ان العلاقة الإشكالية بين المدرسة والمجتمع لا تبحث عن توضيح معنى المدرسة بالنسبة للمجتمع، بل تعريف المجتمع بالنسبة للمدرسة كما يوضح ذلك باشلار. فإذا ما عكسنا زاوية النظر بحيث ننظر للمجتمع من داخل المدرسة فإننا حتما سنجد أنفسنا في مقام يجعل من الادعاءات بالهوية او الاختلاف إشكالية أساسية. فالمدرسة من خلال وظيفتها البيداغوجية تحاول تحييد هذه الادعاءات رغم انها الحقيقية والواقع وذلك من خلال خطاب يوجه للجميع دون تمييز او تمايز لان المدرسة فضاء متعدد بمعنى انه فضاء يحتوي الاختلاف من خلال بيداغوجيا الاختلافpluralité) ) تفصل بين الفرد وخصوصياته او مميزاته. وهنا نستشف ان الاعتماد المتواصل على البيداغوجيا الفارقية في تونس إذا ما اخذناها من جانب الفوارق الاجتماعية تعتبر من الأخطاء الكارثية التي تكرس الفوارق والاختلاف صلب المجتمع الواحد وهي بالمناسبة من اهم الوسائل الترويجية التي تعتمد عليها بعض المؤسسات التربوية الخاصة كما انها من العوامل الأساسية التي مكنت للأسف من تأسيس مشروع المؤسسات التربوية النموذجية والتي ساهمت في خلق شرخ صلب فئة الشباب من ناحية الاختلاف.
ومن هنا نستحضر محاولات المجتمع من خلال الطبقة السياسية تحييد المدرسة والسيطرة عليها من خلال نظام "المدرسة العصرية " والتي مكنت من تحويل المدرسة الى وسيلة. فالمدرسة العصرية تهدف الى بلوغ هدف " مثالي" اجتماعي او سياسي او ديني. مدرسة تأخذ الطفل من عائلته لتقحمه في عائلة أخرى (المدرسة طبعا) ذات ابعاد دينية او وطنية او ثقافية وغيرها وهي مدرسة تنتج مواطنين قادرين فقط على الانصهار في دولة بيروقراطية او مجرد عمال لمصنع دون انتاج للفكر أو ممارسة التفكير النقدي
في مقابل هذا المفهوم الذي يؤسس للدولة العصرية ظهر مفهوم جديد يؤسس " لمدرسة اليوم " او مدرسة الغد والذي يكرس انسحاب الدولة او المجتمع بالأساس من المدرسة. مدرسة تهتم بخلق فضاء للتعلم "ذو الطابع الشخصي " وهي بيداغوجيا تعتبر التلميذ محورا للعملية التربوية وتأصّل تفرّده كوحدة فردية في فضاء متعدد وتستجيب لحاجته للتعليم. هذا النوع من التعليم يرتكز على اثارة عوامل التحفيز لدي الطفل ويوفر مسارات تعليمية متخصصة حسب شخصية المتعلم او أهدافه. المعلم في مثل هذه المدرسة ليس مطالبا برسم صورة مثالية للعلوم او للأهداف الجمعية، بل للمعلم في دور المصمم او المرشد غير المعلن وزهو ما يحتاج الى أدوات بيداغوجية مستحدثة
اعتمادا على ان المدرسة هي اختراع طرأ على الكيان الطبيعي للإنسان وهي المجتمع، فالمدرسة قابلة للاندثار كما انها قابلة للتعديل او إعادة التصنيع والتشكيل. على هذا الأساس فان النظرة لبناء المدرسة ينطلق أساسا من منظومة تكوين المعلمين إضافة الى علوم التربية والبيداغوجيا. إعادة " اختراع" المدرسة يستوجب أولا الاتفاق حول موضوع التعلم الذي سنجمع حوله الأطفال وعلى أساسه تُبنى المشاريع المجتمعية، كما انه من الضروري اوفير "الزمن الحر" الضروري للمدرسة وسط تسارع الزمن المجتمعي وتغير نمط التفكير الجمعي. ان التركيز على تعريف المدرسة على قاعدة المشروع المجتمعي والسياسي والاقتصادي السائد هي من المهام الأساسية قبل البدء في الإصلاح كعملية تقنية.
اختراع الانسان الكتابة والاحرف من اجل ترجمة الاقوال وتوثيقها ونقل المعارف. اليوم ومع دخولنا نهائيا عالم الرقمنة واداراتها فان الكتابة او بالأحرى نقل العلم وتناقلها وترجمة الاقوال وتوثيق الأفعال اخذ منحى مغايرا. الحديث على الرقمنة ليس مجرد توفير حواسيب او ربط بالانتيرنيت بل يستوجب تغيير في الممارسات البيداغوجية وادواتها وتطوير في محامل المعارف، والمهارات، وأساليب تناقلها، وتبادلها. الصورة الرقمية أصبحت محملا للمعارف مثلا دون الحاجة لحروف وكلمات وما بين السطور وعليه فان التعامل مع المعارف بالأساس يحتاج الى طرق تماهي العالم الرقمي
كل هذا وان كان الهدف منه خلق الحافز لدى التلميذ وبناء فضاء تعليمي جاذب فان المعلم على اعتباره مساهم في بناء الرؤية التربوية وعنصر الربط بين البرامج والتلميذ يجب ان يكون في صلب مهام الرقمنة وامتلاك ادواتها والقدرة على تطويع خصوصياتها لفائدة العملية التربوية والتي أساسها بناء معارف تعتمد على العلم القابل للتعليم. وعلى اعتبار ما سبق فان الرقمنة وغيرها من التغيرات (اجتماعية وسياسية وتنموية) تفرض منظومة تكوينية لا فقط متطورة، بل وجامعة لكل عوامل التغيير والتطوير من اجل تمكين المعلم والذي يقوم بمهام تربوية إضافة لمهامه التعليمية من الأدوات البيداغوحية القادرة على خلق الروابط الضرورية بين كل العوامل المتداخلة وخلق الفضاء البيداغوجي الجاذب للتلميذ والمتناسق مع عالم الرقمنة والرقميات ومع المدرسة الحديدة ذلك الاختراع الرقمي الجديد. تمكين المعلم من مهارات البناء البيداغوجي الرقمي حتى يمكن للطفل ذلك الكيان المجتمعي الذي نشأ في فضاء رقمي بامتياز، من فهمه وتلقي ما يمرره له والمشاركة في بناء معارفه ضمن تبادل رقمي. الرقمنة بما تعنيه من تطور تفرض في جانب آخر تقليل الاعتماد على " المواد العلمية " التقليدية واقحام مسارات جديدة تًعتمد أساسا " مشروع تربويا " يجتمع حوله التلميذ والمعلم مع الاستئناس برأي المتدخلين في المنظومة التربوية. أي ان نعطي للتلميذ وللمجتمع المدرسي داخل اسوار المدرسة بعضا من الحرية البيداغوجية من اجل تحديد مجال التعلم او موضوعه (طبعا يجب توخي الحذر هنا ووضع ضوابط لتفادي الانفلات البيداغوجي).
بقلم:المازري طبقة(*)
*باحث أكاديمي في علوم التربية، مُكوّن وخبير دولي
ان العلاقة الإشكالية بين المدرسة والمجتمع لا تبحث عن توضيح معنى المدرسة بالنسبة للمجتمع، بل تعريف المجتمع بالنسبة للمدرسة كما يوضح ذلك باشلار. فإذا ما عكسنا زاوية النظر بحيث ننظر للمجتمع من داخل المدرسة فإننا حتما سنجد أنفسنا في مقام يجعل من الادعاءات بالهوية او الاختلاف إشكالية أساسية. فالمدرسة من خلال وظيفتها البيداغوجية تحاول تحييد هذه الادعاءات رغم انها الحقيقية والواقع وذلك من خلال خطاب يوجه للجميع دون تمييز او تمايز لان المدرسة فضاء متعدد بمعنى انه فضاء يحتوي الاختلاف من خلال بيداغوجيا الاختلافpluralité) ) تفصل بين الفرد وخصوصياته او مميزاته. وهنا نستشف ان الاعتماد المتواصل على البيداغوجيا الفارقية في تونس إذا ما اخذناها من جانب الفوارق الاجتماعية تعتبر من الأخطاء الكارثية التي تكرس الفوارق والاختلاف صلب المجتمع الواحد وهي بالمناسبة من اهم الوسائل الترويجية التي تعتمد عليها بعض المؤسسات التربوية الخاصة كما انها من العوامل الأساسية التي مكنت للأسف من تأسيس مشروع المؤسسات التربوية النموذجية والتي ساهمت في خلق شرخ صلب فئة الشباب من ناحية الاختلاف.
ومن هنا نستحضر محاولات المجتمع من خلال الطبقة السياسية تحييد المدرسة والسيطرة عليها من خلال نظام "المدرسة العصرية " والتي مكنت من تحويل المدرسة الى وسيلة. فالمدرسة العصرية تهدف الى بلوغ هدف " مثالي" اجتماعي او سياسي او ديني. مدرسة تأخذ الطفل من عائلته لتقحمه في عائلة أخرى (المدرسة طبعا) ذات ابعاد دينية او وطنية او ثقافية وغيرها وهي مدرسة تنتج مواطنين قادرين فقط على الانصهار في دولة بيروقراطية او مجرد عمال لمصنع دون انتاج للفكر أو ممارسة التفكير النقدي
في مقابل هذا المفهوم الذي يؤسس للدولة العصرية ظهر مفهوم جديد يؤسس " لمدرسة اليوم " او مدرسة الغد والذي يكرس انسحاب الدولة او المجتمع بالأساس من المدرسة. مدرسة تهتم بخلق فضاء للتعلم "ذو الطابع الشخصي " وهي بيداغوجيا تعتبر التلميذ محورا للعملية التربوية وتأصّل تفرّده كوحدة فردية في فضاء متعدد وتستجيب لحاجته للتعليم. هذا النوع من التعليم يرتكز على اثارة عوامل التحفيز لدي الطفل ويوفر مسارات تعليمية متخصصة حسب شخصية المتعلم او أهدافه. المعلم في مثل هذه المدرسة ليس مطالبا برسم صورة مثالية للعلوم او للأهداف الجمعية، بل للمعلم في دور المصمم او المرشد غير المعلن وزهو ما يحتاج الى أدوات بيداغوجية مستحدثة
اعتمادا على ان المدرسة هي اختراع طرأ على الكيان الطبيعي للإنسان وهي المجتمع، فالمدرسة قابلة للاندثار كما انها قابلة للتعديل او إعادة التصنيع والتشكيل. على هذا الأساس فان النظرة لبناء المدرسة ينطلق أساسا من منظومة تكوين المعلمين إضافة الى علوم التربية والبيداغوجيا. إعادة " اختراع" المدرسة يستوجب أولا الاتفاق حول موضوع التعلم الذي سنجمع حوله الأطفال وعلى أساسه تُبنى المشاريع المجتمعية، كما انه من الضروري اوفير "الزمن الحر" الضروري للمدرسة وسط تسارع الزمن المجتمعي وتغير نمط التفكير الجمعي. ان التركيز على تعريف المدرسة على قاعدة المشروع المجتمعي والسياسي والاقتصادي السائد هي من المهام الأساسية قبل البدء في الإصلاح كعملية تقنية.
اختراع الانسان الكتابة والاحرف من اجل ترجمة الاقوال وتوثيقها ونقل المعارف. اليوم ومع دخولنا نهائيا عالم الرقمنة واداراتها فان الكتابة او بالأحرى نقل العلم وتناقلها وترجمة الاقوال وتوثيق الأفعال اخذ منحى مغايرا. الحديث على الرقمنة ليس مجرد توفير حواسيب او ربط بالانتيرنيت بل يستوجب تغيير في الممارسات البيداغوجية وادواتها وتطوير في محامل المعارف، والمهارات، وأساليب تناقلها، وتبادلها. الصورة الرقمية أصبحت محملا للمعارف مثلا دون الحاجة لحروف وكلمات وما بين السطور وعليه فان التعامل مع المعارف بالأساس يحتاج الى طرق تماهي العالم الرقمي
كل هذا وان كان الهدف منه خلق الحافز لدى التلميذ وبناء فضاء تعليمي جاذب فان المعلم على اعتباره مساهم في بناء الرؤية التربوية وعنصر الربط بين البرامج والتلميذ يجب ان يكون في صلب مهام الرقمنة وامتلاك ادواتها والقدرة على تطويع خصوصياتها لفائدة العملية التربوية والتي أساسها بناء معارف تعتمد على العلم القابل للتعليم. وعلى اعتبار ما سبق فان الرقمنة وغيرها من التغيرات (اجتماعية وسياسية وتنموية) تفرض منظومة تكوينية لا فقط متطورة، بل وجامعة لكل عوامل التغيير والتطوير من اجل تمكين المعلم والذي يقوم بمهام تربوية إضافة لمهامه التعليمية من الأدوات البيداغوحية القادرة على خلق الروابط الضرورية بين كل العوامل المتداخلة وخلق الفضاء البيداغوجي الجاذب للتلميذ والمتناسق مع عالم الرقمنة والرقميات ومع المدرسة الحديدة ذلك الاختراع الرقمي الجديد. تمكين المعلم من مهارات البناء البيداغوجي الرقمي حتى يمكن للطفل ذلك الكيان المجتمعي الذي نشأ في فضاء رقمي بامتياز، من فهمه وتلقي ما يمرره له والمشاركة في بناء معارفه ضمن تبادل رقمي. الرقمنة بما تعنيه من تطور تفرض في جانب آخر تقليل الاعتماد على " المواد العلمية " التقليدية واقحام مسارات جديدة تًعتمد أساسا " مشروع تربويا " يجتمع حوله التلميذ والمعلم مع الاستئناس برأي المتدخلين في المنظومة التربوية. أي ان نعطي للتلميذ وللمجتمع المدرسي داخل اسوار المدرسة بعضا من الحرية البيداغوجية من اجل تحديد مجال التعلم او موضوعه (طبعا يجب توخي الحذر هنا ووضع ضوابط لتفادي الانفلات البيداغوجي).