إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تجريم التطبيع أم زجر الاعتراف: أي معنى ؟

طالما أن الدولة التونسية لا تعترف بالكيان الغاصب وتعتبر التطبيع جريمة وخيانة عظمى فإنه لا معنى لتجريم شيء غير موجود وطالما أن تونس ليست لها علاقات مع إسرائيل فإن تجريم الاعتراف معه مسألة لا تستقيم

بقلم نوفل سلامة 

من الشعارات البارزة التي رافقت قيام الثورة التونسية وتحولت إلى مطلب شعبي نادى به التونسيون خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي التي عرفتها البلاد بعد سقوط نظام الرئيس بن علي ولا تزال إلى اليوم مطلبا ملحا بالرغم من تحوله إلى ملف مزايدات سياسية خلال العشرية الماضية وموضوع خلاف مجتمعي وسياسي وقانوني وقضية قسمت النخبة المثقفة بين رافض ومؤيد ، قضية تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ومنع التعامل بأي شكل من الأشكال مع دولة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وكل الجهات والهياكل المتعاونة معه وكلنا يتذكر ذلك الجدل الكبير الذي عرفه مجلس نواب الشعب قبل 25 جويلية 2021 بخصوص التنصيص في الدستور على فصل يجرم كل تعامل مع الكيان الإسرائيلي المحتل .

هذه القضية تعود اليوم بقوة وتفرض نفسها في صدارة اهتمامات الشعب التونسي على خلفية ما يتعرض له قطاع غزة من جرائم حرب وإبادة وقتل للمدنيين من نساء وأطفال وشيوخ وتدمير بالكامل للمباني طالت المساكن والمستشفيات ومقرات المنظمات الدولية التي تقدم خدمات انسانية بحتة على يد الآلة الحربية الاسرائيلية في ردة فعل انتقامية من العملية العسكرية طوفان الأقصى التي قامت بها المقاومة الإسلامية حماس في العمق الاسرائيلي والتي كبدت العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد الحربي فضلا على أسر عدد مهم من جنوده ومنطلق هذه العودة اليوم إلى موضوع تجريم التطبيع فرضها الموقف الرسمي التونسي الواضح من الكيان الصهيوني واعتباره حالة استعمارية وتصريحات الرئيس قيس سعيد الصريحة التي تعتبر كل تعاون أو تعامل مع الكيان الاسرائيلي هو تطبيع وخيانة عظمى تفرض العقاب وما تبع هذا الموقف من جدل محير داخل قبة برلمان الشعب بمناسبة مقترح استعجال النظر في مشروع قانون تم تقديمه من إحدى الكتل البرلمانية يقضي بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني حيث تعثر سنه وكثر حوله اللغط واختلف حوله النواب وعرف مضمونه تأويلات مختلفة وتحذيرات ومخاوف وأنتج ارباكا في صفوف النواب وبهتة في الشارع التونسي الذي لم يفهم كيف يصعب تمرير نص قانوني يجرم التطبيع كان من المفترض أن يحظى بإجماع واتفاق واسع ومرد هذا التردد وهذا التلكؤ وهذا التأجيل المتكرر بخصوص سن هذا القانون رغم وضوح الموقف الرسمي للدولة التونسية الخلاف والتباين في الرؤى حول تداعياته عند التطبيق وانعكاساته على العلاقات الخارجية للدولة التونسية وتأثيره على توازناتها الاقليمية والعالمية وتداعيات أخرى في علاقة بالروابط التجارية والمالية والاقتصادية ومدى قدرة الدولة على تنفيذ مثل هذا القانون على أرض الواقع في الوقت الذي نجد فيه إسرائيل تهيمن على كل أوجه النشاط التجاري والمالي والاقتصادي حول العالم والحقيقة المنسية التي كشفت عنها تداعيات عملية طوفان الأقصى وهي أن الصهيونية اليوم باتت تتحكم في كل مفاصل العالم وخاصة في مجالات حساسة كالمال والإعلام والفن والفكر والتكنولوجيا وتسيطر على كل المنظمات والهياكل والمؤسسات العالمية المؤثرة في القرارات المصيرية للشعوب وهيمنتها وصلت إلى المواقع العلمية والفكرية حيث تتحكم في منح الجوائز العلمية كجائزة نوبل للسلام التي تتحكم في تحديد الفائز بجوائزها بما يعني أن اسرائيل اليوم فرضت هيمنتها على العالم وجعلت كل الحكومات الأوروبية وحتى العربية خاضعة لمصالحها بما يعني أن مشروع القانون كما قدم والذي يرتب عقوبة تصل إلى 12 عاما بالسجن وإلى الحكم بالمؤبد في صورة العود ضد كل من يتعامل مع جهات صهيونية أو لها علاقات مع الكيان الصهيوني بما يضع الكثير من التونسيين في الداخل والخارج تحت طائلة هذه العقوبة القاسية وهذا من شأنه حسب المعارضين أن يعرض مصالح الكثير من التونسيين ومصالح الدولة الاقتصادية والمالية والتجارية إلى مخاطر وتهديد للمصلحة الوطنية والعلاقات الخارجية.

كل هذه التحفظات والمخاوف وراءها فكرة تقول بأنه طالما أن الدولة التونسية لا تعترف بالكيان الغاصب وتعتبر التطبيع جريمة وخيانة عظمى فإنه لا معنى من الحديث عن تجريم شيء غير موجود وطالما أن الدولة التونسية ليس لها علاقات مع إسرائيل وغير مطبعة معه فإن تجريم الاعتراف معه مسألة لا تستقيم وبالتالي فإن الأولى أن نتحدث عن زجر كل من يتعامل مع جهة من الجهات الاسرائيلية وتسليط العقاب على من يتواصل مع روابط الكيان الصهيوني في جميع المجالات والميادين التجارية والاقتصادية والمالية والعلمية والثقافية والفكرية والرياضية والفنية وكل المعاملات التجارية .

وحتى هذا التعديل الذي أدخل على مشروع القانون والذي حول مضمونه من تجريم الاعتراف إلى زجر التعامل مع الكيان الصهيوني وتوابعه يشكل حسب الكثير من الأطراف داخل البلاد والخارج مأزقا كبيرا نتيجة عجز كل الدول والحكومات العربية عن تأمين حياة شعوبها بمفردها وتحقيق المناعة الذاتية التي تجعلها تحقق اكتفاءها الذاتي في كل المجالات وتجعلها سيدة نفسها وتحقق أمنها واستقلالها الحقيقي والتام وتفك ارتباطها مع قوى الهيمنة العالمية بما يجعلها غير مرتهنة ولا تحت رحمة الآخر في توفير غذائها ومصادر طاقتها واختيار نظامها الاجتماعي والتعليمي وتجارتها وفكرها وقيمها وطالما أن كل ذلك غير متوفر وهو غير متوفر حقيقة فإن الحديث عن تجريم التطبيع سواء كان اعترافا بالكيان الغاصب أو تعاملا معه يصبح غير ذي معنى ولا فائدة على أرض الواقع طالما وأن حالة العجز والضعف تأسر العالم العربي بالكامل .

 

 

 

 

تجريم التطبيع أم زجر الاعتراف: أي معنى ؟

طالما أن الدولة التونسية لا تعترف بالكيان الغاصب وتعتبر التطبيع جريمة وخيانة عظمى فإنه لا معنى لتجريم شيء غير موجود وطالما أن تونس ليست لها علاقات مع إسرائيل فإن تجريم الاعتراف معه مسألة لا تستقيم

بقلم نوفل سلامة 

من الشعارات البارزة التي رافقت قيام الثورة التونسية وتحولت إلى مطلب شعبي نادى به التونسيون خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي التي عرفتها البلاد بعد سقوط نظام الرئيس بن علي ولا تزال إلى اليوم مطلبا ملحا بالرغم من تحوله إلى ملف مزايدات سياسية خلال العشرية الماضية وموضوع خلاف مجتمعي وسياسي وقانوني وقضية قسمت النخبة المثقفة بين رافض ومؤيد ، قضية تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ومنع التعامل بأي شكل من الأشكال مع دولة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وكل الجهات والهياكل المتعاونة معه وكلنا يتذكر ذلك الجدل الكبير الذي عرفه مجلس نواب الشعب قبل 25 جويلية 2021 بخصوص التنصيص في الدستور على فصل يجرم كل تعامل مع الكيان الإسرائيلي المحتل .

هذه القضية تعود اليوم بقوة وتفرض نفسها في صدارة اهتمامات الشعب التونسي على خلفية ما يتعرض له قطاع غزة من جرائم حرب وإبادة وقتل للمدنيين من نساء وأطفال وشيوخ وتدمير بالكامل للمباني طالت المساكن والمستشفيات ومقرات المنظمات الدولية التي تقدم خدمات انسانية بحتة على يد الآلة الحربية الاسرائيلية في ردة فعل انتقامية من العملية العسكرية طوفان الأقصى التي قامت بها المقاومة الإسلامية حماس في العمق الاسرائيلي والتي كبدت العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد الحربي فضلا على أسر عدد مهم من جنوده ومنطلق هذه العودة اليوم إلى موضوع تجريم التطبيع فرضها الموقف الرسمي التونسي الواضح من الكيان الصهيوني واعتباره حالة استعمارية وتصريحات الرئيس قيس سعيد الصريحة التي تعتبر كل تعاون أو تعامل مع الكيان الاسرائيلي هو تطبيع وخيانة عظمى تفرض العقاب وما تبع هذا الموقف من جدل محير داخل قبة برلمان الشعب بمناسبة مقترح استعجال النظر في مشروع قانون تم تقديمه من إحدى الكتل البرلمانية يقضي بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني حيث تعثر سنه وكثر حوله اللغط واختلف حوله النواب وعرف مضمونه تأويلات مختلفة وتحذيرات ومخاوف وأنتج ارباكا في صفوف النواب وبهتة في الشارع التونسي الذي لم يفهم كيف يصعب تمرير نص قانوني يجرم التطبيع كان من المفترض أن يحظى بإجماع واتفاق واسع ومرد هذا التردد وهذا التلكؤ وهذا التأجيل المتكرر بخصوص سن هذا القانون رغم وضوح الموقف الرسمي للدولة التونسية الخلاف والتباين في الرؤى حول تداعياته عند التطبيق وانعكاساته على العلاقات الخارجية للدولة التونسية وتأثيره على توازناتها الاقليمية والعالمية وتداعيات أخرى في علاقة بالروابط التجارية والمالية والاقتصادية ومدى قدرة الدولة على تنفيذ مثل هذا القانون على أرض الواقع في الوقت الذي نجد فيه إسرائيل تهيمن على كل أوجه النشاط التجاري والمالي والاقتصادي حول العالم والحقيقة المنسية التي كشفت عنها تداعيات عملية طوفان الأقصى وهي أن الصهيونية اليوم باتت تتحكم في كل مفاصل العالم وخاصة في مجالات حساسة كالمال والإعلام والفن والفكر والتكنولوجيا وتسيطر على كل المنظمات والهياكل والمؤسسات العالمية المؤثرة في القرارات المصيرية للشعوب وهيمنتها وصلت إلى المواقع العلمية والفكرية حيث تتحكم في منح الجوائز العلمية كجائزة نوبل للسلام التي تتحكم في تحديد الفائز بجوائزها بما يعني أن اسرائيل اليوم فرضت هيمنتها على العالم وجعلت كل الحكومات الأوروبية وحتى العربية خاضعة لمصالحها بما يعني أن مشروع القانون كما قدم والذي يرتب عقوبة تصل إلى 12 عاما بالسجن وإلى الحكم بالمؤبد في صورة العود ضد كل من يتعامل مع جهات صهيونية أو لها علاقات مع الكيان الصهيوني بما يضع الكثير من التونسيين في الداخل والخارج تحت طائلة هذه العقوبة القاسية وهذا من شأنه حسب المعارضين أن يعرض مصالح الكثير من التونسيين ومصالح الدولة الاقتصادية والمالية والتجارية إلى مخاطر وتهديد للمصلحة الوطنية والعلاقات الخارجية.

كل هذه التحفظات والمخاوف وراءها فكرة تقول بأنه طالما أن الدولة التونسية لا تعترف بالكيان الغاصب وتعتبر التطبيع جريمة وخيانة عظمى فإنه لا معنى من الحديث عن تجريم شيء غير موجود وطالما أن الدولة التونسية ليس لها علاقات مع إسرائيل وغير مطبعة معه فإن تجريم الاعتراف معه مسألة لا تستقيم وبالتالي فإن الأولى أن نتحدث عن زجر كل من يتعامل مع جهة من الجهات الاسرائيلية وتسليط العقاب على من يتواصل مع روابط الكيان الصهيوني في جميع المجالات والميادين التجارية والاقتصادية والمالية والعلمية والثقافية والفكرية والرياضية والفنية وكل المعاملات التجارية .

وحتى هذا التعديل الذي أدخل على مشروع القانون والذي حول مضمونه من تجريم الاعتراف إلى زجر التعامل مع الكيان الصهيوني وتوابعه يشكل حسب الكثير من الأطراف داخل البلاد والخارج مأزقا كبيرا نتيجة عجز كل الدول والحكومات العربية عن تأمين حياة شعوبها بمفردها وتحقيق المناعة الذاتية التي تجعلها تحقق اكتفاءها الذاتي في كل المجالات وتجعلها سيدة نفسها وتحقق أمنها واستقلالها الحقيقي والتام وتفك ارتباطها مع قوى الهيمنة العالمية بما يجعلها غير مرتهنة ولا تحت رحمة الآخر في توفير غذائها ومصادر طاقتها واختيار نظامها الاجتماعي والتعليمي وتجارتها وفكرها وقيمها وطالما أن كل ذلك غير متوفر وهو غير متوفر حقيقة فإن الحديث عن تجريم التطبيع سواء كان اعترافا بالكيان الغاصب أو تعاملا معه يصبح غير ذي معنى ولا فائدة على أرض الواقع طالما وأن حالة العجز والضعف تأسر العالم العربي بالكامل .

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews