أستاذ علم الاجتماع لـ"الصباح": تواصل القطيعة أو ما يشبهها بين المجتمع السياسي وخاصة في بعده الحزبي والجمعياتي والقواعد الشعبية بشكل عام
تونس – الصباح
يتأكد يوما بعد يوم نفور الشارع التونسي من كل ما هو سياسي وحزبي ونشاط جمعياتي حتى في القضايا التي من المفترض أن توحّد الجميع كالقضية الفلسطينية وما يجري من أحداث دامية وكارثية وإجرامية في قطاع غزة خلفت الآلاف من الشهداء والجرحى في مقدمتهم الأطفال والنساء.
إيمان عبد اللطيف
انتظمت يوم السبت 11 نوفمبر 2023 بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة مسيرتان لمساندة القضية الفلسطينية، فكانت المسيرة الأولى بدعوة من اللجنة الوطنية لدعم المقاومة الفلسطينية، والثانية بدعوة من جبهة الخلاص الوطني ولكن بمواقيت مختلفة وبوجوه وانتماءات كذلك مختلفة.
لم تكن المسيرتين بالحجم المنتظر ولا بالحشد المفترض من حيث المشاركة، وإذا ما تمت مقارنتهما بمسيرات الليل والنهار التي شارك فيها تلقائيا مئات التونسيين بمجرد دعوات أُطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة "الفايسبوك" فإنه يلاحظ ضعف الحشد للمسيرات الحزبية والسياسية والمنظمة من قبل مكونات المجتمع المدني.
وفي حقيقة الأمر ليس بالصادم ولا المفاجئ ألا يستجيب الشارع التونسي لكل ما هو حزبي وسياسي، فموقف التونسيين بات واضحا وجليا ومفصليا منذ الإعلان عن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بدورتيها الأولى والثانية لسنة 2022.
وبدأ تراجع المشاركة الجماهيرية يُلقي بظلاله منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019، وقبلها الانتخابات البلدية لسنة 2018 وقبلها أيضا الانتخابات التشريعية والرئاسة لسنة 2014.
ولا يتعلق هذا التراجع بأنشطة الأحزاب والمتابعة السياسية بل امتد أيضا لدعوات مختلف مكونات المجتمع المدني من اليسار إلى اليمين للحشد بالشارع للدفاع عن أي قضية حقوقية كانت أو مجتمعية أو اجتماعية، وكأن بالتونسي قد نفر من الكل.
يُفسر العديد من متابعي الشأن العام التونسي، بأن خيبات الأمل المتتالية منذ سنة 2011 من أداء مجلس النواب والسياسيين غيرت اهتمامات التونسي الذي لم يعد منشغلا إلا بالحياة اليومية وبغلاء المعيشة وبالبطالة وبالهجرة غير نظامية.
ولكن في نفس الوقت، هناك كثيرون أيضا يرون أن حملات الشيطنة والتخوين للمجتمع السياسي والحزبي والمدني في الآونة الأخيرة ساهمت في تعميق أزمة النفور من هذه الأجسام.
أوضح أستاذ علم الاجتماع زهير بن جنات في تصريح لـ"الصباح" أنّ "هذا الأمر يأتي في إطار تواصل حالة القطيعة أو ما يشبهها الحاصلة بين المجتمع السياسي وخاصة في بعده الحزبي والجمعياتي والقواعد الشعبية بشكل عام".
وأضاف، "المجتمع التونسي يشعر أن الأحزاب لم يعد لها أي مكان أو أهمية ويرى عن قرب أنها فقدت كل أدوراها نظرا لعدة أسباب لعلّ أهمها المرحلة الأخيرة التي عرفت تخوين الأحزاب وتشويهها والتشكيك في مصداقيتها بكل أصنافها وتحميل الكل، بغض النظر على من كان يحكم أو كان في المعارضة، مسؤولية أزمة ما تعيشه البلاد خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي".
وقال زهير بن جنات "هذا للأسف رأيناه، بالإضافة للفاعلين السياسيين الذين كان لهم دور في حملات التشويه، في الإعلام الذي كان أيضا مسؤولا عن هذا لأن خطابه يتهم هذه الأحزاب ويحملها أيضا المسؤولية".
وأكّد "بالرغم من أن الأحزاب تتحمل المسؤولية في ذلك، ولكن كان هناك تضخيم وتعسف كبير في الحكم على الكل، وهو غير صحيح فليست كل الأحزاب والجمعيات والمنظمات موضوعة في نفس السلة. فالمجتمع المدني لعب دورا أساسيا جدا في كل المراحل التاريخية. ولولا ما كان لدينا مجتمع مدني قوي جدا لكانت تونس في وضعية تعيسة جدا".
في ذات السياق أوضح أستاذ علم الاجتماع "لليوم هذا الدور مهم جدا. ولكن هذا المجتمع السياسي والجمعياتي أصبح في قطيعة باعتبار أن هذه الأجسام هي أجسام وهياكل وسيطة بين الحاكم والمحكوم ولكن للأسف الشديد في المشروع الجديد في السنتين الأخيرتين لم نعد نتحدث عن هذه الوساطة ولكن أصبحنا نتحدث عن علاقة مباشرة بين الحاكم والمحكوم".
وقال زهير بن جنات "هذه فلسفة عامة أصبحت منتشرة في المجتمع الذي لم يعد يؤمن كثيرا بأهمية الأحزاب السياسية وكذلك الجمعيات التي تم اتهامها بكل التهم بما في ذلك كبرى التهم واستهداف العريقة منها وتشويهها ربما لاختلاف مواقفها وقراءاتها للواقع".
وأكّد أنه "في خضم هذا المخاض سيكون طبعا خروج الناس للشارع سيتخذ بعدا انفعاليا لا يمر بالقنوات الوسيطة التقليدية بل أصبح التفاعل مع الواقع يتم بطريقة انفعالية ومباشرة وهذا شاهدناه خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأمر طبيعي جدا نظرا لجسامة الجرائم الواقعة والمتواصلة إلى حد الآن في الأراضي الفلسطينية."
وأوضح "ليس فقط في تونس بل في عواصم العالم كانت هناك تظاهرات كبيرة جدا شارك فيها الناس دون المرور بالضرورة بالأحزاب والجمعيات لأن المسألة إنسانية فما يحصل يستفز الشعور ويجعل الناس يخرجون تلقائيا".
وبيّن "بالنسبة لحالة تونس، عندما ننزل هذه المسألة في هذا السياق نجد أنه للأسف الشديد أن القطيعة مازالت متواصلة بين المجتمع المدني والسياسي وبين القواعد الشعبية التي يتواصل لديها الشعور بالإحباط من التجربة السياسية السابقة وتحمل الأحزاب والجمعيات بشكل عام أزمة السنوات الأخيرة ويُضاف إليها حالة من الرأي العام ونوع من التوجيه الذي دفع إلى فقدان الثقة وهذا ليس بالمؤشر الجيد باعتبار أن هذه الهياكل مهمة جدا وضرورية لتأطير الجماهير المنفعلة".
وقال بن جنات "هذه الجماهير التي لا تحتكم لمنطق تنظيمي هي في نفس الوقت فرصة في أوقات معينة ولكن تمثل أيضا تهديدا عندما تتغير السياقات وملامح الواقع".
أستاذ علم الاجتماع لـ"الصباح": تواصل القطيعة أو ما يشبهها بين المجتمع السياسي وخاصة في بعده الحزبي والجمعياتي والقواعد الشعبية بشكل عام
تونس – الصباح
يتأكد يوما بعد يوم نفور الشارع التونسي من كل ما هو سياسي وحزبي ونشاط جمعياتي حتى في القضايا التي من المفترض أن توحّد الجميع كالقضية الفلسطينية وما يجري من أحداث دامية وكارثية وإجرامية في قطاع غزة خلفت الآلاف من الشهداء والجرحى في مقدمتهم الأطفال والنساء.
إيمان عبد اللطيف
انتظمت يوم السبت 11 نوفمبر 2023 بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة مسيرتان لمساندة القضية الفلسطينية، فكانت المسيرة الأولى بدعوة من اللجنة الوطنية لدعم المقاومة الفلسطينية، والثانية بدعوة من جبهة الخلاص الوطني ولكن بمواقيت مختلفة وبوجوه وانتماءات كذلك مختلفة.
لم تكن المسيرتين بالحجم المنتظر ولا بالحشد المفترض من حيث المشاركة، وإذا ما تمت مقارنتهما بمسيرات الليل والنهار التي شارك فيها تلقائيا مئات التونسيين بمجرد دعوات أُطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة "الفايسبوك" فإنه يلاحظ ضعف الحشد للمسيرات الحزبية والسياسية والمنظمة من قبل مكونات المجتمع المدني.
وفي حقيقة الأمر ليس بالصادم ولا المفاجئ ألا يستجيب الشارع التونسي لكل ما هو حزبي وسياسي، فموقف التونسيين بات واضحا وجليا ومفصليا منذ الإعلان عن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بدورتيها الأولى والثانية لسنة 2022.
وبدأ تراجع المشاركة الجماهيرية يُلقي بظلاله منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019، وقبلها الانتخابات البلدية لسنة 2018 وقبلها أيضا الانتخابات التشريعية والرئاسة لسنة 2014.
ولا يتعلق هذا التراجع بأنشطة الأحزاب والمتابعة السياسية بل امتد أيضا لدعوات مختلف مكونات المجتمع المدني من اليسار إلى اليمين للحشد بالشارع للدفاع عن أي قضية حقوقية كانت أو مجتمعية أو اجتماعية، وكأن بالتونسي قد نفر من الكل.
يُفسر العديد من متابعي الشأن العام التونسي، بأن خيبات الأمل المتتالية منذ سنة 2011 من أداء مجلس النواب والسياسيين غيرت اهتمامات التونسي الذي لم يعد منشغلا إلا بالحياة اليومية وبغلاء المعيشة وبالبطالة وبالهجرة غير نظامية.
ولكن في نفس الوقت، هناك كثيرون أيضا يرون أن حملات الشيطنة والتخوين للمجتمع السياسي والحزبي والمدني في الآونة الأخيرة ساهمت في تعميق أزمة النفور من هذه الأجسام.
أوضح أستاذ علم الاجتماع زهير بن جنات في تصريح لـ"الصباح" أنّ "هذا الأمر يأتي في إطار تواصل حالة القطيعة أو ما يشبهها الحاصلة بين المجتمع السياسي وخاصة في بعده الحزبي والجمعياتي والقواعد الشعبية بشكل عام".
وأضاف، "المجتمع التونسي يشعر أن الأحزاب لم يعد لها أي مكان أو أهمية ويرى عن قرب أنها فقدت كل أدوراها نظرا لعدة أسباب لعلّ أهمها المرحلة الأخيرة التي عرفت تخوين الأحزاب وتشويهها والتشكيك في مصداقيتها بكل أصنافها وتحميل الكل، بغض النظر على من كان يحكم أو كان في المعارضة، مسؤولية أزمة ما تعيشه البلاد خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي".
وقال زهير بن جنات "هذا للأسف رأيناه، بالإضافة للفاعلين السياسيين الذين كان لهم دور في حملات التشويه، في الإعلام الذي كان أيضا مسؤولا عن هذا لأن خطابه يتهم هذه الأحزاب ويحملها أيضا المسؤولية".
وأكّد "بالرغم من أن الأحزاب تتحمل المسؤولية في ذلك، ولكن كان هناك تضخيم وتعسف كبير في الحكم على الكل، وهو غير صحيح فليست كل الأحزاب والجمعيات والمنظمات موضوعة في نفس السلة. فالمجتمع المدني لعب دورا أساسيا جدا في كل المراحل التاريخية. ولولا ما كان لدينا مجتمع مدني قوي جدا لكانت تونس في وضعية تعيسة جدا".
في ذات السياق أوضح أستاذ علم الاجتماع "لليوم هذا الدور مهم جدا. ولكن هذا المجتمع السياسي والجمعياتي أصبح في قطيعة باعتبار أن هذه الأجسام هي أجسام وهياكل وسيطة بين الحاكم والمحكوم ولكن للأسف الشديد في المشروع الجديد في السنتين الأخيرتين لم نعد نتحدث عن هذه الوساطة ولكن أصبحنا نتحدث عن علاقة مباشرة بين الحاكم والمحكوم".
وقال زهير بن جنات "هذه فلسفة عامة أصبحت منتشرة في المجتمع الذي لم يعد يؤمن كثيرا بأهمية الأحزاب السياسية وكذلك الجمعيات التي تم اتهامها بكل التهم بما في ذلك كبرى التهم واستهداف العريقة منها وتشويهها ربما لاختلاف مواقفها وقراءاتها للواقع".
وأكّد أنه "في خضم هذا المخاض سيكون طبعا خروج الناس للشارع سيتخذ بعدا انفعاليا لا يمر بالقنوات الوسيطة التقليدية بل أصبح التفاعل مع الواقع يتم بطريقة انفعالية ومباشرة وهذا شاهدناه خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأمر طبيعي جدا نظرا لجسامة الجرائم الواقعة والمتواصلة إلى حد الآن في الأراضي الفلسطينية."
وأوضح "ليس فقط في تونس بل في عواصم العالم كانت هناك تظاهرات كبيرة جدا شارك فيها الناس دون المرور بالضرورة بالأحزاب والجمعيات لأن المسألة إنسانية فما يحصل يستفز الشعور ويجعل الناس يخرجون تلقائيا".
وبيّن "بالنسبة لحالة تونس، عندما ننزل هذه المسألة في هذا السياق نجد أنه للأسف الشديد أن القطيعة مازالت متواصلة بين المجتمع المدني والسياسي وبين القواعد الشعبية التي يتواصل لديها الشعور بالإحباط من التجربة السياسية السابقة وتحمل الأحزاب والجمعيات بشكل عام أزمة السنوات الأخيرة ويُضاف إليها حالة من الرأي العام ونوع من التوجيه الذي دفع إلى فقدان الثقة وهذا ليس بالمؤشر الجيد باعتبار أن هذه الهياكل مهمة جدا وضرورية لتأطير الجماهير المنفعلة".
وقال بن جنات "هذه الجماهير التي لا تحتكم لمنطق تنظيمي هي في نفس الوقت فرصة في أوقات معينة ولكن تمثل أيضا تهديدا عندما تتغير السياقات وملامح الواقع".