اختلال توازن الترسانة القانونية المكونة للنظام الضريبي نتيجة طبيعية للصلاحيات غير المتلائمة التي تتمتع بها وزارة المالية
بقلم: إسكندر السلامي(*)
كلما تواجه المطالب بالأداء مع إدارة الضرائب في تونس سواء بمناسبة مراجعة وضعيته الضريبية أو بمناسبة نزاع ضريبي ينشب بينهما أدركت أن ميزان القوى منخرم بشكل تكون معه الكفة لصالح إدارة الضرائب. ويعود ذلك إلى ما تملكه هذه الإدارة من صلاحيات وسلطة وامكانيات لا يملك أمامها خصومها من الضمانات ما يكفي لجعل هذه المواجهة متوازنة تراعى فيها مبادئ العدالة والإنصاف. وتفاقم هذا الوضع لغيابالمساءلة وضعف الضمانات القانونية مما جعل بعض المطالبين بالضريبة ضحايا لهذه المواجهات غير العادلة. وتبرز اثار هذا الاختلال في اللامبالاة والتعنت اللذين يبرزان في مواقف الإدارة وإجاباتها على عرائض المواطنين والتيتتسم بعدم الجدية وغياب التعليل أحيانا.بالإضافة إلى ما نجده في إجاباتها من مخالفات للقانون.
ومن أوجه هذا الاختلال ما يمكن أن يتوصل إليه المرء من إجابات سلبية على ما يمكن أن يطرحه على نفسه من الأسئلة. ذلك أنه بمناسبة التعرض إلى صلاحيات إدارة الضرائبوسعيا إلى البحث عن الضمانات المقابلة لها ترتد إليه الإجابات سلبية. ويتبين له أن القانون بقدر ما اعتنى بالإدارة من خلال مدها بصلاحيات واسعة لم يبذل العناية نفسها لتوفير حماية للمطالبين بالضريبة تقيهم التعسف في ممارسة إدارة الضرائب سلطتها.
الاستحواذ على الوظيفة التشريعية
يمكن اعتبار اختلال توازن الترسانة القانونية المكونة للنظام الضريبي التونسي نتيجة طبيعية للصلاحيات والمهام غير المتلائمة التي تتمتع بها وزارة المالية. ومن بين تلك الصلاحيات احتكارها للمبادرات التشريعية في المادة الضريبية وهوما مكنها من تدعيم صلاحياتها في مجال المراقبة والاستخلاص على حساب المطالب بالضريبة. وتعد سيطرة وزارة المالية على التشريع الضريبيأحد الأشكال البارزة لتضارب المصالح. ونتج عنهذه السيطرة على المبادرات التشريعية محدودية الضمانات القانونية التي يتضمنها القانون التونسي من جهة وتراكم الصلاحيات غير المتلائمة مع السلطات الواسعة التي تتمتع بها مصالح مراقبة الأداءات من جهة أخرى. وهو ما يجعل من المنظومة الضريبية التونسية مخيفة نتيجة ما تراكمه من صلاحيات شبه مطلقة.
وتكمن خطورة هذه الصلاحيات فيما ينتج عنها من تأثير في الوضعيات القانونية والمالية للمطالبين بالضريبة دون أن تكون لديهم من الضمانات ما يكفي للتوقي من الانحرافات والأخطاء الناتجة عن ممارستها. وأدى استفراد وزارة المالية بالمبادرات التشريعية في المجال الضريبي إلى حرية كبيرة في استعمال الصلاحيات ووسائل المراجعة.وقد أدى ذلك إلى عديد المظالم والأضرارلغياب ضوابط قانونية. وتدعم ذلك من خلال توليها بنفسها تفسير الأحكام القانونية وذلك بإصدارها للمذكرات العامة التي توجه بها تطبيق الأحكام القانونية في المادة الضريبية واستعمالها في مراقبة المطالبين بالضريبة.
وزارة المالية تقيم نفسها بنفسها في مزيد من تضارب المصالح
ومما يزيد في انعدام التوازن الذي تعرفه المنظومة الضريبية في تونس غياب تقييم محايد تقوم به جهة حكومية مستقلة عن وزارة المالية تختص بتقييم المنظومات القانونية والإدارية بالاعتماد على المعايير المحلية والدولية. فوزارة المالية تدير بنفسها عملية تقييم النظام الضريبي الذي تصنعه من خلال المجلس الوطني للجباية. هذا المجلس الذي ترأسه وتديره بنفسها بطريقة غير متوازنة وغير شفافة. ويتضح انعدام التوازن من خلال تركيبة المجلس التي تتسم بتفوق عدد ممثلي وزارة المالية على باقي ممثلي الأطراف المكونة للمجلس. بالإضافة إلى غياب أثر معلوم لنتائج أعماله ذلك أنه لم ينشر منذ إحداثه أية تقارير. وفي مقابل ذلك لم تلتزم وزارة المالية بنتائج التقييمات وعمليات التشخيص التي قامت بها جهات محايدة على غرار التقييم الذي قامت بها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية سنة 2013 ومخرجات برنامج تبسيط الإجراءات الجبائية والديوانية ومخرجات الإصلاح الجبائي خاصة تلك التي تعزز ضمانات المطالب بالضريبة.
الاستحواذ على الصلح ومزيد من تضارب المصالح
من خلال قوانين المالية الصادرة منذ سنة 2011 يمكن أن نقف على عديد النصوص التي تبين كيف أن وزارة المالية أدارت المبادرات التشريعية في اتجاه الالتفاف على ضمانات المطالبين بالضريبة. ومن ذلك استحواذها على إجراءات المصالحة والتي كانت قبل سنة 2011 تتم تحت رعاية المحاكم. ويجدر التذكير أن عدم تجاوب أعوان مراقبة الأداءات مع القاضي المتعهد بالمرحلة الصلحية أدى إلى إفشال دوره وهو ما اتخذته وزارة المالية ذريعة للاستحواذ على الصلح في المادة الضريبية. فألغت المرحلة الصلحية أمام القضاء ووضعتها تحت اشرافها بإحداث خطة الموفق الجبائي ضمن قانون المالية لسنة 2011 لتعهد إليه بإجراءات الصلح في المادة الضريبية من خلال اللجنة الوطنية واللجان الجهوية للمصالحة التي تم تجريدها من أية فاعلية.
ويتضح الاستحواذ على الصلح في المادة الضريبية من خلال انعدام القيمة القانونية لمواقف لجان المصالحة التي لا تتمتع بالإلزامية. إذ ينص القانون المنظم لها على أن اراءها استشارية وأنه لا يمكنها البت في الخلافات التي تنشأ عن الاختلاف في تأويل القانون. كما نص القانون ذاته على أنه لا يمكن الاحتجاج بآراء اللجان الصلحية أمام القضاء. بالإضافة إلى ذلك فإن تركيبة هذه اللجان تتميز بانعدام التوازن وذلك بتفوق عدد الأعضاء الممثلين لإدارة الضرائب مقارنة بعدد الأعضاء الذين يمثلون المطالب بالضريبة. زيادة على ذلك يترأس اللجان الجهوية للمصالحة رؤساء مراكز مراقبة الأداءات الذين يمثلون خصوم المطالب بالضريبة في الملفات التي تعرض على هذه اللجان. فرؤساء اللجان الجهوية هم الذين يشرفون ويمضون على نتائج المراقبة الجبائية المعروضة على اللجنة الجهوية للمصالحة بناء على طلب المطالب بالضريبة. ونتيجة ذلك أصبح خصم المطالب بالضريبة هو من يدير عملية الصلح ليصبح الخصم هو نفسه الحكم.
وتمثل وضعية الصلح في المادة الضريبية صورة بليغة لتضارب المصالح الذي تعرفه المنظومة الضريبية في تونس. وقد أدت وضعية تضارب المصالح التي يمثلها استحواذ وزارة المالية على المبادرات التشريعية إلى خلق مزيد من تضارب المصالح على مستوى إجراءات المراقبة على غرار ما الت اليه وضعية الصلح في المادة الضريبية.
وتجدر الإشارة إلى أن ما تقوم به وزارة المالية من مبادرات تشريعية في المادة الضريبية تستفيد منها في توسيع صلاحيات المراقبة وتعديل نسب الأداءات والمعاليم من أجل تحصيل الموارد التي تسعى إلى تحقيقها يمثل صورة بليغة لتضارب المصالح والذي يمثل بدوره انحرافا بالوظيفة التشريعية نتيجة تسخيرها لخدمة أهداف الوزارة بعيدا عن المعايير القانونية والمصلحة العامة. ويفترض أن يضع مجلس نواب الشعب حدا لمثل هذه الوضعياتحماية للمواطنين وحفاضا على الأمان القانوني للأشخاص والمؤسسات وضمانا للاستقلالية الوظيفة التشريعية واحترامها للمعايير.
*مستشار جبائي
اختلال توازن الترسانة القانونية المكونة للنظام الضريبي نتيجة طبيعية للصلاحيات غير المتلائمة التي تتمتع بها وزارة المالية
بقلم: إسكندر السلامي(*)
كلما تواجه المطالب بالأداء مع إدارة الضرائب في تونس سواء بمناسبة مراجعة وضعيته الضريبية أو بمناسبة نزاع ضريبي ينشب بينهما أدركت أن ميزان القوى منخرم بشكل تكون معه الكفة لصالح إدارة الضرائب. ويعود ذلك إلى ما تملكه هذه الإدارة من صلاحيات وسلطة وامكانيات لا يملك أمامها خصومها من الضمانات ما يكفي لجعل هذه المواجهة متوازنة تراعى فيها مبادئ العدالة والإنصاف. وتفاقم هذا الوضع لغيابالمساءلة وضعف الضمانات القانونية مما جعل بعض المطالبين بالضريبة ضحايا لهذه المواجهات غير العادلة. وتبرز اثار هذا الاختلال في اللامبالاة والتعنت اللذين يبرزان في مواقف الإدارة وإجاباتها على عرائض المواطنين والتيتتسم بعدم الجدية وغياب التعليل أحيانا.بالإضافة إلى ما نجده في إجاباتها من مخالفات للقانون.
ومن أوجه هذا الاختلال ما يمكن أن يتوصل إليه المرء من إجابات سلبية على ما يمكن أن يطرحه على نفسه من الأسئلة. ذلك أنه بمناسبة التعرض إلى صلاحيات إدارة الضرائبوسعيا إلى البحث عن الضمانات المقابلة لها ترتد إليه الإجابات سلبية. ويتبين له أن القانون بقدر ما اعتنى بالإدارة من خلال مدها بصلاحيات واسعة لم يبذل العناية نفسها لتوفير حماية للمطالبين بالضريبة تقيهم التعسف في ممارسة إدارة الضرائب سلطتها.
الاستحواذ على الوظيفة التشريعية
يمكن اعتبار اختلال توازن الترسانة القانونية المكونة للنظام الضريبي التونسي نتيجة طبيعية للصلاحيات والمهام غير المتلائمة التي تتمتع بها وزارة المالية. ومن بين تلك الصلاحيات احتكارها للمبادرات التشريعية في المادة الضريبية وهوما مكنها من تدعيم صلاحياتها في مجال المراقبة والاستخلاص على حساب المطالب بالضريبة. وتعد سيطرة وزارة المالية على التشريع الضريبيأحد الأشكال البارزة لتضارب المصالح. ونتج عنهذه السيطرة على المبادرات التشريعية محدودية الضمانات القانونية التي يتضمنها القانون التونسي من جهة وتراكم الصلاحيات غير المتلائمة مع السلطات الواسعة التي تتمتع بها مصالح مراقبة الأداءات من جهة أخرى. وهو ما يجعل من المنظومة الضريبية التونسية مخيفة نتيجة ما تراكمه من صلاحيات شبه مطلقة.
وتكمن خطورة هذه الصلاحيات فيما ينتج عنها من تأثير في الوضعيات القانونية والمالية للمطالبين بالضريبة دون أن تكون لديهم من الضمانات ما يكفي للتوقي من الانحرافات والأخطاء الناتجة عن ممارستها. وأدى استفراد وزارة المالية بالمبادرات التشريعية في المجال الضريبي إلى حرية كبيرة في استعمال الصلاحيات ووسائل المراجعة.وقد أدى ذلك إلى عديد المظالم والأضرارلغياب ضوابط قانونية. وتدعم ذلك من خلال توليها بنفسها تفسير الأحكام القانونية وذلك بإصدارها للمذكرات العامة التي توجه بها تطبيق الأحكام القانونية في المادة الضريبية واستعمالها في مراقبة المطالبين بالضريبة.
وزارة المالية تقيم نفسها بنفسها في مزيد من تضارب المصالح
ومما يزيد في انعدام التوازن الذي تعرفه المنظومة الضريبية في تونس غياب تقييم محايد تقوم به جهة حكومية مستقلة عن وزارة المالية تختص بتقييم المنظومات القانونية والإدارية بالاعتماد على المعايير المحلية والدولية. فوزارة المالية تدير بنفسها عملية تقييم النظام الضريبي الذي تصنعه من خلال المجلس الوطني للجباية. هذا المجلس الذي ترأسه وتديره بنفسها بطريقة غير متوازنة وغير شفافة. ويتضح انعدام التوازن من خلال تركيبة المجلس التي تتسم بتفوق عدد ممثلي وزارة المالية على باقي ممثلي الأطراف المكونة للمجلس. بالإضافة إلى غياب أثر معلوم لنتائج أعماله ذلك أنه لم ينشر منذ إحداثه أية تقارير. وفي مقابل ذلك لم تلتزم وزارة المالية بنتائج التقييمات وعمليات التشخيص التي قامت بها جهات محايدة على غرار التقييم الذي قامت بها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية سنة 2013 ومخرجات برنامج تبسيط الإجراءات الجبائية والديوانية ومخرجات الإصلاح الجبائي خاصة تلك التي تعزز ضمانات المطالب بالضريبة.
الاستحواذ على الصلح ومزيد من تضارب المصالح
من خلال قوانين المالية الصادرة منذ سنة 2011 يمكن أن نقف على عديد النصوص التي تبين كيف أن وزارة المالية أدارت المبادرات التشريعية في اتجاه الالتفاف على ضمانات المطالبين بالضريبة. ومن ذلك استحواذها على إجراءات المصالحة والتي كانت قبل سنة 2011 تتم تحت رعاية المحاكم. ويجدر التذكير أن عدم تجاوب أعوان مراقبة الأداءات مع القاضي المتعهد بالمرحلة الصلحية أدى إلى إفشال دوره وهو ما اتخذته وزارة المالية ذريعة للاستحواذ على الصلح في المادة الضريبية. فألغت المرحلة الصلحية أمام القضاء ووضعتها تحت اشرافها بإحداث خطة الموفق الجبائي ضمن قانون المالية لسنة 2011 لتعهد إليه بإجراءات الصلح في المادة الضريبية من خلال اللجنة الوطنية واللجان الجهوية للمصالحة التي تم تجريدها من أية فاعلية.
ويتضح الاستحواذ على الصلح في المادة الضريبية من خلال انعدام القيمة القانونية لمواقف لجان المصالحة التي لا تتمتع بالإلزامية. إذ ينص القانون المنظم لها على أن اراءها استشارية وأنه لا يمكنها البت في الخلافات التي تنشأ عن الاختلاف في تأويل القانون. كما نص القانون ذاته على أنه لا يمكن الاحتجاج بآراء اللجان الصلحية أمام القضاء. بالإضافة إلى ذلك فإن تركيبة هذه اللجان تتميز بانعدام التوازن وذلك بتفوق عدد الأعضاء الممثلين لإدارة الضرائب مقارنة بعدد الأعضاء الذين يمثلون المطالب بالضريبة. زيادة على ذلك يترأس اللجان الجهوية للمصالحة رؤساء مراكز مراقبة الأداءات الذين يمثلون خصوم المطالب بالضريبة في الملفات التي تعرض على هذه اللجان. فرؤساء اللجان الجهوية هم الذين يشرفون ويمضون على نتائج المراقبة الجبائية المعروضة على اللجنة الجهوية للمصالحة بناء على طلب المطالب بالضريبة. ونتيجة ذلك أصبح خصم المطالب بالضريبة هو من يدير عملية الصلح ليصبح الخصم هو نفسه الحكم.
وتمثل وضعية الصلح في المادة الضريبية صورة بليغة لتضارب المصالح الذي تعرفه المنظومة الضريبية في تونس. وقد أدت وضعية تضارب المصالح التي يمثلها استحواذ وزارة المالية على المبادرات التشريعية إلى خلق مزيد من تضارب المصالح على مستوى إجراءات المراقبة على غرار ما الت اليه وضعية الصلح في المادة الضريبية.
وتجدر الإشارة إلى أن ما تقوم به وزارة المالية من مبادرات تشريعية في المادة الضريبية تستفيد منها في توسيع صلاحيات المراقبة وتعديل نسب الأداءات والمعاليم من أجل تحصيل الموارد التي تسعى إلى تحقيقها يمثل صورة بليغة لتضارب المصالح والذي يمثل بدوره انحرافا بالوظيفة التشريعية نتيجة تسخيرها لخدمة أهداف الوزارة بعيدا عن المعايير القانونية والمصلحة العامة. ويفترض أن يضع مجلس نواب الشعب حدا لمثل هذه الوضعياتحماية للمواطنين وحفاضا على الأمان القانوني للأشخاص والمؤسسات وضمانا للاستقلالية الوظيفة التشريعية واحترامها للمعايير.