إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الف تحية والف سلام لمجاهدي غزة وفلسطين

 

 

الحركة الصهيونية ظهرت في أوروبا خلال القرن 19 كحركة قومية صهيونية تأثرت بالحركات القومية الأوروبية

بقلم: البشير الشريف

إن المسلمين اليوم يزيد عددهم عن المليار والنصف ولا نملك ونحن في منتهى الحزن والألم ما يجري الآن في غزة وفلسطين من ظلم وهدم وقتل وتشريد وتجويع وحصار وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى وهدم المشافي والمصحات من طرف إخوان القردة والخنازير المتوشحين الظالمين المجرمين السفاكين لدماء الأبرياء السالمين المسلمين الفاقدين لأبسط قواعد الإنسانية الصهائنة المجرمين الملعونين والحاقدين على الإسلام والمسلمين بغزة وفلسطين، يعجز المرء عن إيجاد الكلمة التي يستطيع ان يعبر بها عن خسة ونذالة وعداوة القائمين بها فالألسنة قاصرة عن التعبير والأقلام قاصرة عن التسطير ومع ذلك فإن السكوت عن هذه الفضائع التي تندى منها الإنسانية جريمة في حق إخواننا وأشقائنا في غزة وما حولها مما يوجب على الأمة العربية الإسلامية تكثيف الجهود والأفكار الصائبة والجرأة الفائقة في اتجاه عمل جاد وحازم وبناء يساعد أبطالنا ومجاهدينا في غزة وما حولها حتى يتمكنوا من دحض المجرمين عن وطنهم واسترداد حقوقهم المشروعة في أرضهم ووطنهم وبيان تاريخهم ليتصدوا لمحاولات المجرمين الصهاينة طماسة وكلنا أمل أن زهرة المدائن القدس مدينة القبلة الأولى والإسراء والمعراج وثالث الحرمين الشريفين يجب أن تبذل في سبيلها كل جهود الأمة العربية الإسلامية حتى تتحرر من الظلم والقهر ويتصل بذلك حبل التاريخ الذي انقطع بسبب الاحتلال الصهيوني الغاشم.

هذا وإثر قرار التقسيم الجائر عام 1947 هب الشعب التونسي المتجذر في عروبته وإسلامه كالرجل الواحد لمقاومة هذا القرار الظالم والفظيع وما تركه في نفوس التونسيين من آلام وأحزان والتنديد به باعتباره حملة صليبية عاشرة جديدة على غزة وفلسطين بل على العالم العربي الإسلامي بكامله.

وبعد اليوم الأول من قرار التقسيم صدرت كل الصحف العربية مجللة بالسواد داعية لمقاومته والتنديد به وعمت المظاهرات كل المدن التونسية وبدأت جحافل الشباب تتجمع في مختلف المدن استعدادا للتوجه إلى ارض الأشقاء أرض الإسراء والمعراج لمقاومة هذه المظلمة الشنيعة التي سجلها التاريخ في ملفه الأسود.

وبسرعة البرق تشكلت اللجان الوطنية لتنظيم التظاهرات واختيار الشباب المتطوع والقادر على حمل السلاح لخوض المعارك الحربية الذين سيكونون في حال عودتهم سالمين النواة الأولى لجيش التحرير الوطني وكان التبرع بالأموال سخيا إلى أبعد الحدود حتى أن أعدادا من حرائر النساء القفصيات باعت حليهن وتبرعن بثمنه لتجهيز الشبان المتطوعين لتحرير فلسطين ومازلت أتذكر بكل إجلال وتقدير أن المرحوم السيد عبد الرحمان بقية كان من شدة تأثره بقرار التقسيم الجائر والظالم أجهش بالبكاء وبقي حزينا متألما وباع محل سكناه لفائدة الشباب المتطوع لتحرير فلسطين.

وكان الشغل الشاغل للرأي العام التونسي في ذلك الظرف العصيب هو تدهور الوضع بالبلاد الفلسطينية الشقيقة واشتداد الصراع العربي الصهيوني في مختلف المدن والقرى الفلسطينية، وكانت تلك الأصداء تصل إلى البلاد التونسية بسرعة فائقة توليها الجرائد العربية التونسية مكان الصدارة على صفحاتها الأولى، ومعروف ما تحدثه هذه الأحداث الأليمة والمفجعة من تأثير نفسي وعاطفي لدى أبناء الخضراء الذين عرفوا دائما بتماسكهم واندفاعهم لنجدة كل الأخوة الأشقاء أينما كانوا وحيثما حلوا والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك.

وفي يوم 2 جويلية 1936 وقعت مشاجرة بين الشاب الأزهر الحسناوي الذي كان معروفا بحماسه وغيرته على أبناء بلدته مع احد التجار اليهود ولما تطورت الأحداث تدخل احد الجندرمة لمساعدة التاجر اليهودي بيد أن الأزهر الحسناوي تغلب على عون الجندرمة وألقاه أرضا وبسرعة حل أعوان الجندرمة لمساعدة زميلهم على اغتيال الأزهر الحسناوي وبسرعة البرق عم نبأ استشهاد الأزهر الحسناوي كل أرجاء مدينة قفصة وانتظمت المظاهرات الصاخبة جابت شوارع المدينة ورموا بالحجارة المراقب المدني وأعوان الجندرمة والشرطة وكسروا أبواب حوانيت ومنازل اليهود الذين أطلق بعضهم النار على المتظاهرين فأصيب بعضهم بجروح مما زاد في عدد المتظاهرين، وهنا تدخل جند السينغال في المعركة وخوفا من زيادة تدهور الوضع عززت حامية قفصة بقوات عسكرية أخرى جلبت على جناح السرعة من بعض المناطق الأخرى.

وفي يوم الغد 3 جويلية 1936 دعا المقيم العام الفرنسي رجال الصحافة العربية للاجتماع به بدار السفارة الفرنسية وقد عثرنا في جريدة (الزهرة) على أسمائهم وهم: محمد عبد الرحمان الصنادلي (الزهرة) واحمد الويحيشي (النهضة) ومحمد الجععايبي (الصواب) وحسين الجزيري (النديم) والبشر الحزقي (لسان الشعب) ومحمد بنيس (الزمان) وعبد الرحمان الباجي (صوت الفلاح التونسي) وبعد أن لخص المقيم أطوار الحادثة حسب رواية المراقب المدني بقفصة طلب من مدعويه التروي في نقل الأخبار المتعلقة بالحوادث الدائرة بفلسطين الشقيقة ناصحا رجال الصحافة العربية باستعمال لهجة هادية في تعاليقهم حول الحوادث والاضطرابات الدائرة في فلسطين لئلا يتعكر صفو الهدوء بين العنصرين الإسلامي والصهيوني المتساكنين بهذه البلاد.

هذا وكان الشباب المتطوع من أبناء الشمال الغربي التونسي ومن البلاد الجزائرية يمرون بقفصة ثم بقابس أين يجتمعون مع بقية الشباب التونسي ثم يتوجهون نحو مدينة بن قردان فطرابلس أين كان المرحوم مصطفى مزيان رئيس الحزب الوطني الليبي ورئيس لجنة تحرير فلسطيني يتولى تقسيم أبناء الشمال الإفريقي إلى مجموعات تعد كل واحدة بمائتين تولى الإشراف على المجموعة الأولى المفكر المرحوم الأستاذ أبو القاسم محمد كرو، فيما تولى الإشراف على المجموعة الثانية أبرز أعضاء لجنة صوت الطالب الزيتوني المرحوم عبد الكريم قمحة وتولى الإشراف على المجموعة الثالثة المناضل المرحوم عبودة حشيشة أصيل جهة صفاقس.

وقد سبقت مجموعات أخرى وصلت إلى فلسطين وانضمت لتوها المشاركة في ملحمة الجهاد المقدس مع الجيوش العربية التي كانت في غمرة جهادها ضد الصهائنة الظالمين واستشهد العديد من الشباب التونسي وسقوا بدمائهم الزكية أرض القدس المقدسة ولما وصلت المجموعة المذكورة آنفا الحدود المصرية منعوا من اجتياز الحدود المصرية بتعلة إعلان الهدنة وعادوا من حيث أتوا.

علما وأن الحركة الصهيونية ظهرت لأول مرة في أوروبا خلال القرن التاسع عشر باعتبارها حركة قومية صهيونية تأثرت بالحركات القومية الأوروبية وكانت رد فعل لما تعرض له اليهود الأوروبيون من اضطهاد في روسيا وألمانيا بعد أن رفضوا الاندماج والذوبان في المجتمعات الأوروبية، وبدأوا يتحدثون عن وطن قومي ومجتمع (عبري) ينشئونه في فلسطين بمساعدة الأوروبيين الذين يستخلصون من الفتن التي يثيرها وجود اليهود في أوروبا وينشئون في نفس الوقت مستوطنة دائمة تسيطر بها على العالم الإسلامي الذي تتركز فيه مصالح الغرب إلى الأبد.

وكانت أدوات الأمة العربية والإسلامية في فهم المشروع الصهيوني وفي مواجهته بدائية قاصرة واجتمع العالم كله على الأمة الإسلامية، وجاء قرار تقسيم البلاد الفلسطينية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947 وكان قبله بعام واحد أعلن هاري ترومان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية تأييده لقيام دولة يهودية في فلسطين وقبله بحوالي ثلاثين عاما صدر الوعد المشؤوم الذي قال فيه وزير الخارجية البريطاني (ارثر بلفور) في رسالة بعث بها للورد الانجليزي اليهودي (رود شيلر) أن حكومة جلالة الملكة تنظر بعطف إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وسوف تسخر جميع إمكانياتها لتحقيق هذا الغرض.

في اليوم الذي احتل فيه الأنجليز مصر 1882 وصل أوائل المهاجرين اليهود إلى فلسطين وفي العام الذي احتل فيه الأنجليز فلسطين 1918 وصل عدد المهاجرين اليهود إلى خمسين ألفا كانوا خليطا من جنسيات أوروبية مختلفة: ألمان، ونمساويون، ومجريون، وبولنديون، وتشيك، وروس، وأنجليز، وأمريكان، وسويسريون، وفرنسيون، وبلجيكيون، وإيطاليون، ولم يكن هؤلاء ينتمون إلى ثقافة مشتركة ولم يكونوا يتكلمون لغة واحدة ولم يكن يجمع بينهم تاريخ قومي وشخصي كل ما جاء بهم وجمع بينهم هو هذه الأسطورة العودة إلى ارض غادرها أسلافهم بعد ميلاد السيد المسيح سنة خمسة وثلاثين ومائة، ومع ذلك فهم يعتبرونها وطنهم القومي ويعودون إليه بعد مرور ألف وثمانية سنة من رحيل أسلافهم عنها، ومع ذلك كان عددهم عشية قيام دولتهم ستمائة وخمسين ألف شخص لا يملكوكن في فلسطين إلا خمس في المائة من مساحتها.

وكيف لهؤلاء أن ينجحوا في إعلان دولتهم وإيقاع الهزيمة بأبناء فلسطين وهم مليون وربع مليون شخص يضعون أيديهم على معظم مدن فلسطين وقراها، وكانت هذه النكبة بمثابة الصدمة للحكومات العربية التي كانت سبعة وعجزت أمام الجيش الإسرائيلي الوحيد لا بالسلم ولا بالحرب، بل أرضها مع الأسف تقاسمها الحكام العرب بعد احتلالها من طرف الجيش الصهيوني أخذت مصر قطاع غزة وما حولها وأخذت الأردن الضفة الغربية وما بقي أخذته سورية وكانت مواقف حكام العرب متباينة باعتبارهم لا يرغبون في الحرب التي فرضت عليهم فرضا ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

 

 

 

الف تحية والف سلام لمجاهدي غزة وفلسطين

 

 

الحركة الصهيونية ظهرت في أوروبا خلال القرن 19 كحركة قومية صهيونية تأثرت بالحركات القومية الأوروبية

بقلم: البشير الشريف

إن المسلمين اليوم يزيد عددهم عن المليار والنصف ولا نملك ونحن في منتهى الحزن والألم ما يجري الآن في غزة وفلسطين من ظلم وهدم وقتل وتشريد وتجويع وحصار وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى وهدم المشافي والمصحات من طرف إخوان القردة والخنازير المتوشحين الظالمين المجرمين السفاكين لدماء الأبرياء السالمين المسلمين الفاقدين لأبسط قواعد الإنسانية الصهائنة المجرمين الملعونين والحاقدين على الإسلام والمسلمين بغزة وفلسطين، يعجز المرء عن إيجاد الكلمة التي يستطيع ان يعبر بها عن خسة ونذالة وعداوة القائمين بها فالألسنة قاصرة عن التعبير والأقلام قاصرة عن التسطير ومع ذلك فإن السكوت عن هذه الفضائع التي تندى منها الإنسانية جريمة في حق إخواننا وأشقائنا في غزة وما حولها مما يوجب على الأمة العربية الإسلامية تكثيف الجهود والأفكار الصائبة والجرأة الفائقة في اتجاه عمل جاد وحازم وبناء يساعد أبطالنا ومجاهدينا في غزة وما حولها حتى يتمكنوا من دحض المجرمين عن وطنهم واسترداد حقوقهم المشروعة في أرضهم ووطنهم وبيان تاريخهم ليتصدوا لمحاولات المجرمين الصهاينة طماسة وكلنا أمل أن زهرة المدائن القدس مدينة القبلة الأولى والإسراء والمعراج وثالث الحرمين الشريفين يجب أن تبذل في سبيلها كل جهود الأمة العربية الإسلامية حتى تتحرر من الظلم والقهر ويتصل بذلك حبل التاريخ الذي انقطع بسبب الاحتلال الصهيوني الغاشم.

هذا وإثر قرار التقسيم الجائر عام 1947 هب الشعب التونسي المتجذر في عروبته وإسلامه كالرجل الواحد لمقاومة هذا القرار الظالم والفظيع وما تركه في نفوس التونسيين من آلام وأحزان والتنديد به باعتباره حملة صليبية عاشرة جديدة على غزة وفلسطين بل على العالم العربي الإسلامي بكامله.

وبعد اليوم الأول من قرار التقسيم صدرت كل الصحف العربية مجللة بالسواد داعية لمقاومته والتنديد به وعمت المظاهرات كل المدن التونسية وبدأت جحافل الشباب تتجمع في مختلف المدن استعدادا للتوجه إلى ارض الأشقاء أرض الإسراء والمعراج لمقاومة هذه المظلمة الشنيعة التي سجلها التاريخ في ملفه الأسود.

وبسرعة البرق تشكلت اللجان الوطنية لتنظيم التظاهرات واختيار الشباب المتطوع والقادر على حمل السلاح لخوض المعارك الحربية الذين سيكونون في حال عودتهم سالمين النواة الأولى لجيش التحرير الوطني وكان التبرع بالأموال سخيا إلى أبعد الحدود حتى أن أعدادا من حرائر النساء القفصيات باعت حليهن وتبرعن بثمنه لتجهيز الشبان المتطوعين لتحرير فلسطين ومازلت أتذكر بكل إجلال وتقدير أن المرحوم السيد عبد الرحمان بقية كان من شدة تأثره بقرار التقسيم الجائر والظالم أجهش بالبكاء وبقي حزينا متألما وباع محل سكناه لفائدة الشباب المتطوع لتحرير فلسطين.

وكان الشغل الشاغل للرأي العام التونسي في ذلك الظرف العصيب هو تدهور الوضع بالبلاد الفلسطينية الشقيقة واشتداد الصراع العربي الصهيوني في مختلف المدن والقرى الفلسطينية، وكانت تلك الأصداء تصل إلى البلاد التونسية بسرعة فائقة توليها الجرائد العربية التونسية مكان الصدارة على صفحاتها الأولى، ومعروف ما تحدثه هذه الأحداث الأليمة والمفجعة من تأثير نفسي وعاطفي لدى أبناء الخضراء الذين عرفوا دائما بتماسكهم واندفاعهم لنجدة كل الأخوة الأشقاء أينما كانوا وحيثما حلوا والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك.

وفي يوم 2 جويلية 1936 وقعت مشاجرة بين الشاب الأزهر الحسناوي الذي كان معروفا بحماسه وغيرته على أبناء بلدته مع احد التجار اليهود ولما تطورت الأحداث تدخل احد الجندرمة لمساعدة التاجر اليهودي بيد أن الأزهر الحسناوي تغلب على عون الجندرمة وألقاه أرضا وبسرعة حل أعوان الجندرمة لمساعدة زميلهم على اغتيال الأزهر الحسناوي وبسرعة البرق عم نبأ استشهاد الأزهر الحسناوي كل أرجاء مدينة قفصة وانتظمت المظاهرات الصاخبة جابت شوارع المدينة ورموا بالحجارة المراقب المدني وأعوان الجندرمة والشرطة وكسروا أبواب حوانيت ومنازل اليهود الذين أطلق بعضهم النار على المتظاهرين فأصيب بعضهم بجروح مما زاد في عدد المتظاهرين، وهنا تدخل جند السينغال في المعركة وخوفا من زيادة تدهور الوضع عززت حامية قفصة بقوات عسكرية أخرى جلبت على جناح السرعة من بعض المناطق الأخرى.

وفي يوم الغد 3 جويلية 1936 دعا المقيم العام الفرنسي رجال الصحافة العربية للاجتماع به بدار السفارة الفرنسية وقد عثرنا في جريدة (الزهرة) على أسمائهم وهم: محمد عبد الرحمان الصنادلي (الزهرة) واحمد الويحيشي (النهضة) ومحمد الجععايبي (الصواب) وحسين الجزيري (النديم) والبشر الحزقي (لسان الشعب) ومحمد بنيس (الزمان) وعبد الرحمان الباجي (صوت الفلاح التونسي) وبعد أن لخص المقيم أطوار الحادثة حسب رواية المراقب المدني بقفصة طلب من مدعويه التروي في نقل الأخبار المتعلقة بالحوادث الدائرة بفلسطين الشقيقة ناصحا رجال الصحافة العربية باستعمال لهجة هادية في تعاليقهم حول الحوادث والاضطرابات الدائرة في فلسطين لئلا يتعكر صفو الهدوء بين العنصرين الإسلامي والصهيوني المتساكنين بهذه البلاد.

هذا وكان الشباب المتطوع من أبناء الشمال الغربي التونسي ومن البلاد الجزائرية يمرون بقفصة ثم بقابس أين يجتمعون مع بقية الشباب التونسي ثم يتوجهون نحو مدينة بن قردان فطرابلس أين كان المرحوم مصطفى مزيان رئيس الحزب الوطني الليبي ورئيس لجنة تحرير فلسطيني يتولى تقسيم أبناء الشمال الإفريقي إلى مجموعات تعد كل واحدة بمائتين تولى الإشراف على المجموعة الأولى المفكر المرحوم الأستاذ أبو القاسم محمد كرو، فيما تولى الإشراف على المجموعة الثانية أبرز أعضاء لجنة صوت الطالب الزيتوني المرحوم عبد الكريم قمحة وتولى الإشراف على المجموعة الثالثة المناضل المرحوم عبودة حشيشة أصيل جهة صفاقس.

وقد سبقت مجموعات أخرى وصلت إلى فلسطين وانضمت لتوها المشاركة في ملحمة الجهاد المقدس مع الجيوش العربية التي كانت في غمرة جهادها ضد الصهائنة الظالمين واستشهد العديد من الشباب التونسي وسقوا بدمائهم الزكية أرض القدس المقدسة ولما وصلت المجموعة المذكورة آنفا الحدود المصرية منعوا من اجتياز الحدود المصرية بتعلة إعلان الهدنة وعادوا من حيث أتوا.

علما وأن الحركة الصهيونية ظهرت لأول مرة في أوروبا خلال القرن التاسع عشر باعتبارها حركة قومية صهيونية تأثرت بالحركات القومية الأوروبية وكانت رد فعل لما تعرض له اليهود الأوروبيون من اضطهاد في روسيا وألمانيا بعد أن رفضوا الاندماج والذوبان في المجتمعات الأوروبية، وبدأوا يتحدثون عن وطن قومي ومجتمع (عبري) ينشئونه في فلسطين بمساعدة الأوروبيين الذين يستخلصون من الفتن التي يثيرها وجود اليهود في أوروبا وينشئون في نفس الوقت مستوطنة دائمة تسيطر بها على العالم الإسلامي الذي تتركز فيه مصالح الغرب إلى الأبد.

وكانت أدوات الأمة العربية والإسلامية في فهم المشروع الصهيوني وفي مواجهته بدائية قاصرة واجتمع العالم كله على الأمة الإسلامية، وجاء قرار تقسيم البلاد الفلسطينية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947 وكان قبله بعام واحد أعلن هاري ترومان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية تأييده لقيام دولة يهودية في فلسطين وقبله بحوالي ثلاثين عاما صدر الوعد المشؤوم الذي قال فيه وزير الخارجية البريطاني (ارثر بلفور) في رسالة بعث بها للورد الانجليزي اليهودي (رود شيلر) أن حكومة جلالة الملكة تنظر بعطف إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وسوف تسخر جميع إمكانياتها لتحقيق هذا الغرض.

في اليوم الذي احتل فيه الأنجليز مصر 1882 وصل أوائل المهاجرين اليهود إلى فلسطين وفي العام الذي احتل فيه الأنجليز فلسطين 1918 وصل عدد المهاجرين اليهود إلى خمسين ألفا كانوا خليطا من جنسيات أوروبية مختلفة: ألمان، ونمساويون، ومجريون، وبولنديون، وتشيك، وروس، وأنجليز، وأمريكان، وسويسريون، وفرنسيون، وبلجيكيون، وإيطاليون، ولم يكن هؤلاء ينتمون إلى ثقافة مشتركة ولم يكونوا يتكلمون لغة واحدة ولم يكن يجمع بينهم تاريخ قومي وشخصي كل ما جاء بهم وجمع بينهم هو هذه الأسطورة العودة إلى ارض غادرها أسلافهم بعد ميلاد السيد المسيح سنة خمسة وثلاثين ومائة، ومع ذلك فهم يعتبرونها وطنهم القومي ويعودون إليه بعد مرور ألف وثمانية سنة من رحيل أسلافهم عنها، ومع ذلك كان عددهم عشية قيام دولتهم ستمائة وخمسين ألف شخص لا يملكوكن في فلسطين إلا خمس في المائة من مساحتها.

وكيف لهؤلاء أن ينجحوا في إعلان دولتهم وإيقاع الهزيمة بأبناء فلسطين وهم مليون وربع مليون شخص يضعون أيديهم على معظم مدن فلسطين وقراها، وكانت هذه النكبة بمثابة الصدمة للحكومات العربية التي كانت سبعة وعجزت أمام الجيش الإسرائيلي الوحيد لا بالسلم ولا بالحرب، بل أرضها مع الأسف تقاسمها الحكام العرب بعد احتلالها من طرف الجيش الصهيوني أخذت مصر قطاع غزة وما حولها وأخذت الأردن الضفة الغربية وما بقي أخذته سورية وكانت مواقف حكام العرب متباينة باعتبارهم لا يرغبون في الحرب التي فرضت عليهم فرضا ولله الأمر من قبل ومن بعد.