- النخب فشلت عندما حولت الانتقال الديمقراطي إلى حلبة صراع إيديولوجي وسياسي
- اليوم يجب أن تتحمل النخب المتحزبة والمستقلة مسؤوليتها
- هذه آخر فرصة للنخب التقليدية وإلا بالفعل ستكون النهاية
- السلطة التشريعية تحولت إلى وظيفة وفقدت هويتها كسلطة مستقلة
- مسألة تقنين تجريم التطبيع جاء طرحها منذ صياغة دستور 2014 ثم في 2018 و2020 وكذلك اليوم
- اليوم يقبع أكثر من 40 قياديا وعضوا بالحركة في السجن
- المؤتمر القادم سيكون بمثابة إعادة تأسيس الحركة
تونس-الصباح
اعتبر القيادي بحركة النهضة رياض الشعيبي أن موضوع تجريم التطبيع لم يخرج من دائرة المزايدات السياسية على اعتبار أن التطبيع مجرم في تونس سياسيا وشعبيا وأخلاقيا ودينيا، وأن المجتمع التونسي مجمع على ذلك، والعمل على تقنين هذا التجريم يقتضي بناء وحدة وطنية حول هذا الإجراء، لا تقسيم التونسيين بمناسبة رفع هذا الشعار.
وقال الشعيبي في حوار لـ"الصباح"،"إن حركة النهضة أنهكها الحكم والمشاركة فيه طوال عشر سنوات، ومثل انقلاب 25 جويلية فرصة للمراجعة وإدارة إصلاح داخلي وسياسي. وتعد سياسة مقاومة الانقلاب وإعادة التموقع بعيدا عن السلطة واكراهاتها جزءا من هذا الإصلاح السياسي"، وفيما يلي نص الحوار.
حاوره: خليل الحناشي
*بداية كيف تقيمون الوضع العام للبلاد اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا؟
- الوضع العام في البلاد يثير مزيدا من القلق في ظل تفاقم أزمة تمويل الميزانية، والعجز عن تأمين توريد المواد الأساسية، وخطورة عدم الإيفاء بالالتزامات الخارجية بما في ذلك الدين الخارجي، وتصاعد الضغوطات على المالية العمومية.
كما تحولت هذه الأزمة شيئا فشيئا إلى أزمة اجتماعية حادة مع ارتفاع الأسعار وتراجع المقدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع نسبة البطالة،واهتراء المرفق العام وتفكك منظومة الخدمات.
وفي الحقيقة فان ما وصلت إليه تونس اليوم غير مسبوق في تاريخها الحديث؛ ونخشى كتونسيين أن لا تنتهي معاناتنا بسقوط هذه السلطة،لأن ما تتسبب فيه اليوم من دمار سيحتاج لوقت طويل ولتضحيات كبيرة لمعالجة آثاره.
*من يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذا الوضع؟
- أي سلطة سياسية تتحمل المسؤولية سلبا أم إيجابا... وبالتالي فان السلطة الحالية تتحمل ما آل إليه الوضع خاصة أنها مسكت في فترة ما بكل السلطات.
*ألا ترون أنه من الإجحاف تحميل السلطة القائمة اليوم لوحدها المسؤولية دون من حكموا قبلها من أحزاب وحكومات ونخب؟
-إذا كان الحديث عن مسؤولية الأحزاب والنخب التونسية عن دفع البلاد للاختناق والوصول بها إلى مرحلة 25 جويلية، فلا شك أن هناك كثيرا مما يمكن أن يقال. فضعف الوعي بحاجة مرحلة الانتقال الديمقراطي للوحدة الوطنية ولأوسع توافق سياسي ممكن، وعدم التشبع بقيم التعايش والقبول بالآخر، وعدم الاتفاق على رؤية ديمقراطية جامعة لإعادة بناء الدولة، كل ذلك أضعف قدرة قوى التغيير.
واليوم يجب أن تتحمل هذه النخب المتحزبة والمستقلة مسؤوليتها، سواء بالتزام العمل المشترك للتصدي لهذا الانقلاب واستعادة المسار الديمقراطي، وكذلك في تطوير خطابها ورؤاها بما يفتح لها الباب للمساهمة في البناء الديمقراطي الجديد.
أما الاستمرار في نفس الأخطاء القديمة، فسيحرم المجتمع التونسي من كل الفرص المتاحة لتجاوز هذا التراجع الخطير عن المسار الديمقراطي.
*في ظل هذا التراجع للأداء الجمعي هل مازال الحديث عن السياسة ممكنا اليوم؟
-اليوم تحاول هذه السلطة أن تقدم لنا نخبتها على أنقاض نخبة الانتقال الديمقراطي، لكن خلال أربع سنوات من حكم السلطة الحالية، لم نر أكثر من مجموعة من الانتهازيين في عدد من المناصب الذين يبدون أكثر جهلا بالدولة وبالمسؤوليات.
هذا البؤس السياسي الذي تعمق بهذه النخب الجديدة، لا يعفي النخب التقليدية من كل الحساسيات الفكرية والسياسية، وبكل تموقعاتها الحزبية وفي المجتمع المدني لا يعفيهم جميعا من المسؤولية عن الفشل الذي واجهوه يوم 25 جويلية.
وفي الحقيقة الفشل كان سابقا لتلك اللحظة، لأن النخب التونسية فشلت عندما افتقدت الرؤية التغييرية بعد 14 جانفي، كما فشلت عندما حولت الانتقال الديمقراطي إلى حلبة صراع إيديولوجي وسياسي، ثم فشلت بعد ذلك في جل المسارات الانتخابية.
*لكن هل يعني ذلك نهاية السياسة في تونس؟
-أولا أعتبر أن طريقة تعاطي النخب التونسية مع السلطة الحالية هو فرصة لإعادة بناء الحياة السياسية في تونس.
ورغم تعثر البعض بعيد 25 جويلية وتردد البعض الآخر، إلا أن الإجماع السياسي اليوم حول رفض ما جرى وخياراته المدمرة، يعتبر رسالة ايجابية حول حيوية النخب التونسية وقدرتها على العودة من جديد لدورها ولفاعليتها في الساحة الوطنية.
*هل أن الإقرار بالفشل كاف؟
-هذا الموقف غير كاف، إذا لم يتحول إلى تنسيق سياسي ونضالي، يكسر صورة التشظي والتناحر التي التصقت بذاكرة التونسيين.
أقولها بصراحة هذه آخر فرصة للنخب التقليدية، وإلا بالفعل ستكون النهاية. ونقصد بالنهاية هنا ترهل القديم وانتهاء دوره وفاعليته، بما يفسح المجال لإنتاج نخب جديدة تقوم على هذه المهمة الوطنية في توعية المجتمع وقيادته.
لكن الأكيد أنها ستكون أيضا مناقضة لنخبة هذه السلطة، التي رأينا آخر عينة عنها في البرلمان الذي خون بعضها بعضا على هامش مناقشة قانون تجريم التطبيع.
*على ذكر البرلمان كيف تقيمون أداء النواب إلى حد الآن؟
-هذا البرلمان هو جزء مما اعتبره انقلابا على المؤسسات الشرعية، ولعل نسبة التصويت على أعضائه التي كانت ضعيفة جدا، تعكس هذه العزلة السياسية والشعبية التي يعاني منها. فالسلطة التشريعية تحولت إلى وظيفة، وفقدت هويتها كسلطة مستقلة. إذن هو مجلس لا تتعدى صلاحياته ما يعطى لأي لجنة في أحد المؤسسات العمومية.
قبول أعضاء هذا المجلس الاشتغال تحت سقف هذا الإطار القانوني فيه اهانة لأنفسهم وللسلطة التي يمثلونها ولإرادة ناخبيهم على ضعف عددهم. لذلك لا معنى للتقييم التقني لعمل هؤلاء النواب الوظيفيين من حيث حضورهم ومشاركتهم وتصويتهم.
*كيف تنظرون إلى الجدل الدائر بخصوص مشروع قانون تجريم التطبيع وهل يتنزل في إطار إسناد القضية الفلسطينية أم مجرد مزايدة للتربح السياسي؟
- التونسيون ناصروا القضية الفلسطينية كما لو كانت قضيتهم الوطنية.
فأرسلوا الكتائب للقتال في فلسطين سنة 1948 بقيادة لزهر الشرايطي. وقدموا منذ 1973 والى حد الآن أكثر من 40 شهيدا في عمليات فدائية في فلسطين المحتلة وفي جنوب لبنان وفي الجولان، ولعل استشهاد محمد الزواري واختلاط الدم التونسي والفلسطيني في حمام الشط أفضل دليل على هذا الالتزام الوطني بدعم ومساندة الحقوق الفلسطينية واعتبارها قضية تحرر وطني، وقضية قومية ودينية في نفس الوقت.
وهذا مسار نضالي وطني تجاوز بأشواط الحديث عن تجريم التطبيع، لأنه يعتبر دولة الاحتلال دولة عدوة للشعب التونسي يجب مقاومتها والتصدي لها.
*ولكن اليوم هناك طرح جديد لتقنين التجريم؟
-مسألة تقنين تجريم التطبيع، جاء طرحه منذ صياغة دستور 2014، ثم في 2018 و2020، وكذلك اليوم، فإنها كلها محاولات لا تعدو كونها تريد تقسيم التونسيين والمزايدات التي تدخل في الصراعات السياسة الداخلية.
ففي كل مرة يرتبط فيها هذا المطلب بمحاولة طرف في الصراع تجريم الطرف المنافس له باتهامه برفض التجريم. فما كان مطلوبا من الذين يريدون تجريم التطبيع، تجريم خصومهم السياسيين وليس تجريم التطبيع في حد ذاته.
التطبيع مجرم في تونس سياسيا وشعبيا وأخلاقيا ودينيا، والمجتمع التونسي مجمع على ذلك، والعمل على تقنين هذا التجريم يقتضي بناء وحدة وطنية حول هذا الإجراء، لا تقسيم التونسيين بمناسبة رفع هذا الشعار.
*كما هو معلوم أصدرت محكمة الاستئناف حكما بالسجن ضد رئيس الحركة راشد الغنوشي لمدة 15 شهرا و خطية بـ 1000 دينار ومراقبة إدارية لمدة ثلاث سنوات في قضايا تتعلّق بالإشادة والتمجيد بالارهاب والدعوة الى التحريض كيف تلقيتم هذا الخبر داخل الحزب؟
-بالفعل وقع الترفيع في الحكم الابتدائي في ظل مقاطعة راشد الغنوشي لكل الإجراءات القضائية المثارة ضده. إذ قاطع جلسة المحاكمة كما تغيبت هيئة الدفاع، وقد كان قبل ذلك مستعدا باستمرار للاستجابة لكل جلسات التحقيق في حالة سراح. أما وقد اتخذت السلطة ضده قرارا بالإيقاف، فقد أعلن من حينها عن قرار المقاطعة.
*ما هو تقييمكم لأداء حركة النهضة وأين وصل موضوع استرجاع مقرات الحزب من وزارة الداخلية؟
- حركة النهضة أنهكها الحكم والمشاركة فيه طوال عشر سنوات، ومثل ما نعتبره انقلاب 25 جويلية فرصة للمراجعة وإدارة إصلاح داخلي وسياسي. وتعد سياسة إعادة التموقع بعيدا عن السلطة واكراهاتها جزءا من هذا الإصلاح السياسي، باستعادة الروح النضالية التي تميزت بها طوال تاريخها وبتنقية وبإعادة بناء تحالفاتها السياسية ضمن جبهة الخلاص الوطني. وفي انتظار إصلاحات داخلية، قد يكون تكليف أمينا عاما جديدا لها (الأستاذ العجمي الوريمي) فرصة أيضا لهذا الإصلاح.
*ماذا عن مقرات الحزب؟
-ما تواجهه الحركة من تضييق وإغلاق لمقراتها واعتقالات كوادرها وقياداتها، فإنها لازالت قادرة على تجاوز كل هذه التحديات. اليوم يقبع أكثر من 40 قياديا وعضوا بالحركة في السجن، ويعاني العشرات الآخرين من التهجير القسري والمتابعات الأمنية والقضائية، كما أن مقراتها الجهوية الـ24 مغلقة، ومقرها المركزي تحت الحصار الأمني وممنوع الدخول إليه منذ أكثر من ستة أشهر، وبالمقابل تتلكأ السلطة في إنهاء هذه القرارات غير الدستورية، ويرفض القضاء التعاطي بجدية مع هذه المظلمة.
*هل يعني أن الذهاب إلى العمل السري وارد؟
-صحيح أن حركة النهضة اليوم تحت الحصار، وصحيح أيضا أن السلطة تريد تجميد عملنا ودفعنا للعمل السري وغير القانوني، لكن الحركة مصممة على التمسك بالعمل العلني والقانوني، ولن تسقط في هذا الفخ، وستستمر في المقاومة بكل الوسائل السياسية والمدنية السلمية.
*كانت حركة النهضة قد أعلنت أن مجلس الشورى زكى العجمي الوريمي عضوا للمكتب التنفيذي ونائب رئيس الحركة أمينا عاما جديدا لها فهل هذا الاختيار ضرورة أم محاولة لاستكمال الاستعداد للمؤتمر القادم؟
-بالفعل عينت حركة النهضة الأستاذ العجمي الوريمي أمينا عاما من خلال الإجراءات القانونية التي ينص عليها قانونها الأساسي. والعجمي الوريمي من خلال موقعه الجديد سيتولى إدارة الحركة بمقتضى تفويض من رئيس الحركة لكل صلاحياته. وهذا تمشي طبيعي لملء الفراغ القيادي بعد اعتقال رئيس الحركة ونوابه واستحالة انعقاد مؤتمر الحركة في الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد. وحتى تتهيأ تلك الشروط الأساسية لتنظيم المؤتمر سيستمر الأستاذ الوريمي في إدارة الحركة بالاستعانة بفريق قيادي يمثل المكتب التنفيذي.
*هل مازالت هناك إمكانية للقيام بالمؤتمر 11 وما هي أهم ورقات النقاش السياسي المطروحة على المؤتمرين ؟
-كما قلت سابقا، تنظيم المؤتمر 11 للحركة رهين توفر الشروط السياسية والتنظيمية.
أما أهم مضامين هذا المؤتمر، فاعتقد أن ما حصل من تغير خلال السنتين الأخيرتين قد فرض على الحركة إعادة ترتيب أولوياتها وخياراتها،ولذلك سيكون المؤتمر القادم بمثابة إعادة التأسيس ما يعني الحاجة لمراجعات عميقة بما يحقق هدف إعادة التأسيس.
- النخب فشلت عندما حولت الانتقال الديمقراطي إلى حلبة صراع إيديولوجي وسياسي
- اليوم يجب أن تتحمل النخب المتحزبة والمستقلة مسؤوليتها
- هذه آخر فرصة للنخب التقليدية وإلا بالفعل ستكون النهاية
- السلطة التشريعية تحولت إلى وظيفة وفقدت هويتها كسلطة مستقلة
- مسألة تقنين تجريم التطبيع جاء طرحها منذ صياغة دستور 2014 ثم في 2018 و2020 وكذلك اليوم
- اليوم يقبع أكثر من 40 قياديا وعضوا بالحركة في السجن
- المؤتمر القادم سيكون بمثابة إعادة تأسيس الحركة
تونس-الصباح
اعتبر القيادي بحركة النهضة رياض الشعيبي أن موضوع تجريم التطبيع لم يخرج من دائرة المزايدات السياسية على اعتبار أن التطبيع مجرم في تونس سياسيا وشعبيا وأخلاقيا ودينيا، وأن المجتمع التونسي مجمع على ذلك، والعمل على تقنين هذا التجريم يقتضي بناء وحدة وطنية حول هذا الإجراء، لا تقسيم التونسيين بمناسبة رفع هذا الشعار.
وقال الشعيبي في حوار لـ"الصباح"،"إن حركة النهضة أنهكها الحكم والمشاركة فيه طوال عشر سنوات، ومثل انقلاب 25 جويلية فرصة للمراجعة وإدارة إصلاح داخلي وسياسي. وتعد سياسة مقاومة الانقلاب وإعادة التموقع بعيدا عن السلطة واكراهاتها جزءا من هذا الإصلاح السياسي"، وفيما يلي نص الحوار.
حاوره: خليل الحناشي
*بداية كيف تقيمون الوضع العام للبلاد اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا؟
- الوضع العام في البلاد يثير مزيدا من القلق في ظل تفاقم أزمة تمويل الميزانية، والعجز عن تأمين توريد المواد الأساسية، وخطورة عدم الإيفاء بالالتزامات الخارجية بما في ذلك الدين الخارجي، وتصاعد الضغوطات على المالية العمومية.
كما تحولت هذه الأزمة شيئا فشيئا إلى أزمة اجتماعية حادة مع ارتفاع الأسعار وتراجع المقدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع نسبة البطالة،واهتراء المرفق العام وتفكك منظومة الخدمات.
وفي الحقيقة فان ما وصلت إليه تونس اليوم غير مسبوق في تاريخها الحديث؛ ونخشى كتونسيين أن لا تنتهي معاناتنا بسقوط هذه السلطة،لأن ما تتسبب فيه اليوم من دمار سيحتاج لوقت طويل ولتضحيات كبيرة لمعالجة آثاره.
*من يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذا الوضع؟
- أي سلطة سياسية تتحمل المسؤولية سلبا أم إيجابا... وبالتالي فان السلطة الحالية تتحمل ما آل إليه الوضع خاصة أنها مسكت في فترة ما بكل السلطات.
*ألا ترون أنه من الإجحاف تحميل السلطة القائمة اليوم لوحدها المسؤولية دون من حكموا قبلها من أحزاب وحكومات ونخب؟
-إذا كان الحديث عن مسؤولية الأحزاب والنخب التونسية عن دفع البلاد للاختناق والوصول بها إلى مرحلة 25 جويلية، فلا شك أن هناك كثيرا مما يمكن أن يقال. فضعف الوعي بحاجة مرحلة الانتقال الديمقراطي للوحدة الوطنية ولأوسع توافق سياسي ممكن، وعدم التشبع بقيم التعايش والقبول بالآخر، وعدم الاتفاق على رؤية ديمقراطية جامعة لإعادة بناء الدولة، كل ذلك أضعف قدرة قوى التغيير.
واليوم يجب أن تتحمل هذه النخب المتحزبة والمستقلة مسؤوليتها، سواء بالتزام العمل المشترك للتصدي لهذا الانقلاب واستعادة المسار الديمقراطي، وكذلك في تطوير خطابها ورؤاها بما يفتح لها الباب للمساهمة في البناء الديمقراطي الجديد.
أما الاستمرار في نفس الأخطاء القديمة، فسيحرم المجتمع التونسي من كل الفرص المتاحة لتجاوز هذا التراجع الخطير عن المسار الديمقراطي.
*في ظل هذا التراجع للأداء الجمعي هل مازال الحديث عن السياسة ممكنا اليوم؟
-اليوم تحاول هذه السلطة أن تقدم لنا نخبتها على أنقاض نخبة الانتقال الديمقراطي، لكن خلال أربع سنوات من حكم السلطة الحالية، لم نر أكثر من مجموعة من الانتهازيين في عدد من المناصب الذين يبدون أكثر جهلا بالدولة وبالمسؤوليات.
هذا البؤس السياسي الذي تعمق بهذه النخب الجديدة، لا يعفي النخب التقليدية من كل الحساسيات الفكرية والسياسية، وبكل تموقعاتها الحزبية وفي المجتمع المدني لا يعفيهم جميعا من المسؤولية عن الفشل الذي واجهوه يوم 25 جويلية.
وفي الحقيقة الفشل كان سابقا لتلك اللحظة، لأن النخب التونسية فشلت عندما افتقدت الرؤية التغييرية بعد 14 جانفي، كما فشلت عندما حولت الانتقال الديمقراطي إلى حلبة صراع إيديولوجي وسياسي، ثم فشلت بعد ذلك في جل المسارات الانتخابية.
*لكن هل يعني ذلك نهاية السياسة في تونس؟
-أولا أعتبر أن طريقة تعاطي النخب التونسية مع السلطة الحالية هو فرصة لإعادة بناء الحياة السياسية في تونس.
ورغم تعثر البعض بعيد 25 جويلية وتردد البعض الآخر، إلا أن الإجماع السياسي اليوم حول رفض ما جرى وخياراته المدمرة، يعتبر رسالة ايجابية حول حيوية النخب التونسية وقدرتها على العودة من جديد لدورها ولفاعليتها في الساحة الوطنية.
*هل أن الإقرار بالفشل كاف؟
-هذا الموقف غير كاف، إذا لم يتحول إلى تنسيق سياسي ونضالي، يكسر صورة التشظي والتناحر التي التصقت بذاكرة التونسيين.
أقولها بصراحة هذه آخر فرصة للنخب التقليدية، وإلا بالفعل ستكون النهاية. ونقصد بالنهاية هنا ترهل القديم وانتهاء دوره وفاعليته، بما يفسح المجال لإنتاج نخب جديدة تقوم على هذه المهمة الوطنية في توعية المجتمع وقيادته.
لكن الأكيد أنها ستكون أيضا مناقضة لنخبة هذه السلطة، التي رأينا آخر عينة عنها في البرلمان الذي خون بعضها بعضا على هامش مناقشة قانون تجريم التطبيع.
*على ذكر البرلمان كيف تقيمون أداء النواب إلى حد الآن؟
-هذا البرلمان هو جزء مما اعتبره انقلابا على المؤسسات الشرعية، ولعل نسبة التصويت على أعضائه التي كانت ضعيفة جدا، تعكس هذه العزلة السياسية والشعبية التي يعاني منها. فالسلطة التشريعية تحولت إلى وظيفة، وفقدت هويتها كسلطة مستقلة. إذن هو مجلس لا تتعدى صلاحياته ما يعطى لأي لجنة في أحد المؤسسات العمومية.
قبول أعضاء هذا المجلس الاشتغال تحت سقف هذا الإطار القانوني فيه اهانة لأنفسهم وللسلطة التي يمثلونها ولإرادة ناخبيهم على ضعف عددهم. لذلك لا معنى للتقييم التقني لعمل هؤلاء النواب الوظيفيين من حيث حضورهم ومشاركتهم وتصويتهم.
*كيف تنظرون إلى الجدل الدائر بخصوص مشروع قانون تجريم التطبيع وهل يتنزل في إطار إسناد القضية الفلسطينية أم مجرد مزايدة للتربح السياسي؟
- التونسيون ناصروا القضية الفلسطينية كما لو كانت قضيتهم الوطنية.
فأرسلوا الكتائب للقتال في فلسطين سنة 1948 بقيادة لزهر الشرايطي. وقدموا منذ 1973 والى حد الآن أكثر من 40 شهيدا في عمليات فدائية في فلسطين المحتلة وفي جنوب لبنان وفي الجولان، ولعل استشهاد محمد الزواري واختلاط الدم التونسي والفلسطيني في حمام الشط أفضل دليل على هذا الالتزام الوطني بدعم ومساندة الحقوق الفلسطينية واعتبارها قضية تحرر وطني، وقضية قومية ودينية في نفس الوقت.
وهذا مسار نضالي وطني تجاوز بأشواط الحديث عن تجريم التطبيع، لأنه يعتبر دولة الاحتلال دولة عدوة للشعب التونسي يجب مقاومتها والتصدي لها.
*ولكن اليوم هناك طرح جديد لتقنين التجريم؟
-مسألة تقنين تجريم التطبيع، جاء طرحه منذ صياغة دستور 2014، ثم في 2018 و2020، وكذلك اليوم، فإنها كلها محاولات لا تعدو كونها تريد تقسيم التونسيين والمزايدات التي تدخل في الصراعات السياسة الداخلية.
ففي كل مرة يرتبط فيها هذا المطلب بمحاولة طرف في الصراع تجريم الطرف المنافس له باتهامه برفض التجريم. فما كان مطلوبا من الذين يريدون تجريم التطبيع، تجريم خصومهم السياسيين وليس تجريم التطبيع في حد ذاته.
التطبيع مجرم في تونس سياسيا وشعبيا وأخلاقيا ودينيا، والمجتمع التونسي مجمع على ذلك، والعمل على تقنين هذا التجريم يقتضي بناء وحدة وطنية حول هذا الإجراء، لا تقسيم التونسيين بمناسبة رفع هذا الشعار.
*كما هو معلوم أصدرت محكمة الاستئناف حكما بالسجن ضد رئيس الحركة راشد الغنوشي لمدة 15 شهرا و خطية بـ 1000 دينار ومراقبة إدارية لمدة ثلاث سنوات في قضايا تتعلّق بالإشادة والتمجيد بالارهاب والدعوة الى التحريض كيف تلقيتم هذا الخبر داخل الحزب؟
-بالفعل وقع الترفيع في الحكم الابتدائي في ظل مقاطعة راشد الغنوشي لكل الإجراءات القضائية المثارة ضده. إذ قاطع جلسة المحاكمة كما تغيبت هيئة الدفاع، وقد كان قبل ذلك مستعدا باستمرار للاستجابة لكل جلسات التحقيق في حالة سراح. أما وقد اتخذت السلطة ضده قرارا بالإيقاف، فقد أعلن من حينها عن قرار المقاطعة.
*ما هو تقييمكم لأداء حركة النهضة وأين وصل موضوع استرجاع مقرات الحزب من وزارة الداخلية؟
- حركة النهضة أنهكها الحكم والمشاركة فيه طوال عشر سنوات، ومثل ما نعتبره انقلاب 25 جويلية فرصة للمراجعة وإدارة إصلاح داخلي وسياسي. وتعد سياسة إعادة التموقع بعيدا عن السلطة واكراهاتها جزءا من هذا الإصلاح السياسي، باستعادة الروح النضالية التي تميزت بها طوال تاريخها وبتنقية وبإعادة بناء تحالفاتها السياسية ضمن جبهة الخلاص الوطني. وفي انتظار إصلاحات داخلية، قد يكون تكليف أمينا عاما جديدا لها (الأستاذ العجمي الوريمي) فرصة أيضا لهذا الإصلاح.
*ماذا عن مقرات الحزب؟
-ما تواجهه الحركة من تضييق وإغلاق لمقراتها واعتقالات كوادرها وقياداتها، فإنها لازالت قادرة على تجاوز كل هذه التحديات. اليوم يقبع أكثر من 40 قياديا وعضوا بالحركة في السجن، ويعاني العشرات الآخرين من التهجير القسري والمتابعات الأمنية والقضائية، كما أن مقراتها الجهوية الـ24 مغلقة، ومقرها المركزي تحت الحصار الأمني وممنوع الدخول إليه منذ أكثر من ستة أشهر، وبالمقابل تتلكأ السلطة في إنهاء هذه القرارات غير الدستورية، ويرفض القضاء التعاطي بجدية مع هذه المظلمة.
*هل يعني أن الذهاب إلى العمل السري وارد؟
-صحيح أن حركة النهضة اليوم تحت الحصار، وصحيح أيضا أن السلطة تريد تجميد عملنا ودفعنا للعمل السري وغير القانوني، لكن الحركة مصممة على التمسك بالعمل العلني والقانوني، ولن تسقط في هذا الفخ، وستستمر في المقاومة بكل الوسائل السياسية والمدنية السلمية.
*كانت حركة النهضة قد أعلنت أن مجلس الشورى زكى العجمي الوريمي عضوا للمكتب التنفيذي ونائب رئيس الحركة أمينا عاما جديدا لها فهل هذا الاختيار ضرورة أم محاولة لاستكمال الاستعداد للمؤتمر القادم؟
-بالفعل عينت حركة النهضة الأستاذ العجمي الوريمي أمينا عاما من خلال الإجراءات القانونية التي ينص عليها قانونها الأساسي. والعجمي الوريمي من خلال موقعه الجديد سيتولى إدارة الحركة بمقتضى تفويض من رئيس الحركة لكل صلاحياته. وهذا تمشي طبيعي لملء الفراغ القيادي بعد اعتقال رئيس الحركة ونوابه واستحالة انعقاد مؤتمر الحركة في الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد. وحتى تتهيأ تلك الشروط الأساسية لتنظيم المؤتمر سيستمر الأستاذ الوريمي في إدارة الحركة بالاستعانة بفريق قيادي يمثل المكتب التنفيذي.
*هل مازالت هناك إمكانية للقيام بالمؤتمر 11 وما هي أهم ورقات النقاش السياسي المطروحة على المؤتمرين ؟
-كما قلت سابقا، تنظيم المؤتمر 11 للحركة رهين توفر الشروط السياسية والتنظيمية.
أما أهم مضامين هذا المؤتمر، فاعتقد أن ما حصل من تغير خلال السنتين الأخيرتين قد فرض على الحركة إعادة ترتيب أولوياتها وخياراتها،ولذلك سيكون المؤتمر القادم بمثابة إعادة التأسيس ما يعني الحاجة لمراجعات عميقة بما يحقق هدف إعادة التأسيس.