* الجدل يتمحور حول إمكانية إقراض البنك المركزي الدولة مباشرة لتمويل ميزانية الدولة دون الحاجة إلى الاقتراض من البنوك التجارية..
تونس- الصباح
ألمح محافظ البنك المركزي مروان العباسي إلى عدم جدوى تنقيح القانون الأساسي للبنك المركزي عدد 35 لسنة 2016 المتعلق باستقلالية البنك المركزي، ومراجعة الفصل 25 من نفس القانون بما يتيح له إقراض الدولة مباشرة لمعاضدة جهودها في تمويل ميزانية الدولة، دون المرور عبر الاقتراض من البنوك التجارية.
وشدد العباسي في رده على تساؤلات بعض النواب أمس خلال ندوة برلمانية حول استقلالية البنك المركزي، قوله "أن المسألة واهية"، وذلك في علاقة بسعي السلطة التنفيذية مدعومة بدعوات صدرت عن بعض الأحزاب وخبراء في الاقتصاد، علما أن مسألة استقلالية البنك المركزي من عدمها، هي الآن مدار جدل سياسي ومالي واقتصادي، ومطروحة على طاولة النقاش صلب الحكومة، خاصة بعد أن صدرت عن رئيس الجهورية قيس سعيد نفسه دعوة رسمية إلى ضرورة تنقيح القانون المنظم لعمل البنك المركزي..
وبرّر موقفه بأن البنك "يعمل بالتنسيق اليومي والتعاون اللصيق مع وزارة المالية في المسائل المالية، التي تهم البلاد."، مفيدا أن "اتخاذ قرار التمويل المباشر للحكومة يكون من خلال موافقة مجلس إدارة البنك ولجنة السياسة النقدية ولجنة إعادة التمويل بالبنك."، وفق ما نقلته وكالة تونس إفريقيا للأنباء.
وأوضح العباسي الذي ستنتهي مدة تكليفه على رأس البنك المركزي في فيفري 2024، أن قرار عدم تمويل البنك المركزي لميزانية الدولة مباشرة، لا يعد بالجديد ولا ينحصر في قانون 2016 بل يعود الى سنة 2006 عندما تم اتخاذ هذا القرار، مضيفا انه حتى قبل سنة 2006 كان اللجوء الى التمويل المباشر ظرفيا ومحدودا في الزمن وفي القيمة، وأكد في الآن نفسه أن القانون الأساسي للبنك المركزي عدد 35 لسنة 2016 وخاصة الفصل 25 اقر عدم التمويل المباشر مواصلة لروح قانون عدد 26 لسنة 2006 (الفصل 47).
وقال :" من المهم استرجاع الثقة في الدولة وخاصة الثقة في الاقتصاد مع التأكيد على إجراء تغيير عميق وجذري في الإدارة التونسية".
علما أنه سبق للعباسي أن انتقد بشدة دعوات لمراجعة استقلالية البنك المركزي. فقد قال على هامش ندوة صحفية بتاريخ 4 جانفي 2023، "أن السياسي الذي يدعو لهذا لا يفهم بأنه يضرب مؤسسة حيوية للاقتصاد التونسي لان السياسي يبحث دائما عن حل مشاكله اليومية. وأضاف: "النواب في فترة 2020 فهموا أن استقلالية البنك أمر أساسي وربحته تونس".
الرئيس "يريد" تنقيح القانون
وطُرح موضوع استقلالية البنك المركزي التونسي مجددا للنقاش على الساحة الوطنية بعد أن دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد في 8 سبتمبر 2023 الى مراجعة الفصل 25 من قانون النظام الأساسي للبنك المركزي الصادر سنة 2016 بما يتيح له إقراض الدولة مباشرة لمعاضدة جهودها في تمويل ميزانية الدولة.
وتأتي هذه الدعوة في وقت تعددت فيه دعوات صدرت عن كتل برلمانية، وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني لمراجعة القانون الأساسي للبنك المركزي في اتجاه يسمح له بتمويل مباشر لميزانية الدولة خاصة في ظل عدم التوصل الحكومة الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وعدم إمكانية خروج تونس للأسواق العالمية..
يذكر أن الفصل 25 من قانون 2016 ينص على انه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة ".
وعلّق الرئيس سعيد على هذا الفصل بالقول: "كان من الأجدر عدم إدراج هذا الفصل بقطع النظر عن استقلالية البنك المركزي ودوره في التحكم في الأسعار خاصة في هذه الفترة الصعبة، لان البنوك التجارية هي التي تستفيد منه". وأكد أن الدور الأساسي للبنك المركزي في الاقتصاد الوطني يكمن في السيطرة على التضخم المالي وان تنسجم إدارة البنك كذلك مع سياسات الدولة.
وقال سعيد، في لقائه بمحافظ البنك المركزي:"آن الأوان في ما يتعلق بتمويل الميزانية، لمراجعة هذا الفصل المتعلق بإقراض البنوك التجارية للدولة والاستفادة من الفوائد التي تدرّها هذه القروض" .
واعتبر أن أحكام قانون البنك المركزي الصادر سنة 1958 أفضل من قانون 2016 بالنسبة لمسألة استقلالية مؤسسة الإصدار مبرزا أن بعض فصول قانون 2016 تخدم مصالح البنوك التجارية وتمكنهم من الاستحواذ على نسب هامة من فوائض القروض الممنوحة.
وقال أيضا:"استقلالية البنك المركزي لا تعني الاستقلال عن الدولة بل لا بد من الانسجام مع سياسات الدولة ولابد من التفريق بين الاستقلالية في المجال النقدي والاستقلالية في المجال المتصل بميزانية الدولة".
مقترح قانون
وتأتي دعوة الرئيس سعيد متناغمة مع توجه كتل برلمانية من البرلمان الحالي نحو تبني مقترح قانون كان قد تقدمت به كتلة الخط الوطني السيادي في جوان 2023 يحظى بتأييد وموافقة كتل برلمانية أخرى مؤيدة لمسار 25 جويلية 2021. ويهدف إلى إعادة النظر في بعض فصول قانون النظام الأساسي للبنك المركزي تقضي بفتح باب الاقتراض المباشر للدولة من خزينة مؤسسة الإصدار النقدية.
وجاء في مقترح القانون تعديل الفقرة الرابعة من الفصل 25 من القانون الأساسي للبنك المركزي المؤرخ في 25 أفريل 2016 عبر منح الحكومة حق النفاذ إلى خزينة البنك من أجل الحصول على قروض مباشرة لفائدة الموازنة بقيمة لا تتجاوز الـ5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي أو 20 بالمائة من معدل إيرادات الميزانية للسنوات الثلاث التي تسبق عملية الاقتراض.
لكن ورغم مرور أسابيع على دعوة الرئيس سعيد حكومته لتقديم مشروع قانون لتنقيح قانون البنك المركزي، إلا أن السلطة التنفيذية لم تبادر بعد إلى مناقشة مشروع قانون مماثل.
ترخيص استثنائي
تجدر الإشارة إلى أنه ليست هذه المرة الأولى التي تُطرح فيها للنقاش قضية استقلالية البنك المركزي، فقد أثيرت المسألة في فترة البرلمان السابق (2019-2021) وتمت مناقشتها من زوايا مختلفة خاصة جدواها الاقتصادية والمالية، وذلك بالنظر إلى الحاجة الملحة للدولة في جل الأوقات لتمويل عجز الميزانية.
وسبق أن تقدمت المعارضة خلال مناقشة ميزانية الدولة لسنة 2020، بمقترحات قوانين لتعديل القانون الأساسي للبنك المركزي في اتجاه السماح له بتمويل ميزانية للدولة، وانتهى النقاش بتقديم البنك مقترح إضافة فصل بمشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 يرخص استثنائيا لتمكينه من الغطاء القانون لتمويل عجز الميزانية، وقد تبنته الحكومة حتى تتمكن من تعبئة 2.8 مليار دينار.
رفيق بن عبد الله
* الجدل يتمحور حول إمكانية إقراض البنك المركزي الدولة مباشرة لتمويل ميزانية الدولة دون الحاجة إلى الاقتراض من البنوك التجارية..
تونس- الصباح
ألمح محافظ البنك المركزي مروان العباسي إلى عدم جدوى تنقيح القانون الأساسي للبنك المركزي عدد 35 لسنة 2016 المتعلق باستقلالية البنك المركزي، ومراجعة الفصل 25 من نفس القانون بما يتيح له إقراض الدولة مباشرة لمعاضدة جهودها في تمويل ميزانية الدولة، دون المرور عبر الاقتراض من البنوك التجارية.
وشدد العباسي في رده على تساؤلات بعض النواب أمس خلال ندوة برلمانية حول استقلالية البنك المركزي، قوله "أن المسألة واهية"، وذلك في علاقة بسعي السلطة التنفيذية مدعومة بدعوات صدرت عن بعض الأحزاب وخبراء في الاقتصاد، علما أن مسألة استقلالية البنك المركزي من عدمها، هي الآن مدار جدل سياسي ومالي واقتصادي، ومطروحة على طاولة النقاش صلب الحكومة، خاصة بعد أن صدرت عن رئيس الجهورية قيس سعيد نفسه دعوة رسمية إلى ضرورة تنقيح القانون المنظم لعمل البنك المركزي..
وبرّر موقفه بأن البنك "يعمل بالتنسيق اليومي والتعاون اللصيق مع وزارة المالية في المسائل المالية، التي تهم البلاد."، مفيدا أن "اتخاذ قرار التمويل المباشر للحكومة يكون من خلال موافقة مجلس إدارة البنك ولجنة السياسة النقدية ولجنة إعادة التمويل بالبنك."، وفق ما نقلته وكالة تونس إفريقيا للأنباء.
وأوضح العباسي الذي ستنتهي مدة تكليفه على رأس البنك المركزي في فيفري 2024، أن قرار عدم تمويل البنك المركزي لميزانية الدولة مباشرة، لا يعد بالجديد ولا ينحصر في قانون 2016 بل يعود الى سنة 2006 عندما تم اتخاذ هذا القرار، مضيفا انه حتى قبل سنة 2006 كان اللجوء الى التمويل المباشر ظرفيا ومحدودا في الزمن وفي القيمة، وأكد في الآن نفسه أن القانون الأساسي للبنك المركزي عدد 35 لسنة 2016 وخاصة الفصل 25 اقر عدم التمويل المباشر مواصلة لروح قانون عدد 26 لسنة 2006 (الفصل 47).
وقال :" من المهم استرجاع الثقة في الدولة وخاصة الثقة في الاقتصاد مع التأكيد على إجراء تغيير عميق وجذري في الإدارة التونسية".
علما أنه سبق للعباسي أن انتقد بشدة دعوات لمراجعة استقلالية البنك المركزي. فقد قال على هامش ندوة صحفية بتاريخ 4 جانفي 2023، "أن السياسي الذي يدعو لهذا لا يفهم بأنه يضرب مؤسسة حيوية للاقتصاد التونسي لان السياسي يبحث دائما عن حل مشاكله اليومية. وأضاف: "النواب في فترة 2020 فهموا أن استقلالية البنك أمر أساسي وربحته تونس".
الرئيس "يريد" تنقيح القانون
وطُرح موضوع استقلالية البنك المركزي التونسي مجددا للنقاش على الساحة الوطنية بعد أن دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد في 8 سبتمبر 2023 الى مراجعة الفصل 25 من قانون النظام الأساسي للبنك المركزي الصادر سنة 2016 بما يتيح له إقراض الدولة مباشرة لمعاضدة جهودها في تمويل ميزانية الدولة.
وتأتي هذه الدعوة في وقت تعددت فيه دعوات صدرت عن كتل برلمانية، وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني لمراجعة القانون الأساسي للبنك المركزي في اتجاه يسمح له بتمويل مباشر لميزانية الدولة خاصة في ظل عدم التوصل الحكومة الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وعدم إمكانية خروج تونس للأسواق العالمية..
يذكر أن الفصل 25 من قانون 2016 ينص على انه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة ".
وعلّق الرئيس سعيد على هذا الفصل بالقول: "كان من الأجدر عدم إدراج هذا الفصل بقطع النظر عن استقلالية البنك المركزي ودوره في التحكم في الأسعار خاصة في هذه الفترة الصعبة، لان البنوك التجارية هي التي تستفيد منه". وأكد أن الدور الأساسي للبنك المركزي في الاقتصاد الوطني يكمن في السيطرة على التضخم المالي وان تنسجم إدارة البنك كذلك مع سياسات الدولة.
وقال سعيد، في لقائه بمحافظ البنك المركزي:"آن الأوان في ما يتعلق بتمويل الميزانية، لمراجعة هذا الفصل المتعلق بإقراض البنوك التجارية للدولة والاستفادة من الفوائد التي تدرّها هذه القروض" .
واعتبر أن أحكام قانون البنك المركزي الصادر سنة 1958 أفضل من قانون 2016 بالنسبة لمسألة استقلالية مؤسسة الإصدار مبرزا أن بعض فصول قانون 2016 تخدم مصالح البنوك التجارية وتمكنهم من الاستحواذ على نسب هامة من فوائض القروض الممنوحة.
وقال أيضا:"استقلالية البنك المركزي لا تعني الاستقلال عن الدولة بل لا بد من الانسجام مع سياسات الدولة ولابد من التفريق بين الاستقلالية في المجال النقدي والاستقلالية في المجال المتصل بميزانية الدولة".
مقترح قانون
وتأتي دعوة الرئيس سعيد متناغمة مع توجه كتل برلمانية من البرلمان الحالي نحو تبني مقترح قانون كان قد تقدمت به كتلة الخط الوطني السيادي في جوان 2023 يحظى بتأييد وموافقة كتل برلمانية أخرى مؤيدة لمسار 25 جويلية 2021. ويهدف إلى إعادة النظر في بعض فصول قانون النظام الأساسي للبنك المركزي تقضي بفتح باب الاقتراض المباشر للدولة من خزينة مؤسسة الإصدار النقدية.
وجاء في مقترح القانون تعديل الفقرة الرابعة من الفصل 25 من القانون الأساسي للبنك المركزي المؤرخ في 25 أفريل 2016 عبر منح الحكومة حق النفاذ إلى خزينة البنك من أجل الحصول على قروض مباشرة لفائدة الموازنة بقيمة لا تتجاوز الـ5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي أو 20 بالمائة من معدل إيرادات الميزانية للسنوات الثلاث التي تسبق عملية الاقتراض.
لكن ورغم مرور أسابيع على دعوة الرئيس سعيد حكومته لتقديم مشروع قانون لتنقيح قانون البنك المركزي، إلا أن السلطة التنفيذية لم تبادر بعد إلى مناقشة مشروع قانون مماثل.
ترخيص استثنائي
تجدر الإشارة إلى أنه ليست هذه المرة الأولى التي تُطرح فيها للنقاش قضية استقلالية البنك المركزي، فقد أثيرت المسألة في فترة البرلمان السابق (2019-2021) وتمت مناقشتها من زوايا مختلفة خاصة جدواها الاقتصادية والمالية، وذلك بالنظر إلى الحاجة الملحة للدولة في جل الأوقات لتمويل عجز الميزانية.
وسبق أن تقدمت المعارضة خلال مناقشة ميزانية الدولة لسنة 2020، بمقترحات قوانين لتعديل القانون الأساسي للبنك المركزي في اتجاه السماح له بتمويل ميزانية للدولة، وانتهى النقاش بتقديم البنك مقترح إضافة فصل بمشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 يرخص استثنائيا لتمكينه من الغطاء القانون لتمويل عجز الميزانية، وقد تبنته الحكومة حتى تتمكن من تعبئة 2.8 مليار دينار.