إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من أحدث إنتاجات المسرح الوطني.. "حلمت بيك البارح" منجز فني يتقاسم مع جمهوره لعبة "المسرح والحياة"



-حين يجسد الأحمر القاني العنف ويلوّن أركان مجتمع يعاني الفساد

- لبنى مليكة تتقصى أثر وجع أم مكلومة على ركح الفن الرابع

تونس - الصباح

في مشاهد من "آني هول" وقف وودي آلان أمام الكاميرا موجها حديثه لمشاهدي الفيلم، يتساءل عن أسباب فشل علاقته بحبيبته وباحثا في معاني الحب وآلامه في توظيف استثنائي لنظرية "بريشت" مخترقا بذلك حالة الايهام المسيطرة على فكر المشاهدين ليتحولوا من مجرد جماهير تحضر عرضا فنيا إلى شركاء فاعلين قد عمقت اللغة البصرية للسينما بفعل التحريض على التفكير.. مشاهد "آني هول" (إنتاج 1977) لاحقت مخيلتنا ونحن نشاهد أحدث انتاجات المسرح الوطني التونسي "حلمت بيك البارح" في إخراج مشترك للممثلة لبنى مليكة والمسرحي السوري إبراهيم جمعة ولئن اختلفت المعاناة والحكاية فالرغبة في مشاركة الوجع ترجمها الفعل الدرامي.

يستعين الثنائي لبنى مليكة وإبراهيم جمعة على ركح "الفن الرابع" بنظرية "برتولد بريشت"  في فضاء يستدعي الحاضرين - لا يتجاوز عددهم 70 شخصا في العرض الواحد - لعالم الحكاية يعيشون أوجاعها ويتورطون في الفعل المسرحي وكأنهم من شخوصه وعناصره الأساسية في عملية إبداعية تدعو للتساؤل والتفكير ..

لماذا نتخيّل بالأساس؟ لماذا نقوم بفعل ما بالأساس؟ أن تغطس بالسؤال لا بإمكانيات الإجابة. لأن الإجابة تستحيل أن تكون كلّاً متكاملًا متناسق الحواف والأشكال. تتداخل الحدود وتتلاشى شيئًا فشيئًا كضوء في العتمة، كقنديل بحر في الماء، كابن داخل جسد أم. لكن هل ينطبق ذلك على المعتدي والضحية؟" .. هي أسئلة رافقت مشروع لبنى مليكة وإبراهيم جمعة، يناقش طرحه العنف المتفشي في مجتمع ينخره الفساد في قطاعاته الحيوية التربية، التعليم، الصحة كما سياساته الثقافية.

منطلق الحكاية ممثلة تبحث عن مفاتيح شخصية أم، تجسدها على ركح.. أم لتلميذ يعتدي طعنا على أستاذه ويتحول من شاب حالم لمجرم وراء القضبان.. حكاية تقرأ في صفحات الحوادث من ورقات راهننا الدامي وقد تشكلت في فعل إبداعي احتضنه يوم 13 نوفمبر 2023 ركح الفن الرابع.

في "حلمت بيك البارح" تقتصي لبنى مليكة أثر وجع أم .. الأم، التي تسكنها خوفا على ابنتها والأم المجسدة على الركح والمصدومة من سلوك ابنها العنيف، تساؤل المجتمع والجمهور الحاضر داخل اللعبة المسرحية ... هل أخطأنا التربية.. هل هي المدرسة أم الشارع أم كلاهما معا !؟.. كيف تلوّن واقعنا بهذا الأحمر القاني في رمزية لم تفارق لوحات العمل في أبعاده القاتمة فالأحمر هو موت للحياة، الطعن، الغدر كما هي صور حية من مخاض الولادة وذاك الحب الفطري الأمومة في تجلياتها القصوى... مفعمة بحضور الوطن الموجع من تونس إلى سوريا مرورا بالجرح الأكبر فلسطين.. هنا والآن تمخض حلم لبنى مليكة وإبراهيم جمعة. 

في ظلمة الفضاء طاولة وثلاث كراسي مع ستارة سوداء.. حبات الطماطم القانية وقطرات الماء تنعش وجها داميا لأم مكلومة.. تسقط الإضاءة على ملامح أرهقتها الأوجاع، المظالم والغربة.. على هذا الركح تساقطت أوراق الذكريات والأحلام الوردية لمستقبل طفل بعد أن هبت على قلب والدته رياح قاسية باردة قتلت أملها.. حلمت به كقنديل بحر في الماء يضيء عالمها.. تحتضن أيامه وتبني مستقبله لتكون النهاية قضبان سجن تضغط على أيامها الباقية في حياة لم تكن يوما عادلة ..

ثنائية الضوء والعتمة مقترح فني لا تخلو من رمزيته الجمالية والفكرية أعمال إبراهيم جمعة المسرحية من مسرح الواقع إلى العبث ترجم المخرج السوري رؤيته في انسجام عميق مع خيارات لبنى مليكة على امتداد مسيرتها المسرحية.

"حلمت بيك البارح" عمل أنتجه المسرح الوطني التونسي وقدم أول أمس ضمن فعاليات الدورة الأولى من المهرجان الوطني للمسرح التونسي – مواسم الابداع (من 7 إلى 14 نوفمبر 2023) وتمنح جوائز المتوجين في مسابقاته مساء اليوم بقاعة الفن الرابع بالعاصمة ومن بين المتنافسين على تتويجاته مسرحية "حلمت بيك البارح" للبني مليكة وإبراهيم جمعة والمدعومة من قبل الصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق"، صندوق دعم الثقافة الافريقية ومؤسسة كمال الأزعر.

الجذاذة الفنية للمسرحية

إخراج : لبنى مليكة وإبراهيم جمعة

مساعدة إبداعية: آية طرابلسي

موسيقى أصلية: جهاد خميري

توضيب الإنارة: فيصل بن صالح

توضيب الصوت: صابر القاسمي

توضيب الرّكح: لطفي الجبالي - غسّان الستّي

توضيب الملابس: مروة منصوري

مكلفة بالإنتاج: فاتن الجوادي

توضيب إنتاج : رضوان بوليفة

إنتاج: المسرح الوطني التونسي 2023

 

نجلاء قموع

 من أحدث إنتاجات المسرح الوطني..   "حلمت بيك البارح" منجز فني يتقاسم مع جمهوره لعبة "المسرح والحياة"



-حين يجسد الأحمر القاني العنف ويلوّن أركان مجتمع يعاني الفساد

- لبنى مليكة تتقصى أثر وجع أم مكلومة على ركح الفن الرابع

تونس - الصباح

في مشاهد من "آني هول" وقف وودي آلان أمام الكاميرا موجها حديثه لمشاهدي الفيلم، يتساءل عن أسباب فشل علاقته بحبيبته وباحثا في معاني الحب وآلامه في توظيف استثنائي لنظرية "بريشت" مخترقا بذلك حالة الايهام المسيطرة على فكر المشاهدين ليتحولوا من مجرد جماهير تحضر عرضا فنيا إلى شركاء فاعلين قد عمقت اللغة البصرية للسينما بفعل التحريض على التفكير.. مشاهد "آني هول" (إنتاج 1977) لاحقت مخيلتنا ونحن نشاهد أحدث انتاجات المسرح الوطني التونسي "حلمت بيك البارح" في إخراج مشترك للممثلة لبنى مليكة والمسرحي السوري إبراهيم جمعة ولئن اختلفت المعاناة والحكاية فالرغبة في مشاركة الوجع ترجمها الفعل الدرامي.

يستعين الثنائي لبنى مليكة وإبراهيم جمعة على ركح "الفن الرابع" بنظرية "برتولد بريشت"  في فضاء يستدعي الحاضرين - لا يتجاوز عددهم 70 شخصا في العرض الواحد - لعالم الحكاية يعيشون أوجاعها ويتورطون في الفعل المسرحي وكأنهم من شخوصه وعناصره الأساسية في عملية إبداعية تدعو للتساؤل والتفكير ..

لماذا نتخيّل بالأساس؟ لماذا نقوم بفعل ما بالأساس؟ أن تغطس بالسؤال لا بإمكانيات الإجابة. لأن الإجابة تستحيل أن تكون كلّاً متكاملًا متناسق الحواف والأشكال. تتداخل الحدود وتتلاشى شيئًا فشيئًا كضوء في العتمة، كقنديل بحر في الماء، كابن داخل جسد أم. لكن هل ينطبق ذلك على المعتدي والضحية؟" .. هي أسئلة رافقت مشروع لبنى مليكة وإبراهيم جمعة، يناقش طرحه العنف المتفشي في مجتمع ينخره الفساد في قطاعاته الحيوية التربية، التعليم، الصحة كما سياساته الثقافية.

منطلق الحكاية ممثلة تبحث عن مفاتيح شخصية أم، تجسدها على ركح.. أم لتلميذ يعتدي طعنا على أستاذه ويتحول من شاب حالم لمجرم وراء القضبان.. حكاية تقرأ في صفحات الحوادث من ورقات راهننا الدامي وقد تشكلت في فعل إبداعي احتضنه يوم 13 نوفمبر 2023 ركح الفن الرابع.

في "حلمت بيك البارح" تقتصي لبنى مليكة أثر وجع أم .. الأم، التي تسكنها خوفا على ابنتها والأم المجسدة على الركح والمصدومة من سلوك ابنها العنيف، تساؤل المجتمع والجمهور الحاضر داخل اللعبة المسرحية ... هل أخطأنا التربية.. هل هي المدرسة أم الشارع أم كلاهما معا !؟.. كيف تلوّن واقعنا بهذا الأحمر القاني في رمزية لم تفارق لوحات العمل في أبعاده القاتمة فالأحمر هو موت للحياة، الطعن، الغدر كما هي صور حية من مخاض الولادة وذاك الحب الفطري الأمومة في تجلياتها القصوى... مفعمة بحضور الوطن الموجع من تونس إلى سوريا مرورا بالجرح الأكبر فلسطين.. هنا والآن تمخض حلم لبنى مليكة وإبراهيم جمعة. 

في ظلمة الفضاء طاولة وثلاث كراسي مع ستارة سوداء.. حبات الطماطم القانية وقطرات الماء تنعش وجها داميا لأم مكلومة.. تسقط الإضاءة على ملامح أرهقتها الأوجاع، المظالم والغربة.. على هذا الركح تساقطت أوراق الذكريات والأحلام الوردية لمستقبل طفل بعد أن هبت على قلب والدته رياح قاسية باردة قتلت أملها.. حلمت به كقنديل بحر في الماء يضيء عالمها.. تحتضن أيامه وتبني مستقبله لتكون النهاية قضبان سجن تضغط على أيامها الباقية في حياة لم تكن يوما عادلة ..

ثنائية الضوء والعتمة مقترح فني لا تخلو من رمزيته الجمالية والفكرية أعمال إبراهيم جمعة المسرحية من مسرح الواقع إلى العبث ترجم المخرج السوري رؤيته في انسجام عميق مع خيارات لبنى مليكة على امتداد مسيرتها المسرحية.

"حلمت بيك البارح" عمل أنتجه المسرح الوطني التونسي وقدم أول أمس ضمن فعاليات الدورة الأولى من المهرجان الوطني للمسرح التونسي – مواسم الابداع (من 7 إلى 14 نوفمبر 2023) وتمنح جوائز المتوجين في مسابقاته مساء اليوم بقاعة الفن الرابع بالعاصمة ومن بين المتنافسين على تتويجاته مسرحية "حلمت بيك البارح" للبني مليكة وإبراهيم جمعة والمدعومة من قبل الصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق"، صندوق دعم الثقافة الافريقية ومؤسسة كمال الأزعر.

الجذاذة الفنية للمسرحية

إخراج : لبنى مليكة وإبراهيم جمعة

مساعدة إبداعية: آية طرابلسي

موسيقى أصلية: جهاد خميري

توضيب الإنارة: فيصل بن صالح

توضيب الصوت: صابر القاسمي

توضيب الرّكح: لطفي الجبالي - غسّان الستّي

توضيب الملابس: مروة منصوري

مكلفة بالإنتاج: فاتن الجوادي

توضيب إنتاج : رضوان بوليفة

إنتاج: المسرح الوطني التونسي 2023

 

نجلاء قموع