بالرغم من تعدد المحاولات لوضع تعريف دقيق للرواية التاريخية، فلم نجد اتفاقا في هذا الصدد بحكم ان التعريفات الخاصة بالمسائل الإبداعية والإنسانية تعتبرأمرا صعبا، لذا فقد جرى الاتفاق على أن الرواية التاريخية هي عمل فني يتخذ من التاريخ مادة للسرد دون النقل الحرفي له، من جهة أخرى تبقى مسألة التدقيق في الوقائع التاريخية مسألة صعبة أيضا، مع وجود تساؤل ملح ومتواصل، من يكتب التاريخ حيث سرت مقولة التاريخ يكتبه المنتصرون، وتبدو العبارة لا تحتاج الى تفسير ومفادها أن التاريخ ليس إلا ما يسطره المنتصرون وما يدونه المهيمنون، وما تريده السلطة وبالتالي التاريخ هو صنيعة السلطة السياسية المهيمنة،.
وتبعا لذلك يتم تحيين الكتب التاريخية مع كل تغيير في السلطة .
يقول الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه بنية العقل العربي " إن المثقف العربي اليوم ما زال كما كان منذ العصر الأموي يستهلك معارف قديمة على أنها جديدة ".. بالتالي هل تقدر الرواية التاريخية العربية أن تساير تطور الفكر العربي وتقطع مع كل المسلمات ، في هذا الصدد يطالعنا ما ذهب إليه المفكر والأديب عبد الكريم قادري بأن" الرواية التاريخية تنطلق عادة من الماضي ومن خلاله ترسم أو تعيد رسم بعض التفاصيل الزمنية في تلك الفترة ، سواء تقوم بخلق شخصيات تاريخية موجودة أو تنسجها من الخيال وفي كل جانب تتم مراعاة العادات والتقاليد الموجودة الأخرى ، وعدم تغريبها بمعطيات لا تراعي تلك الفترة الزمنية "
هذا يحيلنا إلى موضوع المداخلة التي سيقدمها الدكتور فوزي الزمرلي بعنوان الكذب الصادق في الرواية التاريخية أو رواية تاريخ العربان لجمال الجلاصي بين التاريخ والخيال يوم السبت القادم 25 نوفمبر بدار الثقافة نور الدين صمود بقليبية في إطار سلسلة اللقاءات الفكرية التي دأبت دار الثقافة قليبية بالاشتراك مع جمعية قليبية للثقافة والفنون والتراث على تنظيمها .
ورواية باي العربان هي رواية من النوع التاريخي بطلها المناضل علي بن غذاهم الذي قاد ثورة سليمة سنة 1864 احتجاجا على مضاعفة المجبى ، وحول هذا العمل الروائي يقول الشاعر والمترجم والأديب جمال الجلاصي أنه اعتمد التوثيق لمعرفة المناخ الذي دارت فيه الأحداث في تلك الحقبة الزمنية ومن أبرز المراجع التي اعتمدها كتاب "الإتحاف" لابن أبي ضياف ..ويقول الروائي جمال الجلاصي أيضا أنننا دائما نعتز بالأحداث التاريخية التي شهدها القرن التاسع عشر لما فيها من روح إصلاحية وطلائعية كوضع أول دستور في العالم العربي (دستور عهد الأمان 1861 ) ومنع الرق (قانون منع الرق 1846) إلا أنها شهدت أيضا وقائع مأسوية على غرار ما عرفه علي بن غذاهم الذي تم اعتقاله في فيفري 1866 ومات في سجن الكراكة بحلق الوادي في اكتوبر 1867 ...
مما لاشك فيه أن الرجوع إلى هذه الأحداث التاريخية يجعلنا في صراع ما بين الحرص على معرفة الحقيقة وبين الرغبة في تأليه أبطالنا ورموزنا التاريخية ، وكلنا يذكر أن قراءة التاريخ الإسلامي كان للروائي جرجي زيدان فضل كبير في ذلك من خلال تشويق القراء وحثهم على قراءة تاريخ الإسلام عبر فتراته المختلفة من خلال المزج بين الحقيقة والخيال والتاريخ والفن وبالتالي تتقاطع في روايته الجانب التاريخي والجانب القصصي..
وتجدر الإشارة أن الروائي والباحث حسنين بن عمو بدوره كان ألف روايته "عام الفزوع "1864 مستوحيا أحداثها من نفس الحقبة التاريخية اعتمد خلالها بناء الرواية على نحو تخييلي امتزج فيه السرد الروائي بالحفر في أعماق التاريخ ، ويذكر حسنين بن عمو أنه اختلف مع المخرج شوقي الماجري في مسألة تحويل الرواية إلى فلم سينمائي بحكم أن رؤية الكتاب والروائي تختلفان وكل يتمسك بنظرته وزاويته الفنية من خلال تمسك الروائي بالأحداث التاريخية وحرص السينمائي على إضفاء بهارات على العمل الفني والدرامي .
مراد ريدان
تونس-الصباح
بالرغم من تعدد المحاولات لوضع تعريف دقيق للرواية التاريخية، فلم نجد اتفاقا في هذا الصدد بحكم ان التعريفات الخاصة بالمسائل الإبداعية والإنسانية تعتبرأمرا صعبا، لذا فقد جرى الاتفاق على أن الرواية التاريخية هي عمل فني يتخذ من التاريخ مادة للسرد دون النقل الحرفي له، من جهة أخرى تبقى مسألة التدقيق في الوقائع التاريخية مسألة صعبة أيضا، مع وجود تساؤل ملح ومتواصل، من يكتب التاريخ حيث سرت مقولة التاريخ يكتبه المنتصرون، وتبدو العبارة لا تحتاج الى تفسير ومفادها أن التاريخ ليس إلا ما يسطره المنتصرون وما يدونه المهيمنون، وما تريده السلطة وبالتالي التاريخ هو صنيعة السلطة السياسية المهيمنة،.
وتبعا لذلك يتم تحيين الكتب التاريخية مع كل تغيير في السلطة .
يقول الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه بنية العقل العربي " إن المثقف العربي اليوم ما زال كما كان منذ العصر الأموي يستهلك معارف قديمة على أنها جديدة ".. بالتالي هل تقدر الرواية التاريخية العربية أن تساير تطور الفكر العربي وتقطع مع كل المسلمات ، في هذا الصدد يطالعنا ما ذهب إليه المفكر والأديب عبد الكريم قادري بأن" الرواية التاريخية تنطلق عادة من الماضي ومن خلاله ترسم أو تعيد رسم بعض التفاصيل الزمنية في تلك الفترة ، سواء تقوم بخلق شخصيات تاريخية موجودة أو تنسجها من الخيال وفي كل جانب تتم مراعاة العادات والتقاليد الموجودة الأخرى ، وعدم تغريبها بمعطيات لا تراعي تلك الفترة الزمنية "
هذا يحيلنا إلى موضوع المداخلة التي سيقدمها الدكتور فوزي الزمرلي بعنوان الكذب الصادق في الرواية التاريخية أو رواية تاريخ العربان لجمال الجلاصي بين التاريخ والخيال يوم السبت القادم 25 نوفمبر بدار الثقافة نور الدين صمود بقليبية في إطار سلسلة اللقاءات الفكرية التي دأبت دار الثقافة قليبية بالاشتراك مع جمعية قليبية للثقافة والفنون والتراث على تنظيمها .
ورواية باي العربان هي رواية من النوع التاريخي بطلها المناضل علي بن غذاهم الذي قاد ثورة سليمة سنة 1864 احتجاجا على مضاعفة المجبى ، وحول هذا العمل الروائي يقول الشاعر والمترجم والأديب جمال الجلاصي أنه اعتمد التوثيق لمعرفة المناخ الذي دارت فيه الأحداث في تلك الحقبة الزمنية ومن أبرز المراجع التي اعتمدها كتاب "الإتحاف" لابن أبي ضياف ..ويقول الروائي جمال الجلاصي أيضا أنننا دائما نعتز بالأحداث التاريخية التي شهدها القرن التاسع عشر لما فيها من روح إصلاحية وطلائعية كوضع أول دستور في العالم العربي (دستور عهد الأمان 1861 ) ومنع الرق (قانون منع الرق 1846) إلا أنها شهدت أيضا وقائع مأسوية على غرار ما عرفه علي بن غذاهم الذي تم اعتقاله في فيفري 1866 ومات في سجن الكراكة بحلق الوادي في اكتوبر 1867 ...
مما لاشك فيه أن الرجوع إلى هذه الأحداث التاريخية يجعلنا في صراع ما بين الحرص على معرفة الحقيقة وبين الرغبة في تأليه أبطالنا ورموزنا التاريخية ، وكلنا يذكر أن قراءة التاريخ الإسلامي كان للروائي جرجي زيدان فضل كبير في ذلك من خلال تشويق القراء وحثهم على قراءة تاريخ الإسلام عبر فتراته المختلفة من خلال المزج بين الحقيقة والخيال والتاريخ والفن وبالتالي تتقاطع في روايته الجانب التاريخي والجانب القصصي..
وتجدر الإشارة أن الروائي والباحث حسنين بن عمو بدوره كان ألف روايته "عام الفزوع "1864 مستوحيا أحداثها من نفس الحقبة التاريخية اعتمد خلالها بناء الرواية على نحو تخييلي امتزج فيه السرد الروائي بالحفر في أعماق التاريخ ، ويذكر حسنين بن عمو أنه اختلف مع المخرج شوقي الماجري في مسألة تحويل الرواية إلى فلم سينمائي بحكم أن رؤية الكتاب والروائي تختلفان وكل يتمسك بنظرته وزاويته الفنية من خلال تمسك الروائي بالأحداث التاريخية وحرص السينمائي على إضفاء بهارات على العمل الفني والدرامي .