دكاترة خاضوا كل الأشكال النضالية السلمية ..فقدوا زملاء قبل أن يشتغلوا وشبعوا تسويفا ومماطلة من كل الحكومات
بقلم: ريم بالخذيري
يقاس تحضّر المجتمعات بمدى احترام وتقدير نخبها من طرف الحكومات و المؤسسات وعامة الشعب . ويأتي المدرسون على قائمة هذه النخب من المعلّم الى الأستاذ فالأستاذ الجامعي.فهؤلاء يمثّلون النواة الصلبة للمجتمع وصمّام الأمان لمستقبله وهم صنّاع المستقبل بامتياز.
ويبقى الأستاذ الجامعي الحلقة الأهم لأنه يقدّم عصارة سنوات من التعليم للطلبة و يهيّئهم لدخول سوق الشغل .
وبالتالي فهؤلاء لهم أولوية التشغيل وأولوية البحث وعادة لا يعانون من البطالة في دول أخرى.بل ان عددا من الدول تشكو نقصا كبيرا في هذه الإطارات.
الامر ليس على النحو الذي ذكرنا في تونس التي بها حوالي 8000 آلاف من الدكاترة معطّلين عن العمل مقابل 2500 يدرّسون ما يبرّر الحاجة الاكيدة لسدّ الكثير من الشغورات في مختلف الكليات والمدارس العليا لكن ما يحصل مع هؤلاء أمر لم يعد محتملا وبات هذا الملف محرجا للحكومة ولابدّ من إيجاد حلول جذرية له.
هؤلاء يمثلون 382 اختصاص من اختصاصات التعليم العالي وآخر الاحصائيات قبل اغلاق باب الانتداب تشير الى أنه بين سنة 2013 و2019 تم انتداب فقط 1378 دكتور من جملة 9010 متحصل على شهادة الدكتوراه أي ما يعادل 15 بالمائة من عدد الدكاترة المعطلين عن العمل .
كما أنّ الطلبة الذين هم بصدد اعداد رسالة الدكتوراه هم اليوم في حدود10 ألف طالب .
وهذا العدد وجب أن يكون مصدر فخرا لتونس فعلى سبيل المثال في المغرب يوجد حوالي 2500 دكتور عاطل عن العمل مقابل أقل من 2000 يشتغلون على 38 مليون نسمة .
هؤلاء الدكاترة خاضوا كل الأشكال النضالية السلمية وقاموا بالمئات من الاحتجاجات وفقدوا زملاء خلال العشرية الأخيرة قبل أن يشتغلوا وقد شبعوا تسويفا ومماطلة من كل الحكومات.
ولمّا بقي الملفّ يراوح مكانه قرّر هؤلاء القيام بمسيرة "الأقدام الحافية" ولمسافة تقدّر بحوالي 130كلم حيث انطلقت من أمام كلية الحقوق بسوسة يوم 25 نوفمبر سيرا على الأقدام في اتجاه قصر الحكومة بالقصبة. بعد أن خاضوا احتجاج الأمعاء الخاوية و الاعتصام بوزارة التعليم العالي .ولكن حتى خلال وقفتهم الاحتجاجية في القصبة لم يكلّف أي مسؤول عناء الحديث منهم والاستماع لطلباتهم.
حلول مرفوضة
يرفض هؤلاء الدكاترة الحلول الترقيعية التي تقدّم لهم كلّ مرة والتي لا تستجيب للحدّ الأدنى من طموحاتهم وآخرها اعلان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على فتح مناظرة لانتداب 1131 باحثاً ومدرساً بعد الحصول على ترخيص من وزارة المالية في تونس.
المناظرة المرتقبة يرى الدكاترة المعطلين أنها لن تحل مشكلتهم ، علماً أن باب الانتدابات مغلق منذ أكثر من سبعة أعوام. وهم يعتبرون أن الطالب المتحصل على شهادة الدكتوراه يمر عبر لجنة متكونة من خمسة دكاترة ويعد نشريات دولية لذلك من غير المعقول الحديث عن مناظرة لاختبارهم وهم يطالبون بالانتداب المباشر وهذا من حقهم.
كما أن آلية التشغيل الهش التي تعتمدها الوزارة لسدّ الشغورات تعدّ إهانة في حق دكاترة قضوا أكثر من عشرين سنة على مقاعد الدراسة حيث مقابل حوالي 800د هي حصيلة الساعات القليلة التي تضمن في هذه العقود والتي يحصّلها الدكتور أحيانا من أكثر من كلية.
تكلفة باهظة وأموال مهدورة
هؤلاء الدكاترة من حقّ المجتمع الذي صرف عليهم أن يستفيد منهم فالواحد منهم تكلّف على المجموعة الوطنية أموالا طائلة فمعدّل دراستهم الجامعية 8 سنوات .
وفي أخر بيانات إحصائية نشرتها وزارة التعليم العالي تشير الى أن معدل الكلفة السنوية للطالب الواحد في القطاع العمومي بلغت 7532 دينارا سنة 2022.
بمعنى الواحد من هؤلاء تكلفته الجملية في حدود 60 ألف دينار ويكون الرقم فلكيا حينما نتحدث عن 8 آلاف دكتور.
حلول متاحة
يدرك هؤلاء الدكاترة من حقهم الانتداب المباشر في مكانهم الطبيعي وهو الجامعة لكن ذلك لا ينفي إمكانية استيعابهم في عدد من الأماكن الأخرى وذلك عبر:
*إدراج شهادة الدكتوراه في السلم الوظيفي لأنها غير معترف بها حاليا.
* إرساء ثقافة البحث العلمي في كل الوزارات والقطاعات، وعدم بقاء الانتدابات حكراً على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
*فتح مجال الانتداب لهؤلاء عبر وكالة التعاون الفني وإلغاء شرط الخبرة فكلهم تقريبا درسوا بالجامعات كمتعاونين .
* مزيد فتح المواد المدرّسة في الاختصاصات العلمية للمواد الأدبية والعكس بالعكس .
* مضاعفة ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ولو على حساب قطاعات فالأهم هو البحث العلمي واستيعاب هؤلاء الباحثين.
مسيرة الأقدام الحافية رسالة قوية من هؤلاء الدكاترة نتمنى أن يصل صداها للحكومة وتعمل من أجل حلّ هذه المعضلة التي لم يعد حلّها ينتظر مزيدا من التأخير. كما أن هؤلاء وجهوا نداء استغاثة الى رئيس الجمهورية الملمّ بملفهم وقد كان زراهم حينما نفذوا اعتصامهم في بهو وزارة التعليم العالمي شتاء 2021.
دكاترة خاضوا كل الأشكال النضالية السلمية ..فقدوا زملاء قبل أن يشتغلوا وشبعوا تسويفا ومماطلة من كل الحكومات
بقلم: ريم بالخذيري
يقاس تحضّر المجتمعات بمدى احترام وتقدير نخبها من طرف الحكومات و المؤسسات وعامة الشعب . ويأتي المدرسون على قائمة هذه النخب من المعلّم الى الأستاذ فالأستاذ الجامعي.فهؤلاء يمثّلون النواة الصلبة للمجتمع وصمّام الأمان لمستقبله وهم صنّاع المستقبل بامتياز.
ويبقى الأستاذ الجامعي الحلقة الأهم لأنه يقدّم عصارة سنوات من التعليم للطلبة و يهيّئهم لدخول سوق الشغل .
وبالتالي فهؤلاء لهم أولوية التشغيل وأولوية البحث وعادة لا يعانون من البطالة في دول أخرى.بل ان عددا من الدول تشكو نقصا كبيرا في هذه الإطارات.
الامر ليس على النحو الذي ذكرنا في تونس التي بها حوالي 8000 آلاف من الدكاترة معطّلين عن العمل مقابل 2500 يدرّسون ما يبرّر الحاجة الاكيدة لسدّ الكثير من الشغورات في مختلف الكليات والمدارس العليا لكن ما يحصل مع هؤلاء أمر لم يعد محتملا وبات هذا الملف محرجا للحكومة ولابدّ من إيجاد حلول جذرية له.
هؤلاء يمثلون 382 اختصاص من اختصاصات التعليم العالي وآخر الاحصائيات قبل اغلاق باب الانتداب تشير الى أنه بين سنة 2013 و2019 تم انتداب فقط 1378 دكتور من جملة 9010 متحصل على شهادة الدكتوراه أي ما يعادل 15 بالمائة من عدد الدكاترة المعطلين عن العمل .
كما أنّ الطلبة الذين هم بصدد اعداد رسالة الدكتوراه هم اليوم في حدود10 ألف طالب .
وهذا العدد وجب أن يكون مصدر فخرا لتونس فعلى سبيل المثال في المغرب يوجد حوالي 2500 دكتور عاطل عن العمل مقابل أقل من 2000 يشتغلون على 38 مليون نسمة .
هؤلاء الدكاترة خاضوا كل الأشكال النضالية السلمية وقاموا بالمئات من الاحتجاجات وفقدوا زملاء خلال العشرية الأخيرة قبل أن يشتغلوا وقد شبعوا تسويفا ومماطلة من كل الحكومات.
ولمّا بقي الملفّ يراوح مكانه قرّر هؤلاء القيام بمسيرة "الأقدام الحافية" ولمسافة تقدّر بحوالي 130كلم حيث انطلقت من أمام كلية الحقوق بسوسة يوم 25 نوفمبر سيرا على الأقدام في اتجاه قصر الحكومة بالقصبة. بعد أن خاضوا احتجاج الأمعاء الخاوية و الاعتصام بوزارة التعليم العالي .ولكن حتى خلال وقفتهم الاحتجاجية في القصبة لم يكلّف أي مسؤول عناء الحديث منهم والاستماع لطلباتهم.
حلول مرفوضة
يرفض هؤلاء الدكاترة الحلول الترقيعية التي تقدّم لهم كلّ مرة والتي لا تستجيب للحدّ الأدنى من طموحاتهم وآخرها اعلان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على فتح مناظرة لانتداب 1131 باحثاً ومدرساً بعد الحصول على ترخيص من وزارة المالية في تونس.
المناظرة المرتقبة يرى الدكاترة المعطلين أنها لن تحل مشكلتهم ، علماً أن باب الانتدابات مغلق منذ أكثر من سبعة أعوام. وهم يعتبرون أن الطالب المتحصل على شهادة الدكتوراه يمر عبر لجنة متكونة من خمسة دكاترة ويعد نشريات دولية لذلك من غير المعقول الحديث عن مناظرة لاختبارهم وهم يطالبون بالانتداب المباشر وهذا من حقهم.
كما أن آلية التشغيل الهش التي تعتمدها الوزارة لسدّ الشغورات تعدّ إهانة في حق دكاترة قضوا أكثر من عشرين سنة على مقاعد الدراسة حيث مقابل حوالي 800د هي حصيلة الساعات القليلة التي تضمن في هذه العقود والتي يحصّلها الدكتور أحيانا من أكثر من كلية.
تكلفة باهظة وأموال مهدورة
هؤلاء الدكاترة من حقّ المجتمع الذي صرف عليهم أن يستفيد منهم فالواحد منهم تكلّف على المجموعة الوطنية أموالا طائلة فمعدّل دراستهم الجامعية 8 سنوات .
وفي أخر بيانات إحصائية نشرتها وزارة التعليم العالي تشير الى أن معدل الكلفة السنوية للطالب الواحد في القطاع العمومي بلغت 7532 دينارا سنة 2022.
بمعنى الواحد من هؤلاء تكلفته الجملية في حدود 60 ألف دينار ويكون الرقم فلكيا حينما نتحدث عن 8 آلاف دكتور.
حلول متاحة
يدرك هؤلاء الدكاترة من حقهم الانتداب المباشر في مكانهم الطبيعي وهو الجامعة لكن ذلك لا ينفي إمكانية استيعابهم في عدد من الأماكن الأخرى وذلك عبر:
*إدراج شهادة الدكتوراه في السلم الوظيفي لأنها غير معترف بها حاليا.
* إرساء ثقافة البحث العلمي في كل الوزارات والقطاعات، وعدم بقاء الانتدابات حكراً على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
*فتح مجال الانتداب لهؤلاء عبر وكالة التعاون الفني وإلغاء شرط الخبرة فكلهم تقريبا درسوا بالجامعات كمتعاونين .
* مزيد فتح المواد المدرّسة في الاختصاصات العلمية للمواد الأدبية والعكس بالعكس .
* مضاعفة ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ولو على حساب قطاعات فالأهم هو البحث العلمي واستيعاب هؤلاء الباحثين.
مسيرة الأقدام الحافية رسالة قوية من هؤلاء الدكاترة نتمنى أن يصل صداها للحكومة وتعمل من أجل حلّ هذه المعضلة التي لم يعد حلّها ينتظر مزيدا من التأخير. كما أن هؤلاء وجهوا نداء استغاثة الى رئيس الجمهورية الملمّ بملفهم وقد كان زراهم حينما نفذوا اعتصامهم في بهو وزارة التعليم العالمي شتاء 2021.