إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هَلْ اِنْقَضَى مُسْتَقْـبلُ القيروانِ وَجِهتِها وَفَات؟

 

لم تخرجْ القيروان على القاعدة العامّة لتأسيس المدنِ وتطوُّرِها فقد أصبحت في القرون الوسيطة من أهمّ عواصم المتوسّط يُشدُّ إليها الرّحَالُ طلبا للعلم والتحصيل بل والاستزادة

بقلم:السيّد العلاّني(*)

لمّا كان الإنسانُ غيرَ مكتفٍ بنفسِهِ في حياته اِحْتاج إلى استدعاء ضروريّاتِه من غيره ...ودَعتْ هذه المُعاوناتُ المُقْـتَسَمَةُ بين الناسِ التي لا يصحّ بقاؤهم ، ولا تتمّ حياتُهم إلاّبها ، ولا تَحْسُن معايشتُهُم إلاَّوِفْقَـهَا ،إلى تأسيسِ المُدنِ ليعاونَ بعضُهم بعْضا ويخرجُوا من التوحّش إلى التمدّن ومن التِّرحال إلى الاستقرار. فَاحْتيجَ عندئذٍ إلى وضعِ تنظيمٍ يَضْبِط العلاقاتِ بينهم، وإقامةِ منشآتٍ تضمن لهم الأمن ، وبناءِ أماكنَ يؤدّون فيها بعَض أركان دينهم ، كما يتلقّونَ بين جدرانها دُرُوسًا تقوِّمُ سلوكَهم ، وتفتحُ أمامهم سبُلَ المعرفةِ ومسالكَ العلوم. كما احْتيجَ كذلك إلى تشييد تحصيناتٍ للحماية والدفاع إنْ لزم الأمرُ. وبالمختصر كان لكلّ منحىً من مناحي الحياة البشريّة ومتطلّباتها مؤسّساتُه وهياكلُه واسْتَوْجبَ كلُّ ذلك إعمالَ النّظر لاستجلاء التصوّرات السليمة بالتوازي مع ابتكار ما يلزم التطبيقَ والممارسةَ من أدواتٍ ووسائلَ . وبهذا المعنى تكون المدينةُ قد خرجت عن كَوْنِها كتلةً من الموادَّ المتّسقةِ المتماسكةِ ، وشبكةً من طرقاتٍ ودروبٍ وأزقّةٍ تتقاطع فيُفْضي بعضها إلى بعضٍ ، إلى كَوْنِها كائنا فكريّا يختزل جملة المبادئِ والتصوّراتِ الجامعةِ بين سكّانها التي يعتقدون في صَوَابِها وتتأسّس عليها هويَّتُهم ويفاخرون بها غيرَهم.

        لم تخرجْ القيروان على هذه القاعدة العامّة لتأسيس المدنِ وتطوُّرِها فقد أصبحت في القرون الوسيطة من أهمّ عواصم المتوسّط يُشدُّ إليها الرّحَالُ طلبا للعلم والتحصيل بل والاستزادة أيْضا فتميّزت بمدارسَ أربعٍ لكلّ منها أساتذتها وتلاميذها يشهد بذلك دارسو الحضارة الإسلاميّةِ عربًا وأعاجمَ ، شرقيّين وغربييّن، أولاها مدرسةٌ فقهيّةٌ مالكيّةٌ و ثانيتُها مدرسةٌ أدبيّة ٌوثالثتها مدرسة طبيّة ورابعتها مدرسة معماريّةٌ ولمن شاء التوسّع والتدقيق في هذه المجالات فَلَهُ أنْ يعودَ إلى كتب المتخصّصين ودراساتهم التي لا يحيط بها عدّ وحصر.

لكن ما الدّاعي إلى التذكير بمسلّماتٍ لا تغيب عن ذاكرة أيِّ إفريقيّ ينتهي إلى سمعه صوت المؤذِّنِ ينادي للصلاة خمس مرّات في اليوم من الفجرِ إلى الليل ؟ وما الدّافع الكامن وراء هذا الكلام ؟ أَليْسَ في ذلك ضَرْبٌ من تعصُّبٍ وحَميّةٍ عاطفيّة؟ قد يكون !فَـالذاتيّةُ تتسلَّلُ إلى كلِّ نصٍّ حتّى وإنْ قصدَ منشؤُه التهرّبَ منها قصدا فهيَ ذنبٌ من ذنوب الإنسانِ لا يفارقهُ. لكنّ السّبب المباشرَ لإرسال هذا الكلامِ هو تلك اللقاءات التي تعقدها " جمعيّة القيروان بيت الحكمة" ورئيسها السيّد "محسن بالرجب" صبيحة كلّ أحد فيما يشبهُ المجلس يضمّ ثلّةً من "شباب القرن العشرين" يتطارحون فيه محورا من محاور التنمية في جهة القيروان إذْ القيروان كما ألْمحنا اسمٌ رامزٌ لإفريقية المسلمة كلّها. يفعلون ذلك لا طمعًافي منصبٍ فكلّهم ممّن تقطّعت سراويلُهم على كراسي المسؤوليّةِ ولا لهْثا وراء مجدٍ قدْ يزيدهم حيْثيةً تعزّز مقامَهم الاجتماعيَّ إذْ قد يفاجؤون بعكس ذلك تماما بل هم يفعلون ذلك لأنّهم على يقينٍ بأنّ الإداريَّ في أدارتهِ ليسَ محمولاً عليه التفكيرُ في مسائل التنمية ومعوقاتها وسبل تجاوزها بقدر ما عليه أنْ ينجزَ المطلوبَ منه حسب اللّوائحِ الإداريّة والقوانين الجاري بها العمل أمّا السّياسيّ فغالبًا ما يكون مشغولاً بإرضاء ناخبيه لا سيًّما وقد أصبح بإمكانهم سحبُ الوكالةِ منه متى اتّفقً منهم على ذلك عددٌ ضبطه القانون وأمّا المجالسُ محليّةً كانت أو جهويّةً أو وطنيّةً فلاتزال في طور النشأةِ والتكوينِ وحتّى إنْ هيَ اِكْتَمَلَتْ وقامت فإنْ لم تجد أمامها وبين أيديها ملفّاتٍ موضوعيّةً واقتراحاتٍ عمليّةً قابلةً للتحقيق فسيضيع وقتٌ طويلٌوَ يتبدّد الأملُ في التنمية قبل أنْ ترصد هذه المجالسُ نقائصَ الجِهةِ وتُرَتِّبها حسب الأولويّة وتصنّفها بين حاجات الإقليمِ والإمكانيّات المتاحةِ فَسَدُّ هذا الفراغَ وصوغ مقترحات مَثّلَ بالنسبة إلى مجالس الأحدِ هدفًا أوّل ثمّ إنّ دافعًا آخَر حَفّزَ "شباب القرنِ الماضي" على التلاقي بتمثّل في البحث عن أصلِ داءِ هذا الوضع البائس لجهة الوسطِ الغربيِّ بكامله. فالسياحةُ ومؤسّساتها تكاد تكون غائبة أو هي غائبة بالفعل والفلاحة تعاني من شحّ المياه وانعدام المسالك الفلاحيّة وغلاء كلفة الانتاج ومشاكل أخرى عديدة يعرفها أهل القطاع وفروعه و قسْ على ذلك مجالاتِ التنميةِ كلِّها.

 وبالفعل فقد وَقَفوا على عواملَ عديدةٍ تكمن وراء هذا الوضع المُزْرِي بعضُها ذاتيٌّ متعلّق بالمنطقة وأهلِها وبعضُها موضوعيّ يرجعُ إلى الاختياراتِ الوطنيّةِ وبمفهومِ التنميةِ وخلطِه بالفكر الاستثماريّ الربحيِّ الذي لا يخرجُ عن حَدّيْ الربحِ والخسارةِ تحت شعار "أدنى مجهود وأعلى كسب" .

ولفهمٍ أعمق للمسائل التي يتَطَارَحُونَها دَعَوْا الأستاذ ابراهيم شبّوح الذي تحدّث عن الثراء التراثيّ المميّز للقيروان وجِهَتها ما أهّلها للتسجيل على قائمة التراث العالميّ منذُ عقودٍ وبيّن طرق صيانة التراث والمحافظة عليه وتجويدِ أشكال تقديمهِ كما دَعَوْا السيّد المندوب الجهوي للسياحةِ فقدّم هياكل وزارة السياحة ومهامّها و جملة القوانينِ الضابطة لهذا المجال التنمويّ الهامّ كما استضاف المجلسُ رئيس الفضاء الجهويّ للمبادرة لتفصيل المحفّزاتِ التي وضعتها الدولةُ لتشجيع شباب القرن الحادي والعشرين على التكوين والانتصاب للحساب الخاصّ كما استضاف المجلس في إحدى جلساتِه خبراء متمرّسين في السياحةِ فعدّدوا المعوقات الحقيقيّة للتنميَةِ السياحيّة في الجهة أمّا في مجلس الأحد الماضي فقد استضاف المجلس الدكتورة مُنَى طعم اللّـه التي قدّمت دراستَها العلميّةَ حول نقاط قوّة معتمديّة الوسلاتيّة من ولاية القيروان لإنعاش سياحةٍ إيكولوجيّة وثقافيّة من الممكن أنْ تكونَ معينا لا ينضب في جلبِ استثمارات جدِيّة للمنطقة إذا خلصت النيّة وتوفّرت الشروط ودون أنْ نذكر ما تَوَصّلوا إليه من مقترحات قد تُعْرَضُ في القادم من الإيّام على أنظار جلسةٍ عامّةٍ مفتوحةٍ على نقاشٍ عامٍّ لا شكّ أنّه يثريها ويُدقِّقها لكنّ في انتظار هذه الجلسة يمكن من الآنتأكيدُ المفارقة التي وقف عليها المساهمون في مجالس الأحدِ التي يَتَمَثّلُ طرفُها الأوّلُ في صيت الجهة عالميّا بزيتها وَزَيْتُـونِها وإكليلها وَزَعْتَرِها وعسلها ومواقعها التاريخيّة وثراء معالمها التراثيّة وطرفُها الثاني ضعفٌ لافتٌ في عددِ السّواح والزوّارِ عدا في مناسبةِ المولدِ النبويّ الشريفِ التي يتوافد فيها على القيروان المدينة دون سواها وفي أيّامٍ معدوداتٍ قليلةٍ جموعٌ غفيرةٌ من التونسيينّ معظمُهم من متوسّطي الحال والملاحظة الثانية التي تقتضي الجرْأةُ التذكيرُ بها وإنْ غضب البعض المتمثّلةُ في قاعدة تجري مجرى القانون العامّ الذي يَصْدُقُ على كلِّ جهةٍ وكلّ مدينةٍ بل و كلِّ تجمّعٍ سَكَنِيٍّ وهي أنّه لا تنميةً حقيقيّةً ما لم يتخلّى سكّان هذه الجهات عن الركود والاستسلامِ والاِكتفاءِ بسرد بكائيّةٍ على ماضٍ مجيدٍ لا يعودُ وتعديد ما اِنثَالَ عليْهم من مناحس فذلك لا يغيّر من الواقعِ شيئا إنْ لم يزدْه على كآبته كآبةً تُحْبِط العزائم وتخمد الحسَّ فلعلّ مثلَ هذه اللقاءات تنقذُ ما بقيَ فيها من رَمَقٍ وتَبْعَثُ فيها بعضَ ازدهاركي تستعدّ استعدادا يليق بذكرى مرور أربعة عشر قرنا هجريّا على تأْسيس أوِّلِ محرابٍ في إفريقيّة المسلمةِ فيُجنّب أهلها الإقدامَ على الهجرةِ والانتحارِ وَينقذهم ممّا يترتّب على ذلك من فَـواجِعَ. أَم هل ترانا عشنا مستقبلنا ولم يبق لنا إلاّ أنْ نستقبلَ ماضينا ونُصْغي إلى صوت ناعينا يهجس داخلنا.

                                                                      *مستشار ثقافي سابق/ مسرحيّ

 

هَلْ اِنْقَضَى مُسْتَقْـبلُ القيروانِ وَجِهتِها وَفَات؟

 

لم تخرجْ القيروان على القاعدة العامّة لتأسيس المدنِ وتطوُّرِها فقد أصبحت في القرون الوسيطة من أهمّ عواصم المتوسّط يُشدُّ إليها الرّحَالُ طلبا للعلم والتحصيل بل والاستزادة

بقلم:السيّد العلاّني(*)

لمّا كان الإنسانُ غيرَ مكتفٍ بنفسِهِ في حياته اِحْتاج إلى استدعاء ضروريّاتِه من غيره ...ودَعتْ هذه المُعاوناتُ المُقْـتَسَمَةُ بين الناسِ التي لا يصحّ بقاؤهم ، ولا تتمّ حياتُهم إلاّبها ، ولا تَحْسُن معايشتُهُم إلاَّوِفْقَـهَا ،إلى تأسيسِ المُدنِ ليعاونَ بعضُهم بعْضا ويخرجُوا من التوحّش إلى التمدّن ومن التِّرحال إلى الاستقرار. فَاحْتيجَ عندئذٍ إلى وضعِ تنظيمٍ يَضْبِط العلاقاتِ بينهم، وإقامةِ منشآتٍ تضمن لهم الأمن ، وبناءِ أماكنَ يؤدّون فيها بعَض أركان دينهم ، كما يتلقّونَ بين جدرانها دُرُوسًا تقوِّمُ سلوكَهم ، وتفتحُ أمامهم سبُلَ المعرفةِ ومسالكَ العلوم. كما احْتيجَ كذلك إلى تشييد تحصيناتٍ للحماية والدفاع إنْ لزم الأمرُ. وبالمختصر كان لكلّ منحىً من مناحي الحياة البشريّة ومتطلّباتها مؤسّساتُه وهياكلُه واسْتَوْجبَ كلُّ ذلك إعمالَ النّظر لاستجلاء التصوّرات السليمة بالتوازي مع ابتكار ما يلزم التطبيقَ والممارسةَ من أدواتٍ ووسائلَ . وبهذا المعنى تكون المدينةُ قد خرجت عن كَوْنِها كتلةً من الموادَّ المتّسقةِ المتماسكةِ ، وشبكةً من طرقاتٍ ودروبٍ وأزقّةٍ تتقاطع فيُفْضي بعضها إلى بعضٍ ، إلى كَوْنِها كائنا فكريّا يختزل جملة المبادئِ والتصوّراتِ الجامعةِ بين سكّانها التي يعتقدون في صَوَابِها وتتأسّس عليها هويَّتُهم ويفاخرون بها غيرَهم.

        لم تخرجْ القيروان على هذه القاعدة العامّة لتأسيس المدنِ وتطوُّرِها فقد أصبحت في القرون الوسيطة من أهمّ عواصم المتوسّط يُشدُّ إليها الرّحَالُ طلبا للعلم والتحصيل بل والاستزادة أيْضا فتميّزت بمدارسَ أربعٍ لكلّ منها أساتذتها وتلاميذها يشهد بذلك دارسو الحضارة الإسلاميّةِ عربًا وأعاجمَ ، شرقيّين وغربييّن، أولاها مدرسةٌ فقهيّةٌ مالكيّةٌ و ثانيتُها مدرسةٌ أدبيّة ٌوثالثتها مدرسة طبيّة ورابعتها مدرسة معماريّةٌ ولمن شاء التوسّع والتدقيق في هذه المجالات فَلَهُ أنْ يعودَ إلى كتب المتخصّصين ودراساتهم التي لا يحيط بها عدّ وحصر.

لكن ما الدّاعي إلى التذكير بمسلّماتٍ لا تغيب عن ذاكرة أيِّ إفريقيّ ينتهي إلى سمعه صوت المؤذِّنِ ينادي للصلاة خمس مرّات في اليوم من الفجرِ إلى الليل ؟ وما الدّافع الكامن وراء هذا الكلام ؟ أَليْسَ في ذلك ضَرْبٌ من تعصُّبٍ وحَميّةٍ عاطفيّة؟ قد يكون !فَـالذاتيّةُ تتسلَّلُ إلى كلِّ نصٍّ حتّى وإنْ قصدَ منشؤُه التهرّبَ منها قصدا فهيَ ذنبٌ من ذنوب الإنسانِ لا يفارقهُ. لكنّ السّبب المباشرَ لإرسال هذا الكلامِ هو تلك اللقاءات التي تعقدها " جمعيّة القيروان بيت الحكمة" ورئيسها السيّد "محسن بالرجب" صبيحة كلّ أحد فيما يشبهُ المجلس يضمّ ثلّةً من "شباب القرن العشرين" يتطارحون فيه محورا من محاور التنمية في جهة القيروان إذْ القيروان كما ألْمحنا اسمٌ رامزٌ لإفريقية المسلمة كلّها. يفعلون ذلك لا طمعًافي منصبٍ فكلّهم ممّن تقطّعت سراويلُهم على كراسي المسؤوليّةِ ولا لهْثا وراء مجدٍ قدْ يزيدهم حيْثيةً تعزّز مقامَهم الاجتماعيَّ إذْ قد يفاجؤون بعكس ذلك تماما بل هم يفعلون ذلك لأنّهم على يقينٍ بأنّ الإداريَّ في أدارتهِ ليسَ محمولاً عليه التفكيرُ في مسائل التنمية ومعوقاتها وسبل تجاوزها بقدر ما عليه أنْ ينجزَ المطلوبَ منه حسب اللّوائحِ الإداريّة والقوانين الجاري بها العمل أمّا السّياسيّ فغالبًا ما يكون مشغولاً بإرضاء ناخبيه لا سيًّما وقد أصبح بإمكانهم سحبُ الوكالةِ منه متى اتّفقً منهم على ذلك عددٌ ضبطه القانون وأمّا المجالسُ محليّةً كانت أو جهويّةً أو وطنيّةً فلاتزال في طور النشأةِ والتكوينِ وحتّى إنْ هيَ اِكْتَمَلَتْ وقامت فإنْ لم تجد أمامها وبين أيديها ملفّاتٍ موضوعيّةً واقتراحاتٍ عمليّةً قابلةً للتحقيق فسيضيع وقتٌ طويلٌوَ يتبدّد الأملُ في التنمية قبل أنْ ترصد هذه المجالسُ نقائصَ الجِهةِ وتُرَتِّبها حسب الأولويّة وتصنّفها بين حاجات الإقليمِ والإمكانيّات المتاحةِ فَسَدُّ هذا الفراغَ وصوغ مقترحات مَثّلَ بالنسبة إلى مجالس الأحدِ هدفًا أوّل ثمّ إنّ دافعًا آخَر حَفّزَ "شباب القرنِ الماضي" على التلاقي بتمثّل في البحث عن أصلِ داءِ هذا الوضع البائس لجهة الوسطِ الغربيِّ بكامله. فالسياحةُ ومؤسّساتها تكاد تكون غائبة أو هي غائبة بالفعل والفلاحة تعاني من شحّ المياه وانعدام المسالك الفلاحيّة وغلاء كلفة الانتاج ومشاكل أخرى عديدة يعرفها أهل القطاع وفروعه و قسْ على ذلك مجالاتِ التنميةِ كلِّها.

 وبالفعل فقد وَقَفوا على عواملَ عديدةٍ تكمن وراء هذا الوضع المُزْرِي بعضُها ذاتيٌّ متعلّق بالمنطقة وأهلِها وبعضُها موضوعيّ يرجعُ إلى الاختياراتِ الوطنيّةِ وبمفهومِ التنميةِ وخلطِه بالفكر الاستثماريّ الربحيِّ الذي لا يخرجُ عن حَدّيْ الربحِ والخسارةِ تحت شعار "أدنى مجهود وأعلى كسب" .

ولفهمٍ أعمق للمسائل التي يتَطَارَحُونَها دَعَوْا الأستاذ ابراهيم شبّوح الذي تحدّث عن الثراء التراثيّ المميّز للقيروان وجِهَتها ما أهّلها للتسجيل على قائمة التراث العالميّ منذُ عقودٍ وبيّن طرق صيانة التراث والمحافظة عليه وتجويدِ أشكال تقديمهِ كما دَعَوْا السيّد المندوب الجهوي للسياحةِ فقدّم هياكل وزارة السياحة ومهامّها و جملة القوانينِ الضابطة لهذا المجال التنمويّ الهامّ كما استضاف المجلسُ رئيس الفضاء الجهويّ للمبادرة لتفصيل المحفّزاتِ التي وضعتها الدولةُ لتشجيع شباب القرن الحادي والعشرين على التكوين والانتصاب للحساب الخاصّ كما استضاف المجلس في إحدى جلساتِه خبراء متمرّسين في السياحةِ فعدّدوا المعوقات الحقيقيّة للتنميَةِ السياحيّة في الجهة أمّا في مجلس الأحد الماضي فقد استضاف المجلس الدكتورة مُنَى طعم اللّـه التي قدّمت دراستَها العلميّةَ حول نقاط قوّة معتمديّة الوسلاتيّة من ولاية القيروان لإنعاش سياحةٍ إيكولوجيّة وثقافيّة من الممكن أنْ تكونَ معينا لا ينضب في جلبِ استثمارات جدِيّة للمنطقة إذا خلصت النيّة وتوفّرت الشروط ودون أنْ نذكر ما تَوَصّلوا إليه من مقترحات قد تُعْرَضُ في القادم من الإيّام على أنظار جلسةٍ عامّةٍ مفتوحةٍ على نقاشٍ عامٍّ لا شكّ أنّه يثريها ويُدقِّقها لكنّ في انتظار هذه الجلسة يمكن من الآنتأكيدُ المفارقة التي وقف عليها المساهمون في مجالس الأحدِ التي يَتَمَثّلُ طرفُها الأوّلُ في صيت الجهة عالميّا بزيتها وَزَيْتُـونِها وإكليلها وَزَعْتَرِها وعسلها ومواقعها التاريخيّة وثراء معالمها التراثيّة وطرفُها الثاني ضعفٌ لافتٌ في عددِ السّواح والزوّارِ عدا في مناسبةِ المولدِ النبويّ الشريفِ التي يتوافد فيها على القيروان المدينة دون سواها وفي أيّامٍ معدوداتٍ قليلةٍ جموعٌ غفيرةٌ من التونسيينّ معظمُهم من متوسّطي الحال والملاحظة الثانية التي تقتضي الجرْأةُ التذكيرُ بها وإنْ غضب البعض المتمثّلةُ في قاعدة تجري مجرى القانون العامّ الذي يَصْدُقُ على كلِّ جهةٍ وكلّ مدينةٍ بل و كلِّ تجمّعٍ سَكَنِيٍّ وهي أنّه لا تنميةً حقيقيّةً ما لم يتخلّى سكّان هذه الجهات عن الركود والاستسلامِ والاِكتفاءِ بسرد بكائيّةٍ على ماضٍ مجيدٍ لا يعودُ وتعديد ما اِنثَالَ عليْهم من مناحس فذلك لا يغيّر من الواقعِ شيئا إنْ لم يزدْه على كآبته كآبةً تُحْبِط العزائم وتخمد الحسَّ فلعلّ مثلَ هذه اللقاءات تنقذُ ما بقيَ فيها من رَمَقٍ وتَبْعَثُ فيها بعضَ ازدهاركي تستعدّ استعدادا يليق بذكرى مرور أربعة عشر قرنا هجريّا على تأْسيس أوِّلِ محرابٍ في إفريقيّة المسلمةِ فيُجنّب أهلها الإقدامَ على الهجرةِ والانتحارِ وَينقذهم ممّا يترتّب على ذلك من فَـواجِعَ. أَم هل ترانا عشنا مستقبلنا ولم يبق لنا إلاّ أنْ نستقبلَ ماضينا ونُصْغي إلى صوت ناعينا يهجس داخلنا.

                                                                      *مستشار ثقافي سابق/ مسرحيّ

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews