إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

يمثل 17% من استهلاكنا الوطني.. إلغاء دعم ليبيا لمحروقاتها.. يهدد بشلل في ولايات الجنوب!

 

تونس -الصباح

تفكر جديا حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا في إلغاء الدعم على المحروقات في إطار إجراء إصلاح سوق الوقود والتصدي لظاهرة التهريب، قرار سيكون له الأثر الكبير على الجانب التونسي وتداعياته ستشمل في نفس الوقت تجارة البنزين ومورد رزق جزء لابأس به من التونسيين الذين يمتهنون بيع البنزين المهرب.

كما ستجبر على الأغلب الحكومة التونسية على مراجعة حاجياتها من المحروقات ما بعد إلغاء الدعم الليبي.

وتخضع سوق المحروقات غير النظامية أو الموازية، بدورها إلى تقلبات في الأسعار، فتتأثر بمستوى الوفرة ووضع الحدود، فضلا عن حركة الأسعار الرسمية للمحروقات أين ترتفع بمجرد إقرار الحكومة التونسية لزيادات.

وتتركز تجارة البنزين المهرب في أكثر من نصف مدن البلاد التونسية وتعتبر شريان حياة لها، أين تعتمد ولايات الجنوب، تطاوين ومدنين وقابس، في تزودها بالمحروقات أغلب الأحيان على البنزين المهرب من الجانب الليبي في حين تعتمد ولايات الشمال، جندوبة وسليانة والكاف ونسبيا باجة على تهريب المحروقات القادمة من الجانب الجزائري، في أغلب الأحيان أيضا. ويصل إشعاع هذه التجارة غير النظامية للمحروقات إلى ولايات الجنوب الغربي والوسط ليشمل أيضا ولايات قفصة والقصرين وتوزر وسيدي بوزيد والقيروان.

وتقدر دراسة تم نشرها من قبل البنك الدولي، حجم كميات المحروقات المهربة عبر الحدود الليبية التونسية، بنحو الـ495 مليون لتر سنوياً، أي ما يمثل أكثر من 17% من استهلاك المحروقات في تونس.

كما تتخذ التجارة غير النظامية أو تجارة التهريب وفقا لدراسة أعدها معهد "كارنيغي للشرق الأوسط" صدرت عام 2022 ، شكلا هرميا يتكون من 5 إلى 6 آلاف شخص يعملون بشكل مباشر في التجارة البينية تبدأ من العامل وحتى أرباب الأعمال وهم المهربين الكبار.

وتعتبر تجارة البنزين من أبرز الحلول التشغيلية في الولايات الحدودية شمال البلاد وجنوبها، والتي تعرف نسب بطالة عالية تتراوح بين 24% في القصرين و32% في ولاية تطاوين.. وهو ما يفسر حالة التسامح التي تتعامل بها الهياكل الرسمية التونسية مع مهربي الوقود والعاملين على بيعه بالتفصيل..، باعتبار أنه يشكل حلا لأزمة البطالة التي عجزت مختلف حكومات ما بعد الثورة حتى في التخفيف من وطأتها.

 ويعد سعر المحروقات في ليبيا من بين الأرخص في العالم، حيث يبلغ ثمن لتر البنزين نحو 0.031 دولار أي ما يمثل 100 مليم تونسية تقريبا، وهو ما يجعلها تجارة جد مربحة بالنسبة للتونسيين. ولا تستقطب العاطلين عن العمل فقط، بل أصبحت مصدرا للثراء في المناطق الحدودية ويمتهنها حتى موظفو الدولة.

وتقول المختصة في الشأن الاقتصادي إيمان بالعربي، إن البناء الاجتماعي في مدن الجنوب الحدودية قائم بدرجة كبيرة على التجارة البينية التي خلفت مصادر دخل للتجار بمختلف مستوياتهم.

وأكدت المتحدثة وجود هرم اجتماعي متكامل داخل ما يمكن أن يصطلح عليه بتنظيم التجار العاملين في نشاط الوقود المهرب، مشيرة إلى أن من يحملون صفة العمال داخل هذا التنظيم سيكونون الأكثر تضررا وهم فئة واسعة. معتبرة أن أرباب العمل أو كبار المهربين سيكونون أقل تضررا من القرار الليبي نظرا لقدرتهم على تحويل رأس المال نحو فروع أخرى من التجارة البينية ومنها بالأساس تجارة الأدوات الالكترونية.

وترجح المتحدثة أن يصطدم القرار الليبي بممانعة كبيرة من الداخل نظرا أيضا للمكاسب التي يحققها مهربو البنزين في الضفة المقابلة لتونس،ذلك أن التجارة البينية تخضع للتبادل من الجانبين.

وأشارت بالعربي في نفس السياق إلى أن مثل هذا إلغاء الدعم على البنزين الليبي، قرار من شأنه أن يشجع شركات توزيع وبيع المحروقات الرسمية للعودة إلى داخل المناطق التي تعتمد بشكل كبير على البنزين المهرب وهو ما من شأنه أن يزيد في رقم معاملاتها ونسب الضرائب التي تدفعها لفائدة الدولة. خاصة أن استخدام الوقود المهرب على نطاق واسع في الجنوب تسبب في إغلاق العديد من محطات الخدمات التي لم تتمكن من الصمود في السنوات الماضية.

وللإشارة إلى غاية اليوم يواجه قرار إلغاء الدعم على المحروقات وتعويضه ببدل مالي معارضة واسعة من غالبية الليبيين وفقا لاستطلاع رأي أجرته الحكومة مؤخرا. غير أن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، يشدد في تصريحاته الأخيرة على ضرورة اتخاذ هذا القرار ويعتبره الحل الأمثل لمكافحة ظاهرة التهريب، مشيرا إلى "أن نصف ميزانية ليبيا تذهب في دعم الوقود حتى إن أرقام الدعم أصبحت مخيفة، موضحا أن الدولة تشتري بنحو 3.5 دينار وتبيعه بـ0.15 دينار، مشددا على ضرورة تغيير سياسات دعم المحروقات."

ويضيف "أن ليبيا تخسر ما لا يقل عن 750 مليون دولار سنويا نتيجة أنشطة تهريب الوقود غير النظامية، كما زادت مخصصات دعم الوقود في ليبيا لتتجاوز 12 مليار دولار في العام 2022، بزيادة قدرها 5 مليارات دولار مقارنة بالعام 2021. "

ريم سوودي

يمثل 17% من استهلاكنا الوطني..   إلغاء دعم ليبيا لمحروقاتها.. يهدد بشلل في ولايات الجنوب!

 

تونس -الصباح

تفكر جديا حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا في إلغاء الدعم على المحروقات في إطار إجراء إصلاح سوق الوقود والتصدي لظاهرة التهريب، قرار سيكون له الأثر الكبير على الجانب التونسي وتداعياته ستشمل في نفس الوقت تجارة البنزين ومورد رزق جزء لابأس به من التونسيين الذين يمتهنون بيع البنزين المهرب.

كما ستجبر على الأغلب الحكومة التونسية على مراجعة حاجياتها من المحروقات ما بعد إلغاء الدعم الليبي.

وتخضع سوق المحروقات غير النظامية أو الموازية، بدورها إلى تقلبات في الأسعار، فتتأثر بمستوى الوفرة ووضع الحدود، فضلا عن حركة الأسعار الرسمية للمحروقات أين ترتفع بمجرد إقرار الحكومة التونسية لزيادات.

وتتركز تجارة البنزين المهرب في أكثر من نصف مدن البلاد التونسية وتعتبر شريان حياة لها، أين تعتمد ولايات الجنوب، تطاوين ومدنين وقابس، في تزودها بالمحروقات أغلب الأحيان على البنزين المهرب من الجانب الليبي في حين تعتمد ولايات الشمال، جندوبة وسليانة والكاف ونسبيا باجة على تهريب المحروقات القادمة من الجانب الجزائري، في أغلب الأحيان أيضا. ويصل إشعاع هذه التجارة غير النظامية للمحروقات إلى ولايات الجنوب الغربي والوسط ليشمل أيضا ولايات قفصة والقصرين وتوزر وسيدي بوزيد والقيروان.

وتقدر دراسة تم نشرها من قبل البنك الدولي، حجم كميات المحروقات المهربة عبر الحدود الليبية التونسية، بنحو الـ495 مليون لتر سنوياً، أي ما يمثل أكثر من 17% من استهلاك المحروقات في تونس.

كما تتخذ التجارة غير النظامية أو تجارة التهريب وفقا لدراسة أعدها معهد "كارنيغي للشرق الأوسط" صدرت عام 2022 ، شكلا هرميا يتكون من 5 إلى 6 آلاف شخص يعملون بشكل مباشر في التجارة البينية تبدأ من العامل وحتى أرباب الأعمال وهم المهربين الكبار.

وتعتبر تجارة البنزين من أبرز الحلول التشغيلية في الولايات الحدودية شمال البلاد وجنوبها، والتي تعرف نسب بطالة عالية تتراوح بين 24% في القصرين و32% في ولاية تطاوين.. وهو ما يفسر حالة التسامح التي تتعامل بها الهياكل الرسمية التونسية مع مهربي الوقود والعاملين على بيعه بالتفصيل..، باعتبار أنه يشكل حلا لأزمة البطالة التي عجزت مختلف حكومات ما بعد الثورة حتى في التخفيف من وطأتها.

 ويعد سعر المحروقات في ليبيا من بين الأرخص في العالم، حيث يبلغ ثمن لتر البنزين نحو 0.031 دولار أي ما يمثل 100 مليم تونسية تقريبا، وهو ما يجعلها تجارة جد مربحة بالنسبة للتونسيين. ولا تستقطب العاطلين عن العمل فقط، بل أصبحت مصدرا للثراء في المناطق الحدودية ويمتهنها حتى موظفو الدولة.

وتقول المختصة في الشأن الاقتصادي إيمان بالعربي، إن البناء الاجتماعي في مدن الجنوب الحدودية قائم بدرجة كبيرة على التجارة البينية التي خلفت مصادر دخل للتجار بمختلف مستوياتهم.

وأكدت المتحدثة وجود هرم اجتماعي متكامل داخل ما يمكن أن يصطلح عليه بتنظيم التجار العاملين في نشاط الوقود المهرب، مشيرة إلى أن من يحملون صفة العمال داخل هذا التنظيم سيكونون الأكثر تضررا وهم فئة واسعة. معتبرة أن أرباب العمل أو كبار المهربين سيكونون أقل تضررا من القرار الليبي نظرا لقدرتهم على تحويل رأس المال نحو فروع أخرى من التجارة البينية ومنها بالأساس تجارة الأدوات الالكترونية.

وترجح المتحدثة أن يصطدم القرار الليبي بممانعة كبيرة من الداخل نظرا أيضا للمكاسب التي يحققها مهربو البنزين في الضفة المقابلة لتونس،ذلك أن التجارة البينية تخضع للتبادل من الجانبين.

وأشارت بالعربي في نفس السياق إلى أن مثل هذا إلغاء الدعم على البنزين الليبي، قرار من شأنه أن يشجع شركات توزيع وبيع المحروقات الرسمية للعودة إلى داخل المناطق التي تعتمد بشكل كبير على البنزين المهرب وهو ما من شأنه أن يزيد في رقم معاملاتها ونسب الضرائب التي تدفعها لفائدة الدولة. خاصة أن استخدام الوقود المهرب على نطاق واسع في الجنوب تسبب في إغلاق العديد من محطات الخدمات التي لم تتمكن من الصمود في السنوات الماضية.

وللإشارة إلى غاية اليوم يواجه قرار إلغاء الدعم على المحروقات وتعويضه ببدل مالي معارضة واسعة من غالبية الليبيين وفقا لاستطلاع رأي أجرته الحكومة مؤخرا. غير أن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، يشدد في تصريحاته الأخيرة على ضرورة اتخاذ هذا القرار ويعتبره الحل الأمثل لمكافحة ظاهرة التهريب، مشيرا إلى "أن نصف ميزانية ليبيا تذهب في دعم الوقود حتى إن أرقام الدعم أصبحت مخيفة، موضحا أن الدولة تشتري بنحو 3.5 دينار وتبيعه بـ0.15 دينار، مشددا على ضرورة تغيير سياسات دعم المحروقات."

ويضيف "أن ليبيا تخسر ما لا يقل عن 750 مليون دولار سنويا نتيجة أنشطة تهريب الوقود غير النظامية، كما زادت مخصصات دعم الوقود في ليبيا لتتجاوز 12 مليار دولار في العام 2022، بزيادة قدرها 5 مليارات دولار مقارنة بالعام 2021. "

ريم سوودي