لا أحد يواجه أبدا عملا خالصا مجيدا دائما لأنه تقوده بشكل جيد نظرية صحيحة، ولا تحريضا مثيرا للشفقة غائبا عن التفكير ! .
هناك عقل وفكر في كل فعل، وكل شيء يعكس الفعل الإنساني، أو بالأحرى طريقة عمل الأشياء .
إن المشكلة المركزية للطريقة المحددة لممارسة السياسة ليست ما إذا كان يجب أن تستنير بنظرية تأتي من الخارج .
إنها مسؤولية ووظيفة .
من ناحية، معرفة مدى الثقة التي يضعها كل شخص في قدرته على تغيير العالم ، ومن ناحية أخرى، فهم أن هناك دائمًا شيء واحد آخر على الأقل للقيام بما تم القيام به .
اذكر هذه الحادثة ، التي نقلها إليَّ احد مرافقي ومن المقرّبين من الزعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة .
بعد خروج الفلسطينيين من بيروت ولجوئهم الى تونس عام 1982 إبان اجتياح لبنان وترك منظمة التحرير لمصيرها ، رست الباخرة في ميناء بنزرت على متنها آلاف المناضلين المقاتلين الفلسطينيين .
لم يكن بورقيبة في استقبال الفلسطينيين بل كانت وسيلة بورقيبة التي كانت تجمعها علاقات قوية جدا مع القيادة الفلسطينية وعلى رئسها ابو عمار وأبو إياد ، ووزير الداخلية يومها إدريس قيقة ، اللذين سهرا على نقلهم فيما بعد الى جهة وادي الزرقاء حيث أقيم لهم معسكر ..
بعد فترة طلب الرئيس الراحل ياسر عرفات لقاء الزعيم بورقيبة لشكره على احتضان تونس للمقاومة.
حُدِّد لعرفات موعد في الصباح ، كان في حدود الساعة التاسعة ، حلّ موكب عرفات بالقصر الرئاسي بقرطاج والتحق بقاعة الجلوس في انتظار بورقيبة الذي كان جالسا كعادته كلّ يوم على كرسي بالحديقة يتأمل مشهد البحر ، اتّجه اليه مدير التشريفات يومها عبد المجيد القروي ليبلغه بالموعد ، لم يجبه بورقيبة ، بقي صامتا ، ثمّ عاد اليه القروي مرّة أخرى ، كان نفس الموقف ، خاف القروي على بورقيبة فاستنجد بعلالة العويتي وعمر الشاذلي ، التقى الجميع حول بورقيبة و و لا يجيب ، مرّت دقائق ليستفيق المجاهد الأكبر ويتوجّه اليهم بجملة واحدة و هي الآتية : " لو تستقلّ فلسطين و يتحقّق حلم الدولة تعالوا الى قبري و (....) عليه ".
كان بورقيبة يدرك حجم الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني و التنازع حول الزعامة والنفوذ واحتكار القضية .
لكن الأهم بقي ما عاشه من ردود فعل حول خطابه في اريحا و استتباعات ذلك من حملات ضدّه شخصيا وضدّ تونس نقطة سوداء في ذاكرته.
اليوم وما قد يغيب عن البعض انّ من يصنع القرار الفلسطيني الخارجي ، بل من يعدّا أكثر الشخصيات الفلسطينية تاثيرا في السياسات العربية راهنا هما شخصيتان فلسطينيتان قد لا يعلم ذلك الكثيرون هما عزمي بشارة ومحمد دحلان .
عندما التقيت في عديد المناسبات سواء في تونس او في باريس ذلك المفكر التنويري العفيف الاخضر ، لطالما حدّثني عن السنوات التي قضاها في العاصمة اللبنانية بيروت ، و كيف كان يلقي الدروس التكوينية و التاطيرية لكبار كوادر منظمة التحرير الفلسطينية .
كان يجتهد و يتّجه الى تأسيس سردية تفكير عقلاني في منطق الثورة ، التي بقدر ما هي متفرقة في تعدد الأساليب والمناهج والطرق وكذلك المتطلبات والمرجعيات .. بقدر ما تنشد هدفا واحدا وهو النصر .
الثورات كثيرة، لا تنتظر خروج حزب من عفويتها، وتتقاطع معها عدة أنظمة مفاهيمية. ومن ثم فإن الصيغة الجيدة ليست تلك التي توجه الفعل إلى فكرة الهيمنة والقوة بقدر ما هي التي ترى في أسلوب الفعل ، ورفع المحظورات، والمستحيلات، من خلال تعيين موضوع الصراع على أنه معلوم و مرئي ومعنى الفعل هو إظهار المتباين ، إن نهاية الفعل لا تتمثل في الإقحام في ما هو موجود، بل في إعادة رسم نموذج الحياة المشتركة دائمًا.
كأن يدرك رفضه إخضاع الفعل والفكر في العمل السياسي للانضباط الحزبي للثورة والفكر الماركسي وكذلك للفكر الجامعي.
كان العفيف الأخضر على غرار الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة سابقا لعصره ، فلا احد من العرب تحديدا الفلسطينيين انخرط في موقف المجاهد الأكبر بالقبول بمقترحه الذي أعلنه في خطاب أريحا في 1965، على أساس قرار تقسيم فلسطين، الصادر عن الأمم المتحدة، في 22 نوفمبر 1947 ، و ذلك استنادا لقرارات الشرعية الدولية ، كما و في جانب آخر لا احد من الكوادر الفلسطينية وحتى ان وجدت عملت على تحديد ذلك الأفق السياسي الجامع للقضية كما أراد ان يؤسّس له المفكّر التونسي العفيف الأخضر .
إذا كان هناك من يستحق أن يكون خصماً لنا فهو الجهل ، ولا يوجد أجمل من الفوز عليه.
ابوبكر الصغير .
لا أحد يواجه أبدا عملا خالصا مجيدا دائما لأنه تقوده بشكل جيد نظرية صحيحة، ولا تحريضا مثيرا للشفقة غائبا عن التفكير ! .
هناك عقل وفكر في كل فعل، وكل شيء يعكس الفعل الإنساني، أو بالأحرى طريقة عمل الأشياء .
إن المشكلة المركزية للطريقة المحددة لممارسة السياسة ليست ما إذا كان يجب أن تستنير بنظرية تأتي من الخارج .
إنها مسؤولية ووظيفة .
من ناحية، معرفة مدى الثقة التي يضعها كل شخص في قدرته على تغيير العالم ، ومن ناحية أخرى، فهم أن هناك دائمًا شيء واحد آخر على الأقل للقيام بما تم القيام به .
اذكر هذه الحادثة ، التي نقلها إليَّ احد مرافقي ومن المقرّبين من الزعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة .
بعد خروج الفلسطينيين من بيروت ولجوئهم الى تونس عام 1982 إبان اجتياح لبنان وترك منظمة التحرير لمصيرها ، رست الباخرة في ميناء بنزرت على متنها آلاف المناضلين المقاتلين الفلسطينيين .
لم يكن بورقيبة في استقبال الفلسطينيين بل كانت وسيلة بورقيبة التي كانت تجمعها علاقات قوية جدا مع القيادة الفلسطينية وعلى رئسها ابو عمار وأبو إياد ، ووزير الداخلية يومها إدريس قيقة ، اللذين سهرا على نقلهم فيما بعد الى جهة وادي الزرقاء حيث أقيم لهم معسكر ..
بعد فترة طلب الرئيس الراحل ياسر عرفات لقاء الزعيم بورقيبة لشكره على احتضان تونس للمقاومة.
حُدِّد لعرفات موعد في الصباح ، كان في حدود الساعة التاسعة ، حلّ موكب عرفات بالقصر الرئاسي بقرطاج والتحق بقاعة الجلوس في انتظار بورقيبة الذي كان جالسا كعادته كلّ يوم على كرسي بالحديقة يتأمل مشهد البحر ، اتّجه اليه مدير التشريفات يومها عبد المجيد القروي ليبلغه بالموعد ، لم يجبه بورقيبة ، بقي صامتا ، ثمّ عاد اليه القروي مرّة أخرى ، كان نفس الموقف ، خاف القروي على بورقيبة فاستنجد بعلالة العويتي وعمر الشاذلي ، التقى الجميع حول بورقيبة و و لا يجيب ، مرّت دقائق ليستفيق المجاهد الأكبر ويتوجّه اليهم بجملة واحدة و هي الآتية : " لو تستقلّ فلسطين و يتحقّق حلم الدولة تعالوا الى قبري و (....) عليه ".
كان بورقيبة يدرك حجم الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني و التنازع حول الزعامة والنفوذ واحتكار القضية .
لكن الأهم بقي ما عاشه من ردود فعل حول خطابه في اريحا و استتباعات ذلك من حملات ضدّه شخصيا وضدّ تونس نقطة سوداء في ذاكرته.
اليوم وما قد يغيب عن البعض انّ من يصنع القرار الفلسطيني الخارجي ، بل من يعدّا أكثر الشخصيات الفلسطينية تاثيرا في السياسات العربية راهنا هما شخصيتان فلسطينيتان قد لا يعلم ذلك الكثيرون هما عزمي بشارة ومحمد دحلان .
عندما التقيت في عديد المناسبات سواء في تونس او في باريس ذلك المفكر التنويري العفيف الاخضر ، لطالما حدّثني عن السنوات التي قضاها في العاصمة اللبنانية بيروت ، و كيف كان يلقي الدروس التكوينية و التاطيرية لكبار كوادر منظمة التحرير الفلسطينية .
كان يجتهد و يتّجه الى تأسيس سردية تفكير عقلاني في منطق الثورة ، التي بقدر ما هي متفرقة في تعدد الأساليب والمناهج والطرق وكذلك المتطلبات والمرجعيات .. بقدر ما تنشد هدفا واحدا وهو النصر .
الثورات كثيرة، لا تنتظر خروج حزب من عفويتها، وتتقاطع معها عدة أنظمة مفاهيمية. ومن ثم فإن الصيغة الجيدة ليست تلك التي توجه الفعل إلى فكرة الهيمنة والقوة بقدر ما هي التي ترى في أسلوب الفعل ، ورفع المحظورات، والمستحيلات، من خلال تعيين موضوع الصراع على أنه معلوم و مرئي ومعنى الفعل هو إظهار المتباين ، إن نهاية الفعل لا تتمثل في الإقحام في ما هو موجود، بل في إعادة رسم نموذج الحياة المشتركة دائمًا.
كأن يدرك رفضه إخضاع الفعل والفكر في العمل السياسي للانضباط الحزبي للثورة والفكر الماركسي وكذلك للفكر الجامعي.
كان العفيف الأخضر على غرار الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة سابقا لعصره ، فلا احد من العرب تحديدا الفلسطينيين انخرط في موقف المجاهد الأكبر بالقبول بمقترحه الذي أعلنه في خطاب أريحا في 1965، على أساس قرار تقسيم فلسطين، الصادر عن الأمم المتحدة، في 22 نوفمبر 1947 ، و ذلك استنادا لقرارات الشرعية الدولية ، كما و في جانب آخر لا احد من الكوادر الفلسطينية وحتى ان وجدت عملت على تحديد ذلك الأفق السياسي الجامع للقضية كما أراد ان يؤسّس له المفكّر التونسي العفيف الأخضر .
إذا كان هناك من يستحق أن يكون خصماً لنا فهو الجهل ، ولا يوجد أجمل من الفوز عليه.