إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مهى عبد الحميد: " العنصرية في تونس ليست فقط ظاهرة اجتماعية أو ثقافية بل هي بنيوية وسياسية"

 

 

تعتبر مهى عبد الحميد من الكفاءات النسائية التي ظهرت بعد جانفي 2011 من خلال المساهمة من مواقع متقدمة في حراك قام به تونسيون ذوي بشرة سوداء للفت الانتباه إلى ما يعتبرون أنه عنصرية تمارس ضدهم .ومهى عبد الحميد حاصلة على شهادة الدكتوراه في الجغرافيا الاجتماعية من جامعة باريس- نونتار ومن مؤسسي جمعية لمناهضة العنصرية ضد السود والحراك النسوي "صوت النساء التونسيات السوداوات " وهي باحثة مشاركة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس حول تاريخ ومعاش النساء السودوات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ولها مساهمات أكاديمية من خلال عديد المقالات والكتب التي نشرت في تونس وباريس.

 

+ كيف تبدو لك وضعية المرأة التونسية ومكانتها من الناحية القانونية والواقعية؟

 

× تعتبر تونس دولة تقدمية في مجال حقوق المرأة في العالم العربي والإسلامي وتعتبر مجلة الأحوال الشخصية منذ صدورها في أوت 1956 أبرز نص قانوني ينظم الحياة الاجتماعية للمرأة. هذه المكاسب لم يحسم فيها تماما وخاصة بعد الثورة وكتابة دستور 2014 الذي كاد أن يسحب مفهوم المساواة. وكان النقاش حادا بين مجلس الشعب وأغلبه حزب النهضة والحركات النسوية من أجل حقوقهن. عدل النص قبل صدوره وكانت الحركة النسوية من خلال لجنة الحريات الفردية والمساواة تنتصر بعد اقتناع الباجي قايد السبسي بضرورة المساواة في الميراث ولكنه رحل قبل تحقيق هذا المطلب النسوي الذي كانت تعارضه النهضة بشدة، يأتي سعيد في ما بعد وسال الحبر حول حقوق المرأة إثر صعوده إلى الحكم. إذ في 2020 خلال خطاب للاحتفال بعيد المرأة قال " النقاش حول الميراث خاطئ ومضلل...يجب علينا أولا أن نؤسس المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين النساء والرجال قبل الحديث عن الميراث. القرآن واضح في هذا ولا مجال التفسير " وهنا اعتبرت النسويات أنه عاد بنا إلى نقطة الصفر بعد الأشواط التي قطعت من أجل المساواة وبالتالي حتى بعد 67 عاما من صدور مجلة الأحوال الشخصية فإن النقاش حول حقوق المرأة لم يحسم.

 

ومن ناحية أخرى لا يمكن أن نقول امرأة بل هناك نساء ورغم المكتسبات السياسية والقانونية التي تحصلت عليها النساء في تونس إلا أن الطبقية كانت حاجزا بين هذه المكتسبات والنساء التونسيات. النساء مازلن يعانين من التهميش وخاصة في الجهات الداخلية والأرياف واستغلال النساء المزارعات والمعينات المنزليات...وتهميش النساء في الأحياء الشعبية حتى المجاورة منها للعاصمة منها هذا إضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر والتبعية الاقتصادية للنساء والعنف ضد المرأة إذ صرحت وزارة المرأة أنها تلقت في جويلية 2023 من خلال الخط الأخضر 733 اتصالا للتبليغ منها 216 مكالمة تتعلق بإشعارات حول العنف ضد المرأة و 517 مكالمة من أجل طلب إرشادات قانونية.

 

تتعثر التيارات النسوية في استقطاب قاعدة عريضة من النساء. بقي هذا النضال نضالا نسويا " أبيض " يضم الطبقات الاجتماعية العليا والمتعلمة نسبيا أو الوسطى أحيانا. أنا كامرأة سوداء لم أر نفسي يوما في هذا المشهد ولا أعتبر هذه المكتسبات تخصني لأنني أبقى سوداء في نظر المجتمع الذي يدعي " البياض " بالتعريف الغربي للمعنى. وبالتالي تطورت في الهامش في معزل عن هذا الحراك الذي لا أعتبره يحتوي قضايا كل النساء وخاصة مسألة العنصرية الممارسة ضد النساء السود في بلدنا تونس.

 

+ ما هي السياسات التي يتعين إتباعها لتطوير هذه المكانة قانونيا وواقعيا؟

 

× أولا يجب العمل على تغيير الفكر الذكوري فنحن رغم القوانين التي أعتبرها جزئية في حق النساء ما زلنا نتخبط في جلباب المجتمع الباترياركي. يجب أولا إدراج فكر المساواة وتدعيم قيمة المرأة ودورها في المناهج المدرسية وإصدار قوانين تجرم الحط من مكانة المرأة لأنها الجزء الذي يضمن توازن المجتمع ثم العمل على حقوقها الاقتصادية وبالتالي استقلالها المادي. ثم وخاصة لتطوير وضعية النساء يجب التوقف عن فكرة أن النساء هن كتلة واحدة متجانسة. لا غير صحيح لأنه كما قلت ليس هناك امرأة تونسية هناك نساء تونسيات وبالتالي لكل طبقة ولكل فئة انتظاراتها وطموحاتها وكذلك متطلباتها وعليه وجب الرؤى المنفتحة في الحراك النسوي وإرساء خلية تفكير تشارك فيها كل الفئات والبحث في كيفية إرساء فكر التقاطعية.

 

+ هناك جدل حول مدى تشبع المجتمع التونسي بالقيم التي تخلصه من المواقف والآراء العنصرية. كيف يبدو لك المجتمع التونسي في علاقة بالعنصرية؟

 

× أولا دعني أقول أن الجدل لم يكن ليصعد إلى السطح ولم يكن للموضوع أن يطرح على الصعيد الاجتماعي والسياسي لولا أن بعض المعنيين بالعنصرية يعني من تمارس عليهم العنصرية هم من فتحوا باب هذا الجدل من خلال سخطهم على هذه الممارسات. فالعنصرية واقع في تونس لا غبار عليه. ورأيي في هذه المسألة هو رأي كل من تمارس عليه العنصرية في مجتمعنا أو كل من له قراءة عميقة للعلاقات بين الهامش والمركز أو بين الهامشيين والمركز. العنصرية متعددة فمنها ما هو ضد المختلفين ثقافيا ودينيا ولغويا كالأمازيغ ومنها ما هو عنصرية جهوية أو ما يعبر عنه بالجهويات وهي أيضا تعتبر عنصرية باعتبار استعلاء المنتمين إلى جهات معينة على المناطق الداخلية للبلاد بل والدفع بهم في هامش الدولة الوطنية والعمل الممنهج على تكريس ذلك. لكن للحديث عن مسألة العنصرية أعتبر أن تجربتي أولا كامرأة وثانيا كسوداء وثالثا من الجنوب التونسي ومن يقول الجنوب يقول الفضاء الجغرافي المهمش ورابعا أنتمي للدرجة السفلى من الطبقة المتوسطة وهذه المعطيات مكنتني من التأمل في المركز انطلاقا من هامشي. فما فتئت أحاول فهم وتحليل ظاهرة العنصرية التي اعتبرها في وضعيتي إشكالية ومركبة وهي تنعكس على النساء اللاتي تشبهنني في هذا التعريف. هذا الفضاء لا يتسع للخوض في مظاهر وأسباب هذه العنصرية والأفكار المسبقة عن المرأة السوداء في مجتمعنا التونسي واختزال صورتها في الخادمة أو الجسد المحرك للشهوات الجنسية أو التابعة اقتصاديا واجتماعيا لمن هم في " المركز " وعموما عن تهميشها وتركها مخفية وراء ستائر المجتمع elle est invisible.

 

كلها إشكاليات أعتقد أننا لم نكتسب بعد القدرة على تفكيكها وتحليلها ومحاولة فهمها وتشبيكها مع المحاور الأساسية التي تخص النساء في تونس.

 

كلنا يعرف أن السود هم ولا شك مكون من مكونات المجتمع وقانونيا ونظريا يتمتعون بنفس حقوق كل التونسيين لكن الواقع غير ذلك. إذ تطور السود في الهامش وظلوا كذلك بالرغم مما ندعيه من مساواة بين " الأبيض " والأسود وأضع أبيض بين مضفرين لأنه لا يوجد في شمال إفريقيا والشرق او ما يعبر عنه بالمنطقة العربية " بيض" بمفهوم الرجل الأبيض الغربي.

 

السود اليوم في تونس سواء انحدروا من أجداد كانوا مستعبدين حتى القرن التاسع عشر أو أحرارا كلهم وضعوا في خانة واحدة ويحملون على عاتقهم تاريخ عبودية السود في شمال إفريقيا وكل المنطقة العربية وهذا التاريخ يعتبر سببا رئيسيا من أسباب العنصرية ضد السود اليوم وهو تاريخ لم نقرأه ولم نفكك رموزه وهو لذلك مجال للإصلاح والتصالح.

 

حراك السود ضد العنصرية الذي تكون بعد الثورة وكنت أحد عناصره هو حراك نبع من واقع اجتماعي وسياسي إذ لا نعتبر العنصرية فقط ظاهرة اجتماعية أو ثقافية بل هي بنيوية وسياسية. الحراك رج المجتمع مع أن المجتمع المدني والسياسي في تونس لم يتجاوب فعليا إلا بعد خمسة سنوات من الحراك.اليوم لنا قانون يجرم العنصرية وحدد يوم 23 جانفي كيوم وطني لذكرى منع الرق في تونس ولكنها تبقى قوانين تفتخر بها تونس ولكنها لن تغير شيئا في الواقع المعيش ما لم يقرر السود الخروج من الهامش وأخذ المبادرة ليكونوا جزءا فاعلا في مجتمعهم لا مستسلما لقمع المنظومة أو المركزيين الذين مازالوا لم يخرجوا من دورهم في تكريس التهميش. أما عن المهاجرين السود فحدث ولا حرج وكلنا يعرف ما حصل وما يحصل في حقهم في بلادنا وهو الوجه غير المشرف الذي صدّر للأسف إلى كل أنحاء العالم حول مواقفنا وارائنا العنصرية.

 

+ كيف تبدو لك وضعية المرأة التونسية المهاجرة خاصة في فرنسا؟

 

× لا يوجد قانون خاص بالنساء المهاجرات من تونس بل تخضعن إلى الاتفاقية الثنائية بين تونس وفرنسا في ما يخص الهجرة ففي 1963 وقعت اتفاقية تلزم كل العمال التونسيين بدفع الضرائب فقط في فرنسا وليس في البلدين ثم في اتفاقية مارس 1988 بين البلدين والتي نقحت في 2008 وحددت شروط الإقامة للعائلات والأفراد والطلبة والوافدين للتداوي. ويقع شيئا فشيئا التشديد على تسوية الوضعيات القانونية للمهاجرين التونسيين. أما النساء فهن كما قلت طبقات فهناك الإطارات وهناك العاملات واللاتي التحقن بفرنسا في إطار لم الشمل العائلي وأيضا اللاجئات لأسباب سياسية أو جندرية أو حماية من العنف العائلي وبالتالي تختلف أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى النساء اللاتي في وضعية غير قانونية وبالتالي تختلف أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية وما يمكن ملاحظته أن النساء المهاجرات مثابرات تشتغلن لعيش كريم كأي مهاجر وفيهن ناشطات سياسيات وفي الجمعيات إجمالا يتعين الاهتمام أكثر بالمرأة التونسية المهاجرة خاصة في ما يتعلق بجعلها موضوع بحث علمي

 

 

مهى عبد الحميد: " العنصرية في تونس ليست فقط ظاهرة اجتماعية أو ثقافية بل هي بنيوية وسياسية"

 

 

تعتبر مهى عبد الحميد من الكفاءات النسائية التي ظهرت بعد جانفي 2011 من خلال المساهمة من مواقع متقدمة في حراك قام به تونسيون ذوي بشرة سوداء للفت الانتباه إلى ما يعتبرون أنه عنصرية تمارس ضدهم .ومهى عبد الحميد حاصلة على شهادة الدكتوراه في الجغرافيا الاجتماعية من جامعة باريس- نونتار ومن مؤسسي جمعية لمناهضة العنصرية ضد السود والحراك النسوي "صوت النساء التونسيات السوداوات " وهي باحثة مشاركة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس حول تاريخ ومعاش النساء السودوات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ولها مساهمات أكاديمية من خلال عديد المقالات والكتب التي نشرت في تونس وباريس.

 

+ كيف تبدو لك وضعية المرأة التونسية ومكانتها من الناحية القانونية والواقعية؟

 

× تعتبر تونس دولة تقدمية في مجال حقوق المرأة في العالم العربي والإسلامي وتعتبر مجلة الأحوال الشخصية منذ صدورها في أوت 1956 أبرز نص قانوني ينظم الحياة الاجتماعية للمرأة. هذه المكاسب لم يحسم فيها تماما وخاصة بعد الثورة وكتابة دستور 2014 الذي كاد أن يسحب مفهوم المساواة. وكان النقاش حادا بين مجلس الشعب وأغلبه حزب النهضة والحركات النسوية من أجل حقوقهن. عدل النص قبل صدوره وكانت الحركة النسوية من خلال لجنة الحريات الفردية والمساواة تنتصر بعد اقتناع الباجي قايد السبسي بضرورة المساواة في الميراث ولكنه رحل قبل تحقيق هذا المطلب النسوي الذي كانت تعارضه النهضة بشدة، يأتي سعيد في ما بعد وسال الحبر حول حقوق المرأة إثر صعوده إلى الحكم. إذ في 2020 خلال خطاب للاحتفال بعيد المرأة قال " النقاش حول الميراث خاطئ ومضلل...يجب علينا أولا أن نؤسس المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين النساء والرجال قبل الحديث عن الميراث. القرآن واضح في هذا ولا مجال التفسير " وهنا اعتبرت النسويات أنه عاد بنا إلى نقطة الصفر بعد الأشواط التي قطعت من أجل المساواة وبالتالي حتى بعد 67 عاما من صدور مجلة الأحوال الشخصية فإن النقاش حول حقوق المرأة لم يحسم.

 

ومن ناحية أخرى لا يمكن أن نقول امرأة بل هناك نساء ورغم المكتسبات السياسية والقانونية التي تحصلت عليها النساء في تونس إلا أن الطبقية كانت حاجزا بين هذه المكتسبات والنساء التونسيات. النساء مازلن يعانين من التهميش وخاصة في الجهات الداخلية والأرياف واستغلال النساء المزارعات والمعينات المنزليات...وتهميش النساء في الأحياء الشعبية حتى المجاورة منها للعاصمة منها هذا إضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر والتبعية الاقتصادية للنساء والعنف ضد المرأة إذ صرحت وزارة المرأة أنها تلقت في جويلية 2023 من خلال الخط الأخضر 733 اتصالا للتبليغ منها 216 مكالمة تتعلق بإشعارات حول العنف ضد المرأة و 517 مكالمة من أجل طلب إرشادات قانونية.

 

تتعثر التيارات النسوية في استقطاب قاعدة عريضة من النساء. بقي هذا النضال نضالا نسويا " أبيض " يضم الطبقات الاجتماعية العليا والمتعلمة نسبيا أو الوسطى أحيانا. أنا كامرأة سوداء لم أر نفسي يوما في هذا المشهد ولا أعتبر هذه المكتسبات تخصني لأنني أبقى سوداء في نظر المجتمع الذي يدعي " البياض " بالتعريف الغربي للمعنى. وبالتالي تطورت في الهامش في معزل عن هذا الحراك الذي لا أعتبره يحتوي قضايا كل النساء وخاصة مسألة العنصرية الممارسة ضد النساء السود في بلدنا تونس.

 

+ ما هي السياسات التي يتعين إتباعها لتطوير هذه المكانة قانونيا وواقعيا؟

 

× أولا يجب العمل على تغيير الفكر الذكوري فنحن رغم القوانين التي أعتبرها جزئية في حق النساء ما زلنا نتخبط في جلباب المجتمع الباترياركي. يجب أولا إدراج فكر المساواة وتدعيم قيمة المرأة ودورها في المناهج المدرسية وإصدار قوانين تجرم الحط من مكانة المرأة لأنها الجزء الذي يضمن توازن المجتمع ثم العمل على حقوقها الاقتصادية وبالتالي استقلالها المادي. ثم وخاصة لتطوير وضعية النساء يجب التوقف عن فكرة أن النساء هن كتلة واحدة متجانسة. لا غير صحيح لأنه كما قلت ليس هناك امرأة تونسية هناك نساء تونسيات وبالتالي لكل طبقة ولكل فئة انتظاراتها وطموحاتها وكذلك متطلباتها وعليه وجب الرؤى المنفتحة في الحراك النسوي وإرساء خلية تفكير تشارك فيها كل الفئات والبحث في كيفية إرساء فكر التقاطعية.

 

+ هناك جدل حول مدى تشبع المجتمع التونسي بالقيم التي تخلصه من المواقف والآراء العنصرية. كيف يبدو لك المجتمع التونسي في علاقة بالعنصرية؟

 

× أولا دعني أقول أن الجدل لم يكن ليصعد إلى السطح ولم يكن للموضوع أن يطرح على الصعيد الاجتماعي والسياسي لولا أن بعض المعنيين بالعنصرية يعني من تمارس عليهم العنصرية هم من فتحوا باب هذا الجدل من خلال سخطهم على هذه الممارسات. فالعنصرية واقع في تونس لا غبار عليه. ورأيي في هذه المسألة هو رأي كل من تمارس عليه العنصرية في مجتمعنا أو كل من له قراءة عميقة للعلاقات بين الهامش والمركز أو بين الهامشيين والمركز. العنصرية متعددة فمنها ما هو ضد المختلفين ثقافيا ودينيا ولغويا كالأمازيغ ومنها ما هو عنصرية جهوية أو ما يعبر عنه بالجهويات وهي أيضا تعتبر عنصرية باعتبار استعلاء المنتمين إلى جهات معينة على المناطق الداخلية للبلاد بل والدفع بهم في هامش الدولة الوطنية والعمل الممنهج على تكريس ذلك. لكن للحديث عن مسألة العنصرية أعتبر أن تجربتي أولا كامرأة وثانيا كسوداء وثالثا من الجنوب التونسي ومن يقول الجنوب يقول الفضاء الجغرافي المهمش ورابعا أنتمي للدرجة السفلى من الطبقة المتوسطة وهذه المعطيات مكنتني من التأمل في المركز انطلاقا من هامشي. فما فتئت أحاول فهم وتحليل ظاهرة العنصرية التي اعتبرها في وضعيتي إشكالية ومركبة وهي تنعكس على النساء اللاتي تشبهنني في هذا التعريف. هذا الفضاء لا يتسع للخوض في مظاهر وأسباب هذه العنصرية والأفكار المسبقة عن المرأة السوداء في مجتمعنا التونسي واختزال صورتها في الخادمة أو الجسد المحرك للشهوات الجنسية أو التابعة اقتصاديا واجتماعيا لمن هم في " المركز " وعموما عن تهميشها وتركها مخفية وراء ستائر المجتمع elle est invisible.

 

كلها إشكاليات أعتقد أننا لم نكتسب بعد القدرة على تفكيكها وتحليلها ومحاولة فهمها وتشبيكها مع المحاور الأساسية التي تخص النساء في تونس.

 

كلنا يعرف أن السود هم ولا شك مكون من مكونات المجتمع وقانونيا ونظريا يتمتعون بنفس حقوق كل التونسيين لكن الواقع غير ذلك. إذ تطور السود في الهامش وظلوا كذلك بالرغم مما ندعيه من مساواة بين " الأبيض " والأسود وأضع أبيض بين مضفرين لأنه لا يوجد في شمال إفريقيا والشرق او ما يعبر عنه بالمنطقة العربية " بيض" بمفهوم الرجل الأبيض الغربي.

 

السود اليوم في تونس سواء انحدروا من أجداد كانوا مستعبدين حتى القرن التاسع عشر أو أحرارا كلهم وضعوا في خانة واحدة ويحملون على عاتقهم تاريخ عبودية السود في شمال إفريقيا وكل المنطقة العربية وهذا التاريخ يعتبر سببا رئيسيا من أسباب العنصرية ضد السود اليوم وهو تاريخ لم نقرأه ولم نفكك رموزه وهو لذلك مجال للإصلاح والتصالح.

 

حراك السود ضد العنصرية الذي تكون بعد الثورة وكنت أحد عناصره هو حراك نبع من واقع اجتماعي وسياسي إذ لا نعتبر العنصرية فقط ظاهرة اجتماعية أو ثقافية بل هي بنيوية وسياسية. الحراك رج المجتمع مع أن المجتمع المدني والسياسي في تونس لم يتجاوب فعليا إلا بعد خمسة سنوات من الحراك.اليوم لنا قانون يجرم العنصرية وحدد يوم 23 جانفي كيوم وطني لذكرى منع الرق في تونس ولكنها تبقى قوانين تفتخر بها تونس ولكنها لن تغير شيئا في الواقع المعيش ما لم يقرر السود الخروج من الهامش وأخذ المبادرة ليكونوا جزءا فاعلا في مجتمعهم لا مستسلما لقمع المنظومة أو المركزيين الذين مازالوا لم يخرجوا من دورهم في تكريس التهميش. أما عن المهاجرين السود فحدث ولا حرج وكلنا يعرف ما حصل وما يحصل في حقهم في بلادنا وهو الوجه غير المشرف الذي صدّر للأسف إلى كل أنحاء العالم حول مواقفنا وارائنا العنصرية.

 

+ كيف تبدو لك وضعية المرأة التونسية المهاجرة خاصة في فرنسا؟

 

× لا يوجد قانون خاص بالنساء المهاجرات من تونس بل تخضعن إلى الاتفاقية الثنائية بين تونس وفرنسا في ما يخص الهجرة ففي 1963 وقعت اتفاقية تلزم كل العمال التونسيين بدفع الضرائب فقط في فرنسا وليس في البلدين ثم في اتفاقية مارس 1988 بين البلدين والتي نقحت في 2008 وحددت شروط الإقامة للعائلات والأفراد والطلبة والوافدين للتداوي. ويقع شيئا فشيئا التشديد على تسوية الوضعيات القانونية للمهاجرين التونسيين. أما النساء فهن كما قلت طبقات فهناك الإطارات وهناك العاملات واللاتي التحقن بفرنسا في إطار لم الشمل العائلي وأيضا اللاجئات لأسباب سياسية أو جندرية أو حماية من العنف العائلي وبالتالي تختلف أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى النساء اللاتي في وضعية غير قانونية وبالتالي تختلف أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية وما يمكن ملاحظته أن النساء المهاجرات مثابرات تشتغلن لعيش كريم كأي مهاجر وفيهن ناشطات سياسيات وفي الجمعيات إجمالا يتعين الاهتمام أكثر بالمرأة التونسية المهاجرة خاصة في ما يتعلق بجعلها موضوع بحث علمي

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews