إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هيهات منّا الذلّة، فلسطين لنا جيل بعد جيل

 

 

كل المحاولات التي تستهدف إبعاد فلسطين عن الفكر العربي والوطني مصيرها الفشل لان في رصيد نضالات شعبنا ما يدحضها وينفيها

بقلم:فتحي الشروندي (*)

 مع الهبة الشعبية التي اخترقت الشارع التونسي نصرة لفلسطين وشعبها الأبي الذي بقي وحيدا يصارع من اجل شرف الأمة العربية غطرسة الصهيونية مدعومة من كواليس السياسة المتحكمة في القرار الدولي وأساطيل جيوش العالم ومختبراتها العسكرية والمخابراتية، برزت بعض أصوات النشاز في الوسط الإعلامي والثقافي لتعلن مواقف تساوي بين الجلاد والضحية في صراع الوجود الدائر على ارض فلسطين.

 فأي حال يلتقي ويتعادل الحق المشروع مع الاغتصاب وتشريد شعب بأكمله وتهجيره من منبته وارض أجداده عبر التاريخ الطويل؟

 والمتأمل في تاريخ الصراع العربي الصهيوني لم يكن غريبا إصدار هذه المواقف إذ أنها بوعي أو دون وعي من أصحابها مثلت أبرز أسلحة الاختراق التي تبنتها الصهيوينة لشق الإجماع العربي على مستوى النظام السياسي وتجزئة الصراع ما بين فلسطيني وسوري ومصري ولبناني وحصر القضية في بعدها الاحادي وهي "فلسطين مشكلة تهم الفلسطينيين دون سواهم".

 وفعلا ما يلاحظ اليوم ان النظام العربي الرسمي ساير هذه الفكرة منذ أن جر منظمة التحرير الفلسطينية إلى مربع الخضوع والاستسلام كما فعل بنو اسرائيل مع موسى عليه السلام حين قالوا " فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰاتِلَآ إِنَّا هَٰاهُنَا قَٰاعِدُونَ"سورة المائدة الآية 24.

 وان كان هذا الفعل قد يجد ما يبرره في الأنظمة الحاكمة الآن انه يبدو أكثر خطورة حينما يتداول وتسعى بعض الأوساط الثقافية إلى إقراره لأنه يندرج ضمن سياقات التسطيح والترذيل والتذيل واختراق العقل العربي.ومع الهرولة المعلنة والصريحة نحو التطبيع من اغلب العواصم العربية (الاستثناء تونس وبعض دول الممانعة وتحديدا الجزائر وسوريا وليبيا..)، انتشر شقان على الساحة العربية: شق تحول إلى منظر للواقعية كمرادف للخنوع والاستسلام والتعاطي مع "اسرائيل" كظاهرة نهائية لا يمكن تجاوزها أو تغييرها بل من العبث محاولة ذلك لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. وشق يرى أن الواقعية الحقيقية هي التي لا تنكر معطيات الواقع وتميز بين الحق ونقيضه فتعمل تحت شعار "التحرك بما هو متاح" من اجل ديمومة الحق ومساندة أصحابه بما يتوافق ومصالح الأمة وشعوبها ضمن رؤية إنسانية شاملة لا تستثني الخصوصيات الحضارية والثقافية والحقوق المشروعة التي تكفلها الشرائع السماوية والوقائع التاريخية والنصوص القانونية الدولية.

 إننا ما كنا لنكتب عن الهرولة التي تشق صفوف المثقفين العرب نحو الفرنسة والأمركة وهو أمر منتشر منذ تعرض الدول العربية إلى الاستعمار، أما وقد وصل الأمر إلى الصراع مع الصهيونية ومحاولة التطبيع معها فان ذلك يدعو إلى الاصداع بالحقيقة وكشف من يسعى إلى محاولات التأثير على الجماهير العربية وجرها نحو القبول بما لا ينسجم مع ارثها النضالي والتاريخي تحت ذريعة الواقعية والعقلانية والتعامل الحضاري الإنساني.

 واتى الرد مزلزلا في هذا الشعب الأصيل الذي خرج على الأقدام منذ اغتصاب فلسطين وكانت له وقفات عز ودك العدو في ارض فلسطين من الشهداء ميلود بن الناجح نومة من سيدي مخلوف بولاية مدنين وعمران كيلاني مقدمي من قفصة وعمر قطاط من صفاقس وانتهاء بالشهيد محمد الزواري، فتزينت الشوارع والملاعب والمؤسسات التربوية والثقافية بأعلام فلسطين وتنادت حناجر الأجيال الجديدة بان الحق الفلسطيني لن يموت.

 وحوصلة القول إن كل المحاولات التي تستهدف إبعاد فلسطين عن الفكر العربي والوطني مصيرها الفشل لان في رصيد نضالات شعبنا ما يدحضها وينفيها. إذ سيحتفظ التاريخ لهذه الأرض الطيبة مواقفها الدبلوماسية المشرفة التي تعلنها بأعلى صوتها بان تونس نصيرة قضايا الحق والعدل وفي مقدمتها فلسطين. وسيتوارث بناتها وأبناؤها قولة الإمام الحسين لما قابل جيش يزيد بن معاوية هيهات منّا الذلّة، ففلسطين لنا جيل بعد جيل ولو كثر المطبعون والسماسرة وبائعو الأوطان. وشكرا للمقاومة الفلسطينية التي كسرت الطوق والحصار ليعود الوهج الى فلسطين وتتصدر أخبارها المشهد الدولي تجسم بالمسيرات الحاشدة في كل اصقاع العالم من الولايات المتحدة الى لندن وباريس وسكوتلندا واسبانيا بل وصل الأمر في جمهورية سوفياتية سابقة تسمى داغستان إلى طرد اسرائيليين وإرجاعهم في المطار إلى الطائرة التي أتت بهم.

 ويبقى التطبيع موقفا لا يحتاج إلى نصوص قانونية لأنه قرار ينبع من حوار ونقاش عقلاني يأخذ وقته في الفضاء العمومي التقليدي أو الافتراضي. فأي قرار سياسي خاصة يخضع إلى واجهتين إما التفاهم والتوافق وان كان في جزء منه متواطئا لكسب منافع أو رفض نقدي وان كان جزء منه أيضا متواطئا ضمن مسار التبعية وعدم الإدراك والفهم لتحقيق مكاسب سياسية أو منفعة شخصية. والحالة تلك فان الجدل المطروح الآن في تونس حول التطبيع قد حقق المراد منه لكنه لا يجب أن يذهب إلى ابعد من ذلك لان مآلاته خطيرة على البلد سيعزله سياسيا حتما على الصعيد الدولي وربما أكثر من ذلك بكثير.

*صحفي تونسي

 

 

 

 

هيهات منّا الذلّة، فلسطين لنا جيل بعد جيل

 

 

كل المحاولات التي تستهدف إبعاد فلسطين عن الفكر العربي والوطني مصيرها الفشل لان في رصيد نضالات شعبنا ما يدحضها وينفيها

بقلم:فتحي الشروندي (*)

 مع الهبة الشعبية التي اخترقت الشارع التونسي نصرة لفلسطين وشعبها الأبي الذي بقي وحيدا يصارع من اجل شرف الأمة العربية غطرسة الصهيونية مدعومة من كواليس السياسة المتحكمة في القرار الدولي وأساطيل جيوش العالم ومختبراتها العسكرية والمخابراتية، برزت بعض أصوات النشاز في الوسط الإعلامي والثقافي لتعلن مواقف تساوي بين الجلاد والضحية في صراع الوجود الدائر على ارض فلسطين.

 فأي حال يلتقي ويتعادل الحق المشروع مع الاغتصاب وتشريد شعب بأكمله وتهجيره من منبته وارض أجداده عبر التاريخ الطويل؟

 والمتأمل في تاريخ الصراع العربي الصهيوني لم يكن غريبا إصدار هذه المواقف إذ أنها بوعي أو دون وعي من أصحابها مثلت أبرز أسلحة الاختراق التي تبنتها الصهيوينة لشق الإجماع العربي على مستوى النظام السياسي وتجزئة الصراع ما بين فلسطيني وسوري ومصري ولبناني وحصر القضية في بعدها الاحادي وهي "فلسطين مشكلة تهم الفلسطينيين دون سواهم".

 وفعلا ما يلاحظ اليوم ان النظام العربي الرسمي ساير هذه الفكرة منذ أن جر منظمة التحرير الفلسطينية إلى مربع الخضوع والاستسلام كما فعل بنو اسرائيل مع موسى عليه السلام حين قالوا " فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰاتِلَآ إِنَّا هَٰاهُنَا قَٰاعِدُونَ"سورة المائدة الآية 24.

 وان كان هذا الفعل قد يجد ما يبرره في الأنظمة الحاكمة الآن انه يبدو أكثر خطورة حينما يتداول وتسعى بعض الأوساط الثقافية إلى إقراره لأنه يندرج ضمن سياقات التسطيح والترذيل والتذيل واختراق العقل العربي.ومع الهرولة المعلنة والصريحة نحو التطبيع من اغلب العواصم العربية (الاستثناء تونس وبعض دول الممانعة وتحديدا الجزائر وسوريا وليبيا..)، انتشر شقان على الساحة العربية: شق تحول إلى منظر للواقعية كمرادف للخنوع والاستسلام والتعاطي مع "اسرائيل" كظاهرة نهائية لا يمكن تجاوزها أو تغييرها بل من العبث محاولة ذلك لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. وشق يرى أن الواقعية الحقيقية هي التي لا تنكر معطيات الواقع وتميز بين الحق ونقيضه فتعمل تحت شعار "التحرك بما هو متاح" من اجل ديمومة الحق ومساندة أصحابه بما يتوافق ومصالح الأمة وشعوبها ضمن رؤية إنسانية شاملة لا تستثني الخصوصيات الحضارية والثقافية والحقوق المشروعة التي تكفلها الشرائع السماوية والوقائع التاريخية والنصوص القانونية الدولية.

 إننا ما كنا لنكتب عن الهرولة التي تشق صفوف المثقفين العرب نحو الفرنسة والأمركة وهو أمر منتشر منذ تعرض الدول العربية إلى الاستعمار، أما وقد وصل الأمر إلى الصراع مع الصهيونية ومحاولة التطبيع معها فان ذلك يدعو إلى الاصداع بالحقيقة وكشف من يسعى إلى محاولات التأثير على الجماهير العربية وجرها نحو القبول بما لا ينسجم مع ارثها النضالي والتاريخي تحت ذريعة الواقعية والعقلانية والتعامل الحضاري الإنساني.

 واتى الرد مزلزلا في هذا الشعب الأصيل الذي خرج على الأقدام منذ اغتصاب فلسطين وكانت له وقفات عز ودك العدو في ارض فلسطين من الشهداء ميلود بن الناجح نومة من سيدي مخلوف بولاية مدنين وعمران كيلاني مقدمي من قفصة وعمر قطاط من صفاقس وانتهاء بالشهيد محمد الزواري، فتزينت الشوارع والملاعب والمؤسسات التربوية والثقافية بأعلام فلسطين وتنادت حناجر الأجيال الجديدة بان الحق الفلسطيني لن يموت.

 وحوصلة القول إن كل المحاولات التي تستهدف إبعاد فلسطين عن الفكر العربي والوطني مصيرها الفشل لان في رصيد نضالات شعبنا ما يدحضها وينفيها. إذ سيحتفظ التاريخ لهذه الأرض الطيبة مواقفها الدبلوماسية المشرفة التي تعلنها بأعلى صوتها بان تونس نصيرة قضايا الحق والعدل وفي مقدمتها فلسطين. وسيتوارث بناتها وأبناؤها قولة الإمام الحسين لما قابل جيش يزيد بن معاوية هيهات منّا الذلّة، ففلسطين لنا جيل بعد جيل ولو كثر المطبعون والسماسرة وبائعو الأوطان. وشكرا للمقاومة الفلسطينية التي كسرت الطوق والحصار ليعود الوهج الى فلسطين وتتصدر أخبارها المشهد الدولي تجسم بالمسيرات الحاشدة في كل اصقاع العالم من الولايات المتحدة الى لندن وباريس وسكوتلندا واسبانيا بل وصل الأمر في جمهورية سوفياتية سابقة تسمى داغستان إلى طرد اسرائيليين وإرجاعهم في المطار إلى الطائرة التي أتت بهم.

 ويبقى التطبيع موقفا لا يحتاج إلى نصوص قانونية لأنه قرار ينبع من حوار ونقاش عقلاني يأخذ وقته في الفضاء العمومي التقليدي أو الافتراضي. فأي قرار سياسي خاصة يخضع إلى واجهتين إما التفاهم والتوافق وان كان في جزء منه متواطئا لكسب منافع أو رفض نقدي وان كان جزء منه أيضا متواطئا ضمن مسار التبعية وعدم الإدراك والفهم لتحقيق مكاسب سياسية أو منفعة شخصية. والحالة تلك فان الجدل المطروح الآن في تونس حول التطبيع قد حقق المراد منه لكنه لا يجب أن يذهب إلى ابعد من ذلك لان مآلاته خطيرة على البلد سيعزله سياسيا حتما على الصعيد الدولي وربما أكثر من ذلك بكثير.

*صحفي تونسي

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews