تعمقت في الأيام الأخيرة مشكلة النقص المسجل في مادة الخبز. وشهدت مختلف ولايات الجمهورية انتشار الطوابير في انتظار توفر رغيف بأسعار مدعومة.. ووصل الأمر حد اضطرار عدد من المخابز للعمل بنصف وقت أو الغلق ليوم أو يومين أمام عدم توفر مادة الفرينة المدعمة.
وشمل النقص كل جهات الجمهورية وكان وقعه حادا في المعتمديات والقرى التي لم تتوفر في أكثر من يوم على مادة الخبز.
وتتجدد أزمة وفرة الخبز كل فترة ورغم التدخلات التي تقوم بها السلط الرسمية وحملات مواجهة الاحتكار والمضاربة التي تقودها فرق المراقبة منذ أكثر من السنة إلا أن المشكل بقي قائما على امتداد السنة الماضية، حتى أنه كان عنوان تحركات احتجاجية في أكثر من مناسبة حذر مختصون وخبراء في الاقتصاد الاجتماعي،من خطورة تواصلها..
وتتزامن الأزمة مع ذكرى "انتفاضة الخبزة" في 3 جانفي 1984 التي تحتفي تونس اليوم بالذكرى 40 لاندلاعها، لما لهذه المادة من وقع رمزي على حياة التونسيين.
الأزمة المتجددة لفقدان ونقص مادة الخبز، أعادها صادق حبوبي أمين مال غرفة المخابز المصنفة، إلى النسق غير المنتظم الذي تعتمده المطاحن في توزيع مادة الفرينة المدعمة.
وبين محدثنا أن المخابز المصنفة تتمتع بنفس الحصص المنصوص عليها. غير أن وتيرة حصولها على الفرينة المدعمة تغيرت ما اضطرها إلى التأقلم مع ما تحصل عليه من كميات أسبوعيا.
وأفاد حبوبي أن المخابز بصدد الحصول على حصص من الفرينة المدعمة في الكثير من الأحيان لا تغطي حاجياتها الأسبوعية، وهو ما يسجل نقصا في كميات الخبز المنجزة.
وأشار صادق حبوبي إلى أن شهر فيفري من المنتظر أن تنتهي معه أزمة الخبز، ويعود معه نسق توزيع الفرينة المدعمة إلى سالف وتيرته. وكشف أن الشهر قد يكون في نفس الوقت موعدا لانطلاقة صنع نوع جديد من الخبز المدعم للتونسيين يجمع بين الفرينة المدعمة والنخالة. وأكد أمين مال غرفة المخابز أن أسعار الخبز الجديد ستبقى هي نفسها بالنسبة للصنفين الخبز الكبير والخبز الصغير "باقات".
وأضاف محدثنا أن غرفة المخابز قد اقترحت منذ أشهر على وزارة التجارة إيجاد صيغ تمكن من التمييز بين الفرينة المدعمة والفرينة غير المدعمة التي يستخدم في صناعة الخبز بأصنافه الأخرى أو الحلويات، وذلك لإحداث فارق بين النوعين، بما يسمح بالسيطرة على أشكال التلاعب في الدقيق المدعم.
ويقول الصادق حبوبي، أمين مال غرفة المخابز المصنفة، إن إضافة كميات من الألياف للدقيق المخصص لصناعة الخبز المدعم كان مطلباً للمهنيين، من أجل كبح التلاعب في المواد الأولية، والحد من نشاط شبكات المضاربة. منبها في نفس السياق إلى أن الخبز المعزز بالألياف من العادات الغذائية القديمة للتونسيين، حيث كانت الأسر تعتمد بشكل كامل على أصناف من خبز الشعير والسميد والنخالة، قبل أن تنتشر المخابز على كامل تراب الجمهورية في سبعينيات القرن الماضي.
في نفس الوقت علمت "الصباح" أن وزارة التجارة بصدد العمل على صيغ مراقبة جديدة للمخابز المصنفة تقوم على مسح وطني يحدد مكانها ونسق عملها اليومي، سيشكل حلا نهائيا لمشكل النقص المسجل في الخبز منذ فترة.
في نفس الوقت سبق وأعلنت وزارتا التجارة والفلاحة عن قرب الشروع في تسويق صنف مستحدث من الخبز المدعم يحتوي على كميات أكبر من الألياف المستخرجة من الحبوب، والمتمثلة في مادة "لنخالة"، باعتبارها ستكون أفضل لصحة المواطنين.
وقال وزير الفلاحة، عبد المنعم بالعاتي، في تصريح إعلامي، إن الحكومة بصدد تنفيذ إستراتيجية لحوكمة استعمال دقيق القمح اللين المستورد، عبر تغيير تركيبة الخبز المدعم، مؤكداً أنه يجري "العمل على تغيير تركيبة دقيق الخبز المستخرج من القمح اللين إلى نوعية أخرى، ستحافظ على تسعيرة هذه السلعة المدعمة."
وتصنع المخابز يومياً 6.7 ملايين خبزة، منها 3.9 ملايين خبز كبير، و2.7 مليون خبز صغير أو يتعارف عليه بال"باقات"، وهو ما يقابل 6.5 آلاف طن من الفرينة المدعمة، حسب بيانات وزارة التجارة.
ويبلغ السعر الحقيقي للخبز الكبير من دون دعم 465 مليماً للخبزة الواحدة، ويباع للعموم بسعر 230 مليماً، فيما تباع "الباقات" بـ190 مليماً مقابل سعر حقيقي بـ274 مليماً.
ويبلغ عدد المخابز المصنفة بنحو 3317 مخبزة تشغل الواحدة في الحد الأدنى 4 عمال، طبقا لكراس الشروط المنظم لها. وتبلغ الحصة الشهرية للمخبزة بـ118 قنطاراً من الفرينة المدعمة لصناعة الخبز، لصالح شرائح واسعة من التونسيين، إلى جانب تموين مؤسسات الدولة، ومنها المستشفيات والنُّزل الجامعية والسجون والثكنات.
وللتذكير يتوافق اليوم الأربعاء 3جانفي 2024، مع الذكرى 40 لانتفاضة الخبز في تونس. والتي تعود أحداثها إلى إعلان حكومة محمد مزالي في29 ديسمبر 1983، بضغط من صندوق النقد الدولي الذي طالب تونس بتطبيق خطّة تقشّف، خفض الدعم على منتجات الحبوب، وهو الدعم الذي يشكل 10٪ من الموازنة العامة للدولة. لترتفع أسعار منتجات الحبوب آنذاك بنسبة 110٪ وانتقل سعر الخبز على الفور من 80 إلى 170 مليمًا.
في ذات يوم، انتفض أهالي مدينة دوز ضد هذا الإجراء، وسرعان ما اجتاحت الثورة عدة مناطق قبل أن تبلغ العاصمة.
وفي 3 جانفي 1984، تواترت سرعة الاحتجاجات في العاصمة مما تسبب في حدوث مواجهات مفتوحة بين الأمن والجيش من جهة والمتظاهرين من جهة أخرى، والذي أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المواطنين.
وقد تم حينها إعلان حالة الطوارئ في العاصمة علاوة على منع جولان الأشخاص والعربات من الخامسة مساء إلى السادسة صباحا، وشن حملة من الاعتقالات في صفوف من أسموهم بالمخربين والمجرمين إلا أن ذلك لم يمنعهم من مواصلة الاحتجاجات، التي انتهت بعد إعلان رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة التراجع عن تلك الإجراءات وإعادة النظر في الميزانية الجديدة في فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية المنهارة وعدم تحميل المواطن أعباء هذا التدهور.
ريم سوودي
تونس -الصباح
تعمقت في الأيام الأخيرة مشكلة النقص المسجل في مادة الخبز. وشهدت مختلف ولايات الجمهورية انتشار الطوابير في انتظار توفر رغيف بأسعار مدعومة.. ووصل الأمر حد اضطرار عدد من المخابز للعمل بنصف وقت أو الغلق ليوم أو يومين أمام عدم توفر مادة الفرينة المدعمة.
وشمل النقص كل جهات الجمهورية وكان وقعه حادا في المعتمديات والقرى التي لم تتوفر في أكثر من يوم على مادة الخبز.
وتتجدد أزمة وفرة الخبز كل فترة ورغم التدخلات التي تقوم بها السلط الرسمية وحملات مواجهة الاحتكار والمضاربة التي تقودها فرق المراقبة منذ أكثر من السنة إلا أن المشكل بقي قائما على امتداد السنة الماضية، حتى أنه كان عنوان تحركات احتجاجية في أكثر من مناسبة حذر مختصون وخبراء في الاقتصاد الاجتماعي،من خطورة تواصلها..
وتتزامن الأزمة مع ذكرى "انتفاضة الخبزة" في 3 جانفي 1984 التي تحتفي تونس اليوم بالذكرى 40 لاندلاعها، لما لهذه المادة من وقع رمزي على حياة التونسيين.
الأزمة المتجددة لفقدان ونقص مادة الخبز، أعادها صادق حبوبي أمين مال غرفة المخابز المصنفة، إلى النسق غير المنتظم الذي تعتمده المطاحن في توزيع مادة الفرينة المدعمة.
وبين محدثنا أن المخابز المصنفة تتمتع بنفس الحصص المنصوص عليها. غير أن وتيرة حصولها على الفرينة المدعمة تغيرت ما اضطرها إلى التأقلم مع ما تحصل عليه من كميات أسبوعيا.
وأفاد حبوبي أن المخابز بصدد الحصول على حصص من الفرينة المدعمة في الكثير من الأحيان لا تغطي حاجياتها الأسبوعية، وهو ما يسجل نقصا في كميات الخبز المنجزة.
وأشار صادق حبوبي إلى أن شهر فيفري من المنتظر أن تنتهي معه أزمة الخبز، ويعود معه نسق توزيع الفرينة المدعمة إلى سالف وتيرته. وكشف أن الشهر قد يكون في نفس الوقت موعدا لانطلاقة صنع نوع جديد من الخبز المدعم للتونسيين يجمع بين الفرينة المدعمة والنخالة. وأكد أمين مال غرفة المخابز أن أسعار الخبز الجديد ستبقى هي نفسها بالنسبة للصنفين الخبز الكبير والخبز الصغير "باقات".
وأضاف محدثنا أن غرفة المخابز قد اقترحت منذ أشهر على وزارة التجارة إيجاد صيغ تمكن من التمييز بين الفرينة المدعمة والفرينة غير المدعمة التي يستخدم في صناعة الخبز بأصنافه الأخرى أو الحلويات، وذلك لإحداث فارق بين النوعين، بما يسمح بالسيطرة على أشكال التلاعب في الدقيق المدعم.
ويقول الصادق حبوبي، أمين مال غرفة المخابز المصنفة، إن إضافة كميات من الألياف للدقيق المخصص لصناعة الخبز المدعم كان مطلباً للمهنيين، من أجل كبح التلاعب في المواد الأولية، والحد من نشاط شبكات المضاربة. منبها في نفس السياق إلى أن الخبز المعزز بالألياف من العادات الغذائية القديمة للتونسيين، حيث كانت الأسر تعتمد بشكل كامل على أصناف من خبز الشعير والسميد والنخالة، قبل أن تنتشر المخابز على كامل تراب الجمهورية في سبعينيات القرن الماضي.
في نفس الوقت علمت "الصباح" أن وزارة التجارة بصدد العمل على صيغ مراقبة جديدة للمخابز المصنفة تقوم على مسح وطني يحدد مكانها ونسق عملها اليومي، سيشكل حلا نهائيا لمشكل النقص المسجل في الخبز منذ فترة.
في نفس الوقت سبق وأعلنت وزارتا التجارة والفلاحة عن قرب الشروع في تسويق صنف مستحدث من الخبز المدعم يحتوي على كميات أكبر من الألياف المستخرجة من الحبوب، والمتمثلة في مادة "لنخالة"، باعتبارها ستكون أفضل لصحة المواطنين.
وقال وزير الفلاحة، عبد المنعم بالعاتي، في تصريح إعلامي، إن الحكومة بصدد تنفيذ إستراتيجية لحوكمة استعمال دقيق القمح اللين المستورد، عبر تغيير تركيبة الخبز المدعم، مؤكداً أنه يجري "العمل على تغيير تركيبة دقيق الخبز المستخرج من القمح اللين إلى نوعية أخرى، ستحافظ على تسعيرة هذه السلعة المدعمة."
وتصنع المخابز يومياً 6.7 ملايين خبزة، منها 3.9 ملايين خبز كبير، و2.7 مليون خبز صغير أو يتعارف عليه بال"باقات"، وهو ما يقابل 6.5 آلاف طن من الفرينة المدعمة، حسب بيانات وزارة التجارة.
ويبلغ السعر الحقيقي للخبز الكبير من دون دعم 465 مليماً للخبزة الواحدة، ويباع للعموم بسعر 230 مليماً، فيما تباع "الباقات" بـ190 مليماً مقابل سعر حقيقي بـ274 مليماً.
ويبلغ عدد المخابز المصنفة بنحو 3317 مخبزة تشغل الواحدة في الحد الأدنى 4 عمال، طبقا لكراس الشروط المنظم لها. وتبلغ الحصة الشهرية للمخبزة بـ118 قنطاراً من الفرينة المدعمة لصناعة الخبز، لصالح شرائح واسعة من التونسيين، إلى جانب تموين مؤسسات الدولة، ومنها المستشفيات والنُّزل الجامعية والسجون والثكنات.
وللتذكير يتوافق اليوم الأربعاء 3جانفي 2024، مع الذكرى 40 لانتفاضة الخبز في تونس. والتي تعود أحداثها إلى إعلان حكومة محمد مزالي في29 ديسمبر 1983، بضغط من صندوق النقد الدولي الذي طالب تونس بتطبيق خطّة تقشّف، خفض الدعم على منتجات الحبوب، وهو الدعم الذي يشكل 10٪ من الموازنة العامة للدولة. لترتفع أسعار منتجات الحبوب آنذاك بنسبة 110٪ وانتقل سعر الخبز على الفور من 80 إلى 170 مليمًا.
في ذات يوم، انتفض أهالي مدينة دوز ضد هذا الإجراء، وسرعان ما اجتاحت الثورة عدة مناطق قبل أن تبلغ العاصمة.
وفي 3 جانفي 1984، تواترت سرعة الاحتجاجات في العاصمة مما تسبب في حدوث مواجهات مفتوحة بين الأمن والجيش من جهة والمتظاهرين من جهة أخرى، والذي أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المواطنين.
وقد تم حينها إعلان حالة الطوارئ في العاصمة علاوة على منع جولان الأشخاص والعربات من الخامسة مساء إلى السادسة صباحا، وشن حملة من الاعتقالات في صفوف من أسموهم بالمخربين والمجرمين إلا أن ذلك لم يمنعهم من مواصلة الاحتجاجات، التي انتهت بعد إعلان رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة التراجع عن تلك الإجراءات وإعادة النظر في الميزانية الجديدة في فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية المنهارة وعدم تحميل المواطن أعباء هذا التدهور.