إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي.. حرب إسرائيل على نساء وأطفال غزة

 

 

 

بقلم: مسعود معلوف

منذ أن بدأت إسرائيل حربها الانتقامية على غزة على اثر هجوم حماس المفاجئ في السابع من أكتوبر الماضي، قتل حتى الآن ما يزيد عن عشرة آلاف مواطن فلسطيني في غزة، معظمهم من المدنيين وبنسبة لا تقل عن 65% منهم من النساء والأطفال الأبرياء، فيما اعتبر كثيرون هذه الأعمال بمثابة جرائم حرب وإبادة جماعية، لدرجة أن الأمين العام للأمم المتحدة وصف  غزة بأنها "مقبرة للأطفال".

في الوقت الذي تدعي فيه إسرائيل أنها تشن حربا على حركة حماس لإيقاف إمكانية هذه الحركة من القيام مستقبلا بعمليات شبيهة بعملية السابع من أكتوبر التي ذهب ضحيتها 1400 إسرائيلي، بينهم مع الأسف عدد من الأطفال والنساء، كما تمكنت حماس في تلك العملية من اختطاف حوالى 240 جنديا ومواطنا إسرائيليين ومواطنين من جنسيات أخرى، فإن ما تقوم به إسرائيل بالفعل هو انتقام أعمى من الشعب الفلسطيني في غزة، عبر تدمير المباني والمدارس والمستشفيات على رؤوس المدنيين فيها، وذلك لقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين عن سابق تصور وتصميم،واعية للأعداد الكبرى من النساء والأطفال الذين يقتلون في هذه العمليات العسكرية الانتقامية المستمرة دون توقف.

معروف عن إسرائيل أنها تملك رابع أقوى جيش في العالم وعندها تقدم تكنولوجي كبير بما في ذلك في المجال العسكري، إلا أنها تعرضت لخسارة كبرى من جراء عملية السابع من أكتوبر التي كشفت ثغرات هامة في القوة العسكرية الإسرائيلية كما في أجهزة المخابرات لديها، خاصة وأن هذه الخسارة أتتها على يد حركة عسكرية محدودة الإمكانيات ومحصورة في منطقة تعرف بأنها سجن كبير في الهواء الطلق!

بعد قيام حركة حماس بعمليتها المفاجئة ضد إسرائيل، حصلت هذه الأخيرة على عطف كبير من الدول الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة، خاصة بعد أن روجت إسرائيل أخبارا تبين فيما بعد انها غير صحيحة عن قطع رؤوس أطفال وأعمال أخرى غير إنسانية، كما حصلت في البداية على تأييد أميركي وأوروبي غير محدود للعمليات العسكرية الانتقامية الوحشية

 التي نفذتها في قطاع غزة، على اعتبار أن لإسرائيل ليس فقط الحق بل عليها أيضا الواجب في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها.

ولكن سرعان ما بدأ التأييد الأعمى لإسرائيل يتراجع بعد أن تبين أن أعمالها العسكرية ضد قطاع غزة هي مجرد انتقام لعملية السابع من أكتوبر، كما ان مقتل حوالي خمسة آلاف طفل فلسطيني حتى الآن على يد "جيش الدفاع الإسرائيلي" والتدمير الوحشي وغير المبرر لقسم من القطاع لا يمكن اعتباره إطلاقا حربا نظامية، مع العلم أن أحد أقوى الجيوش في العالم لم يتمكن بعد أكثر من شهر على هجومه على منطقة محدودة المساحة ومحرومة من وسائل العيش الطبيعي من تحقيق أيا من أهدافه المعلنة سوى قتل آلاف النساء والأطفال.

من هذا المنطلق، يمكن القول بأن إسرائيل بدأت تسجل خسائر سياسية واضحة دون أن تسجل انتصارات عسكرية ملموسة على الأرض:

أولا، بعد أن كانت القضية الفلسطينية شبه منسية ها هي تعود الى واجهة القضايا العالمية وفي معظم المحافل الدولية، بما فيها الأمم المتحدة واجتماع وزراء خارجية الدول السبع الذي عقد في السابع من نوفمبر في اليابان حيث جرى التأكيد، في البيان الختامي للمجتمعين، على حل الدولتين بوجود "...إسرائيل تعيش جنبا الى جنب مع دولة فلسطينية قابلة للحياة في حالة سلام وأمن واعتراف متبادل باعتبار ذلك الطريق الوحيد لسلام عادل ودائم وآمن".

ثانيا، في الولايات المتحدة نفسها، وفي العاصمة واشنطن بالذات، تم تنظيم تظاهرة ضخمة ضمت حوالي مائة ألف متظاهر تأييدا لفلسطين وللمطالبة بوقف إطلاق النار، كما قامت منظمة يهودية في نيويورك بإدخال أعداد كبيرة من مناضليها الى محطة القطار الكبرى حيث عطلت الحركة لساعات مطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، علما أن قسما لا بأس به من اليهود الأميركيين لا يؤيدون نتنياهو وما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة، ربما ليس حبا بالفلسطينيين ولكن لقناعتهم بأن ذلك يضر بسمعة إسرائيل في العالم ويقلل من التأييد الدولي لها، كما أنهم يرون أن حل الدولتين هو لمصلحة إسرائيل إذ يؤمن لها الحياة بسلام وطمأنينة في المنطقة.

ثالثا، بعد أن كانت رئيسة المفوضية الأوروبية في بداية الحملة الإسرائيلية على غزة مؤيدة تأييدا تاما لإسرائيل في عملياتها الانتقامية الوحشية، بدأت بتخفيف تأييدها وبالحديث عن ضرورة إيجاد هدنة إنسانية مؤقتة لإدخال المواد الغذائية والأدوية الى إسرائيل،كما بدأت تلمح الى حقوق الشعب الفلسطيني. كذلك حصل مع عدد من رؤساء الدول الأوروبية على أثر ما شاهدوه من أعمال قتل جماعي لمدنيين فلسطينيين في غزة وخاصة من النساء والأطفال.

رابعا، على الصعيد الأميركي أيضا حيث تلقى إسرائيل دعما غير محدود، تطالب الولايات المتحدة منذ أيام من إسرائيل القبول بهدنة إنسانية مؤقتة في غزة، وإن عدم قبول إسرائيل بذلك بدأ يخفف من الدعم السياسي الأميركي لإسرائيل، وقد ظهر ذلك عندما أعلنت الإدارة الأميركية بلسان وزير خارجيتها معارضتها لبقاء إسرائيل في غزة بعد انتهاء الحرب الدائرة حاليا، علما أن نتنياهو كان صرح بكل وضوح قرار حكومته إبقاء السيطرة التامة على القطاع.

خامسا، لقد تعرقل تماما مسار تطبيع مزيد من الدول العربية مع إسرائيل، خاصة على خط المملكة العربية السعودية التي أوقفت، في الوقت الحاضر، أي تفاوض مع الولايات المتحدة في هذا الموضوع، كما أنها، على ما يبدو، لن تسير مستقبلا في هذا الخط قبل أن يتم تحقيق تقدم ملموس في حقوق الشعب الفلسطيني.

يمكن أخيرا التكهن بأن استمرار عمليات إبادة السكان الفلسطينيين في غزة عبر القتل المتواصل للأطفال والنساء وسائر المواطنين المدنيين الأبرياء من شأنه أن يزيد الضغط الشعبي في كل من الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل في إطار اتفاقات ابراهيم لكي تستدعي هذه الدول سفراءها من تل أبيب على غرار ما فعلته الأردن وتركيا وبعض الدول في أميركا اللاتينية، كما أن الولايات المتحدة قد تجد بعض الدول العربية المعتبرة من حلفائها تبدأ بالتوجه شرقا صوب أخصام أميركا مثل روسيا والصين، مع إمكانية أن تصبح القواعد الأميركية الموجودة في بعض دول الخليج غير مقبولة في حال استمرار الدعم الأميركي الأعمى لما تقوم به إسرائيل في غزة.

سفير لبنان سابقا في واشنطن

رأي..   حرب إسرائيل على نساء وأطفال غزة

 

 

 

بقلم: مسعود معلوف

منذ أن بدأت إسرائيل حربها الانتقامية على غزة على اثر هجوم حماس المفاجئ في السابع من أكتوبر الماضي، قتل حتى الآن ما يزيد عن عشرة آلاف مواطن فلسطيني في غزة، معظمهم من المدنيين وبنسبة لا تقل عن 65% منهم من النساء والأطفال الأبرياء، فيما اعتبر كثيرون هذه الأعمال بمثابة جرائم حرب وإبادة جماعية، لدرجة أن الأمين العام للأمم المتحدة وصف  غزة بأنها "مقبرة للأطفال".

في الوقت الذي تدعي فيه إسرائيل أنها تشن حربا على حركة حماس لإيقاف إمكانية هذه الحركة من القيام مستقبلا بعمليات شبيهة بعملية السابع من أكتوبر التي ذهب ضحيتها 1400 إسرائيلي، بينهم مع الأسف عدد من الأطفال والنساء، كما تمكنت حماس في تلك العملية من اختطاف حوالى 240 جنديا ومواطنا إسرائيليين ومواطنين من جنسيات أخرى، فإن ما تقوم به إسرائيل بالفعل هو انتقام أعمى من الشعب الفلسطيني في غزة، عبر تدمير المباني والمدارس والمستشفيات على رؤوس المدنيين فيها، وذلك لقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين عن سابق تصور وتصميم،واعية للأعداد الكبرى من النساء والأطفال الذين يقتلون في هذه العمليات العسكرية الانتقامية المستمرة دون توقف.

معروف عن إسرائيل أنها تملك رابع أقوى جيش في العالم وعندها تقدم تكنولوجي كبير بما في ذلك في المجال العسكري، إلا أنها تعرضت لخسارة كبرى من جراء عملية السابع من أكتوبر التي كشفت ثغرات هامة في القوة العسكرية الإسرائيلية كما في أجهزة المخابرات لديها، خاصة وأن هذه الخسارة أتتها على يد حركة عسكرية محدودة الإمكانيات ومحصورة في منطقة تعرف بأنها سجن كبير في الهواء الطلق!

بعد قيام حركة حماس بعمليتها المفاجئة ضد إسرائيل، حصلت هذه الأخيرة على عطف كبير من الدول الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة، خاصة بعد أن روجت إسرائيل أخبارا تبين فيما بعد انها غير صحيحة عن قطع رؤوس أطفال وأعمال أخرى غير إنسانية، كما حصلت في البداية على تأييد أميركي وأوروبي غير محدود للعمليات العسكرية الانتقامية الوحشية

 التي نفذتها في قطاع غزة، على اعتبار أن لإسرائيل ليس فقط الحق بل عليها أيضا الواجب في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها.

ولكن سرعان ما بدأ التأييد الأعمى لإسرائيل يتراجع بعد أن تبين أن أعمالها العسكرية ضد قطاع غزة هي مجرد انتقام لعملية السابع من أكتوبر، كما ان مقتل حوالي خمسة آلاف طفل فلسطيني حتى الآن على يد "جيش الدفاع الإسرائيلي" والتدمير الوحشي وغير المبرر لقسم من القطاع لا يمكن اعتباره إطلاقا حربا نظامية، مع العلم أن أحد أقوى الجيوش في العالم لم يتمكن بعد أكثر من شهر على هجومه على منطقة محدودة المساحة ومحرومة من وسائل العيش الطبيعي من تحقيق أيا من أهدافه المعلنة سوى قتل آلاف النساء والأطفال.

من هذا المنطلق، يمكن القول بأن إسرائيل بدأت تسجل خسائر سياسية واضحة دون أن تسجل انتصارات عسكرية ملموسة على الأرض:

أولا، بعد أن كانت القضية الفلسطينية شبه منسية ها هي تعود الى واجهة القضايا العالمية وفي معظم المحافل الدولية، بما فيها الأمم المتحدة واجتماع وزراء خارجية الدول السبع الذي عقد في السابع من نوفمبر في اليابان حيث جرى التأكيد، في البيان الختامي للمجتمعين، على حل الدولتين بوجود "...إسرائيل تعيش جنبا الى جنب مع دولة فلسطينية قابلة للحياة في حالة سلام وأمن واعتراف متبادل باعتبار ذلك الطريق الوحيد لسلام عادل ودائم وآمن".

ثانيا، في الولايات المتحدة نفسها، وفي العاصمة واشنطن بالذات، تم تنظيم تظاهرة ضخمة ضمت حوالي مائة ألف متظاهر تأييدا لفلسطين وللمطالبة بوقف إطلاق النار، كما قامت منظمة يهودية في نيويورك بإدخال أعداد كبيرة من مناضليها الى محطة القطار الكبرى حيث عطلت الحركة لساعات مطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، علما أن قسما لا بأس به من اليهود الأميركيين لا يؤيدون نتنياهو وما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة، ربما ليس حبا بالفلسطينيين ولكن لقناعتهم بأن ذلك يضر بسمعة إسرائيل في العالم ويقلل من التأييد الدولي لها، كما أنهم يرون أن حل الدولتين هو لمصلحة إسرائيل إذ يؤمن لها الحياة بسلام وطمأنينة في المنطقة.

ثالثا، بعد أن كانت رئيسة المفوضية الأوروبية في بداية الحملة الإسرائيلية على غزة مؤيدة تأييدا تاما لإسرائيل في عملياتها الانتقامية الوحشية، بدأت بتخفيف تأييدها وبالحديث عن ضرورة إيجاد هدنة إنسانية مؤقتة لإدخال المواد الغذائية والأدوية الى إسرائيل،كما بدأت تلمح الى حقوق الشعب الفلسطيني. كذلك حصل مع عدد من رؤساء الدول الأوروبية على أثر ما شاهدوه من أعمال قتل جماعي لمدنيين فلسطينيين في غزة وخاصة من النساء والأطفال.

رابعا، على الصعيد الأميركي أيضا حيث تلقى إسرائيل دعما غير محدود، تطالب الولايات المتحدة منذ أيام من إسرائيل القبول بهدنة إنسانية مؤقتة في غزة، وإن عدم قبول إسرائيل بذلك بدأ يخفف من الدعم السياسي الأميركي لإسرائيل، وقد ظهر ذلك عندما أعلنت الإدارة الأميركية بلسان وزير خارجيتها معارضتها لبقاء إسرائيل في غزة بعد انتهاء الحرب الدائرة حاليا، علما أن نتنياهو كان صرح بكل وضوح قرار حكومته إبقاء السيطرة التامة على القطاع.

خامسا، لقد تعرقل تماما مسار تطبيع مزيد من الدول العربية مع إسرائيل، خاصة على خط المملكة العربية السعودية التي أوقفت، في الوقت الحاضر، أي تفاوض مع الولايات المتحدة في هذا الموضوع، كما أنها، على ما يبدو، لن تسير مستقبلا في هذا الخط قبل أن يتم تحقيق تقدم ملموس في حقوق الشعب الفلسطيني.

يمكن أخيرا التكهن بأن استمرار عمليات إبادة السكان الفلسطينيين في غزة عبر القتل المتواصل للأطفال والنساء وسائر المواطنين المدنيين الأبرياء من شأنه أن يزيد الضغط الشعبي في كل من الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل في إطار اتفاقات ابراهيم لكي تستدعي هذه الدول سفراءها من تل أبيب على غرار ما فعلته الأردن وتركيا وبعض الدول في أميركا اللاتينية، كما أن الولايات المتحدة قد تجد بعض الدول العربية المعتبرة من حلفائها تبدأ بالتوجه شرقا صوب أخصام أميركا مثل روسيا والصين، مع إمكانية أن تصبح القواعد الأميركية الموجودة في بعض دول الخليج غير مقبولة في حال استمرار الدعم الأميركي الأعمى لما تقوم به إسرائيل في غزة.

سفير لبنان سابقا في واشنطن