لا نعرف إن كان العالم سيحفظ ذكرى "سيلا "الطفلة الغزاوية يوما ويجعل لها ولغيرها من أطفال غزة نصبا تذكاريا يجسد حجم المحرقة التي تعرضوا لها في زمن الثورة التكنولوجية ويرفض تكرارها على أي شعب من شعوب الأرض، أو يجعلوا لها معرضا أو متحفا أو مسرحية أو شريطا يخلد ذكراها وذكرى غيرها من الأطفال الشهداء في الضفة والقطاع الذين تواصل آلة الحرب الإسرائيلية قتلهم وتحويلهم كل يوم إلى أشلاء... ولكن نعرف أن العالم ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يدخر جهدا في تخليد ذكرى الطفلة اليهودية "آن فرانك" التي جعلها أشهر ضحايا النازيين على الإطلاق بعد نشر مذكراتها (Journal d’Anne Frank )التي تم العثور عليها بعد وفاتها في مكان اختفائها مع عائلتها عن أعين النازيين...
ليس هناك في الغرب من لا يعرف اسم "آن فرانك" ومن لا يذرف الدمع إذا ذكر اسمها وحكايتها تدرس ضمن كل البرامج التعليمية، كما أنه ليس هناك في الغرب أو الشرق من لا يستنفر إذا ذكرت المحرقة ومن لا يردد لا لتكرار ما حدث أبدا..
نقول هذا الكلام استباقا للأحداث ونقول ذلك ونحن نرصد يوميا تداعيات ومخاطر وخروق سياسة المكيالين والمعايير المزدوجة في التعاطي مع حقوق الشعوب ومع القيم والمبادئ الإنسانية التي يفترض أنها مشتركة ولا تميز بين دين أو جنس أو لون.. وصناع القرار في هذا العالم الذين يستحضرون أحكام وقيم العدالة الدولية في كل خطاباتهم يقفون على الربوة و يراقبون ببرود ولامبالاة فصولا من محرقة العصر التي تدار في غزة ويقبلون باستمرارها وان يكون وقودها الأطفال والنساء...
محرقة ترتكب بآلة الاحتلال الإسرائيلي الممولة والمستوردة من الغرب وبضوء أخضر منه.. وهي محرقة سيكتشف العالم ما خفي من فصولها البشعة بعد نهاية رحى الحرب الدائرة في غزة التي تستنزف منذ أكثر من شهرين وتغرق في دماء أطفالها وأشلائهم المتناثرة...
"سيلا" الغزاوية أيام الصهاينة كما "آن فرانك" أيام النازيين، طفلة فلسطينية لم يكتب لها أن تحقق أحلامها الكثيرة في زمن العنصرية الإسرائيلية المتعطشة للدم، "سيلا" شأنها في ذلك شان مئات الآلاف من أطفال غزة الذين تحولوا إلى وقود للإبادة الجماعية لجيش الاحتلال في القطاع، تقصف وتموت وتضيع جثتها تحت الأنقاض..، "سيلا" كانت تحلم بأشياء كثيرة يحلم بها أطفال في سنها.. "سيلا" كانت تدون أحلامها على دفتر وربما كانت تجد في ذلك وسيلة لتمضية الوقت والهروب من المعاناة اليومية، وربما كانت تتأمل ألا تدوم الحرب طويلا وأن تعود بعد ذلك لتحقيق أحلامها البسيطة ومنها أن تجلس وتأكل طعامها أمام شاشة التلفزيون وأن تتحدث إلى والدها سعات طويلة وأن تسافر كثيرا وأن تنتقل يوما ما من غزة إلى السويد..
"ربما كانت "سيلا" تهرب من قتامة الوضع إلى خيالها الواسع وهي تحلم بنهاية القصف والعودة إلى بيتها الذي تركته ومدرستها وأصدقاؤها لتغرس ورودها وترعاها.. "سيلا" الطفلة الغزاوية رمز لكل الأطفال الذين أبادهم الاحتلال ولم يمهلهم حتى تحقيق أحلامهم والعودة إلى رسومهم وألعابهم.. تجمع كل المنظمات الحقوقية والإنسانية الأممية وغيرها على أن الأطفال في مرمى الاحتلال وأنه لم يسبق أن سجلت أي من الحروب هذه الحصيلة الثقيلة والمرعبة من الأطفال والنساء كما يحدث اليوم في غزة.. نعم كما "آن فرانك" كانت "سيلا" تحلم بانتهاء العدوان، وكانت تحرص على تدوين أحلامها وأولوياتها في مذكراتها على أمل تحقيقها بعد انتهاء العدوان وقد جعلت لها عنوانا "مخططاتي بعد الحرب"..، لم تكن أحلام مستعصية أو مكلفة ولكنها كانت أحلام جميلة وبسيطة كأحلام كل طفل في العالم يتمنى أن ينام في فراش دافئ وأن يستيقظ صباحا ويخرج متى يشاء ويأكل ويشرب ويضحك ويلعب ويلتقي أهله وأصدقاءه.. ومع ذلك فقد استكثر عليها الاحتلال كل ذلك بعد أن قصف منزلها في مخيم النصيرات وقتلها مع كل أفراد عائلتها..
بين صفحات مذكراتها كتبت "سيلا" نص مسرحية رفقة إخوتها وأبناء عمومتها ربما كانت طريقتهم للهروب من قتامة الواقع إلى التمثيل، احد مشاهد المسرحية يصور "سيلا" وقد استيقظت فلم تجد طعاما للفطور..، وهنا ينتهي المشهد ولن تستيقظ سيلا أبدا...
لا تزال يوميات الفتاة اليهودية الألمانية "آن فرانك"، والتي نشرت بعد وفاتها، وهي في سن الخامسة عشرة من أكثر الكتب انتشارا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازيين... ولم يدخر المجتمع الدولي بدءا من الأمم المتحدة إلى الهيئات والمنظمات الأدبية والثقافية جهدا في إحياء ذكرى "آن فرانك" وفرضها في البرامج التربوية حتى لا تسقط المحرقة اليهودية من الذاكرة... ترجمت مذكرات "آن فرانك" لأكثر من ستين لغة وأقيم لها متحف في أمستردام ووضعت صورها في مداخل البلديات الألمانية... وأصبح المنزل الذي اختبأت فيه "آن" وعائلتها من النازيين وجهة الباحثين والمؤرخين في تاريخ النازيين قبل أن تصبح وجهة السياح من كل أنحاء العالم.. كما تم تحويل يوميات "آن فرانك" إلى مسرحية تعرض منذ 1955..، كما تم إنتاج نسخة سينمائية من إخراج جورج ستيفنز في عام 1959...، من حق "سيلا" الغزاوية وحق كل أطفال ضحايا المحرقة المستمرة في غزة أن تقام لهم نصب تذكارية ومتاحف وتدون لهم الموسوعات وتنتج الأفلام تخليدا لذكراهم ورفضا لتكرار ما يحدث لهم.. هل ينتصر الحقوقيون والمؤرخون والأدباء والكتاب والسينمائيون والمسرحيون وغيرهم لـ"سيلا" غزة وشقيقاتها..
اسيا العتروس
لا نعرف إن كان العالم سيحفظ ذكرى "سيلا "الطفلة الغزاوية يوما ويجعل لها ولغيرها من أطفال غزة نصبا تذكاريا يجسد حجم المحرقة التي تعرضوا لها في زمن الثورة التكنولوجية ويرفض تكرارها على أي شعب من شعوب الأرض، أو يجعلوا لها معرضا أو متحفا أو مسرحية أو شريطا يخلد ذكراها وذكرى غيرها من الأطفال الشهداء في الضفة والقطاع الذين تواصل آلة الحرب الإسرائيلية قتلهم وتحويلهم كل يوم إلى أشلاء... ولكن نعرف أن العالم ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يدخر جهدا في تخليد ذكرى الطفلة اليهودية "آن فرانك" التي جعلها أشهر ضحايا النازيين على الإطلاق بعد نشر مذكراتها (Journal d’Anne Frank )التي تم العثور عليها بعد وفاتها في مكان اختفائها مع عائلتها عن أعين النازيين...
ليس هناك في الغرب من لا يعرف اسم "آن فرانك" ومن لا يذرف الدمع إذا ذكر اسمها وحكايتها تدرس ضمن كل البرامج التعليمية، كما أنه ليس هناك في الغرب أو الشرق من لا يستنفر إذا ذكرت المحرقة ومن لا يردد لا لتكرار ما حدث أبدا..
نقول هذا الكلام استباقا للأحداث ونقول ذلك ونحن نرصد يوميا تداعيات ومخاطر وخروق سياسة المكيالين والمعايير المزدوجة في التعاطي مع حقوق الشعوب ومع القيم والمبادئ الإنسانية التي يفترض أنها مشتركة ولا تميز بين دين أو جنس أو لون.. وصناع القرار في هذا العالم الذين يستحضرون أحكام وقيم العدالة الدولية في كل خطاباتهم يقفون على الربوة و يراقبون ببرود ولامبالاة فصولا من محرقة العصر التي تدار في غزة ويقبلون باستمرارها وان يكون وقودها الأطفال والنساء...
محرقة ترتكب بآلة الاحتلال الإسرائيلي الممولة والمستوردة من الغرب وبضوء أخضر منه.. وهي محرقة سيكتشف العالم ما خفي من فصولها البشعة بعد نهاية رحى الحرب الدائرة في غزة التي تستنزف منذ أكثر من شهرين وتغرق في دماء أطفالها وأشلائهم المتناثرة...
"سيلا" الغزاوية أيام الصهاينة كما "آن فرانك" أيام النازيين، طفلة فلسطينية لم يكتب لها أن تحقق أحلامها الكثيرة في زمن العنصرية الإسرائيلية المتعطشة للدم، "سيلا" شأنها في ذلك شان مئات الآلاف من أطفال غزة الذين تحولوا إلى وقود للإبادة الجماعية لجيش الاحتلال في القطاع، تقصف وتموت وتضيع جثتها تحت الأنقاض..، "سيلا" كانت تحلم بأشياء كثيرة يحلم بها أطفال في سنها.. "سيلا" كانت تدون أحلامها على دفتر وربما كانت تجد في ذلك وسيلة لتمضية الوقت والهروب من المعاناة اليومية، وربما كانت تتأمل ألا تدوم الحرب طويلا وأن تعود بعد ذلك لتحقيق أحلامها البسيطة ومنها أن تجلس وتأكل طعامها أمام شاشة التلفزيون وأن تتحدث إلى والدها سعات طويلة وأن تسافر كثيرا وأن تنتقل يوما ما من غزة إلى السويد..
"ربما كانت "سيلا" تهرب من قتامة الوضع إلى خيالها الواسع وهي تحلم بنهاية القصف والعودة إلى بيتها الذي تركته ومدرستها وأصدقاؤها لتغرس ورودها وترعاها.. "سيلا" الطفلة الغزاوية رمز لكل الأطفال الذين أبادهم الاحتلال ولم يمهلهم حتى تحقيق أحلامهم والعودة إلى رسومهم وألعابهم.. تجمع كل المنظمات الحقوقية والإنسانية الأممية وغيرها على أن الأطفال في مرمى الاحتلال وأنه لم يسبق أن سجلت أي من الحروب هذه الحصيلة الثقيلة والمرعبة من الأطفال والنساء كما يحدث اليوم في غزة.. نعم كما "آن فرانك" كانت "سيلا" تحلم بانتهاء العدوان، وكانت تحرص على تدوين أحلامها وأولوياتها في مذكراتها على أمل تحقيقها بعد انتهاء العدوان وقد جعلت لها عنوانا "مخططاتي بعد الحرب"..، لم تكن أحلام مستعصية أو مكلفة ولكنها كانت أحلام جميلة وبسيطة كأحلام كل طفل في العالم يتمنى أن ينام في فراش دافئ وأن يستيقظ صباحا ويخرج متى يشاء ويأكل ويشرب ويضحك ويلعب ويلتقي أهله وأصدقاءه.. ومع ذلك فقد استكثر عليها الاحتلال كل ذلك بعد أن قصف منزلها في مخيم النصيرات وقتلها مع كل أفراد عائلتها..
بين صفحات مذكراتها كتبت "سيلا" نص مسرحية رفقة إخوتها وأبناء عمومتها ربما كانت طريقتهم للهروب من قتامة الواقع إلى التمثيل، احد مشاهد المسرحية يصور "سيلا" وقد استيقظت فلم تجد طعاما للفطور..، وهنا ينتهي المشهد ولن تستيقظ سيلا أبدا...
لا تزال يوميات الفتاة اليهودية الألمانية "آن فرانك"، والتي نشرت بعد وفاتها، وهي في سن الخامسة عشرة من أكثر الكتب انتشارا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازيين... ولم يدخر المجتمع الدولي بدءا من الأمم المتحدة إلى الهيئات والمنظمات الأدبية والثقافية جهدا في إحياء ذكرى "آن فرانك" وفرضها في البرامج التربوية حتى لا تسقط المحرقة اليهودية من الذاكرة... ترجمت مذكرات "آن فرانك" لأكثر من ستين لغة وأقيم لها متحف في أمستردام ووضعت صورها في مداخل البلديات الألمانية... وأصبح المنزل الذي اختبأت فيه "آن" وعائلتها من النازيين وجهة الباحثين والمؤرخين في تاريخ النازيين قبل أن تصبح وجهة السياح من كل أنحاء العالم.. كما تم تحويل يوميات "آن فرانك" إلى مسرحية تعرض منذ 1955..، كما تم إنتاج نسخة سينمائية من إخراج جورج ستيفنز في عام 1959...، من حق "سيلا" الغزاوية وحق كل أطفال ضحايا المحرقة المستمرة في غزة أن تقام لهم نصب تذكارية ومتاحف وتدون لهم الموسوعات وتنتج الأفلام تخليدا لذكراهم ورفضا لتكرار ما يحدث لهم.. هل ينتصر الحقوقيون والمؤرخون والأدباء والكتاب والسينمائيون والمسرحيون وغيرهم لـ"سيلا" غزة وشقيقاتها..