إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في اليوم العالمي للغة العربية: حرب غزة وسؤال اللّغة والهوّية

 

كشفت حرب غزة أن العالم العربي والإسلامي لا يزال في حالة استعمار دائم ويعيش حالة من الارتباط المتواصل ومرتهن إلى القوى المتغلبة والمهيمنة

بقلم نوفل سلامة

يأتي هذه المرة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي أقرته الأمم المتحدة في سنة 1973 مناسبة سنوية في يوم 18 ديسمبر من كل سنة في ظرفية حرجة يمر بها العالم العربي والإسلامي نتيجة الحرب المدمرة المفروضة على مدينة غزة وسكانها من المدنيين من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي وآلته الحربية التي تلقى دعما دوليا وخاصة من الولايات المتحدة الامريكية وفي سياق إقليمي وعالمي دقيق بعد التداعيات التي خلفتها العملية العسكرية " طوفان الأقصى" التي قامت بها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس ضد الكيان الإسرائيلي المحتل في يوم 7 أكتوبر المنقضي والتي خلفت اضطرابا كبيرا في العالم كله ورجة مست كل الإنسانية وصدمة في ضمير الشعوب وحركت السواكن وفرضت على الجميع القيام بمراجعات ضرورية وإعادة النظر في كل النظم والمؤسسات والقوانين والترتيبات الدولية والمنظومات الفكرية والمعرفية وصلت إلى حد المطالبة بإعادة النظر في كل منجز الحداثة والمعرفة الغربية وفكرها.

هذه الظرفية التي تعيشها مدينة غزة باعتبارها جزءا من الأمة العربية وهذه السياقات التي تحكم الصراع المتجدد مع الكيان الغاصب المحتل وهذه المناخات العالمية التي تتسم بارتفاع منسوب الغضب عند الشعوب وخاصة شعوب دول الجنوب وشعوب العالم الثالث الفقير من النظام العالمي الحالي المتحكم الذي يقوده الغرب الأطلسي والرفض المتصاعد لكل هياكله ومؤسساته ونظمه المالية والاقتصادية والفكرية والمعرفية والسياسية وتوسع وتيرة احتجاجات الشعوب في كل مدن العالم ضد سياسات القوى المهيمنة في العالم الظالمة وغير العادلة والمنحازة، تحتم أن ننظر اليوم الى كل ما يحدث في غزة خارج الرؤية الضيقة وخارج الاكتفاء بربط الحرب بمجرد صراع إقليمي بين شعب محتل وآخر غاصب للأرض وأن ننظر إلى كل القضايا الأخرى كقضية الهوية واللغة في علاقة بما يحدث في هذه الرقعة من الأرض من صراع ضد الغرب المهيمن بفكره ولغته وهويته وعتاده الحربي.

إن عملية طوفان الأقصى ومعركة غزة قد أوصلت الإنسانية ونحن جزء من هذه الإنسانية إلى درجة ومستوى من الوعي بحقيقة ما يدور حولنا وبحقيقة هذا العالم وبحقيقة حركة التاريخ وحقيقة كيف تدار الأمور ومحركاتها لا يمكن النزول دونها وكشفت لنا عن حقيقة الصراعات الواقعة من حولنا ومحركاتها .. كشفت حرب غزة إلى أية درجة كنا مسلوبي الإرادة وإلى أية درجة تم احتواؤنا وجعلنا في حالة من العجز الدائم والتبعية المتواصلة وإلى أية درجة تم إلهاؤنا بقضايا ثانوية غير مجدية.. كشفت حرب غزة أن العالم العربي ومعه العالم الإسلامي لا يزال إلى اليوم في حالة استعمار دائم ويعيش حالة من الارتباط المتواصل في كل المجالات ومرتهن إلى القوى المتغلبة والمهيمنة رغم أن الاستعمار قد خرج منذ عقود من أوطاننا فإلى اليوم ونحن نعيش في تبعية غذائية وعلمية ومعرفية وفنية ومالية واقتصادية وتجارية وفلاحية الى درجة أنه ليس هناك مجال من هذه المجالات لا نعرف فيه تبعية للآخر.

كشفت حرب غزة عن حجم الاستيلاب الذي نعيشه وعن درجة الضعف والوهن الذي نحن عليه وعلى تحكم المعرفة الغربية في تسيير عقولنا وحيواتنا وأفكارنا ومشاعرنا وعن حجم الانبهار الزائف والمغشوش بكل ما هو حداثة وتقدم وأنوار .. كشفت حرب غزة عن كذبة الحداثة وزيف عصر الأنوار الذي روج له الغرب وحكم به العالم وزيف قيمه وأفكاره ونظرياته وقوانينه ومنظومة حقوقه الكونية.

كشفت حرب غزة أن الغرب لم يتمكن من إضعافنا وجعلنا مسلوبي الإرادة إلا بعد أن ضرب مفهوم الهوية الجامعة وهمش اللسان العربي وحاصره وشوهه وجعل أبناءه لا يتكلمون به بل يتنكرون له وينظرون إلى لغة الضاد نظرة دونية بعد أن روج الغرب الحداثي أن العربية لا يمكن أن تكون لغة العلم ولا منتجة له ولا لغة التقنية والتكنولوجيا وصدقتها الأجيال المتتالية من أمة العرب.

كشفت حرب غزة أن الأمة التي تفقد هويتها وتتخلى عن عناصرها الثابتة التي تحدد ملامحها وما يميزها عن غيرها وما يحدد انتماءها ويحدد وجودها هي امة لا يمكن أن تنتصر. إن الامة التي تضيع لسانها وتنسى حرفها وتعوضه بلسان آخر تراه أكثر جدارة وأكثر قيمة لهي أمة مهزومة لا يمكن ان تنتصر او ان تقود.

كشفت حرب غزة أن الغرب الأطلسي ما كان له أن يستفرد بغزة ويفرض عليها حصارا وحربا ظالمة لا إنسانية ومتنكرة للقيم التي روج لها إلا بعد أن أجبر العرب على فك ارتباطهم مع هويتهم التي جعلها مفكروه مركبة ومتحركة ومتغيرة حتى يسهل التأثير فيها وبعد أن فكوا ارتباطهم مع لغتهم الأم واستبدلوها بلهجات محلية وعامية محلية أو لغات أجنبية أخرى وهي حالة معاصرة من حالات الاستعمار الجديد الذي أحتل أوطاننا من بوابة اللغة والهوية فالسيطرة لها مداخل عديدة ومن أخطر مداخلها ضرب اللغة واحتلال اللسان لذلك كانت حرب غزة استعادة لهذا الوعي بضرورة إعادة النظر في كل المفاهيم والنظريات الغربية التي تتحدث عن الهوية وكل المقاربات التي تعلي من شأن اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية ولحظة وعي واستفاقة بضرورة الاستعلاء اللغوي واستعادة مفهوم الهوية الجامع الأصيل القائم على عناصر ثابتة اللغة عنصر مركزي فيها.

يقول الأديب والكاتب محمد بوحوش "إن سردية الوجع في نظري ليست تلك التي تعرض وجعا خصوصيا من جهة علاقة الإنسان بنفسه وبالآخر وبالحياة وعلاّتها وشجونها أو بالطبيعة وكوارثها أو أيضا بالتجارب المؤلمة المحلية وبالأوطان واغتصابها وسرقة ثرواتها وتفقير شعوبها ، إنما يقودني الحديث خاصة عن وجع العولمة واغتراب الإنسان واستلابه حين تمّحي خصوصيته وهويته ويصبح كائنا منمّطا ومتجانسا وحين تنصهر الثقافات الوطنية والفرعية في الثقافة المعولمة العابرة للأوطان والحدود وحين يصبح الإنسان مجرد رقم تتحكم فيه التكنولوجيا وتضحى مشاعره مقولبة ومعلبة ومنمطة حتى لا نكاد نعير أي اهتمام للمرجعيات والهويات والذوات "

 

 

في اليوم العالمي للغة العربية:  حرب غزة وسؤال اللّغة والهوّية

 

كشفت حرب غزة أن العالم العربي والإسلامي لا يزال في حالة استعمار دائم ويعيش حالة من الارتباط المتواصل ومرتهن إلى القوى المتغلبة والمهيمنة

بقلم نوفل سلامة

يأتي هذه المرة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي أقرته الأمم المتحدة في سنة 1973 مناسبة سنوية في يوم 18 ديسمبر من كل سنة في ظرفية حرجة يمر بها العالم العربي والإسلامي نتيجة الحرب المدمرة المفروضة على مدينة غزة وسكانها من المدنيين من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي وآلته الحربية التي تلقى دعما دوليا وخاصة من الولايات المتحدة الامريكية وفي سياق إقليمي وعالمي دقيق بعد التداعيات التي خلفتها العملية العسكرية " طوفان الأقصى" التي قامت بها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس ضد الكيان الإسرائيلي المحتل في يوم 7 أكتوبر المنقضي والتي خلفت اضطرابا كبيرا في العالم كله ورجة مست كل الإنسانية وصدمة في ضمير الشعوب وحركت السواكن وفرضت على الجميع القيام بمراجعات ضرورية وإعادة النظر في كل النظم والمؤسسات والقوانين والترتيبات الدولية والمنظومات الفكرية والمعرفية وصلت إلى حد المطالبة بإعادة النظر في كل منجز الحداثة والمعرفة الغربية وفكرها.

هذه الظرفية التي تعيشها مدينة غزة باعتبارها جزءا من الأمة العربية وهذه السياقات التي تحكم الصراع المتجدد مع الكيان الغاصب المحتل وهذه المناخات العالمية التي تتسم بارتفاع منسوب الغضب عند الشعوب وخاصة شعوب دول الجنوب وشعوب العالم الثالث الفقير من النظام العالمي الحالي المتحكم الذي يقوده الغرب الأطلسي والرفض المتصاعد لكل هياكله ومؤسساته ونظمه المالية والاقتصادية والفكرية والمعرفية والسياسية وتوسع وتيرة احتجاجات الشعوب في كل مدن العالم ضد سياسات القوى المهيمنة في العالم الظالمة وغير العادلة والمنحازة، تحتم أن ننظر اليوم الى كل ما يحدث في غزة خارج الرؤية الضيقة وخارج الاكتفاء بربط الحرب بمجرد صراع إقليمي بين شعب محتل وآخر غاصب للأرض وأن ننظر إلى كل القضايا الأخرى كقضية الهوية واللغة في علاقة بما يحدث في هذه الرقعة من الأرض من صراع ضد الغرب المهيمن بفكره ولغته وهويته وعتاده الحربي.

إن عملية طوفان الأقصى ومعركة غزة قد أوصلت الإنسانية ونحن جزء من هذه الإنسانية إلى درجة ومستوى من الوعي بحقيقة ما يدور حولنا وبحقيقة هذا العالم وبحقيقة حركة التاريخ وحقيقة كيف تدار الأمور ومحركاتها لا يمكن النزول دونها وكشفت لنا عن حقيقة الصراعات الواقعة من حولنا ومحركاتها .. كشفت حرب غزة إلى أية درجة كنا مسلوبي الإرادة وإلى أية درجة تم احتواؤنا وجعلنا في حالة من العجز الدائم والتبعية المتواصلة وإلى أية درجة تم إلهاؤنا بقضايا ثانوية غير مجدية.. كشفت حرب غزة أن العالم العربي ومعه العالم الإسلامي لا يزال إلى اليوم في حالة استعمار دائم ويعيش حالة من الارتباط المتواصل في كل المجالات ومرتهن إلى القوى المتغلبة والمهيمنة رغم أن الاستعمار قد خرج منذ عقود من أوطاننا فإلى اليوم ونحن نعيش في تبعية غذائية وعلمية ومعرفية وفنية ومالية واقتصادية وتجارية وفلاحية الى درجة أنه ليس هناك مجال من هذه المجالات لا نعرف فيه تبعية للآخر.

كشفت حرب غزة عن حجم الاستيلاب الذي نعيشه وعن درجة الضعف والوهن الذي نحن عليه وعلى تحكم المعرفة الغربية في تسيير عقولنا وحيواتنا وأفكارنا ومشاعرنا وعن حجم الانبهار الزائف والمغشوش بكل ما هو حداثة وتقدم وأنوار .. كشفت حرب غزة عن كذبة الحداثة وزيف عصر الأنوار الذي روج له الغرب وحكم به العالم وزيف قيمه وأفكاره ونظرياته وقوانينه ومنظومة حقوقه الكونية.

كشفت حرب غزة أن الغرب لم يتمكن من إضعافنا وجعلنا مسلوبي الإرادة إلا بعد أن ضرب مفهوم الهوية الجامعة وهمش اللسان العربي وحاصره وشوهه وجعل أبناءه لا يتكلمون به بل يتنكرون له وينظرون إلى لغة الضاد نظرة دونية بعد أن روج الغرب الحداثي أن العربية لا يمكن أن تكون لغة العلم ولا منتجة له ولا لغة التقنية والتكنولوجيا وصدقتها الأجيال المتتالية من أمة العرب.

كشفت حرب غزة أن الأمة التي تفقد هويتها وتتخلى عن عناصرها الثابتة التي تحدد ملامحها وما يميزها عن غيرها وما يحدد انتماءها ويحدد وجودها هي امة لا يمكن أن تنتصر. إن الامة التي تضيع لسانها وتنسى حرفها وتعوضه بلسان آخر تراه أكثر جدارة وأكثر قيمة لهي أمة مهزومة لا يمكن ان تنتصر او ان تقود.

كشفت حرب غزة أن الغرب الأطلسي ما كان له أن يستفرد بغزة ويفرض عليها حصارا وحربا ظالمة لا إنسانية ومتنكرة للقيم التي روج لها إلا بعد أن أجبر العرب على فك ارتباطهم مع هويتهم التي جعلها مفكروه مركبة ومتحركة ومتغيرة حتى يسهل التأثير فيها وبعد أن فكوا ارتباطهم مع لغتهم الأم واستبدلوها بلهجات محلية وعامية محلية أو لغات أجنبية أخرى وهي حالة معاصرة من حالات الاستعمار الجديد الذي أحتل أوطاننا من بوابة اللغة والهوية فالسيطرة لها مداخل عديدة ومن أخطر مداخلها ضرب اللغة واحتلال اللسان لذلك كانت حرب غزة استعادة لهذا الوعي بضرورة إعادة النظر في كل المفاهيم والنظريات الغربية التي تتحدث عن الهوية وكل المقاربات التي تعلي من شأن اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية ولحظة وعي واستفاقة بضرورة الاستعلاء اللغوي واستعادة مفهوم الهوية الجامع الأصيل القائم على عناصر ثابتة اللغة عنصر مركزي فيها.

يقول الأديب والكاتب محمد بوحوش "إن سردية الوجع في نظري ليست تلك التي تعرض وجعا خصوصيا من جهة علاقة الإنسان بنفسه وبالآخر وبالحياة وعلاّتها وشجونها أو بالطبيعة وكوارثها أو أيضا بالتجارب المؤلمة المحلية وبالأوطان واغتصابها وسرقة ثرواتها وتفقير شعوبها ، إنما يقودني الحديث خاصة عن وجع العولمة واغتراب الإنسان واستلابه حين تمّحي خصوصيته وهويته ويصبح كائنا منمّطا ومتجانسا وحين تنصهر الثقافات الوطنية والفرعية في الثقافة المعولمة العابرة للأوطان والحدود وحين يصبح الإنسان مجرد رقم تتحكم فيه التكنولوجيا وتضحى مشاعره مقولبة ومعلبة ومنمطة حتى لا نكاد نعير أي اهتمام للمرجعيات والهويات والذوات "