إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هل نعدّ شعبا طيب الأعراق؟

بيوتنا آهلة في الليل، قفراء في النهار. نغادرها في غبش الفجر لنعود إليها حين يسقط الظلام

... وجاء الدفتر، وجاء "الكرني"، وجاءت بطاقة المراسلات، سمّها كما شئت. وجاءت الشهائد: شهادة شرف، شهادة استحسان، شهادة رضى...

تنفس الأولياء الصعداء. توقفت الأجواء المحمومة الساخنة المتوترة من طلوع الشمس إلى غسق الليل. تعطى هدنة لحصص التدارك ومبالغها قد تتبعها هدن. متى يحوّلها الإصلاح التربوي إلى هدن طويلة المدى؟ يموت الجمل ولا يرى الناقة، إنّ جيب الأولياء كان مشهودا.

الكلّ في شأن يغنيه.

الأبناء بهواتفهم منشغلون. ترحل لها العيون آناء الليل وأطراف النهار. كل زاوية في البيت محل تنظيف وترتيب بلا هوادة. هكذا تقضي الأمّ عطلتها. أنهج وطرقات وربما حتى أزقة يريد أن ينساها أو يتناساها الأب ولو إلى حين. تذكّره بمواعيد الذهاب والإيّاب إلى المدرسة. تذكره بإيصال الأبناء إلى مراكز اللّغات، إلى المنازل، إلى "الڨراجات". تذكره بإدخال يده إلى جيبه، تذكره بدفتر الصكوك وهو يمضي الورقة تلوى الأخرى. تذكره بجملة لا يريد أن يسمع صداها في أذنيه: "انتهت الأربع حصص". فيردّ بين العبوس والصياح: "بالأمس القريب أعطيتك كذا وكذا".

نحن في بداية العدّ التنازلي للعطلة. حجرة سيزيف تلوح في الأفق القريب... ما أمرّ أن تنسلخ أعمارنا ونحن نعيد الكرّة. ما أشبهنا بالأحمرة التي تحمل أسفارا... لم نقم يوما بإزالة الخازوق الذي دُقّ بأسفلنا... ألفنا الخازوق. صار مشتملا علينا. به نحيى به نعيش. سرى في دمنا. به استطاب عيشنا وراق. فأخلدنا إلى سِنة، إلى نوم، إلى سبات. كلّ على هواه. لا همّ في القلوب. ولا أوزار تنقض الظهور. إننا نحب الخازوق. ورد علينا فمرحبا بوروده. صرنا كلفين به لأنه لا يطيش سهامه.

الخازوق في اللسان العربي عمود من حديد له رأس مذبب يوضع في النار حتى يحمرّ ثم يعذب به المجرم. هل أجرمنا؟ هل ظلمونا؟ هل ظلمنا أنفسنا؟ هل لعنتنا الأرض؟ ألم نماش الزمان أم أننا ماشينا الزمان؟ وأيّ زمان؟

بيوتنا آهلة في الليل، قفراء في النهار. نغادرها في غبش الفجر لنعود إليها حين يسقط الظلام. هل نعدّ شعبا طيبا الأعراق؟ هل نحن نفكر؟ هل نحن بحق نسيطر؟ هل نحن بحق نستشرف؟ أم هل نخوض، نجادل، بعضنا يموج في بعض ونحن في غفلة؟ ... ما أمرّ، ما أشقى أن تكون عيناك مفتوحتين تنظران، ولكنك تعجز عن أن تضع عن قلبك أكنته وعن قلبك وقره. ما أشقى أن نمسح الزجاج بالجرائد ونقرأ بالفنجان. ألم يأن لإعلاميات آخر زمن وهنّ يتحدثن عن المقاومة الفلسطينية في زي "المحفلطات المزفلطات" أن يخجلن من أنفسهن؟ ألم يأن لإعلاميي آخر زمن أن يرتقوا بمستواهم ليصيروا في مستوى الحدث الجلل؟ غزة تقطر دما، تبيت على الطوى تفترش الأرض، تتلحف السماء. عدد شهدائها فاق العشرين ألفا. وبرنامج تلفزي يخوض في مسألة تحريم المزمار.

ما أشقى أن نكون كالأحمرة نحمل الأسفار.

مصدق الشريف

 

 

 

هل نعدّ شعبا طيب الأعراق؟

بيوتنا آهلة في الليل، قفراء في النهار. نغادرها في غبش الفجر لنعود إليها حين يسقط الظلام

... وجاء الدفتر، وجاء "الكرني"، وجاءت بطاقة المراسلات، سمّها كما شئت. وجاءت الشهائد: شهادة شرف، شهادة استحسان، شهادة رضى...

تنفس الأولياء الصعداء. توقفت الأجواء المحمومة الساخنة المتوترة من طلوع الشمس إلى غسق الليل. تعطى هدنة لحصص التدارك ومبالغها قد تتبعها هدن. متى يحوّلها الإصلاح التربوي إلى هدن طويلة المدى؟ يموت الجمل ولا يرى الناقة، إنّ جيب الأولياء كان مشهودا.

الكلّ في شأن يغنيه.

الأبناء بهواتفهم منشغلون. ترحل لها العيون آناء الليل وأطراف النهار. كل زاوية في البيت محل تنظيف وترتيب بلا هوادة. هكذا تقضي الأمّ عطلتها. أنهج وطرقات وربما حتى أزقة يريد أن ينساها أو يتناساها الأب ولو إلى حين. تذكّره بمواعيد الذهاب والإيّاب إلى المدرسة. تذكره بإيصال الأبناء إلى مراكز اللّغات، إلى المنازل، إلى "الڨراجات". تذكره بإدخال يده إلى جيبه، تذكره بدفتر الصكوك وهو يمضي الورقة تلوى الأخرى. تذكره بجملة لا يريد أن يسمع صداها في أذنيه: "انتهت الأربع حصص". فيردّ بين العبوس والصياح: "بالأمس القريب أعطيتك كذا وكذا".

نحن في بداية العدّ التنازلي للعطلة. حجرة سيزيف تلوح في الأفق القريب... ما أمرّ أن تنسلخ أعمارنا ونحن نعيد الكرّة. ما أشبهنا بالأحمرة التي تحمل أسفارا... لم نقم يوما بإزالة الخازوق الذي دُقّ بأسفلنا... ألفنا الخازوق. صار مشتملا علينا. به نحيى به نعيش. سرى في دمنا. به استطاب عيشنا وراق. فأخلدنا إلى سِنة، إلى نوم، إلى سبات. كلّ على هواه. لا همّ في القلوب. ولا أوزار تنقض الظهور. إننا نحب الخازوق. ورد علينا فمرحبا بوروده. صرنا كلفين به لأنه لا يطيش سهامه.

الخازوق في اللسان العربي عمود من حديد له رأس مذبب يوضع في النار حتى يحمرّ ثم يعذب به المجرم. هل أجرمنا؟ هل ظلمونا؟ هل ظلمنا أنفسنا؟ هل لعنتنا الأرض؟ ألم نماش الزمان أم أننا ماشينا الزمان؟ وأيّ زمان؟

بيوتنا آهلة في الليل، قفراء في النهار. نغادرها في غبش الفجر لنعود إليها حين يسقط الظلام. هل نعدّ شعبا طيبا الأعراق؟ هل نحن نفكر؟ هل نحن بحق نسيطر؟ هل نحن بحق نستشرف؟ أم هل نخوض، نجادل، بعضنا يموج في بعض ونحن في غفلة؟ ... ما أمرّ، ما أشقى أن تكون عيناك مفتوحتين تنظران، ولكنك تعجز عن أن تضع عن قلبك أكنته وعن قلبك وقره. ما أشقى أن نمسح الزجاج بالجرائد ونقرأ بالفنجان. ألم يأن لإعلاميات آخر زمن وهنّ يتحدثن عن المقاومة الفلسطينية في زي "المحفلطات المزفلطات" أن يخجلن من أنفسهن؟ ألم يأن لإعلاميي آخر زمن أن يرتقوا بمستواهم ليصيروا في مستوى الحدث الجلل؟ غزة تقطر دما، تبيت على الطوى تفترش الأرض، تتلحف السماء. عدد شهدائها فاق العشرين ألفا. وبرنامج تلفزي يخوض في مسألة تحريم المزمار.

ما أشقى أن نكون كالأحمرة نحمل الأسفار.

مصدق الشريف