أثارت ميزانية الدولة لسنة 2024، العديد من التساؤلات في الفترة الأخيرة خاصة في ظل غياب التمويل الخارجي من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، ولاحظ جزء واسع من خبراء الاقتصاد أن ميزانية الدولة لسنة 2024، لا تتضمن تمويلات مباشرة للميزانية من الاتحاد الأوروبي، وهي سابقة أولى لتونس، التي تدخل عام 2024 معولة على مواردها الذاتية ودون الاستعانة بصندوق النقد الدولي الذي أغلقت أبواب اللجوء إليه نهائيا خلال 2023.
ورغم وجود تمويلات أوروبية بقيمة 1.7 مليار اورو لم يقع التنصيص عليها، وينطلق صرفها بدء من سنة 2024، إلا أن قانون المالية لسنة 2024 لم يشر إليها لا من بعيد أو قريب، وهذه التمويلات مخصصة لدعم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في تونس، بما في ذلك إصلاح القطاع العام، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، وتحسين التوظيف. وبحسب ما أعلنته الحكومة التونسية، فإن التمويل الأوروبي سيستخدم في تنفيذ مشاريع في مجالات مختلفة، منها دعم إصلاح القطاع العام، بما في ذلك تحسين الإدارة المالية، وتطوير الموارد البشرية، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، بما في ذلك دعم الانتخابات، وتعزيز دور المجتمع المدني، وتعزيز حقوق الإنسان، وتحسين التوظيف، بما في ذلك دعم التدريب المهني، وإنشاء فرص عمل جديدة، وحماية العمال.
تمويلات أوروبية غامضة
ويأتي هذا التمويل في إطار برنامج التعاون المالي بين تونس والاتحاد الأوروبي، الذي يهدف إلى دعم الاستقرار الاقتصادي والنمو الاجتماعي في تونس. ويتعلق التمويل الأوروبي لتونس لسنة 2024، ببرمجة 700 مليون يورو لدعم إصلاح القطاع العام، و500 مليون يورو لدعم تعزيز المؤسسات الديمقراطية، و500 مليون يورو لدعم تحسين التوظيف. ومن المقرر أن يتم صرف هذا التمويل على مدار عدة سنوات، بدءًا من سنة 2024، إلا أنه بناء على قانون المالية لسنة 2024 فإن مصير هذه التمويلات مازال مجهولا ولم يحسم بعد في الأمر من قبل الحكومة التونسية.
واللافت في ميزانية سنة 2024، هو خلوها من تمويلات صندوق النقد الدولي، وتمويلات الاتحاد الأوروبي، بقيمة جملية بلغت 77.8 مليار دينار، أي بزيادة 6.6 مليار دينار مقارنة بالميزانية المحينة لسنة 2023، و8 مليارات دينار مقارنة بقانون المالية الأصلي لسنة 2023.
ويرى جزء واسع من خبراء الاقتصاد أن هذه الزيادة الكبيرة في الميزانية ستمول أساسا من الاقتراض الخارجي، حيث تبلغ قيمة القروض الخارجية المتوقعة حوالي 5.9 مليار دينار. كما ستمول من الموارد الجبائية بقيمة 4.5 مليار دينار، وهذه الزيادة في الميزانية ستؤدي إلى زيادة حجم الدين العمومي، والذي سيبلغ حوالي 118.7 مليار دينار سنة 2024، أي ما يعادل 83.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
صعوبات في تسديد الدين الخارجي
ومن المتوقع وفق بعض الخبراء الاقتصاديين والماليين أن تواجه الحكومة التونسية صعوبات كبيرة في تسديد الديون الخارجية في سنة 2024، خاصة في الأشهر الأولى من السنة، حيث تبلغ المستحقات الخارجية حوالي 850 مليون أورو في شهر جانفي، و168 مليون دولار في شهر فيفري، وأكثر من مليار دينار في شهر مارس، وهذه المواعيد تمثل تحديا كبيرا للحكومة التونسية، والتي ستحتاج إلى اتخاذ إجراءات صعبة لضمان تنفيذها.
ويتبين وفق هذه البيانات أن يواجه الاقتصاد التونسي تحديات كبيرة، أهمها غياب التمويل الخارجي من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي ، وارتفاع حجم الدين العمومي، والذي بلغ سنة 2022 حوالي 114865 مليون دينار، أي ما يعادل 79.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع نسبة التضخم إلى أكثر من 8.6.%
وبناءً على هذه التحديات، فإن ميزانية تونس لسنة 2024 ستركز على ترشيد النفقات، وخاصة النفقات الجارية، مثل نفقات الأجور والدعم، وزيادة موارد الدولة، وخاصة من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي، ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك إصلاح القطاع العام وتعزيز الاستثمار. ومن بين النقاط الهامة التي تميز ميزانية تونس لسنة 2024، الزيادة الكبيرة في الميزانية، والتي تبلغ 6.6 مليار دينار، أي ما يعادل حوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي، والاعتماد الكبير على الاقتراض الخارجي في تمويل هذه الزيادة، حيث تبلغ قيمة القروض الخارجية المتوقعة حوالي 5.9 مليار دينار، والزيادة في حجم الدين العمومي، والتي ستبلغ حوالي 3.9 مليار دينار.
تمويلات لم يفصح عنها
ولم تفصح وزارة المالية في تقريرها على مصدر تمويلات بقيمة 3200 مليون دولار كقروض خارجية لدعم الميزانية وهو مبلغ ضخم، في حين اكتفت الوزارة بذكر مصادر من المنتظر اللجوء إليها لتعبئة قروض دعم الميزانية المنتظرة لسنة 2024 والمقدرة بنحو 14470 مليون دينار، وهي صندوق النقد العربي بما يعادل 38 مليون دولار والبنك الدولي 63 مليون أورو والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد (400 مليون دولار) والجزائر (300 مليون دولار) والعربية السعودية (500 مليون دولار).
وبناء على هذه العوامل، يمكن القول إن نجاح تونس بميزانية 2024 أمر غير مضمون في ظل الأوضاع العالمية والإقليمية الصعبة وارتفاع أسعار النفط والمواد الأولية، ولكنه ممكن إذا تمكنت الحكومة من تحقيق الاستقرار الاقتصادي ونجاح الإصلاحات الاقتصادية وتوفير التمويل الخارجي، وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن أن تساعد تونس على تحقيق نجاح أكبر بميزانية 2024، أبرزها التركيز على الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية مثل إصلاح المنظومة الجبائية ومنظومة الدعم وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية،وهي ضرورية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وخفض العجز المالي، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، الذي يمكن أن يلعب دوراً مهماً في دعم الاقتصاد التونسي، من خلال خلق فرص العمل وزيادة الاستثمارات، والاستفادة من المساعدات الخارجية، التي تساعد تونس على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق التوازنات المالية، وهذه الخطوات، في حال أحسنت تونس تنفيذها فستكون لديها فرصة أفضل لتحقيق نجاح أكبر بميزانية 2024.
سفيان المهداوي
تونس- الصباح
أثارت ميزانية الدولة لسنة 2024، العديد من التساؤلات في الفترة الأخيرة خاصة في ظل غياب التمويل الخارجي من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، ولاحظ جزء واسع من خبراء الاقتصاد أن ميزانية الدولة لسنة 2024، لا تتضمن تمويلات مباشرة للميزانية من الاتحاد الأوروبي، وهي سابقة أولى لتونس، التي تدخل عام 2024 معولة على مواردها الذاتية ودون الاستعانة بصندوق النقد الدولي الذي أغلقت أبواب اللجوء إليه نهائيا خلال 2023.
ورغم وجود تمويلات أوروبية بقيمة 1.7 مليار اورو لم يقع التنصيص عليها، وينطلق صرفها بدء من سنة 2024، إلا أن قانون المالية لسنة 2024 لم يشر إليها لا من بعيد أو قريب، وهذه التمويلات مخصصة لدعم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في تونس، بما في ذلك إصلاح القطاع العام، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، وتحسين التوظيف. وبحسب ما أعلنته الحكومة التونسية، فإن التمويل الأوروبي سيستخدم في تنفيذ مشاريع في مجالات مختلفة، منها دعم إصلاح القطاع العام، بما في ذلك تحسين الإدارة المالية، وتطوير الموارد البشرية، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، بما في ذلك دعم الانتخابات، وتعزيز دور المجتمع المدني، وتعزيز حقوق الإنسان، وتحسين التوظيف، بما في ذلك دعم التدريب المهني، وإنشاء فرص عمل جديدة، وحماية العمال.
تمويلات أوروبية غامضة
ويأتي هذا التمويل في إطار برنامج التعاون المالي بين تونس والاتحاد الأوروبي، الذي يهدف إلى دعم الاستقرار الاقتصادي والنمو الاجتماعي في تونس. ويتعلق التمويل الأوروبي لتونس لسنة 2024، ببرمجة 700 مليون يورو لدعم إصلاح القطاع العام، و500 مليون يورو لدعم تعزيز المؤسسات الديمقراطية، و500 مليون يورو لدعم تحسين التوظيف. ومن المقرر أن يتم صرف هذا التمويل على مدار عدة سنوات، بدءًا من سنة 2024، إلا أنه بناء على قانون المالية لسنة 2024 فإن مصير هذه التمويلات مازال مجهولا ولم يحسم بعد في الأمر من قبل الحكومة التونسية.
واللافت في ميزانية سنة 2024، هو خلوها من تمويلات صندوق النقد الدولي، وتمويلات الاتحاد الأوروبي، بقيمة جملية بلغت 77.8 مليار دينار، أي بزيادة 6.6 مليار دينار مقارنة بالميزانية المحينة لسنة 2023، و8 مليارات دينار مقارنة بقانون المالية الأصلي لسنة 2023.
ويرى جزء واسع من خبراء الاقتصاد أن هذه الزيادة الكبيرة في الميزانية ستمول أساسا من الاقتراض الخارجي، حيث تبلغ قيمة القروض الخارجية المتوقعة حوالي 5.9 مليار دينار. كما ستمول من الموارد الجبائية بقيمة 4.5 مليار دينار، وهذه الزيادة في الميزانية ستؤدي إلى زيادة حجم الدين العمومي، والذي سيبلغ حوالي 118.7 مليار دينار سنة 2024، أي ما يعادل 83.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
صعوبات في تسديد الدين الخارجي
ومن المتوقع وفق بعض الخبراء الاقتصاديين والماليين أن تواجه الحكومة التونسية صعوبات كبيرة في تسديد الديون الخارجية في سنة 2024، خاصة في الأشهر الأولى من السنة، حيث تبلغ المستحقات الخارجية حوالي 850 مليون أورو في شهر جانفي، و168 مليون دولار في شهر فيفري، وأكثر من مليار دينار في شهر مارس، وهذه المواعيد تمثل تحديا كبيرا للحكومة التونسية، والتي ستحتاج إلى اتخاذ إجراءات صعبة لضمان تنفيذها.
ويتبين وفق هذه البيانات أن يواجه الاقتصاد التونسي تحديات كبيرة، أهمها غياب التمويل الخارجي من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي ، وارتفاع حجم الدين العمومي، والذي بلغ سنة 2022 حوالي 114865 مليون دينار، أي ما يعادل 79.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع نسبة التضخم إلى أكثر من 8.6.%
وبناءً على هذه التحديات، فإن ميزانية تونس لسنة 2024 ستركز على ترشيد النفقات، وخاصة النفقات الجارية، مثل نفقات الأجور والدعم، وزيادة موارد الدولة، وخاصة من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي، ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك إصلاح القطاع العام وتعزيز الاستثمار. ومن بين النقاط الهامة التي تميز ميزانية تونس لسنة 2024، الزيادة الكبيرة في الميزانية، والتي تبلغ 6.6 مليار دينار، أي ما يعادل حوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي، والاعتماد الكبير على الاقتراض الخارجي في تمويل هذه الزيادة، حيث تبلغ قيمة القروض الخارجية المتوقعة حوالي 5.9 مليار دينار، والزيادة في حجم الدين العمومي، والتي ستبلغ حوالي 3.9 مليار دينار.
تمويلات لم يفصح عنها
ولم تفصح وزارة المالية في تقريرها على مصدر تمويلات بقيمة 3200 مليون دولار كقروض خارجية لدعم الميزانية وهو مبلغ ضخم، في حين اكتفت الوزارة بذكر مصادر من المنتظر اللجوء إليها لتعبئة قروض دعم الميزانية المنتظرة لسنة 2024 والمقدرة بنحو 14470 مليون دينار، وهي صندوق النقد العربي بما يعادل 38 مليون دولار والبنك الدولي 63 مليون أورو والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد (400 مليون دولار) والجزائر (300 مليون دولار) والعربية السعودية (500 مليون دولار).
وبناء على هذه العوامل، يمكن القول إن نجاح تونس بميزانية 2024 أمر غير مضمون في ظل الأوضاع العالمية والإقليمية الصعبة وارتفاع أسعار النفط والمواد الأولية، ولكنه ممكن إذا تمكنت الحكومة من تحقيق الاستقرار الاقتصادي ونجاح الإصلاحات الاقتصادية وتوفير التمويل الخارجي، وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن أن تساعد تونس على تحقيق نجاح أكبر بميزانية 2024، أبرزها التركيز على الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية مثل إصلاح المنظومة الجبائية ومنظومة الدعم وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية،وهي ضرورية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وخفض العجز المالي، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، الذي يمكن أن يلعب دوراً مهماً في دعم الاقتصاد التونسي، من خلال خلق فرص العمل وزيادة الاستثمارات، والاستفادة من المساعدات الخارجية، التي تساعد تونس على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق التوازنات المالية، وهذه الخطوات، في حال أحسنت تونس تنفيذها فستكون لديها فرصة أفضل لتحقيق نجاح أكبر بميزانية 2024.