إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فيما لم تر مشاريع سابقة النور.. مبادرة إيطالية بريطانية لترحيل المهاجرين الأفارقة في تونس..

 

تونس – الصباح

مبادرة إيطالية- بريطانية جديدة تشمل تونس تهدف لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية، أعلن عنها كل من رئيسي وزراء حكومتي البلدين جورجيا ميلوني من إيطاليا وريشي سوناك عن بريطانيا نهاية الأسبوع المنقضي، إثر اللقاء الرسمي الذي جمعها بروما. واتفق الطرفان على تمويل مشروع لإعادة المهاجرين من بلدان إفريقية في تونس إلى أوطانهم. وذلك عبر وضع خطط للاشتراك في تمويل رحلة العودة لمهاجرين عالقين في تونس، وفقا لبيانين صادرين من البلدين، لكنهما لم يحددا حجم الأموال التي سيتم تقديمها أو تفاصيل هذه الخطط والمبادرة. يأتي ذلك قبل يوم من الاحتفال باليوم العالمي للمهاجرين الذي يتزامن مع 18 ديسمبر من كل عام.

لتضاف هذه الخطوة الإيطالية البريطانية إلى قائمة المبادرات والمشاريع والبرامج التي تتنزل في إطار محاولات الجهات الأوروبية البحث عن مبادرات تكون المخرج الحامل لحلول لهذه الملف الحارق لاسيما بالنسبة للحكومة الإيطالية، باعتبار أن إيطاليا تعد الوجهة الأولى للمهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء القادمين تحديدا عبر  تونس باعتبارها أيضا نقطة العبور الأولى وفق تأكيد التقارير الدولية الخاصة بمتابعة هذا الملف. وسبق أن عبر رئيس الوزراء البريطاني عن توقعه تواصل "اجتياح الهجرة غير الشرعية للبلدان الأوروبية وذلك في حال لم يتم اتخاذ الإجراءات الصارمة المطلوبة وفي الوقت المناسب". واعتبر أن مكافحة المهاجرين غير الشرعيين تتطلب تشديد القواعد الدولية فيما يتعلق باللاجئين. وقال في لقائه الأخير بروما:"إذا لم نتعامل مع هذه المشكلة، فإن الأعداد سوف تتزايد وسوف يبتلع المهاجرون بلداننا".

مقاربة على الأمد الطويل

في سياق متصل أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمار في حوار نشرته إحدى الصحف السويسرية مؤخرا، أن معالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية تتطلب مقاربة على الأمد الطويل تنبني على إرساء شراكات وخلق الثروة في دول المنشأ، ولا يمكن اختزالها في البعد الأمني. وجدد تأكيده في نفس المناسبة على تمسك بلادنا بموقفها الرافض للعب دور "حارس حدود" أو قبول أو تحويلها إلى بلد لتوطين المهاجرين الأفارقة بقوله "تونس ليست حارسة لحدود أوروبا وهي غير مسؤولة عن الأمن في المتوسط ولن تقبل أن يتم دفعها للعب هذا الدور". في المقابل أكد التزام تونس بترحيل مواطنيها المقيمين بطريقة غير نظامية على التراب السويسري مشيرا إلى أنه تم خلال السنة الحالية تسجيل 27 عملية عودة طوعيّة لتونسيين كانوا موجودين في سويسرا.

ويذكر أن ما تضمنته مذكرة التفاهم التونسية الأوروبية التي تم إمضاؤها بين الطرفين بقصر قرطاج في جويلية الماضي، تعد من أبرز المبادرات التي رحبت بها السلطة التونسية وحظيت باستحسان عديد الجهات على مستويين وطني وإقليمي ودولي خاصة أنها تضمنت "حزمة" الشراكة الإستراتيجية الشاملة بما تضمنته من اتفاقات موسعة شملت عدة مجالات، من بينها تعزيز التجارة ومكافحة الهجرة غير النظامية ومراجعة بعض اتفاقيات الشراكة القديمة. لكنها لم تر النور بعد. رغم تعبير الاتحاد الأوروبي في عديد المناسبات عن رغبته الجدية في تنفيذ تلك الاتفاقات. لاسيما بعد دخول تونس على خط السياسة الأورو- تونسية بهدف حلحلة هذا الملف الشائك، نظرا لما خلفه توافد أعداد كبيرة من أبناء بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وتحول الحديث في عدة جهات عن تحول بلادنا من بلد عبور إلى بلد توطين وإقامة في ظل مقترحات بعض الجهات الدافعة لذلك رغم رفض الجهات الرسمية التونسية القاطع لهذه المسألة. إضافة إلى طرح مقاربات أخرى مغاربية وأوروبية وإفريقية لكنها لم تحظ بالتوصل إلى اتفاق نهائي حول برنامج أو مشروع معالجة جذرية للظاهرة التي ما انفكت تتفاقم.

150 ألف مهاجر غير نظامي منذ بداية العام

وتجدر الإشارة إلى أن المرصد الوطني للهجرة أشار إلى أن عدد "الحارقين" من السواحل التونسية الذين وصلوا إلى الأراضي الإيطالية إلى غاية موفى شهر نوفمبر الماضي كان في حدود 79905 مهاجرا، وفق ما أعلنت عنه وزارة الداخلية. فيما نشرت الجهات الرسمية الإيطالية أنه إلى حدود منتصف نوفمبر الماضي وصل إلى أراضيها أكثر من 150 ألف مهاجر وصلوا بشكل غير قانوني عن طريق البحر منذ بداية العام أغلبهم عن طريق تونس، حسبما أفادت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء. وهي أعلى نسبة مقارنة بسنة 2022 التي دخل في أراضيها أكثر من 94 ألف وافد.

 ونشر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن عدد المفقودين في البحر من هؤلاء المهاجرين قارب 800 مفقود بين تونسيين وأفارقة وغيرهم من العرب الباحثين عن فضاء آمن للعيش في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.

 يشار إلى أنه في أكتوبر الماضي، قال رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك إنه قد تندلع حرب أهلية في أوروبا، في ظل الأوضاع الراهنة وتزايد أعداد المهاجرين بطرق غير نظامية والظروف الصعبة التي يعانيها هؤلاء. خاصة أن عدة جهات حقوقية كانت قد حذرت البلدان الأوروبية من سياسة العنصرية والاضطهاد والمعاملات الإنسانية التي تنتهجها أنظمتها تجاه المهاجرين. وهو ما أكده بعض الناشطين في المجتمع المدني من التونسيين المنددين بالممارسات اللاإنسانية ضد التونسيين في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وهو ما يؤكده حالات الوفاة لعدد من المهاجرين التونسيين بالسجون الإيطالية.

فهل تستطيع المبادرة البريطانية الإيطالية الجديدة حل معضلة الهجرة السرية؟، لاسيما أن فكرة بعث مشاريع تنموية في بلدان إفريقيا ومساعدة شعوبها وأنظمتها على التحرر من الأنظمة الاستعمارية والفساد تعد من أبرز العوامل التي يمكنها أن تساهم في الحد من ظاهرة الهجرة وعودة الأفارقة إلى بلدانهم وفق ما دعته له سياسة تونس الخارجية وأيدته عدة جهات دولية، خاصة في ظل صيحات الفزع التي أطلقها مواطنون وعدة جهات أخرى في تونس بعد تزايد أعداد المهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في تونس وانتشارهم بأغلب جهات الجمهورية بعد أن كانت قبلتهم الأولى المدن الساحلية الكبرى أساسا منها صفاقس والمهدية التي يعتبرونها مناطق عبور للضفة الشمالية للمتوسط، في ظل غياب الأرقام التي تحدد عدد هؤلاء، مع تزامن ذلك مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، ومحدودية إمكانيات الدولة التونسية للتصدي لظاهرة "الحرقة" وانتشار المتمعشين منها رغم تشديد القوانين ضد الاتجار بالبشر، فضلا عن رفض تونس لعب دور الحارس للحدود البحرية مع أوروبا.

نزيهة الغضباني

فيما لم تر مشاريع سابقة النور..     مبادرة إيطالية بريطانية لترحيل المهاجرين الأفارقة في تونس..

 

تونس – الصباح

مبادرة إيطالية- بريطانية جديدة تشمل تونس تهدف لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية، أعلن عنها كل من رئيسي وزراء حكومتي البلدين جورجيا ميلوني من إيطاليا وريشي سوناك عن بريطانيا نهاية الأسبوع المنقضي، إثر اللقاء الرسمي الذي جمعها بروما. واتفق الطرفان على تمويل مشروع لإعادة المهاجرين من بلدان إفريقية في تونس إلى أوطانهم. وذلك عبر وضع خطط للاشتراك في تمويل رحلة العودة لمهاجرين عالقين في تونس، وفقا لبيانين صادرين من البلدين، لكنهما لم يحددا حجم الأموال التي سيتم تقديمها أو تفاصيل هذه الخطط والمبادرة. يأتي ذلك قبل يوم من الاحتفال باليوم العالمي للمهاجرين الذي يتزامن مع 18 ديسمبر من كل عام.

لتضاف هذه الخطوة الإيطالية البريطانية إلى قائمة المبادرات والمشاريع والبرامج التي تتنزل في إطار محاولات الجهات الأوروبية البحث عن مبادرات تكون المخرج الحامل لحلول لهذه الملف الحارق لاسيما بالنسبة للحكومة الإيطالية، باعتبار أن إيطاليا تعد الوجهة الأولى للمهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء القادمين تحديدا عبر  تونس باعتبارها أيضا نقطة العبور الأولى وفق تأكيد التقارير الدولية الخاصة بمتابعة هذا الملف. وسبق أن عبر رئيس الوزراء البريطاني عن توقعه تواصل "اجتياح الهجرة غير الشرعية للبلدان الأوروبية وذلك في حال لم يتم اتخاذ الإجراءات الصارمة المطلوبة وفي الوقت المناسب". واعتبر أن مكافحة المهاجرين غير الشرعيين تتطلب تشديد القواعد الدولية فيما يتعلق باللاجئين. وقال في لقائه الأخير بروما:"إذا لم نتعامل مع هذه المشكلة، فإن الأعداد سوف تتزايد وسوف يبتلع المهاجرون بلداننا".

مقاربة على الأمد الطويل

في سياق متصل أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمار في حوار نشرته إحدى الصحف السويسرية مؤخرا، أن معالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية تتطلب مقاربة على الأمد الطويل تنبني على إرساء شراكات وخلق الثروة في دول المنشأ، ولا يمكن اختزالها في البعد الأمني. وجدد تأكيده في نفس المناسبة على تمسك بلادنا بموقفها الرافض للعب دور "حارس حدود" أو قبول أو تحويلها إلى بلد لتوطين المهاجرين الأفارقة بقوله "تونس ليست حارسة لحدود أوروبا وهي غير مسؤولة عن الأمن في المتوسط ولن تقبل أن يتم دفعها للعب هذا الدور". في المقابل أكد التزام تونس بترحيل مواطنيها المقيمين بطريقة غير نظامية على التراب السويسري مشيرا إلى أنه تم خلال السنة الحالية تسجيل 27 عملية عودة طوعيّة لتونسيين كانوا موجودين في سويسرا.

ويذكر أن ما تضمنته مذكرة التفاهم التونسية الأوروبية التي تم إمضاؤها بين الطرفين بقصر قرطاج في جويلية الماضي، تعد من أبرز المبادرات التي رحبت بها السلطة التونسية وحظيت باستحسان عديد الجهات على مستويين وطني وإقليمي ودولي خاصة أنها تضمنت "حزمة" الشراكة الإستراتيجية الشاملة بما تضمنته من اتفاقات موسعة شملت عدة مجالات، من بينها تعزيز التجارة ومكافحة الهجرة غير النظامية ومراجعة بعض اتفاقيات الشراكة القديمة. لكنها لم تر النور بعد. رغم تعبير الاتحاد الأوروبي في عديد المناسبات عن رغبته الجدية في تنفيذ تلك الاتفاقات. لاسيما بعد دخول تونس على خط السياسة الأورو- تونسية بهدف حلحلة هذا الملف الشائك، نظرا لما خلفه توافد أعداد كبيرة من أبناء بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وتحول الحديث في عدة جهات عن تحول بلادنا من بلد عبور إلى بلد توطين وإقامة في ظل مقترحات بعض الجهات الدافعة لذلك رغم رفض الجهات الرسمية التونسية القاطع لهذه المسألة. إضافة إلى طرح مقاربات أخرى مغاربية وأوروبية وإفريقية لكنها لم تحظ بالتوصل إلى اتفاق نهائي حول برنامج أو مشروع معالجة جذرية للظاهرة التي ما انفكت تتفاقم.

150 ألف مهاجر غير نظامي منذ بداية العام

وتجدر الإشارة إلى أن المرصد الوطني للهجرة أشار إلى أن عدد "الحارقين" من السواحل التونسية الذين وصلوا إلى الأراضي الإيطالية إلى غاية موفى شهر نوفمبر الماضي كان في حدود 79905 مهاجرا، وفق ما أعلنت عنه وزارة الداخلية. فيما نشرت الجهات الرسمية الإيطالية أنه إلى حدود منتصف نوفمبر الماضي وصل إلى أراضيها أكثر من 150 ألف مهاجر وصلوا بشكل غير قانوني عن طريق البحر منذ بداية العام أغلبهم عن طريق تونس، حسبما أفادت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء. وهي أعلى نسبة مقارنة بسنة 2022 التي دخل في أراضيها أكثر من 94 ألف وافد.

 ونشر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن عدد المفقودين في البحر من هؤلاء المهاجرين قارب 800 مفقود بين تونسيين وأفارقة وغيرهم من العرب الباحثين عن فضاء آمن للعيش في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.

 يشار إلى أنه في أكتوبر الماضي، قال رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك إنه قد تندلع حرب أهلية في أوروبا، في ظل الأوضاع الراهنة وتزايد أعداد المهاجرين بطرق غير نظامية والظروف الصعبة التي يعانيها هؤلاء. خاصة أن عدة جهات حقوقية كانت قد حذرت البلدان الأوروبية من سياسة العنصرية والاضطهاد والمعاملات الإنسانية التي تنتهجها أنظمتها تجاه المهاجرين. وهو ما أكده بعض الناشطين في المجتمع المدني من التونسيين المنددين بالممارسات اللاإنسانية ضد التونسيين في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وهو ما يؤكده حالات الوفاة لعدد من المهاجرين التونسيين بالسجون الإيطالية.

فهل تستطيع المبادرة البريطانية الإيطالية الجديدة حل معضلة الهجرة السرية؟، لاسيما أن فكرة بعث مشاريع تنموية في بلدان إفريقيا ومساعدة شعوبها وأنظمتها على التحرر من الأنظمة الاستعمارية والفساد تعد من أبرز العوامل التي يمكنها أن تساهم في الحد من ظاهرة الهجرة وعودة الأفارقة إلى بلدانهم وفق ما دعته له سياسة تونس الخارجية وأيدته عدة جهات دولية، خاصة في ظل صيحات الفزع التي أطلقها مواطنون وعدة جهات أخرى في تونس بعد تزايد أعداد المهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في تونس وانتشارهم بأغلب جهات الجمهورية بعد أن كانت قبلتهم الأولى المدن الساحلية الكبرى أساسا منها صفاقس والمهدية التي يعتبرونها مناطق عبور للضفة الشمالية للمتوسط، في ظل غياب الأرقام التي تحدد عدد هؤلاء، مع تزامن ذلك مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، ومحدودية إمكانيات الدولة التونسية للتصدي لظاهرة "الحرقة" وانتشار المتمعشين منها رغم تشديد القوانين ضد الاتجار بالبشر، فضلا عن رفض تونس لعب دور الحارس للحدود البحرية مع أوروبا.

نزيهة الغضباني