إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حين يقول الشباب : الديمقراطية نظام سياسي فاشل والأفضل حكم الرجل القوي

 

غالبية الشباب الذي يعيش خارج الأطر السياسية الرسمية هو شباب مهمش ويعيش على وضع الهشاشة الاجتماعية وعلى هامش المنظومة الحمائية الاجتماعية للدولة

بقلم نوفل سلامة 

ظهرت مؤخرا دراسة مهمة لم تلق حظها من الاهتمام وتناولتها بعض وسائل الإعلام من دون أن تخصص لها فضاءات فكرية لمناقشتها تناولت موضوع نظرة الشباب التونسي لموضوع الديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان ومعرفة نوعية التحولات التي عرفها المجتمع التونسي بخصوص هذه المسائل التي شكلت العنوان الأبرز خلال عشرية كاملة بعد الثورة ولا تزال أثارها وتداعياتها متحكمة إلى اليوم.

هذه الدراسة هي في الأصل عمل بحثي ميداني شمل 8 بلدان عربية من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وركزت على 9 مجالات واشتغلت على فكرة المقارنة في الزمن لمعرفة ماذا تغير قي تفكير شباب هذه المجتمعات وما هي القضايا التي حافظت على مكانتها لم تتغير خلال فترة حددت بخمس سنوات من سنة 2016 إلى سنة 2021 ودام العمل قرابة ثلاثة أشهر هي الأشهر الأخيرة من سنة 2021 وحينما اكتملت الدراسة تم تسليمها إلى الأستاذ " عماد المليتي" أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية ليتولى تقديم قراءة علمية لمخرجاتها وتحليلا لمعطياتها ونتائجها .

العينة التي اشتغل عليها البحث تتكون من 1200 فرد متكونة من شباب إناث وذكور من أعمار تتراوح بين 16 سنة و 30 سنة ينتمون إلى أوساط اجتماعية ومستويات علمية مختلفة بحيث حرص البحث عن أن تكون العينة ممثلة لكل فئات الشباب ومعبرة عن هذا التنوع في المجتمع لإكساء العمل أكثر مصداقية وقرب من حقيقة مواقف الشباب التونسي.

من الخلاصات المهمة التي انتهى إليها هذا البحث في علاقة الشباب بالقضايا المطروحة نجد القناعة المترسخة والتي لم تعتبر وهي أن فئة الشباب عموما في مرحلة عمرية محددة لا تهتم بالسياسة وهي تعتبر نفسها غير معنية بهذا المجال رغم وجود بعض الاختلاف بحسب المستوى التعليمي حيث رصدت الدراسة أنه من بين العينة المستجوبة نجد أن قرابة 80 بالمائة من الشباب غير مهتم أو مهتم قليلا بالسياسة وأربعة بالمائة فقط يولون اهتماما واضحا بالسياسة وهو معطى اعتبر مخيفا حينما نجد جيل المستقبل يشعر أنه غير معني بالشأن العام ولا يرغب في تخصيص جانب من وقته واهتماماته للسياسة وقضاياها ولكن هذا التحليل يقود إلى صورة أخرى في علاقة الشباب بالسياسة وهي صورة علاقته بالأطر والهياكل الرسمية حيث انتهت الدراسة إلى الوقوف على أن الشباب التونسي له نظرة أخرى للسياسة وهو يراها خارج الأطر الرسمية كما يرى نفسه معنيا بنوع آخر من السياسة المرتبطة بالفعل الاحتجاجي والحركات الشارعية للتعبير عن المواقف وللتعبير عن الغضب. لكن اللافت أنه خلال الخمس سنوات الأخيرة فإن مشاركة الشباب في الاحتجاجات قد تراجعت إلى حدود 12 بالمائة بعد أن كانت سنة 2016 تقارب 24 بالمائة وهذا التراجع يعبر عن عزوف عن الفعل السياسي والنزوع نحو الاستقالة والتخلي ولو ظرفيا عن التعبير الجماعي عن الغضب نحو التعبير الفردي بأشكال أخرى غير الاحتجاجات الشارعية يراها أكثر ملاءمة مع المرحلة الحالية.

من الخلاصات المهمة الأخرى أن منسوب عدم الرضاء عن الوضع العام مرتفع جدا عند الشباب المستجوب الذي لا يرى إمكانا للتغيير من خلال القنوات الرسمية حيث أن 12 بالمائة فقط يرون أن الانتخابات يمكن أن تكون وسيلة للتغير الاجتماعي وهم يعتبرون أن الوضع لم يتحسن خلال الخمس سنوات الأخيرة حيث نجد أن ثلاثة بالمائة فقط من العينة المستجوبة يعتقدون أن الوضع قد تحسن في مقابل 20 بالمائة يعتبرون أن الوضع خلال هذه السنوات الأخير قد تدهور.

من البيانات التي تحتاج وقفة للتأمل الموقف من النظام الديمقراطي حيث رصدت الدراسة تراجعا مخيفا لدى الشباب التونسي في مدى إيمانه بأن الخيار الديمقراطي هو الخيار الصحيح و أن الديمقراطية تشكل نظاما جيدا للحكم حيث تراجعت ثقة الشباب في أفضلية النظام الديمقراطي بشكل كبير وصلت إلى حدود 23 بالمائة بعد أن كانت في حدود 52 بالمائة في سنة 2016 وحول سؤال أي الأنظمة السياسية تفضل ؟ كانت إجابة العينة المستجوبة أنهم يفضلون حكم الرجل القوي الذي يسوس البلاد ويعيد فرض النظام ويقضي على الفساد بنسبة 41 بالمائة بعد أن كانت في حدود 21 بالمائة سنة 2016. وهذه النظرة للحكم لها تفسيرها في الأحداث التي عرفتها تونس بعد الثورة والمسار المتعثر الذي عرفه الانتقال الديمقراطي الذي شابه الكثير من الأخطاء رفعت من منسوب خيبة الأمل الخيار الذي سلكه السياسيون الذين حكموا بعد الثورة ورفعت من الإحساس بأن الديمقراطية هي نظام لا يصلح (65 بالمائة يرون أن الديمقراطية نظام غير صالح) وهنا يطرح السؤال الذي لم تجب عليه الدراسة وهو هل أن الديمقراطية كنظام سياسي للحكم وآلية لإدارة الاختلاف وطريقة للتداول السلمي على السلطة وآلية لتحقيق العدالة الاجتماعية هي غير صالحة في جوهرها أم هي غير صالحة لمجتمعات معينة كالمجتمع التونسي ؟ وسؤال آخر لم تبينه الدراسة يتعلق بمعرفة هل أن هذا الموقف من الديمقراطية وعدم اعتبارها من أفضل الأنظمة السياسية التي توصل إليها العقل البشري في العصر الحديث لإدارة شؤونه هو حكم على مضمونها الحقيقي أم هو حكم على التجربة التونسية وموقف من فشل التونسيين في إرساء نظام ديمقراطي سليم وحكم على تطبيقها في سياق ثوري محفوف بكثير من الهزات وما رافق مرحلة الانتقال الديمقراطي من فوضى سادت البلاد وأفضت إلى القناعة بأن الفشل ليس في التجربة وإنما في النظام الديمقراطي الذي هو بطبعه غير صالح وهو لا يصلح ؟ إن التعرض لهذه الأسئلة مهم حتى نتبين نوعية الوعي الذي يشكل ذهنية الشباب التونسي المستجوب والذي أنتهى إلى هذه النوعية من الأجوبة.

المهم والمثير في هذه الدراسة أنه بقطع النظر عن هامش الخطأ في نتائجها فإن النظرة الشاملة والمتكاملة للمعطيات السياسة والمعطيات المتعلقة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتي جاءت في هذا الاستجواب تنتهي إلى أن المسار الديمقراطي المتعثر هو الذي جعل الناس يعتقدون في صورة الرجل القوي الذي يتولى الحكم هو الخيار الذي يمكن التعويل عليه لإصلاح الأوضاع أكثر من خيار الديمقراطية وأن غالبية الشباب الذي يعيش خارج الأطر السياسية الرسمية هو شباب مهمش ويعيش على وضع الهشاشة الاجتماعية وعلى هامش المنظومة الحمائية الاجتماعية للدولة بعد أن أوضحت الدراسة أن 75 بالمائة من الشباب يعمل في القطاع الموازي ودون تغطية اجتماعية ولديهم غياب تام للثقة في الاجسام الوسيطة من احزاب ونقابات وإعلام ومنظمات مجتمع مدني وأن الحل الذي يراه لخلاصه الاجتماعي والاقتصادي هو في مزيد من التوجه نحو الفردانية ومزيد من التعويل على الذات وفك الارتباط مع حلول الدولة والحل الجماعي واللجوء نحو الحل الفردي . النتيجة المثيرة لحالة الشباب التونسي تنتهي إلى صورة شباب فاقد للثقة في السياسة والسياسيين .. وشباب مهمش على المستوى الاجتماعي ويعيش على هامش منظومات الدولة .. وشباب لا يرى خلاصه إلا في الحل الفردي .

 

 

 

 

 

حين يقول الشباب :  الديمقراطية نظام سياسي فاشل والأفضل حكم الرجل القوي

 

غالبية الشباب الذي يعيش خارج الأطر السياسية الرسمية هو شباب مهمش ويعيش على وضع الهشاشة الاجتماعية وعلى هامش المنظومة الحمائية الاجتماعية للدولة

بقلم نوفل سلامة 

ظهرت مؤخرا دراسة مهمة لم تلق حظها من الاهتمام وتناولتها بعض وسائل الإعلام من دون أن تخصص لها فضاءات فكرية لمناقشتها تناولت موضوع نظرة الشباب التونسي لموضوع الديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان ومعرفة نوعية التحولات التي عرفها المجتمع التونسي بخصوص هذه المسائل التي شكلت العنوان الأبرز خلال عشرية كاملة بعد الثورة ولا تزال أثارها وتداعياتها متحكمة إلى اليوم.

هذه الدراسة هي في الأصل عمل بحثي ميداني شمل 8 بلدان عربية من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وركزت على 9 مجالات واشتغلت على فكرة المقارنة في الزمن لمعرفة ماذا تغير قي تفكير شباب هذه المجتمعات وما هي القضايا التي حافظت على مكانتها لم تتغير خلال فترة حددت بخمس سنوات من سنة 2016 إلى سنة 2021 ودام العمل قرابة ثلاثة أشهر هي الأشهر الأخيرة من سنة 2021 وحينما اكتملت الدراسة تم تسليمها إلى الأستاذ " عماد المليتي" أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية ليتولى تقديم قراءة علمية لمخرجاتها وتحليلا لمعطياتها ونتائجها .

العينة التي اشتغل عليها البحث تتكون من 1200 فرد متكونة من شباب إناث وذكور من أعمار تتراوح بين 16 سنة و 30 سنة ينتمون إلى أوساط اجتماعية ومستويات علمية مختلفة بحيث حرص البحث عن أن تكون العينة ممثلة لكل فئات الشباب ومعبرة عن هذا التنوع في المجتمع لإكساء العمل أكثر مصداقية وقرب من حقيقة مواقف الشباب التونسي.

من الخلاصات المهمة التي انتهى إليها هذا البحث في علاقة الشباب بالقضايا المطروحة نجد القناعة المترسخة والتي لم تعتبر وهي أن فئة الشباب عموما في مرحلة عمرية محددة لا تهتم بالسياسة وهي تعتبر نفسها غير معنية بهذا المجال رغم وجود بعض الاختلاف بحسب المستوى التعليمي حيث رصدت الدراسة أنه من بين العينة المستجوبة نجد أن قرابة 80 بالمائة من الشباب غير مهتم أو مهتم قليلا بالسياسة وأربعة بالمائة فقط يولون اهتماما واضحا بالسياسة وهو معطى اعتبر مخيفا حينما نجد جيل المستقبل يشعر أنه غير معني بالشأن العام ولا يرغب في تخصيص جانب من وقته واهتماماته للسياسة وقضاياها ولكن هذا التحليل يقود إلى صورة أخرى في علاقة الشباب بالسياسة وهي صورة علاقته بالأطر والهياكل الرسمية حيث انتهت الدراسة إلى الوقوف على أن الشباب التونسي له نظرة أخرى للسياسة وهو يراها خارج الأطر الرسمية كما يرى نفسه معنيا بنوع آخر من السياسة المرتبطة بالفعل الاحتجاجي والحركات الشارعية للتعبير عن المواقف وللتعبير عن الغضب. لكن اللافت أنه خلال الخمس سنوات الأخيرة فإن مشاركة الشباب في الاحتجاجات قد تراجعت إلى حدود 12 بالمائة بعد أن كانت سنة 2016 تقارب 24 بالمائة وهذا التراجع يعبر عن عزوف عن الفعل السياسي والنزوع نحو الاستقالة والتخلي ولو ظرفيا عن التعبير الجماعي عن الغضب نحو التعبير الفردي بأشكال أخرى غير الاحتجاجات الشارعية يراها أكثر ملاءمة مع المرحلة الحالية.

من الخلاصات المهمة الأخرى أن منسوب عدم الرضاء عن الوضع العام مرتفع جدا عند الشباب المستجوب الذي لا يرى إمكانا للتغيير من خلال القنوات الرسمية حيث أن 12 بالمائة فقط يرون أن الانتخابات يمكن أن تكون وسيلة للتغير الاجتماعي وهم يعتبرون أن الوضع لم يتحسن خلال الخمس سنوات الأخيرة حيث نجد أن ثلاثة بالمائة فقط من العينة المستجوبة يعتقدون أن الوضع قد تحسن في مقابل 20 بالمائة يعتبرون أن الوضع خلال هذه السنوات الأخير قد تدهور.

من البيانات التي تحتاج وقفة للتأمل الموقف من النظام الديمقراطي حيث رصدت الدراسة تراجعا مخيفا لدى الشباب التونسي في مدى إيمانه بأن الخيار الديمقراطي هو الخيار الصحيح و أن الديمقراطية تشكل نظاما جيدا للحكم حيث تراجعت ثقة الشباب في أفضلية النظام الديمقراطي بشكل كبير وصلت إلى حدود 23 بالمائة بعد أن كانت في حدود 52 بالمائة في سنة 2016 وحول سؤال أي الأنظمة السياسية تفضل ؟ كانت إجابة العينة المستجوبة أنهم يفضلون حكم الرجل القوي الذي يسوس البلاد ويعيد فرض النظام ويقضي على الفساد بنسبة 41 بالمائة بعد أن كانت في حدود 21 بالمائة سنة 2016. وهذه النظرة للحكم لها تفسيرها في الأحداث التي عرفتها تونس بعد الثورة والمسار المتعثر الذي عرفه الانتقال الديمقراطي الذي شابه الكثير من الأخطاء رفعت من منسوب خيبة الأمل الخيار الذي سلكه السياسيون الذين حكموا بعد الثورة ورفعت من الإحساس بأن الديمقراطية هي نظام لا يصلح (65 بالمائة يرون أن الديمقراطية نظام غير صالح) وهنا يطرح السؤال الذي لم تجب عليه الدراسة وهو هل أن الديمقراطية كنظام سياسي للحكم وآلية لإدارة الاختلاف وطريقة للتداول السلمي على السلطة وآلية لتحقيق العدالة الاجتماعية هي غير صالحة في جوهرها أم هي غير صالحة لمجتمعات معينة كالمجتمع التونسي ؟ وسؤال آخر لم تبينه الدراسة يتعلق بمعرفة هل أن هذا الموقف من الديمقراطية وعدم اعتبارها من أفضل الأنظمة السياسية التي توصل إليها العقل البشري في العصر الحديث لإدارة شؤونه هو حكم على مضمونها الحقيقي أم هو حكم على التجربة التونسية وموقف من فشل التونسيين في إرساء نظام ديمقراطي سليم وحكم على تطبيقها في سياق ثوري محفوف بكثير من الهزات وما رافق مرحلة الانتقال الديمقراطي من فوضى سادت البلاد وأفضت إلى القناعة بأن الفشل ليس في التجربة وإنما في النظام الديمقراطي الذي هو بطبعه غير صالح وهو لا يصلح ؟ إن التعرض لهذه الأسئلة مهم حتى نتبين نوعية الوعي الذي يشكل ذهنية الشباب التونسي المستجوب والذي أنتهى إلى هذه النوعية من الأجوبة.

المهم والمثير في هذه الدراسة أنه بقطع النظر عن هامش الخطأ في نتائجها فإن النظرة الشاملة والمتكاملة للمعطيات السياسة والمعطيات المتعلقة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتي جاءت في هذا الاستجواب تنتهي إلى أن المسار الديمقراطي المتعثر هو الذي جعل الناس يعتقدون في صورة الرجل القوي الذي يتولى الحكم هو الخيار الذي يمكن التعويل عليه لإصلاح الأوضاع أكثر من خيار الديمقراطية وأن غالبية الشباب الذي يعيش خارج الأطر السياسية الرسمية هو شباب مهمش ويعيش على وضع الهشاشة الاجتماعية وعلى هامش المنظومة الحمائية الاجتماعية للدولة بعد أن أوضحت الدراسة أن 75 بالمائة من الشباب يعمل في القطاع الموازي ودون تغطية اجتماعية ولديهم غياب تام للثقة في الاجسام الوسيطة من احزاب ونقابات وإعلام ومنظمات مجتمع مدني وأن الحل الذي يراه لخلاصه الاجتماعي والاقتصادي هو في مزيد من التوجه نحو الفردانية ومزيد من التعويل على الذات وفك الارتباط مع حلول الدولة والحل الجماعي واللجوء نحو الحل الفردي . النتيجة المثيرة لحالة الشباب التونسي تنتهي إلى صورة شباب فاقد للثقة في السياسة والسياسيين .. وشباب مهمش على المستوى الاجتماعي ويعيش على هامش منظومات الدولة .. وشباب لا يرى خلاصه إلا في الحل الفردي .

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews