصد المجلس لا تمثل نفقات الاستثمار إلا 1% من حجم الميزانية المرصودة لوزارة النقل واللوجستيك سنة 2021. وهي نسبة لم تتحسن خلال السنتين الماضيتين. بل بالعكس تفيد تقارير وزارة النقل أن حجم الأسطول تراجع أكثر وأن النقل الحديدي في وضع كارثي. نقطة الضوء الوحيدة هي دخول قطار النقل السريع حيز التشغيل خلال شهر مارس الماضي.

ريم سوودي