*كيف ينحت السرد التخييلي ملامح الوطن زمن الاستعمار وبعده؟
بنزرت-الصباح
عاشت مدينة بنزرت عامة وعشاق الأدب والرواية خاصة على امتداد ثلاثة أيام مع فعاليات الدورة الخامسة للملتقى الدولي للرواية العربية الذي نظمه فرع رابطة الكتاب الأحرار ببنزرت بالاشتراك مع جمعية أحباء المكتبة والكتاب ببنزرت تحت عنوان "الوطن في الرواية العربية: جراح الواقع / لعبة التخييل" بأحد النزل السياحية القريبة من المدينة، إثر تأثيث عدد من تلاميذ المدارس الابتدائية العمومية والخاصة لمهرجان شارعي..
قامات تونسية وعربية في الموعد
في البداية، وبعدما رحبت بالجميع كُتابا ونقادا وجامعيين وأساتذة وإعلاميين وشبابا واعدا بغد أفضل في ظل واقع قاتم يشهده الوطن العربي، وضيوف الملتقى من بلدان شقيقة على غرار ابراهيم أزوغ من المغرب وعائشة الاصفر من ليبيا وعزالدين الجلاوجي من الجزائر والسيد نجم من مصر وتوفيق فياض من فلسطين، بينت رئيسة فرع الرابطة الأستاذة والناقدة منية قاره بيبان أنه رغم العوائق الكثيرة فإن فرع رابطة الكتاب الأحرار ببنزرت تمكن من تنظيم الدورة الخامسة لهذا الملتقى، وتوجهت بالشكر لكل من عاضد جهود الرابطة في بناء ثقافة المقاومة ومنهم مندوب الثقافة وجمعية أحباء المكتبة والكتاب ومهرجان بنزرت الدولي وودادية قدماء معاهد بنزرت والمركب الثقافي الشيخ إدريس وكل الشرفاء من الأفراد والمكافحين من أعضاء الرابطة.
كما فسحت المجال للمكلفة بالإعلام بالهيئة الروائية حفيظة قاره بيبان التي دعت الحاضرين إلى الوقوف دقيقة صمت ترحما على أرواح شهداء فلسطين، ثم قدمت ورقة عمل الملتقى، والتي جاء فيها بالخصوص: "الآن ونحن نفتتح الدورة الخامسة للملتقى، لا مفر لنا من السؤال: ماذا يفعل الأدب الآن أمام كل هذا الجنون الرهيب اللاإنساني الذي يدمر غزة ويشعل ارض فلسطين لا يستثني طفلا أو إمرأة أو شيخا ؟ نلتقي لنفتح أوراق الرواية العربية لنرى فيها "جراح الواقع ولعبة التخييل" ، وهل ثمة أكثر وأبشع من جراح الواقع الآن الذي فاق كل تخييل؟ ليغفر لنا الشهداء كل ذنوبنا العربية، كل ضعفنا وخذلاننا وخياناتنا التي أدت بنا إلى ما نحن فيه.
واثر ذلك قدمت برنامج الدورة الخامسة للملتقى، وحددت الإشكاليات التي سيتم التطرق إليها وهي :
كيف ينحت السرد التخييلي ملامح الوطن زمن الاستعمار وبعده؟
ما دور الرواية العربية في تشكيل صورة الوطن لدى المواطن العربي ولدى الآخر؟
كيف يمكن للرواية العربية أن تكون سلاحا في عملية النضال لاستعادة الوطن؟.. كيف صاغت الرواية العربية جملة من المفاهيم في ثنائيات: الحرية /القمع ، الهجرة /العودة ، الانتماء / الاغتراب؟
هذه الإشكاليات التي تطرح أمام نخبة نيرة من النقاد والكتاب العرب ضمهم هذا الملتقى، حتى يتعمق الوعي أكثر ونزداد قوة وصمودا، ونقدر أكثر على المقاومة بسلاح الفن، سلاح الكلمة، سلاح الثقافة لتحقيق ما كاد يغيب عن هذا العالم وهو "إنسانية الإنسان" .
محنة الوطن
وإثر كلمة المندوب الجهوي للشؤون الثقافية ببنزرت فوزي بن قيراط ، تولت الدكتورة سعدية بن سالم رئاسة الجلسة العلمية الأولى والتي قدم خلالها الدكتور هشام بالضيافي مداخلة بعنوان الوطن الجحيم في رواية "الآخرون" لحسونة المصباحي: فساد المكان ومحنة الكيان"، ثم قدمت الأستاذة عائشة الأصفر من ليبيا مداخلة حول: "التمثيل السردي للوطن في الرواية العربية بين الوطن المحنَة والوطن الحلم: الرواية الليبية نموذجا" من خلال ست روايات ليبية وهي "بر الحبش" لمحمد الزروق ، التي تتحدث عن أحداث الحرب في أثيوبيا، والتي أجبر الليبيون على المشاركة فيها، إبان فترة الاحتلال الإيطالي، ورواية "الممر" لابراهيم عثمونة، و"صندوق الرمل" لعائشة إبراهيم ، ورواية "أم الزين" للدكتورة ورواية "الهروب من جزيرة أوستيكا" لصالح السنوسي، ورواية "كونشيرتو قورينا إدواردو" لنجوى بن شتوان، وبينت أن ثلاثا منها لها صلة بثلاثة حروب وهي حرب اثيوبيا وأوغندا والتشاد.
كما استحضرت مظاهر محنة الوطن في جميع هذه الروايات، مؤكدة أن المعاني السلبية تستدعي بالضرورة نقيضها، لإبراز صورة الوطن الحلم عبر التخييل .
ثم تولى الدكتور محمد القاضي تقديم مداخلته حول "استشراف الأوطان في نماذج من الرواية العربية"، من خلال ست روايات مختلفة صدرت في السنوات الثلاث الأخيرة، لإبراز صورة الوطن من خلال مراحل ثلاث، والتي بدت فيها صورة الوطن كابوسية، وذلك قبل أن تختتم الجلسة بشهادة الأستاذة شادية القاسمي بعنوان "الهامش في الرواية /السواد وجراح الذات" من خلال رواياتها "المصب" و"الفرناق" ورايات سوداء" ، ركزت خلالها على تحليل أحداث هذه الروايات وإبراز صلتها بالوطن
اتساع مفهوم الوطن
في الجلسة العلمية التي انتظمت صباح السبت التي ترأسها الدكتور محمد القاضي قدم الدكتور والأستاذ الجامعي والروائي رياض خليف مداخلة حول كتابة الذاكرة الجماعية في رواية "انكسار الظل" لنصر بالحاج بالطيب، فأبرز صلة موضوع المداخلة بعنوان الملتقى، فبين أنها كتابة جراح الذاكرة، وميز بين أربعة مجالات في هذه الكتابة وهي التاريخ والذاكرة والذاكرة الفردية والذاكرة الجماعية، وأبرز الفوارق بينها ، وخصوصا على مستوى الصرامة العلمية ، وحضور ذات الكاتب في الأحداث وصلته بها. وخلص إلى أن الروائي نصر بالحاج بالطيب اهتم بالذاكرة الجماعية في مختلف تجلياتها المحلية بجهة دوز، وتعدى ذلك إلى الذاكرة الوطنية، ثم تطرق لأهم مظاهر حضور هذه الذاكرة والأسلوب والنواميس الجمالية المعتمدة ، وانتهى إلى الدلالات التي تحملها في مظاهرها الثلاثة، وهي الثقافية التي يستعيد فيها الكاتب أشياء محلية قديمة سجل فيها الكاتب شواهد من التراث المحلي ومقاطع غنائية أو شعرية وغيرها، واجتماعية من خلال تمثل شخصيات متخيلة مثل المجالس النسائية ، وسياسية من خلال حديث هذه الشخصيات عن أحداث في الغرض كالاستعمار والاستقلال، ليخلص في النهاية إلى تحول كتابة الذاكرة إلى كتابة احتجاج، مما يجعل الرواية تنخرط في مشروع مقاومة الاستعمار، وفضح بعض ممارساته وجرائمه، اواحتجاج الهامش على المركز، وصرخة تلك الربوع ضد ما تعانيه من النسيان والتهميش .
واثر ذلك قدم الأستاذ المحاضر رضا الأبيض مداخلته حول " استشراف الأوطان في نماذج من الرواية العربية "، فتحدث عن الالتباس المتصل بكلمة الوطن ذلك أن تمثلاتنا له تختلف، وعدد نماذج من تلك التمثلات، ثم ذكر إشكالية أخرى تتمثل في المناهج وأدوات المقاربة المعتمدة للبحث في النصوص وسياق كتابتها وتلقيها، هذا إلى جانب اتساع مفهوم الوطن ليشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، ليؤكد أنه ركز في مداخلته على الاستشراف السياسي، وذكر نماذج من الروايات التي تطرقت إلى ذلك مثل رواية "المصب" التي يمكن القول استعاريا إنها تتحدث عن الوطن المصب.
وبعدما توسع في تحليل نوعي الاستشراف، باعتباره تقنية تتفرع إلى نوعين داخلي وخارجي أو البعدي ، وأيضا رؤية أو موقف قد يكون مباشرا أو غير مباشر، بين أننا أمام صورتين للاستشراف في الرواية العربية : طوباوية وديستوبية ؛ روايات تحلم بواقع جميل أو الجنة الموعودة، وروايات تستشرف واقعا حزينا في صورة الوطن الكابوس .
ثم استهل الدكتور الجزائري عزالدين جلاوجي من الجزائر مداخلته بعنوان "احتراب بين غربة واغتراب/قراءة في رواية "حبيبتي مريم" للدكتورة اللبنانية هدى عيد مقدمة نظرية قسم فيها الرواية العربية إلى ثلاث طبقات : روايات مستقلة عن الهم العربي ، ونصوص عميلة تطعن في الذات والرموز والانتماء ، وهي تفعل ذلك لإرضاء الآخر رغبة في الفوز بالجوائز او النشر أو تحويلها إلى أفلام ، ونصوص مقاومة ترى أن الأدب موقف، وتمارس الرد بالكتابة.
وبين أن اختياره لهذه الرواية يرجع لاندراجها في الصنف الثالث في تقسيمه ليبين أن بطلة الرواية مريم وهي صحفية، نموذج المثقف الوطني الحركي أو العضوي على حد عبارة غرامشي الذي يحمل هم المجتمع ويبحث عميقا في الفساد في لبنان واعتراف الحاكم باختراقه جدران أسراره. ولكن يكتشف زوجها في النهاية وقوعها في المحظور؛ إذ يخبره الطبيب بأنها مارست الجنس قبل موتها في حادث مرور.
وعندما أراد التأكد من ذلك بإخراج الجثة من القبر ، لم يجد الجثة، ما يؤكد ارتكاب الحاكم لجرائمه ، واخفائها ، وفي ذلك ايحاء بما تمارسه الديكتاتورية من اغتصاب لحقوق الشعوب ،مشيرا إلى إدانة المثقف العضوي للأنظمة الفاسدة التي تعدم الضمائر النقية وتشوهها ، وهي دعوة للمثقفين لمواصلة النضال بالكلمة.
واختتمت الجلسة العلمية بشهادة الأستاذة مسعودة بن بوبكر حول " الطين والخزافون الجدد" ، فتحدثت عن رواياتها ، وبينت أنها تعكس رؤيتها للوطن الآن ومستقبلا، وأن تجلياته عندها صورة ومواقف.
كما بينت أنها في حديثها مع بعض الأفارقة بتونس العاصمة فوجئت بعدم انشدادهم إلى وطنهم، وانعدام المفهوم الذي تربينا عليه عندهم ؛ إذ أصبح الوطن عندهم اي مكان يوفر لهم الرزق والأمن.
الروايات الفلسطينية
في الجلسة العلمية الثالثة مساء السبت تناول الدكتور لطفي بن زكري موضوع "التمثيل المراوغ لأوجاع الوطن في الرواية التونسية :ريح الصبّار" لمسعودة بوبكر نموذجا لقراءة عرفانية ، فأبرز خصائص هذه القراءة، وتحدث عن نوعين من التمثيل، المباشر وغير المباشر، ليبين من خلال ذلك أنه يصعب اعتبار أن قصة "أم العجبين" هي المستهدفة ، وإنما الإنسان والعلم ، مبينا أننا نفهم ذلك من خلال حرص ام العجبين على تعليم ابنها الكائن المشوه "عجيب"..غاية الروائية هي إبراز دور العلم في دك معاقل الجهل وبناء انسان يقدّر العلم ، فالقصة تجسد أوجاع وطن.
أما الدكتور ابراهيم أزوغ من المغرب فقد حاضر حول "محكي الوطن في الرواية الفلسطينية الجديدة" فتحدث في البداية عن مطالعته للكثير من الروايات، وبين أن أكثر الروايات التي يحضر فيها الوطن والوطنية هي الروايات الفلسطينية، وان الرواية هي تعبير ثقافي عن موقف من الذات أولا ومن المجتمع والتاريخ، وهو ما نجده لدى رواد الرواية الفلسطينية على غرار أميل حبيبي وجبرا ابراهيم جبرا وغسان كنفاني ، ولدى الجيل الثاني والثالث . فالرواية الفلسطينية هي رواية مقاومة تدين الاحتلال ، وتؤكد وهم من يسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية، وأن الوطن هو الانسان والحضارة والتاريخ. وفي هذا الإطار تكون الرواية جسر العبور من الموجع والمؤلم إلى الانتصار للحياة الإنسانية . وأكد إبراهيم أزوغ أن محكيا روائيا جديدا بدأ يتأسس بعد الربيع العربي بعدما تعددت مشاكل العرب في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وعدد نماذج من الروايات الفلسطينية ليحيى يخلف، ونأدية حرحش، وابراهيم نصر الله الذي يقول في رواية "إن من يعتقد أن اتفاقيات السلام التي اعادتنا إلى البلد ستعيد البلد الينا فهو يحلم في الوقت الضائع" فالارض تسرق يوما بعد يوم، والشعب يضطهد كل يوم ، مؤكدا في خاتمة كلمته أن الوطن هو الحرية .
اما الدكتور شفيع بالزين فقد حاضر حول " تثريب الوطن في نماذج من الرواية التونسية" . واستهل كلمته بتعريف "التقريب" لغة واصطلاحا ، ثم أبرز مظاهره في ثلاث روايات وعي "زندالي" و"وطن في قاعة الانتظار " وهو"الكومباطا" ، مبينا أن اختياره لها يعود لكونها تشمل مختلف الفترات التونسية قبل الاستقلال وبعده وبعد الثورة ، كاشفا عن مواقف التثريب بها ودواعيه.
وتم إثر النقاش تقديم عرض مسرحي من وحي الرواية من إعداد شباب معهد باش حامبة بعنوان "طوفان"إخراج الشاب رفيق محجوب وإشراف الأستاذة هادية الجنادي. وقد أصر الكاتب الفلسطيني توفيق فياض على تحيتهم فردا فردا ، قبل أن تختتم الجلسة بالاستماع إلى شهادة الأستاذة نبيهة العيسي في "لعبة التخييل /الوتر المتبقي لعزف واقع مربك " .
الإبداع كلمة متمردة
انتظمت صباح الأحد الجلسة العلمية الرابعة برئاسة الدكتور شفيع بالزين ، وتضمنت ثلاث مداخلات كان من المفروض أن يؤثث الأولى الدكتور أحمد الناوي بدري حول "محكيّ الوطن في نماذج من الرواية العربيّة/ من تمثيل الواقع إلى التمثيل الاستعاري" ، ولكنه تغيب لدواع صحية ، وقرأت مداخلته نيابة عنه الأديبة حفيظة قارة بيبان ، وقدم الثانية الدكتور السيد نجم من مصر حول "المفاهيم الوطنية في الرواية العربية"، وألقت الثالثة الدكتورة سعدية بن سالم حول "الوطن: الواقع والتخييل في روايات محمد حياوي" من خلال روايتي "خان الشابندر " و"بيت السودان" ، حللت فيهما واقع العراق قبل الغزو وبعده ، كما جاء في الروايتين، ثم قدم الروائي محمد عيسى المؤدب شهادته حول."جدلية الوطن والمنفى /بلد المأوى في رواية حذاء اسباني ليبين في البداية أن اصعب شيء للكاتب هو أن يقدم شهادة حول كتبه، وهو أصعب حتى من كتابة رواية جديدة .
وتحدث عن بعض التفاصيل التاريخية المهمة بالبلاد، والتي اهملها السراد ، وبين في هذا الإطار أن مدينة بنزرت كانت ملاذا ومأوى لأقليات هربوا إليها من أوروبا كالصرب والروس الذين تحدثت عنهم أستاذة الرياضيات التي عاشت ببنزرت الروسية انستازيا شيرانكسي في روايتها "المرفأ الأخير" والاسبان، فهذه الأقليات لم تتعامل مع البلد الملجأ كمنفى فقط، بل تحول هذا البلد إلى وطن. وبين أنه استوقفته في بهو فندق بقليبية صورتان : لوحة لامرأة غجرية ترتدي فستانا أحمر ،وصورة بحارة عرف بعد بحث معمق أنها ل3500 بحار اسباني و500 مدني لجأوا إلى تونس هروبا من بطش فرانكو ، وكان ذلك دافعا لكتابة رواية "حذاء اسباني، مبينا في الختام أن الضابط الاسباني مانويل غريغوري خير ، رغم الإغراءات المادية بعد نهاية حكم فرانكو البقاء بقليبية ، ودفن بمقبرة بورجل ، مستخلصا في الختام أن الوطن في نظره ليس الأرض والدولة بل الذي يوفر لنا الحرية والكرامة .
وإثر ذلك قدم الأستاذ عبد القادر بالحاج نصر شهادته حول كتاباته ، فبين أنها ارتبطت بمراحل عاشها، فعدد الروايات التي كتبها وظروفها منذ تقديمه اقصوصة "حفرة الماء" وهو تلميذ أمام بورقيبة ، والتي ابكته ، إلى نادي القصة الذي قدم فيه "صلعاء يا حبيبتي " أمام أبرز الكتاب آنذاك على غرار المختار بن جنات ومصطفى الفارسي والبشير خريف وعبد المجيد عطية وعزالدين المدني ويحيى محمد مؤكدا إلى تجاربه الروائية الأخيرة ، مبينا أن الإبداع كلمة متمردة خارجة عن كلام العامة ، وهي شعور جارف بالمحبة ينتقل بالكاتب من اللاوعي بالزمان والمكان إلى الوعي فتنشأ علاقات وتتشكل مواقف. وأن الرواية لا ترقى إلى الإبداع إلا إذا تنفست حروفها رائحة الوطن. والروائي لا يجلس على الربوة وإنما يسير في الشوارع والأزقة والأسواق .
هذا وقد تم تكريم الكاتب الفلسطيني توفيق فياض، والروائي التونسي عبد القادر بالحاج نصر، وجميع مؤثثي الدورة الخامسة للملتقى.
وقد أجمع ضيوف الملتقى وهم ابراهيم أزوغ، والسيد نجم وعائشة الاصفر على نجاح الملتقى، بكل المقاييس، وأن من عناصر نجاحه عدد القامات الروائية والنقدية من تونس ومن البلدان العربية التي ساهمت في تأثيثه، من خلال موضوع رئيسي وهو "الوطن في الرواية العربي: جراح الواقع ولعبة التخييل " المتصل بذاتنا وقضايانا وبما تعيشه المنطقة العربية من تحولات.
منصور غرسلي
*كيف ينحت السرد التخييلي ملامح الوطن زمن الاستعمار وبعده؟
بنزرت-الصباح
عاشت مدينة بنزرت عامة وعشاق الأدب والرواية خاصة على امتداد ثلاثة أيام مع فعاليات الدورة الخامسة للملتقى الدولي للرواية العربية الذي نظمه فرع رابطة الكتاب الأحرار ببنزرت بالاشتراك مع جمعية أحباء المكتبة والكتاب ببنزرت تحت عنوان "الوطن في الرواية العربية: جراح الواقع / لعبة التخييل" بأحد النزل السياحية القريبة من المدينة، إثر تأثيث عدد من تلاميذ المدارس الابتدائية العمومية والخاصة لمهرجان شارعي..
قامات تونسية وعربية في الموعد
في البداية، وبعدما رحبت بالجميع كُتابا ونقادا وجامعيين وأساتذة وإعلاميين وشبابا واعدا بغد أفضل في ظل واقع قاتم يشهده الوطن العربي، وضيوف الملتقى من بلدان شقيقة على غرار ابراهيم أزوغ من المغرب وعائشة الاصفر من ليبيا وعزالدين الجلاوجي من الجزائر والسيد نجم من مصر وتوفيق فياض من فلسطين، بينت رئيسة فرع الرابطة الأستاذة والناقدة منية قاره بيبان أنه رغم العوائق الكثيرة فإن فرع رابطة الكتاب الأحرار ببنزرت تمكن من تنظيم الدورة الخامسة لهذا الملتقى، وتوجهت بالشكر لكل من عاضد جهود الرابطة في بناء ثقافة المقاومة ومنهم مندوب الثقافة وجمعية أحباء المكتبة والكتاب ومهرجان بنزرت الدولي وودادية قدماء معاهد بنزرت والمركب الثقافي الشيخ إدريس وكل الشرفاء من الأفراد والمكافحين من أعضاء الرابطة.
كما فسحت المجال للمكلفة بالإعلام بالهيئة الروائية حفيظة قاره بيبان التي دعت الحاضرين إلى الوقوف دقيقة صمت ترحما على أرواح شهداء فلسطين، ثم قدمت ورقة عمل الملتقى، والتي جاء فيها بالخصوص: "الآن ونحن نفتتح الدورة الخامسة للملتقى، لا مفر لنا من السؤال: ماذا يفعل الأدب الآن أمام كل هذا الجنون الرهيب اللاإنساني الذي يدمر غزة ويشعل ارض فلسطين لا يستثني طفلا أو إمرأة أو شيخا ؟ نلتقي لنفتح أوراق الرواية العربية لنرى فيها "جراح الواقع ولعبة التخييل" ، وهل ثمة أكثر وأبشع من جراح الواقع الآن الذي فاق كل تخييل؟ ليغفر لنا الشهداء كل ذنوبنا العربية، كل ضعفنا وخذلاننا وخياناتنا التي أدت بنا إلى ما نحن فيه.
واثر ذلك قدمت برنامج الدورة الخامسة للملتقى، وحددت الإشكاليات التي سيتم التطرق إليها وهي :
كيف ينحت السرد التخييلي ملامح الوطن زمن الاستعمار وبعده؟
ما دور الرواية العربية في تشكيل صورة الوطن لدى المواطن العربي ولدى الآخر؟
كيف يمكن للرواية العربية أن تكون سلاحا في عملية النضال لاستعادة الوطن؟.. كيف صاغت الرواية العربية جملة من المفاهيم في ثنائيات: الحرية /القمع ، الهجرة /العودة ، الانتماء / الاغتراب؟
هذه الإشكاليات التي تطرح أمام نخبة نيرة من النقاد والكتاب العرب ضمهم هذا الملتقى، حتى يتعمق الوعي أكثر ونزداد قوة وصمودا، ونقدر أكثر على المقاومة بسلاح الفن، سلاح الكلمة، سلاح الثقافة لتحقيق ما كاد يغيب عن هذا العالم وهو "إنسانية الإنسان" .
محنة الوطن
وإثر كلمة المندوب الجهوي للشؤون الثقافية ببنزرت فوزي بن قيراط ، تولت الدكتورة سعدية بن سالم رئاسة الجلسة العلمية الأولى والتي قدم خلالها الدكتور هشام بالضيافي مداخلة بعنوان الوطن الجحيم في رواية "الآخرون" لحسونة المصباحي: فساد المكان ومحنة الكيان"، ثم قدمت الأستاذة عائشة الأصفر من ليبيا مداخلة حول: "التمثيل السردي للوطن في الرواية العربية بين الوطن المحنَة والوطن الحلم: الرواية الليبية نموذجا" من خلال ست روايات ليبية وهي "بر الحبش" لمحمد الزروق ، التي تتحدث عن أحداث الحرب في أثيوبيا، والتي أجبر الليبيون على المشاركة فيها، إبان فترة الاحتلال الإيطالي، ورواية "الممر" لابراهيم عثمونة، و"صندوق الرمل" لعائشة إبراهيم ، ورواية "أم الزين" للدكتورة ورواية "الهروب من جزيرة أوستيكا" لصالح السنوسي، ورواية "كونشيرتو قورينا إدواردو" لنجوى بن شتوان، وبينت أن ثلاثا منها لها صلة بثلاثة حروب وهي حرب اثيوبيا وأوغندا والتشاد.
كما استحضرت مظاهر محنة الوطن في جميع هذه الروايات، مؤكدة أن المعاني السلبية تستدعي بالضرورة نقيضها، لإبراز صورة الوطن الحلم عبر التخييل .
ثم تولى الدكتور محمد القاضي تقديم مداخلته حول "استشراف الأوطان في نماذج من الرواية العربية"، من خلال ست روايات مختلفة صدرت في السنوات الثلاث الأخيرة، لإبراز صورة الوطن من خلال مراحل ثلاث، والتي بدت فيها صورة الوطن كابوسية، وذلك قبل أن تختتم الجلسة بشهادة الأستاذة شادية القاسمي بعنوان "الهامش في الرواية /السواد وجراح الذات" من خلال رواياتها "المصب" و"الفرناق" ورايات سوداء" ، ركزت خلالها على تحليل أحداث هذه الروايات وإبراز صلتها بالوطن
اتساع مفهوم الوطن
في الجلسة العلمية التي انتظمت صباح السبت التي ترأسها الدكتور محمد القاضي قدم الدكتور والأستاذ الجامعي والروائي رياض خليف مداخلة حول كتابة الذاكرة الجماعية في رواية "انكسار الظل" لنصر بالحاج بالطيب، فأبرز صلة موضوع المداخلة بعنوان الملتقى، فبين أنها كتابة جراح الذاكرة، وميز بين أربعة مجالات في هذه الكتابة وهي التاريخ والذاكرة والذاكرة الفردية والذاكرة الجماعية، وأبرز الفوارق بينها ، وخصوصا على مستوى الصرامة العلمية ، وحضور ذات الكاتب في الأحداث وصلته بها. وخلص إلى أن الروائي نصر بالحاج بالطيب اهتم بالذاكرة الجماعية في مختلف تجلياتها المحلية بجهة دوز، وتعدى ذلك إلى الذاكرة الوطنية، ثم تطرق لأهم مظاهر حضور هذه الذاكرة والأسلوب والنواميس الجمالية المعتمدة ، وانتهى إلى الدلالات التي تحملها في مظاهرها الثلاثة، وهي الثقافية التي يستعيد فيها الكاتب أشياء محلية قديمة سجل فيها الكاتب شواهد من التراث المحلي ومقاطع غنائية أو شعرية وغيرها، واجتماعية من خلال تمثل شخصيات متخيلة مثل المجالس النسائية ، وسياسية من خلال حديث هذه الشخصيات عن أحداث في الغرض كالاستعمار والاستقلال، ليخلص في النهاية إلى تحول كتابة الذاكرة إلى كتابة احتجاج، مما يجعل الرواية تنخرط في مشروع مقاومة الاستعمار، وفضح بعض ممارساته وجرائمه، اواحتجاج الهامش على المركز، وصرخة تلك الربوع ضد ما تعانيه من النسيان والتهميش .
واثر ذلك قدم الأستاذ المحاضر رضا الأبيض مداخلته حول " استشراف الأوطان في نماذج من الرواية العربية "، فتحدث عن الالتباس المتصل بكلمة الوطن ذلك أن تمثلاتنا له تختلف، وعدد نماذج من تلك التمثلات، ثم ذكر إشكالية أخرى تتمثل في المناهج وأدوات المقاربة المعتمدة للبحث في النصوص وسياق كتابتها وتلقيها، هذا إلى جانب اتساع مفهوم الوطن ليشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، ليؤكد أنه ركز في مداخلته على الاستشراف السياسي، وذكر نماذج من الروايات التي تطرقت إلى ذلك مثل رواية "المصب" التي يمكن القول استعاريا إنها تتحدث عن الوطن المصب.
وبعدما توسع في تحليل نوعي الاستشراف، باعتباره تقنية تتفرع إلى نوعين داخلي وخارجي أو البعدي ، وأيضا رؤية أو موقف قد يكون مباشرا أو غير مباشر، بين أننا أمام صورتين للاستشراف في الرواية العربية : طوباوية وديستوبية ؛ روايات تحلم بواقع جميل أو الجنة الموعودة، وروايات تستشرف واقعا حزينا في صورة الوطن الكابوس .
ثم استهل الدكتور الجزائري عزالدين جلاوجي من الجزائر مداخلته بعنوان "احتراب بين غربة واغتراب/قراءة في رواية "حبيبتي مريم" للدكتورة اللبنانية هدى عيد مقدمة نظرية قسم فيها الرواية العربية إلى ثلاث طبقات : روايات مستقلة عن الهم العربي ، ونصوص عميلة تطعن في الذات والرموز والانتماء ، وهي تفعل ذلك لإرضاء الآخر رغبة في الفوز بالجوائز او النشر أو تحويلها إلى أفلام ، ونصوص مقاومة ترى أن الأدب موقف، وتمارس الرد بالكتابة.
وبين أن اختياره لهذه الرواية يرجع لاندراجها في الصنف الثالث في تقسيمه ليبين أن بطلة الرواية مريم وهي صحفية، نموذج المثقف الوطني الحركي أو العضوي على حد عبارة غرامشي الذي يحمل هم المجتمع ويبحث عميقا في الفساد في لبنان واعتراف الحاكم باختراقه جدران أسراره. ولكن يكتشف زوجها في النهاية وقوعها في المحظور؛ إذ يخبره الطبيب بأنها مارست الجنس قبل موتها في حادث مرور.
وعندما أراد التأكد من ذلك بإخراج الجثة من القبر ، لم يجد الجثة، ما يؤكد ارتكاب الحاكم لجرائمه ، واخفائها ، وفي ذلك ايحاء بما تمارسه الديكتاتورية من اغتصاب لحقوق الشعوب ،مشيرا إلى إدانة المثقف العضوي للأنظمة الفاسدة التي تعدم الضمائر النقية وتشوهها ، وهي دعوة للمثقفين لمواصلة النضال بالكلمة.
واختتمت الجلسة العلمية بشهادة الأستاذة مسعودة بن بوبكر حول " الطين والخزافون الجدد" ، فتحدثت عن رواياتها ، وبينت أنها تعكس رؤيتها للوطن الآن ومستقبلا، وأن تجلياته عندها صورة ومواقف.
كما بينت أنها في حديثها مع بعض الأفارقة بتونس العاصمة فوجئت بعدم انشدادهم إلى وطنهم، وانعدام المفهوم الذي تربينا عليه عندهم ؛ إذ أصبح الوطن عندهم اي مكان يوفر لهم الرزق والأمن.
الروايات الفلسطينية
في الجلسة العلمية الثالثة مساء السبت تناول الدكتور لطفي بن زكري موضوع "التمثيل المراوغ لأوجاع الوطن في الرواية التونسية :ريح الصبّار" لمسعودة بوبكر نموذجا لقراءة عرفانية ، فأبرز خصائص هذه القراءة، وتحدث عن نوعين من التمثيل، المباشر وغير المباشر، ليبين من خلال ذلك أنه يصعب اعتبار أن قصة "أم العجبين" هي المستهدفة ، وإنما الإنسان والعلم ، مبينا أننا نفهم ذلك من خلال حرص ام العجبين على تعليم ابنها الكائن المشوه "عجيب"..غاية الروائية هي إبراز دور العلم في دك معاقل الجهل وبناء انسان يقدّر العلم ، فالقصة تجسد أوجاع وطن.
أما الدكتور ابراهيم أزوغ من المغرب فقد حاضر حول "محكي الوطن في الرواية الفلسطينية الجديدة" فتحدث في البداية عن مطالعته للكثير من الروايات، وبين أن أكثر الروايات التي يحضر فيها الوطن والوطنية هي الروايات الفلسطينية، وان الرواية هي تعبير ثقافي عن موقف من الذات أولا ومن المجتمع والتاريخ، وهو ما نجده لدى رواد الرواية الفلسطينية على غرار أميل حبيبي وجبرا ابراهيم جبرا وغسان كنفاني ، ولدى الجيل الثاني والثالث . فالرواية الفلسطينية هي رواية مقاومة تدين الاحتلال ، وتؤكد وهم من يسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية، وأن الوطن هو الانسان والحضارة والتاريخ. وفي هذا الإطار تكون الرواية جسر العبور من الموجع والمؤلم إلى الانتصار للحياة الإنسانية . وأكد إبراهيم أزوغ أن محكيا روائيا جديدا بدأ يتأسس بعد الربيع العربي بعدما تعددت مشاكل العرب في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وعدد نماذج من الروايات الفلسطينية ليحيى يخلف، ونأدية حرحش، وابراهيم نصر الله الذي يقول في رواية "إن من يعتقد أن اتفاقيات السلام التي اعادتنا إلى البلد ستعيد البلد الينا فهو يحلم في الوقت الضائع" فالارض تسرق يوما بعد يوم، والشعب يضطهد كل يوم ، مؤكدا في خاتمة كلمته أن الوطن هو الحرية .
اما الدكتور شفيع بالزين فقد حاضر حول " تثريب الوطن في نماذج من الرواية التونسية" . واستهل كلمته بتعريف "التقريب" لغة واصطلاحا ، ثم أبرز مظاهره في ثلاث روايات وعي "زندالي" و"وطن في قاعة الانتظار " وهو"الكومباطا" ، مبينا أن اختياره لها يعود لكونها تشمل مختلف الفترات التونسية قبل الاستقلال وبعده وبعد الثورة ، كاشفا عن مواقف التثريب بها ودواعيه.
وتم إثر النقاش تقديم عرض مسرحي من وحي الرواية من إعداد شباب معهد باش حامبة بعنوان "طوفان"إخراج الشاب رفيق محجوب وإشراف الأستاذة هادية الجنادي. وقد أصر الكاتب الفلسطيني توفيق فياض على تحيتهم فردا فردا ، قبل أن تختتم الجلسة بالاستماع إلى شهادة الأستاذة نبيهة العيسي في "لعبة التخييل /الوتر المتبقي لعزف واقع مربك " .
الإبداع كلمة متمردة
انتظمت صباح الأحد الجلسة العلمية الرابعة برئاسة الدكتور شفيع بالزين ، وتضمنت ثلاث مداخلات كان من المفروض أن يؤثث الأولى الدكتور أحمد الناوي بدري حول "محكيّ الوطن في نماذج من الرواية العربيّة/ من تمثيل الواقع إلى التمثيل الاستعاري" ، ولكنه تغيب لدواع صحية ، وقرأت مداخلته نيابة عنه الأديبة حفيظة قارة بيبان ، وقدم الثانية الدكتور السيد نجم من مصر حول "المفاهيم الوطنية في الرواية العربية"، وألقت الثالثة الدكتورة سعدية بن سالم حول "الوطن: الواقع والتخييل في روايات محمد حياوي" من خلال روايتي "خان الشابندر " و"بيت السودان" ، حللت فيهما واقع العراق قبل الغزو وبعده ، كما جاء في الروايتين، ثم قدم الروائي محمد عيسى المؤدب شهادته حول."جدلية الوطن والمنفى /بلد المأوى في رواية حذاء اسباني ليبين في البداية أن اصعب شيء للكاتب هو أن يقدم شهادة حول كتبه، وهو أصعب حتى من كتابة رواية جديدة .
وتحدث عن بعض التفاصيل التاريخية المهمة بالبلاد، والتي اهملها السراد ، وبين في هذا الإطار أن مدينة بنزرت كانت ملاذا ومأوى لأقليات هربوا إليها من أوروبا كالصرب والروس الذين تحدثت عنهم أستاذة الرياضيات التي عاشت ببنزرت الروسية انستازيا شيرانكسي في روايتها "المرفأ الأخير" والاسبان، فهذه الأقليات لم تتعامل مع البلد الملجأ كمنفى فقط، بل تحول هذا البلد إلى وطن. وبين أنه استوقفته في بهو فندق بقليبية صورتان : لوحة لامرأة غجرية ترتدي فستانا أحمر ،وصورة بحارة عرف بعد بحث معمق أنها ل3500 بحار اسباني و500 مدني لجأوا إلى تونس هروبا من بطش فرانكو ، وكان ذلك دافعا لكتابة رواية "حذاء اسباني، مبينا في الختام أن الضابط الاسباني مانويل غريغوري خير ، رغم الإغراءات المادية بعد نهاية حكم فرانكو البقاء بقليبية ، ودفن بمقبرة بورجل ، مستخلصا في الختام أن الوطن في نظره ليس الأرض والدولة بل الذي يوفر لنا الحرية والكرامة .
وإثر ذلك قدم الأستاذ عبد القادر بالحاج نصر شهادته حول كتاباته ، فبين أنها ارتبطت بمراحل عاشها، فعدد الروايات التي كتبها وظروفها منذ تقديمه اقصوصة "حفرة الماء" وهو تلميذ أمام بورقيبة ، والتي ابكته ، إلى نادي القصة الذي قدم فيه "صلعاء يا حبيبتي " أمام أبرز الكتاب آنذاك على غرار المختار بن جنات ومصطفى الفارسي والبشير خريف وعبد المجيد عطية وعزالدين المدني ويحيى محمد مؤكدا إلى تجاربه الروائية الأخيرة ، مبينا أن الإبداع كلمة متمردة خارجة عن كلام العامة ، وهي شعور جارف بالمحبة ينتقل بالكاتب من اللاوعي بالزمان والمكان إلى الوعي فتنشأ علاقات وتتشكل مواقف. وأن الرواية لا ترقى إلى الإبداع إلا إذا تنفست حروفها رائحة الوطن. والروائي لا يجلس على الربوة وإنما يسير في الشوارع والأزقة والأسواق .
هذا وقد تم تكريم الكاتب الفلسطيني توفيق فياض، والروائي التونسي عبد القادر بالحاج نصر، وجميع مؤثثي الدورة الخامسة للملتقى.
وقد أجمع ضيوف الملتقى وهم ابراهيم أزوغ، والسيد نجم وعائشة الاصفر على نجاح الملتقى، بكل المقاييس، وأن من عناصر نجاحه عدد القامات الروائية والنقدية من تونس ومن البلدان العربية التي ساهمت في تأثيثه، من خلال موضوع رئيسي وهو "الوطن في الرواية العربي: جراح الواقع ولعبة التخييل " المتصل بذاتنا وقضايانا وبما تعيشه المنطقة العربية من تحولات.