إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خلف كثبان الرمال كثبان من المشاكل.. السياحة الصحراوية.. مجرّد صورة جميلة في واقع سيء !

تونس – الصباح

يتنّوع المنتوج السياحي التونسي ويختلف باختلاف الجهات والمناطق، ففي بلد بقدر ما تبدو مساحته صغيرة فان منتوجه السياحي لافت وكبير ومتنوّع ويسمح بأن تكون تونس الوجهة المفضّلة لملايين السياح حول العالم سنويا بالنظر الى ثراء هذه المنتوج وإمكانياته الهائلة وتنوّعه بما يلبّي مختلف الأذواق .

ولكن هذا المنتوج السياحي المهم والذي كان يمكن المراهنة عليه بقوّة وتحقيق عائدات ضخمة من ورائه، ما زال مكبّلا بسياسات وأفكار قديمة وبالبيروقراطية وبغياب الرؤية الإستراتيجية، فمع كل وزير جديد وكل حكومة جديدة وكل منظومة حكم قرارات وخيارات أثبتت جميعها فشلا وعجزا وخواء لأنها لم تكن سياسات طويلة الأمد بقدر ما كانت حلولا ترقيعية تعالج مشاكل الراهن ولا تنبني قطاعا قويا ولم تضخّ الروح من جديد في قطاع تهرّم ومن سنة الى أخرى يفقد إشعاعه وألقه.

إعداد منية العرفاوي 

في بداية الستينات كان قطاع السياحة من القطاعات التي راهنت عليها الدولة بقوة وهذه المراهنة وحضور الدولة القوي في الاستثمار وفي تهيئة البنية السياحية وبعث الأقطاب السياحية، جعل من السياحة أحد أهم القطاعات التي ساهمت في النهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق نجاحات كبيرة في مراحل مختلفة.

وكانت السياحة الصحراوية احد أهم المنتوجات السياحة التي راهنت عليها الدولة منذ سنوات الاستقلال الأولى وعلى مدى عقود تم الترويج لهذا المنتوج السياحي كمنتوج متفرّد واستثنائي، ولكن اليوم هذا المنتوج بات منهكا ومستنزفا كليا ويواجه المهنيون صعوبات كبيرة في الاستمرار.

في هذا الملف حاولت "الصباح" رصد بعض مشاكل قطاع السياحة الصحراوية من خلال الاستئناس بآراء المهنيين في الجهة من الذين لهم استثمارات هامة في القطاع وخبرة مهنية طويلة، في محاولة لتسليط الضوء على مساحات معتّمة في السياحة الصحراوية، أعمق وأبعد من تلك الصور الترويجية البرّاقة التي تعطي صورة مشرقة ولكنها غير حقيقية فخلف كثبان الرمال، كثبان من المشاكل .

سنوات التراجع ..

منذ أسابيع استقبل رئيس الجمهورية وزير السياحة محمد المعز بلحسين، وكان اللقاء لافتا رغم انه ومنذ إعلان إجراءات 25 جويلية لم يبد رئيس الدولة اهتماما خاصّا بالسياحة عكس الفلاحة ولكن في ذلك اللقاء بدا الرئيس قيس سعيّد مدركا للمشاكل الذي انتهى إليها القطاع ولكن مع ذلك الى الآن مازالت الإجراءات المتخذة دون الانتظارات ولم تخرج عن الإجراءات الترقيعية المعتادة التي لا تحلّ مشاكل القطاع في العمق، قال قيس سعيد أن السياحة ليست مجرد شواطئ أو أشعة شمس في السماء ولكن في المقابل لم يطرح أفكارا جديدة بشان تطوير هذه السياحة رغم أنه يؤكد أن السياحة في تونس تدر مداخيل هامة وهي تحتل المرتبة الثانية بعد التونسيين بالخارج لذلك يجب تطويرها ولكن هذا التطوير يحتاج قرارا سياديا من أعلى مستوى يغيّر ما استقر عليه الوضع منذ عقود وخلق كل أسباب الفشل. ولئن انتقد قيس سعيد بشدة ما اعتبره المظاهر المخلة بكرامة التونسيين والمتعلقة بطريقة استقبال الوفود السياحية في الموانئ، قائلا في هذا السياق "هل رأى أحد منكم في باريس أو لندن أو غيرها من الدول من يستقبل السياح بالزغاريط والرقص"، وهذا بكل تأكيد صحيح ولكن الخروج عن سياحة النمط والفلكلور يقتضي إرساء استراتيجيات وخطط جديدة تقطع مع ما سبق وبشكل نهائي وتضخ الحياة في المنتوجات السياحية الجديدة والمختلفة كالسياحة الصحراوية التي تعاني من مشاكل السياحة الصحراوية تفاقمت بعد الثورة بسبب الأحداث على الحدود الليبية إضافة إلى فرض المنطقة العازلة على الحدود والتهديدات الإرهابيّة، كما وأنّ هذه السياحة وباعتبارها سياحة شتوية تعاني من مشاكل هيكلية وتضررت بأزمة كورونا مؤخرا ولم تعد تستقطب مواطن شغل كبيرة أو تخلق حركية اقتصادية نشيطة ومتطورة وحتى المهن الصغرى المرتبطة بها تراجعت بشكل لافت.

وكل ذلك يجعل من الضروري وضع إستراتيجية متكاملة لضمان استمراريّة السياحة في الجهة طول السنة لأن العمل الموسمي يعجز أن يكون حلاّ جديّا للمشاكل الاقتصاديّة المتراكمة على غرار البطالة والفقر وحالة الانكماش التي تعرفها البلاد منذ سنوات.

والمنتوج الصحراوي الذي ينهل من البيئة والثقافة المحلية والطبيعة كان يمكن التنويع فيه بين السياحي والثقافي بشكل متزامن والترويج له بأنشطة مختلفة كاستقطاب سينمائيين لتصوير أفلام عالمية والمراهنة على جودة الخدمات ومدى استثمار الدولة في تلك الخدمات وتطوير النقل الجوّي وتحسين نوعية الخدمات الفندقية ودعم السياحة الداخلية والتخلّص من المكبّلات البيروقراطية وتطوير التشريعات بما يجعلها منسجمة مع الإيقاع السريعة لهذا النوع من المنتوج السياحي الذي يقوم على المغامرة وحبّ الاكتشاف .

وكالات الأسفار وكراس شروط بدائي

في تصريح لـ"الصباح" يقول المنصف الشتوي نائب الرئيس السابق لجامعة التونسية لوكالات الأسفار ومستثمر في قطاع السياحة الصحراوية، وعند سؤاله عن مشاكل هذا القطاع وهو الذي يشتغل به منذ حوالي 46 عاما يقول: "عندما نتحدث عن قطاع السياحة الصحراوية فان المصطلح يجب أن يعكس المعنى، فالكلمة يجب أن تدل على المعنى وتترجمه ولكن ما أعاينه وانه بعد 46 سنة من العمل في هذا القطاع، أننا نستهلك دائما في نفس الأسطوانات المشروخة.. حكومات ذهبت وحكومات أتت.. أنظمة سقطت وثورات قامت ونفس المشاكل والصعوبات يواجهها القطاع وذلك يعود بالأساس الى غياب إستراتيجية واضحة لهذا القطاع تنفّذ دون أي اعتبار لمن المسؤول أو الرئيس أو ما هي طبيعة الحكومة وتوجهاتها السياسية والأيديولوجية «.

ويضيف الشتوي: "عندما نتحدّث عن الجنوب فنحن نتحدث عن منتوجين هامين وهما السياحة الصحراوية والتمور وكلاهما في وضعية كارثية وأنا هنا أحمّل مباشرة المسؤولية للدولة التي لا تكترث أبدا لمقدرات البلاد بل وهناك مسؤولون يعبثون بهذه المقدرات، وأنا هنا لا أتحدث بشكل متشائم لأني أؤمن بأن الحلول دائما موجودة متى توفرت الإرادة، اليوم نحن نملك كل الإمكانيات التي يمكن استغلالها وتوظيفها لبناء قطاع قوي يحقق أرباحا ويحدث قفزة تنموية نوعية على المستوى الوطني والجهوي.. ولكن رغم هذه الإمكانيات فإن التعقيدات والمشاكل تتزايد من سنة الى أخرى، ولذلك أكدت أن المسألة مقترنة بضرورة وضع إستراتيجية وطنية تطرح كل المشاكل وتعالجها وتضع أهدافا واضحة وتسعى لتحقيقها، مثلا هل يمكن أن نسيّر اليوم وكالات الأسفار بكراس شروط أكل عليها الدهر وشرب، فهذه الكراس لم تعد صالحة اليوم للنهوض بالقطاع بل ساعدت في تحويله الى قطاع عشوائي يستقطب الجميع حتى من لا يملك لا الخبرة ولا الكفاءة ولا المعرفة، وهو كذلك قطاع مهمّش من سلطة الإشراف حيث لا يوجد اليوم صلب ديوان السياحة إدارة جادة تهتم بالسياحة الصحراوية، منذ أشهر تم تعيين مديرا مكلفا بملف السياحة الصحراوية ولكن أتحداهم إن كان يعلم شيئا عن هذا النوع من السياحة ! "

منصف الشتوي أشار أيضا أنهم جغرافيا تم حصر السياحة الصحراوية في مساحة معينة بالإضافة إلى فرض التراخيص في تنظيم أي رحلة سياحة مع كل ما يواجهه المهنيين في ذلك من تعقيدات، وكذلك نفس الشيء بالنسبة للهواتف المرتبطة بالأقمار الصناعية والتي يُمنع استعمالها في تونس ولكن عند طلب رخصة يتم المطالبة بها.

مندوب جديد بعد شغور لمدة أشهر ..

علي بن زايد من المستثمرين في قطاع السياحة الصحراوية وهو صاحب وكالة أسفار، ويقول في تصريح لـ"الصباح": "وكالات الأسفار بالجهة تواجه مشكل كبيرة في الحصول على تراخيص التوغّل في الصحراء، والتي كانت دائما تواجه تعقيدات وتلكؤا من الطرف الإداري رغم أن التخييم هو منتوج يحظى بنسبة ترويج كبيرة وهو عامل استقطاب مهم في السياحة الصحراوية «ويضيف محدثنا:» نحن كمهنيين بصدد مواجهة هذه الصعوبات، ولكن نحن متفائلون أن تعيين مندوب سياحة جديد في ولاية قبلي يمكن أن يحل هذه الإشكالية خاصة وان الجهة بقيت لشهور دون مندوب سياحة وهذا الشغور المتواصل لمدة طويلة خلق أزمة في القطاع، رغم أن هذا القطاع كان من القطاعات التي راهنت عليها الدولة استراتيجيا ولكن اليوم السياحة الصحراوية تواجه أزمات وصعوبات ومشاكل والتي من بينها تكدّس النفايات في المساحات الصحراوية المعدة للتخييم، وللتجوال وهو ما يؤثرّ على المنتوج السياحي ويضرّ بصورة البلاد كوجهة سياحية."

ولم يخف زايد علي زايد ان بعد ركود سنوات الكوفيد عادت السياحة الصحراوية الى استقطاب أفواج كثيرة من السياح واليوم أصبحت السفرات المباشرة من عواصم أوروبية واردة بعد أول سفرة قادمة من باريس مؤخرا.

سباق الهجن: تفكير خارج الصندوق ولكن ..

يعتبر أحمد عبد المولى من أبرز المستثمرين في السياحة الصحراوية، ومن موقعه سعى عبد المولى لتطوير المنتوج السياحي الصحراوي من خلال التفكير في مبادرات جديدة تنعش القطاع مثل سباق الهجن أو سباق الإبل، حيث راهن أحمد عبد المولى عن الفكرة وارد أن يحوّلها الى مبادرة خاصة كانت تستطيع تطوير المنتوج السياحي الصحراوي ولكن هذا المشروع الذي كان يمكن ان يكون رائدا حتى على المستوى العربي لم يرى النور أبدا..

وفي هذا السياق يقول أحمد عبد المولى في تصريح لـ"الصباح": "لا يمكن إنكار أن السياحة الصحراوية تواجه اليوم إشكاليات كبيرة، فاليوم عندما نتحدث على المستثمرين في السياحة فانه يجب التأكيد أيضا انه على الدولة أن تستثمر في البنية التحتية التي تساعد على هذا الاستثمار، فالخدمات المتوفرة اليوم للأسف لم تعد تستقطب السائح، بالإضافة الى بعض السلوكيات مثل عدم وعي المواطن بالبيئة، واستخفافهم بالإجراءات المعمول بها مثلا هناك اليوم البعض الذي يعمد الى دخول الصحراء لوحده، وفي المقابل تتشدّد الجهات المعنية في منح التراخيص لوكالات الأسفار، رغم أن الحوادث لا تقع للأفواج التي تكون تابعة لوكالات الأسفار بل لأشخاص يتعمدون دخول الصحراء بشكل فردي ودون ترخيص ولا حماية من وكالة الأسفار. «

وفي معرض حديثه عن حلمه في بعث مشروع لسباق الإبل أو الهجن قال احمد عبد المولى ان الإمكانيات الذاتية كانت متوفّرة وان شبكة العلاقات الدولية التي يملكها كانت يمكن ان تساعده بسهولة عن إنجاح هذه المبادرة، مشيرة الى كون رياضة سباق الإبل هي رياضة فريدة من نوعها ولم تعد تستقطب فقط الدول العربية بل هناك اليوم من هم مهتمون بهذه الرياضة من دول أوروبية ولكن هذا المشروع يتطلب بنية تحتية، وتدخّلا من الدولة لإنعاش قطاع تربية الإبل وكذلك لا بدّ من توفير مضمار محترف، ولكن وفق محدثنا فان كل ذلك غير متوفّر، كما أشار أحمد عبد المولى ان اهتراء البنية التحتية أو عدم توفرها يتجاوز ما يمكن توفيره لما هو موجود حيث قال منصّة مهرجان الصحراء هي بدورها اليوم آيلة للسقوط، دون اكتراث أو اهتمام بصيانتها، بما جعل مهنيي القطاع يشعرون وكأن السياحة الصحراوية غير مرغوب فيها، ويقول عبد المولى "منذ الثورة وخاصة منذ سنوات حكم الترويكا بان بالكاشف ان السياحة الصحراوية لم يعد مرغوبا فيها بل السياحة بشكل عام لم تعد تستهوي الدولة او تهتم لها وكان التوجّه وقتها نحو إنعاش الفلاحة، ورغم أن الفلاحة قطاع استراتيجي ولا يمكن التشكيك في ذلك ولكن السياحة تبقى دائما قادرة على تحريك الدورة الاقتصادية بالكامل" .

مهدي عبد الجواد لـ"الصباح": السياحة الصحراوية فقدت رهان الدولة عليها منذ سنوات وهذا ندائي للرئيس !

الناشط السياسي مهدي عبد الجواد يعتبر من الشخصيات المطلعة على مشاكل قطاع السياحة الصحراوية باعتباره ابن جهة وقريبا من مشاغل المهنيين وهو الذي يملك ملف مكتمل حول التصوّرات الممكنة للخروج بالقطاع من أزمته وفي تصريح لـ"الصباح" يقول مهدي عبد الجواد: "في البداية لا بد من الإشارة الى كون السياحة الصحراوية كانت في بداية دولة الاستقلال خيارا استراتيجيا وقد راهنت الدولة فعلا على هذا الخيار وشجّعت وجود نزل ضخمة وفارهة وكانت هناك إرادة سياسية من بورقيبة رأسا على إنجاح هذا المنتوج السياحي الصحراوي والذي يقوم على تثمين المناطق والعادات والبيئة الصحراوي التي تستهوي الكثيرين، وربما كان مهرجان الصحراء أيقونة هذا الرهان والذي لم يتردد بورقيبة في حضور دورته الأولى نهاية الستينات وذلك لتأكيد مدى الأولوية التي توليها الدولة للصحراء .

فالصحراء ليست فقط منتوجا سياحيا يمكن ترويجها بطريقة جاذبة ومثيرة للاهتمام بالنظر الى فرادة وتميّز هذا المنتوج ولكن المراهنة على تعمير الصحراء وعلى وجود حركة سياحية نشيطة هو حماية للامن القومي، حيث أن وجود حركة سياحية واقتصادية في مناطق مقفرة هو وسيلة لمقاومة شبكات الإرهاب والترهيب.

ويضيف مهدي عبد الجواد: "لكن اليوم يمكن القول بكل حسرة أن السياحة الصحراوية فقدت رهان الدولة عليها منذ سنوات لصالح ما يسمّى بالسياحة البديلة او سياحة دور الضيافة ولم يعد المستثمرين في قطاع السياحة الصحراوية يتمتعون لا بحماية ولا بتشجيع الدولة لا من حيث سياسة القروض ولا من حيث التحفيز على الاستثمار واليوم تذهب كل هذه التشجيعات الى أنواع أخرى من السياحة البديلة".

ويتحدث مهدي عبد الجواد عن بعض مشاكل الجهة والتعقيدات التي يواجهها المستثمرون في الجهة ومن رخص التخييم في الصحراء بالنسبة لوكالات الأسفار والتي تواجه الى اليوم تعقيدات بيروقراطية أضّرت كثيرا بالجهة كوجهة سياحية تسويقية حيث تخضع عملية منح هذه الرخص الى تعقيدات وكذلك التقليص في المساحات الصحراوية المستغلة للتخييم بحجة مقاومة الإرهاب، كما أشار عبد الجواد أن الراليات التي كانت جزء هام من المنتوج السياحي الصحراوي باتت تواجه اليوم صعوبات وتعقيدات وهو ما دفع لأن يتم تغيير وجهة بعض هذه الراليات التي كانت تستقطبها تونس الى دول مغاربية مجاورة تنافس اليوم بقوة على السياحة الصحراوية، ومن المناطق الصحراوية التي كانت رائدة في هذه السياحة الصحراوية والتي يواجه المستثمرون فيها مشاكل كبيرة نجد منطقة قصر غيلان التي باتت تراخيص الانتصاب في هذه المنطقة تواجه صعوبات كبرى خاصة على مستوى الرخص حيث ذكر لنا مهدي أن أحد المستثمرين وبعد ان ضخّ أموالا ضخمة في مشروع مخيّم خاص تم رفض منحه رخصة الحماية المدنية بدعوى ان المنطقة منطقة فيضانات. ويضيف عبد الجواد "كيف يمكن لمنطقة صحراوية ان تكون منطقة فيضانات « !!!

محدّثنا أشار أيضا الى مسألة لا تقلّ غرابة وهو رخصة الهواتف التي تشغتل بالأقمار الصناعية "الثريا" حيث يقول مهدي عبد الجواد أن هذه الهواتف تطالب بها مندوبيات السياحة كشرط لمنح رخص التخييم في حين تمنع استعمالها الداخلية لدواعي تتعلّق بمحاربة الإرهاب، وهنا يجد المهنيون أنفسهم محشورين في الزاوية في موقف عبثي وغير منطقي، وفق تعبيره، كما أشار عبد الجواد ان كانت هناك مبادرات فردية لمزيد المساهمة في اشعاع الصحراء كمنتوج سياحي دولي قابلا لمزيد من التسويق مثل مهرجان الهجن او سباق الابل الذي سعى وراءه احد اهم المهنيين بالجهة وهو المستثمر أحمد عبد المولى والذي قال محدثنا انه ضخّ أموالا هائلة من أجل مبادرته خاصة وأن سباق الإبل من المشاريع الرائدة في عدة دول عربية خاصة الخليجية منها ويستقطب فئة معينة من الجمهور ولكن مع ذلك واجه صعوبات ولم ير المشروع النور الى الآن.

وبالإضافة الى هذه المشاكل أشار مهدي عبد الجوار الى مشكلة المستثمرين الشبان حيث ان هناك شابة نجحت في 2016 في الحصول على تمويل سويسري لمشروع رائد في السياحة الصحراوية ولكنها واجهت صعوبات كبيرة في الحصول على رخصة وبعد ذلك عندما أمّنت المبلغ المطلوب للحصول على الترخيص سقط التمويل الأجنبي بالنظر لطول المدة وضاع المشروع وضاع حلم هذه الشابة مثلها مثل العشرات من أبناء الجهة الذين يقول عنهم مهدي عبد الجواد ان الإرادة لا تنقصهم ولكن ما ينقص هو الإيمان بقدراتهم وتثمين هذه الكفاءات التي يمكن ان تحمل السياحة الصحراوية الى مستوى اخر من التسويق ومن التميّز. ويذكر في هذا السياق قصة مستثمر استثمر أمواله في مطعم سياحي يسمّى "ديار زمان" عالي الجودة وطالب وزارة السياحة بتصنيفه، ورغم اكتمال ملفه إلا أنه منذ أكتوبر الماضي وهو يلاحق حقّه في الحصول على التصنيف دون جدوى .

وفي ختام حديثه توجّه الناشط السياسي مهدي عبد الجواد في ختام حديثه نداء الى رئيس الجمهورية قيس سعيد للتدخّل في هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي والإصغاء لمشاغل المهنيين في الجهة لأنهم لا يمثلون عالة على أحد وفق قول محدّثنا بل يضيف قائلا: "بالعكس هم يطالبون بحقهم وبأن يكونوا جزء من الحل وبأن يساهمون في النهوض الاقتصادي وفي الاستثمار وفي تطوير قطاع يمكن ان يحقق في وقت قياسي وبحلول بسيطة عائدات ضخمة للدولة".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خلف كثبان الرمال كثبان من المشاكل..   السياحة الصحراوية.. مجرّد صورة جميلة في واقع سيء !

تونس – الصباح

يتنّوع المنتوج السياحي التونسي ويختلف باختلاف الجهات والمناطق، ففي بلد بقدر ما تبدو مساحته صغيرة فان منتوجه السياحي لافت وكبير ومتنوّع ويسمح بأن تكون تونس الوجهة المفضّلة لملايين السياح حول العالم سنويا بالنظر الى ثراء هذه المنتوج وإمكانياته الهائلة وتنوّعه بما يلبّي مختلف الأذواق .

ولكن هذا المنتوج السياحي المهم والذي كان يمكن المراهنة عليه بقوّة وتحقيق عائدات ضخمة من ورائه، ما زال مكبّلا بسياسات وأفكار قديمة وبالبيروقراطية وبغياب الرؤية الإستراتيجية، فمع كل وزير جديد وكل حكومة جديدة وكل منظومة حكم قرارات وخيارات أثبتت جميعها فشلا وعجزا وخواء لأنها لم تكن سياسات طويلة الأمد بقدر ما كانت حلولا ترقيعية تعالج مشاكل الراهن ولا تنبني قطاعا قويا ولم تضخّ الروح من جديد في قطاع تهرّم ومن سنة الى أخرى يفقد إشعاعه وألقه.

إعداد منية العرفاوي 

في بداية الستينات كان قطاع السياحة من القطاعات التي راهنت عليها الدولة بقوة وهذه المراهنة وحضور الدولة القوي في الاستثمار وفي تهيئة البنية السياحية وبعث الأقطاب السياحية، جعل من السياحة أحد أهم القطاعات التي ساهمت في النهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق نجاحات كبيرة في مراحل مختلفة.

وكانت السياحة الصحراوية احد أهم المنتوجات السياحة التي راهنت عليها الدولة منذ سنوات الاستقلال الأولى وعلى مدى عقود تم الترويج لهذا المنتوج السياحي كمنتوج متفرّد واستثنائي، ولكن اليوم هذا المنتوج بات منهكا ومستنزفا كليا ويواجه المهنيون صعوبات كبيرة في الاستمرار.

في هذا الملف حاولت "الصباح" رصد بعض مشاكل قطاع السياحة الصحراوية من خلال الاستئناس بآراء المهنيين في الجهة من الذين لهم استثمارات هامة في القطاع وخبرة مهنية طويلة، في محاولة لتسليط الضوء على مساحات معتّمة في السياحة الصحراوية، أعمق وأبعد من تلك الصور الترويجية البرّاقة التي تعطي صورة مشرقة ولكنها غير حقيقية فخلف كثبان الرمال، كثبان من المشاكل .

سنوات التراجع ..

منذ أسابيع استقبل رئيس الجمهورية وزير السياحة محمد المعز بلحسين، وكان اللقاء لافتا رغم انه ومنذ إعلان إجراءات 25 جويلية لم يبد رئيس الدولة اهتماما خاصّا بالسياحة عكس الفلاحة ولكن في ذلك اللقاء بدا الرئيس قيس سعيّد مدركا للمشاكل الذي انتهى إليها القطاع ولكن مع ذلك الى الآن مازالت الإجراءات المتخذة دون الانتظارات ولم تخرج عن الإجراءات الترقيعية المعتادة التي لا تحلّ مشاكل القطاع في العمق، قال قيس سعيد أن السياحة ليست مجرد شواطئ أو أشعة شمس في السماء ولكن في المقابل لم يطرح أفكارا جديدة بشان تطوير هذه السياحة رغم أنه يؤكد أن السياحة في تونس تدر مداخيل هامة وهي تحتل المرتبة الثانية بعد التونسيين بالخارج لذلك يجب تطويرها ولكن هذا التطوير يحتاج قرارا سياديا من أعلى مستوى يغيّر ما استقر عليه الوضع منذ عقود وخلق كل أسباب الفشل. ولئن انتقد قيس سعيد بشدة ما اعتبره المظاهر المخلة بكرامة التونسيين والمتعلقة بطريقة استقبال الوفود السياحية في الموانئ، قائلا في هذا السياق "هل رأى أحد منكم في باريس أو لندن أو غيرها من الدول من يستقبل السياح بالزغاريط والرقص"، وهذا بكل تأكيد صحيح ولكن الخروج عن سياحة النمط والفلكلور يقتضي إرساء استراتيجيات وخطط جديدة تقطع مع ما سبق وبشكل نهائي وتضخ الحياة في المنتوجات السياحية الجديدة والمختلفة كالسياحة الصحراوية التي تعاني من مشاكل السياحة الصحراوية تفاقمت بعد الثورة بسبب الأحداث على الحدود الليبية إضافة إلى فرض المنطقة العازلة على الحدود والتهديدات الإرهابيّة، كما وأنّ هذه السياحة وباعتبارها سياحة شتوية تعاني من مشاكل هيكلية وتضررت بأزمة كورونا مؤخرا ولم تعد تستقطب مواطن شغل كبيرة أو تخلق حركية اقتصادية نشيطة ومتطورة وحتى المهن الصغرى المرتبطة بها تراجعت بشكل لافت.

وكل ذلك يجعل من الضروري وضع إستراتيجية متكاملة لضمان استمراريّة السياحة في الجهة طول السنة لأن العمل الموسمي يعجز أن يكون حلاّ جديّا للمشاكل الاقتصاديّة المتراكمة على غرار البطالة والفقر وحالة الانكماش التي تعرفها البلاد منذ سنوات.

والمنتوج الصحراوي الذي ينهل من البيئة والثقافة المحلية والطبيعة كان يمكن التنويع فيه بين السياحي والثقافي بشكل متزامن والترويج له بأنشطة مختلفة كاستقطاب سينمائيين لتصوير أفلام عالمية والمراهنة على جودة الخدمات ومدى استثمار الدولة في تلك الخدمات وتطوير النقل الجوّي وتحسين نوعية الخدمات الفندقية ودعم السياحة الداخلية والتخلّص من المكبّلات البيروقراطية وتطوير التشريعات بما يجعلها منسجمة مع الإيقاع السريعة لهذا النوع من المنتوج السياحي الذي يقوم على المغامرة وحبّ الاكتشاف .

وكالات الأسفار وكراس شروط بدائي

في تصريح لـ"الصباح" يقول المنصف الشتوي نائب الرئيس السابق لجامعة التونسية لوكالات الأسفار ومستثمر في قطاع السياحة الصحراوية، وعند سؤاله عن مشاكل هذا القطاع وهو الذي يشتغل به منذ حوالي 46 عاما يقول: "عندما نتحدث عن قطاع السياحة الصحراوية فان المصطلح يجب أن يعكس المعنى، فالكلمة يجب أن تدل على المعنى وتترجمه ولكن ما أعاينه وانه بعد 46 سنة من العمل في هذا القطاع، أننا نستهلك دائما في نفس الأسطوانات المشروخة.. حكومات ذهبت وحكومات أتت.. أنظمة سقطت وثورات قامت ونفس المشاكل والصعوبات يواجهها القطاع وذلك يعود بالأساس الى غياب إستراتيجية واضحة لهذا القطاع تنفّذ دون أي اعتبار لمن المسؤول أو الرئيس أو ما هي طبيعة الحكومة وتوجهاتها السياسية والأيديولوجية «.

ويضيف الشتوي: "عندما نتحدّث عن الجنوب فنحن نتحدث عن منتوجين هامين وهما السياحة الصحراوية والتمور وكلاهما في وضعية كارثية وأنا هنا أحمّل مباشرة المسؤولية للدولة التي لا تكترث أبدا لمقدرات البلاد بل وهناك مسؤولون يعبثون بهذه المقدرات، وأنا هنا لا أتحدث بشكل متشائم لأني أؤمن بأن الحلول دائما موجودة متى توفرت الإرادة، اليوم نحن نملك كل الإمكانيات التي يمكن استغلالها وتوظيفها لبناء قطاع قوي يحقق أرباحا ويحدث قفزة تنموية نوعية على المستوى الوطني والجهوي.. ولكن رغم هذه الإمكانيات فإن التعقيدات والمشاكل تتزايد من سنة الى أخرى، ولذلك أكدت أن المسألة مقترنة بضرورة وضع إستراتيجية وطنية تطرح كل المشاكل وتعالجها وتضع أهدافا واضحة وتسعى لتحقيقها، مثلا هل يمكن أن نسيّر اليوم وكالات الأسفار بكراس شروط أكل عليها الدهر وشرب، فهذه الكراس لم تعد صالحة اليوم للنهوض بالقطاع بل ساعدت في تحويله الى قطاع عشوائي يستقطب الجميع حتى من لا يملك لا الخبرة ولا الكفاءة ولا المعرفة، وهو كذلك قطاع مهمّش من سلطة الإشراف حيث لا يوجد اليوم صلب ديوان السياحة إدارة جادة تهتم بالسياحة الصحراوية، منذ أشهر تم تعيين مديرا مكلفا بملف السياحة الصحراوية ولكن أتحداهم إن كان يعلم شيئا عن هذا النوع من السياحة ! "

منصف الشتوي أشار أيضا أنهم جغرافيا تم حصر السياحة الصحراوية في مساحة معينة بالإضافة إلى فرض التراخيص في تنظيم أي رحلة سياحة مع كل ما يواجهه المهنيين في ذلك من تعقيدات، وكذلك نفس الشيء بالنسبة للهواتف المرتبطة بالأقمار الصناعية والتي يُمنع استعمالها في تونس ولكن عند طلب رخصة يتم المطالبة بها.

مندوب جديد بعد شغور لمدة أشهر ..

علي بن زايد من المستثمرين في قطاع السياحة الصحراوية وهو صاحب وكالة أسفار، ويقول في تصريح لـ"الصباح": "وكالات الأسفار بالجهة تواجه مشكل كبيرة في الحصول على تراخيص التوغّل في الصحراء، والتي كانت دائما تواجه تعقيدات وتلكؤا من الطرف الإداري رغم أن التخييم هو منتوج يحظى بنسبة ترويج كبيرة وهو عامل استقطاب مهم في السياحة الصحراوية «ويضيف محدثنا:» نحن كمهنيين بصدد مواجهة هذه الصعوبات، ولكن نحن متفائلون أن تعيين مندوب سياحة جديد في ولاية قبلي يمكن أن يحل هذه الإشكالية خاصة وان الجهة بقيت لشهور دون مندوب سياحة وهذا الشغور المتواصل لمدة طويلة خلق أزمة في القطاع، رغم أن هذا القطاع كان من القطاعات التي راهنت عليها الدولة استراتيجيا ولكن اليوم السياحة الصحراوية تواجه أزمات وصعوبات ومشاكل والتي من بينها تكدّس النفايات في المساحات الصحراوية المعدة للتخييم، وللتجوال وهو ما يؤثرّ على المنتوج السياحي ويضرّ بصورة البلاد كوجهة سياحية."

ولم يخف زايد علي زايد ان بعد ركود سنوات الكوفيد عادت السياحة الصحراوية الى استقطاب أفواج كثيرة من السياح واليوم أصبحت السفرات المباشرة من عواصم أوروبية واردة بعد أول سفرة قادمة من باريس مؤخرا.

سباق الهجن: تفكير خارج الصندوق ولكن ..

يعتبر أحمد عبد المولى من أبرز المستثمرين في السياحة الصحراوية، ومن موقعه سعى عبد المولى لتطوير المنتوج السياحي الصحراوي من خلال التفكير في مبادرات جديدة تنعش القطاع مثل سباق الهجن أو سباق الإبل، حيث راهن أحمد عبد المولى عن الفكرة وارد أن يحوّلها الى مبادرة خاصة كانت تستطيع تطوير المنتوج السياحي الصحراوي ولكن هذا المشروع الذي كان يمكن ان يكون رائدا حتى على المستوى العربي لم يرى النور أبدا..

وفي هذا السياق يقول أحمد عبد المولى في تصريح لـ"الصباح": "لا يمكن إنكار أن السياحة الصحراوية تواجه اليوم إشكاليات كبيرة، فاليوم عندما نتحدث على المستثمرين في السياحة فانه يجب التأكيد أيضا انه على الدولة أن تستثمر في البنية التحتية التي تساعد على هذا الاستثمار، فالخدمات المتوفرة اليوم للأسف لم تعد تستقطب السائح، بالإضافة الى بعض السلوكيات مثل عدم وعي المواطن بالبيئة، واستخفافهم بالإجراءات المعمول بها مثلا هناك اليوم البعض الذي يعمد الى دخول الصحراء لوحده، وفي المقابل تتشدّد الجهات المعنية في منح التراخيص لوكالات الأسفار، رغم أن الحوادث لا تقع للأفواج التي تكون تابعة لوكالات الأسفار بل لأشخاص يتعمدون دخول الصحراء بشكل فردي ودون ترخيص ولا حماية من وكالة الأسفار. «

وفي معرض حديثه عن حلمه في بعث مشروع لسباق الإبل أو الهجن قال احمد عبد المولى ان الإمكانيات الذاتية كانت متوفّرة وان شبكة العلاقات الدولية التي يملكها كانت يمكن ان تساعده بسهولة عن إنجاح هذه المبادرة، مشيرة الى كون رياضة سباق الإبل هي رياضة فريدة من نوعها ولم تعد تستقطب فقط الدول العربية بل هناك اليوم من هم مهتمون بهذه الرياضة من دول أوروبية ولكن هذا المشروع يتطلب بنية تحتية، وتدخّلا من الدولة لإنعاش قطاع تربية الإبل وكذلك لا بدّ من توفير مضمار محترف، ولكن وفق محدثنا فان كل ذلك غير متوفّر، كما أشار أحمد عبد المولى ان اهتراء البنية التحتية أو عدم توفرها يتجاوز ما يمكن توفيره لما هو موجود حيث قال منصّة مهرجان الصحراء هي بدورها اليوم آيلة للسقوط، دون اكتراث أو اهتمام بصيانتها، بما جعل مهنيي القطاع يشعرون وكأن السياحة الصحراوية غير مرغوب فيها، ويقول عبد المولى "منذ الثورة وخاصة منذ سنوات حكم الترويكا بان بالكاشف ان السياحة الصحراوية لم يعد مرغوبا فيها بل السياحة بشكل عام لم تعد تستهوي الدولة او تهتم لها وكان التوجّه وقتها نحو إنعاش الفلاحة، ورغم أن الفلاحة قطاع استراتيجي ولا يمكن التشكيك في ذلك ولكن السياحة تبقى دائما قادرة على تحريك الدورة الاقتصادية بالكامل" .

مهدي عبد الجواد لـ"الصباح": السياحة الصحراوية فقدت رهان الدولة عليها منذ سنوات وهذا ندائي للرئيس !

الناشط السياسي مهدي عبد الجواد يعتبر من الشخصيات المطلعة على مشاكل قطاع السياحة الصحراوية باعتباره ابن جهة وقريبا من مشاغل المهنيين وهو الذي يملك ملف مكتمل حول التصوّرات الممكنة للخروج بالقطاع من أزمته وفي تصريح لـ"الصباح" يقول مهدي عبد الجواد: "في البداية لا بد من الإشارة الى كون السياحة الصحراوية كانت في بداية دولة الاستقلال خيارا استراتيجيا وقد راهنت الدولة فعلا على هذا الخيار وشجّعت وجود نزل ضخمة وفارهة وكانت هناك إرادة سياسية من بورقيبة رأسا على إنجاح هذا المنتوج السياحي الصحراوي والذي يقوم على تثمين المناطق والعادات والبيئة الصحراوي التي تستهوي الكثيرين، وربما كان مهرجان الصحراء أيقونة هذا الرهان والذي لم يتردد بورقيبة في حضور دورته الأولى نهاية الستينات وذلك لتأكيد مدى الأولوية التي توليها الدولة للصحراء .

فالصحراء ليست فقط منتوجا سياحيا يمكن ترويجها بطريقة جاذبة ومثيرة للاهتمام بالنظر الى فرادة وتميّز هذا المنتوج ولكن المراهنة على تعمير الصحراء وعلى وجود حركة سياحية نشيطة هو حماية للامن القومي، حيث أن وجود حركة سياحية واقتصادية في مناطق مقفرة هو وسيلة لمقاومة شبكات الإرهاب والترهيب.

ويضيف مهدي عبد الجواد: "لكن اليوم يمكن القول بكل حسرة أن السياحة الصحراوية فقدت رهان الدولة عليها منذ سنوات لصالح ما يسمّى بالسياحة البديلة او سياحة دور الضيافة ولم يعد المستثمرين في قطاع السياحة الصحراوية يتمتعون لا بحماية ولا بتشجيع الدولة لا من حيث سياسة القروض ولا من حيث التحفيز على الاستثمار واليوم تذهب كل هذه التشجيعات الى أنواع أخرى من السياحة البديلة".

ويتحدث مهدي عبد الجواد عن بعض مشاكل الجهة والتعقيدات التي يواجهها المستثمرون في الجهة ومن رخص التخييم في الصحراء بالنسبة لوكالات الأسفار والتي تواجه الى اليوم تعقيدات بيروقراطية أضّرت كثيرا بالجهة كوجهة سياحية تسويقية حيث تخضع عملية منح هذه الرخص الى تعقيدات وكذلك التقليص في المساحات الصحراوية المستغلة للتخييم بحجة مقاومة الإرهاب، كما أشار عبد الجواد أن الراليات التي كانت جزء هام من المنتوج السياحي الصحراوي باتت تواجه اليوم صعوبات وتعقيدات وهو ما دفع لأن يتم تغيير وجهة بعض هذه الراليات التي كانت تستقطبها تونس الى دول مغاربية مجاورة تنافس اليوم بقوة على السياحة الصحراوية، ومن المناطق الصحراوية التي كانت رائدة في هذه السياحة الصحراوية والتي يواجه المستثمرون فيها مشاكل كبيرة نجد منطقة قصر غيلان التي باتت تراخيص الانتصاب في هذه المنطقة تواجه صعوبات كبرى خاصة على مستوى الرخص حيث ذكر لنا مهدي أن أحد المستثمرين وبعد ان ضخّ أموالا ضخمة في مشروع مخيّم خاص تم رفض منحه رخصة الحماية المدنية بدعوى ان المنطقة منطقة فيضانات. ويضيف عبد الجواد "كيف يمكن لمنطقة صحراوية ان تكون منطقة فيضانات « !!!

محدّثنا أشار أيضا الى مسألة لا تقلّ غرابة وهو رخصة الهواتف التي تشغتل بالأقمار الصناعية "الثريا" حيث يقول مهدي عبد الجواد أن هذه الهواتف تطالب بها مندوبيات السياحة كشرط لمنح رخص التخييم في حين تمنع استعمالها الداخلية لدواعي تتعلّق بمحاربة الإرهاب، وهنا يجد المهنيون أنفسهم محشورين في الزاوية في موقف عبثي وغير منطقي، وفق تعبيره، كما أشار عبد الجواد ان كانت هناك مبادرات فردية لمزيد المساهمة في اشعاع الصحراء كمنتوج سياحي دولي قابلا لمزيد من التسويق مثل مهرجان الهجن او سباق الابل الذي سعى وراءه احد اهم المهنيين بالجهة وهو المستثمر أحمد عبد المولى والذي قال محدثنا انه ضخّ أموالا هائلة من أجل مبادرته خاصة وأن سباق الإبل من المشاريع الرائدة في عدة دول عربية خاصة الخليجية منها ويستقطب فئة معينة من الجمهور ولكن مع ذلك واجه صعوبات ولم ير المشروع النور الى الآن.

وبالإضافة الى هذه المشاكل أشار مهدي عبد الجوار الى مشكلة المستثمرين الشبان حيث ان هناك شابة نجحت في 2016 في الحصول على تمويل سويسري لمشروع رائد في السياحة الصحراوية ولكنها واجهت صعوبات كبيرة في الحصول على رخصة وبعد ذلك عندما أمّنت المبلغ المطلوب للحصول على الترخيص سقط التمويل الأجنبي بالنظر لطول المدة وضاع المشروع وضاع حلم هذه الشابة مثلها مثل العشرات من أبناء الجهة الذين يقول عنهم مهدي عبد الجواد ان الإرادة لا تنقصهم ولكن ما ينقص هو الإيمان بقدراتهم وتثمين هذه الكفاءات التي يمكن ان تحمل السياحة الصحراوية الى مستوى اخر من التسويق ومن التميّز. ويذكر في هذا السياق قصة مستثمر استثمر أمواله في مطعم سياحي يسمّى "ديار زمان" عالي الجودة وطالب وزارة السياحة بتصنيفه، ورغم اكتمال ملفه إلا أنه منذ أكتوبر الماضي وهو يلاحق حقّه في الحصول على التصنيف دون جدوى .

وفي ختام حديثه توجّه الناشط السياسي مهدي عبد الجواد في ختام حديثه نداء الى رئيس الجمهورية قيس سعيد للتدخّل في هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي والإصغاء لمشاغل المهنيين في الجهة لأنهم لا يمثلون عالة على أحد وفق قول محدّثنا بل يضيف قائلا: "بالعكس هم يطالبون بحقهم وبأن يكونوا جزء من الحل وبأن يساهمون في النهوض الاقتصادي وفي الاستثمار وفي تطوير قطاع يمكن ان يحقق في وقت قياسي وبحلول بسيطة عائدات ضخمة للدولة".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews