إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حرب الخليج والتضليل الإعلامي الممنهج للغرب

 

 

منذ الإعلان الأمريكي عن التحضيرات لحرب الخليج، ضبطت الإدارة الأمريكية خطة إعلامية قائمة على الرقابة المسبقة والتعتيم على الأخبار وفرضت رقابة مشددة على مصادر الأخبار للصحفيين، بعد أن اتعظت من فشل تجربة حرب فيتنام الإعلامية

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

  جاءت حرب الخليج في فصليها الأول (1991) والثاني (2003) بترسانة من التضليل الإعلامي التي عمد إليها الإعلام الأمريكي والغربي عموما، من أجل ضمان المصالح الأمنية العليا للغرب واستدامة هيمنته على العالم . وأصبحت تلك التقنيات تستعمل في الحروب اللاحقة في الشرق الأوسط والعالم ، وأخرها الحرب الروسية الأوكرانية الأطلسية الجارية اليوم.

  وفي حرب الخليج الأولى التي حبست أنفاس العالم والعرب، وصل التوظيف الإعلامي الجديد فيها حد التضليل والكذب والمخاتلة الممنهجة. وقد استعملت فيها كل تقنيات التضليل المستعملة في عالمنا المعاصر في الوسائط الإعلامية الحديثة، وأضحت مادة دراسية في علوم الإعلام والاتصال، من بينها كتاب الخبير كلود يونان "التضليل الإعلامي وآليات السيطرة على الرأي" الذي أورد فيه تفاصيلها. وهي تتلخص في استعمال التناقضات الكلامية في الخطاب السياسي الواحد والتأويلات الكلامية المموهة واللفظيات الكلامية الفارغة والشعوذات الكلامية التي تحتال على المفاهيم وتقنيات الاجتذاب والإغراء والإيحاء.

  تقنيات التضليل الإعلامي

    لقد تبين مع الأيام أنه منذ الإعلان الأمريكي عن التحضيرات لحرب الخليج، مباشرة بعد احتلال العراق للكويت في 2 أوت 1990، ضبطت الإدارة الأمريكية خطة إعلامية قائمة على الرقابة المسبقة والتعتيم على كثير من الأخبار. وقد فرضت القيادة العسكرية الأمريكية رقابة مشددة على مصادر الأخبار للصحفيين، وذلك بعد أن اتعظت من فشل تجربة حرب فيتنام الإعلامية التي خسر فيها الأمريكان الحرب ، بسبب ترك الإعلام حرا طليقا وعدم التحكم فيه، حسب دراسات إعلامية أمريكية عديدة، فكان أن خسرت الحرب قبل بداياتها ونهايتها، عبر تلك الصور الصادمة القادمة من فيتنام والمنشورة في الصحف اليومية عن المدنيين المشوهين بفعل الحرائق المندلعة في الغابات بسبب استعمال الأمريكان قنابل النابالم الحارقة للأحراش لتعقب المقاتلين الفيتكونغ في أوكارهم. وهي صور مروعة ألبت الرأي العام الأمريكي والعالمي وجعلته يخرج في احتجاجات شعبية مطالبا بانسحاب القوات الأمريكية من هناك، وجعلت الشباب يرفض الخدمة العسكرية ، حسب نفس الدراسات.

وفي حرب الخليج تحكّم القادة العسكريون الأمريكان في مصدر الأخبار الذي جعلوا منه جهازا وماكينة يتحدث من خلالها الناطق الرسمي للجيش، أو عدة ناطقين منوعين ومختلفين: (رجل –امرأة/كهل- شاب/أبيض- أسود...) ويرددون نفس المعلومة حسب الهرم العادي أو الهرم المقلوب . وقامت أمريكا للغرض بإجلاء كل الصحافيين من بغداد إلى العاصمة الأردنية عمان حتى لا يكونوا شهودا على الوقائع والحقائق. وكان من بينهم كاتب هذا المقال كمبعوث خاص لوكالة تونس إفريقيا للإنباء لنقل الحقيقة من جبهة المعارك.

    وهكذا أصبحت التغطية الإعلامية متشابهة في التلفزيونات الأميركية التي تعطي حيزا كبيرا للأخبار مثل " أي بي سي" ، أ و "أن بي سي" ،أو "سي بي أس"، التي كانت تنقل الأحداث مباشرة من بغداد، ولكن بنفس المحتوى، قبل أن تستقر قناة "سي. أن. أن" الإخبارية وتنتصب لوحدها في العاصمة العراقية بمراسلها المشهور بيتر أرنات وتصبح الناقلة الوحيدة للأخبار عن سير الاستعدادات للمعركة، أو عن مستجدات المواقف الدبلوماسية الجديدة ، دون أن يستطيع مزاحمتها أي من الصحافة العالمية .

  وبدا للعالم أنه يعيش العصر الذهبي للإعلام، حيث يشاهد المرء وقائع الحروب في المباشر ويتفاعل معها لأول مرة في التاريخ . ولكن الحقيقة هي غير ذلك، لأن هناك من يجلس وراء قاعة الأستوديو ويضع القصص والمعلومات المضللة التي يقبلها بسرعة الرأي العام الذي تعود على "إعلام التسلية" في أوروبا أو أمريكا، أو أيضا "إعلام الدمغجة" في بلدان العالم الثالث .

      وهكذا عاد العالم الغربي الديمقراطي بروحه التحررية، وهو في أوج حرب إعلامية، إلى مربع أحادية الإعلام التي طالما ميزت الصحافة في العالم الثالث.

     وفي تلك الحرب الأولى للخليج جربت الإدارة الأمريكية تلك الأساليب وطورتها في الحرب الثانية للخليج عام 2003 عند احتلال بغداد. وقد حرصت على إغراق وسائل الإعلام الأمريكية وبقية العالم، بكم متلاحق من الأخبار الكاذبة والمتناقضة و"الفَايْكْ نْيُوزْ" وأخبار "الإفْكْ" والتلفيق ، بحيث يختلط الواقع بالخيال المبني على قصص خبرية سردية "سْتُورِي تَالِينْغْ" تؤثر على الرأي العام، ومن خلالها، على سير المعارك في الميدان عبر المس من معنويات العدو.

     وقد وقف الصحفيون من دول العالم الثالث على منهجية الإقصاء التي مارستها الآلة الدعائية الأمريكية في اللقاءات الصحفية ضد الصحفيين المعارضين للسياسات الأمريكية . وهو نفس الأمر الذي تعتمده باقي الدول الأوروبية، حليفة العم سام بدرجات متفاوتة، ولكن بنفس الانضباط الأحادي الاستبدادي للأنظمة القمعية لحرية الصحافة زمن الأزمات الكبرى والحروب، أو حين يتعلق الأمر بأمن إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط .

      وعلى مستوى التحكم في المعلومة ومساراتها، عمدت الإدارة الأمريكية إلى تجهيز المركز الإعلامي للحرب بكل وسائل التواصل حتى يقوم بدوره الأساسي في الترويج لمقولات الإدارة الأمريكية . ويقوم المركز يوميا بعقد أكثر من مؤتمر صحفي سواء في أمريكا أو في مواقع القتال أو في مقر القواعد العسكرية في البلدان المحيطة بالعراق . ويتداول عليه العسكريون من مختلف الرتب، ليقدموا أخر ما عندهم من الأخبار عن سير المعارك حيث يعلنون يوميا بمساعدة الخرائط والصور، عن الانتصارات التي تقوم بها القوات الأمريكية .

    وقد تبين للصحافيين الموجودين على عين المكان والمحرومين من تلك اللقاءات، أن تنظيم تلك المؤتمرات مبرمج بشكل صارم من القيادة الدعائية الأمريكية، حيث يتم حجز مقاعد الصفوف الأمامية لعدد محدود من المراسلين أولهم المساندون للأمريكيين ومنفذو التعليمات، حيث يحجز الصف الأول لشبكات التلفزة الأمريكية الكبرى، حسب درجة الولاء مثل "فوكس نيور" و"سي أن أن" و"سي بي أس" و"أي بي سي" . وبقية الصف الأول إلى مراسلي دول التحالف المساندة مثل تلفزيون رويتر، والتلفزيون الأسترالي وبعض الدول العربية المقربة جدا حد النخاع.

   أما مقاعد الصف الثاني، فيحتلها مراسلو الصحافة المكتوبة الأمريكية "نيويورك تايمز" الأمريكية و"تايمز" البريطانية" و"الحياة" و"الشرق الأوسط" اللندنيتين و"دي فالت" الألمانية.

   أما الصف الثالث ، فقد خصص لبعض دول أوروبا مثل وكالة الأنباء الفرنسية والتلفزيون اليوناني والتلفزيون الإسباني ومراسلي بعض وكالات الأنباء العربية .

   وفي إطار هذا التنظيم المحكم يقتصر طرح الأسئلة على بعض المراسلين المقربين، في حين يكتفي الآخرون بالمتابعة ونقل جواب التصريح من سؤال الصحافيين المحظوظين . كما يقوم الناطق الرسمي باسم المركز الإعلامي باختيار المراسل الذي له الحق في طرح سؤال . ويتم ذلك بصفة مدروسة ومعدة سلفا، ولا يجوز تجاوزها، حيث يمكن أن يعلن الناطق انتهاء اللقاء الصحفي إذا تجرأ أحد المقربين من صحافي الثقة، على طرح سؤال محرج حول سير المعارك أو تجاوزات الحرب. ويجد الناطق في ذلك تبريرا وهو أن ليس له متسع من الوقت أو عليه أن يلتحق بقاعة العمليات حيث هناك الجديد والطارئ سيوافي به الصحافيين في نقطة إعلامية قادمة ومستعجلة.

  وفي نفس الحملة التضليلية حرصت إدارة الرئيس بوش الإبن كما بوش الأب في حرب الخليج الأولى على منع حصول أصوات المعارضة على فرصة للتعبير عن موقفها ضد الحرب. وعمدت إلى الحط من قيمة دعاة السلم وإظهارهم كأدوات لبلدان أخرى، وكأنهم عديمو الوطنية، مما جعل الإعلام "يسير على رجل واحدة" ولا تجد فيه تعبيرا إلا عن صوت واحد، في حين اختفت باقي الأصوات الموضوعية أو المعارضة الباحثة عن الحقيقة.

هكذا تم التحكم في حرب الخليج الأولى التي قادها بوش الأب وفي حرب الخليج الثانية التي قادها بوش الابن كما في الإمبراطوريات السابقة حيث الحكم بالتوريث من الأب الداهية إلى الإبن الأحمق، على غرار الخليفة معاوية الماكيافيلي وابنه وولي عهده يزيد المغرم باللهو والقصف والقِيّان.

   وفي حرب الخليج الثانية كان بوش الأحمق يستلقي ضحكا وهم يترجمون له ما كان يقوله وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف عن سير المعارك وانتصارات العراق الوهمية أو الحقيقية على "العلوج الأمريكان". وكان بوش يقول لمعاونيه :"هذا مثال المطلوب منكم إعلاميا . لقد هزمنا الصحاف في القدرة على الكذب الجميل".

 

 

 

حرب الخليج والتضليل الإعلامي الممنهج للغرب

 

 

منذ الإعلان الأمريكي عن التحضيرات لحرب الخليج، ضبطت الإدارة الأمريكية خطة إعلامية قائمة على الرقابة المسبقة والتعتيم على الأخبار وفرضت رقابة مشددة على مصادر الأخبار للصحفيين، بعد أن اتعظت من فشل تجربة حرب فيتنام الإعلامية

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

  جاءت حرب الخليج في فصليها الأول (1991) والثاني (2003) بترسانة من التضليل الإعلامي التي عمد إليها الإعلام الأمريكي والغربي عموما، من أجل ضمان المصالح الأمنية العليا للغرب واستدامة هيمنته على العالم . وأصبحت تلك التقنيات تستعمل في الحروب اللاحقة في الشرق الأوسط والعالم ، وأخرها الحرب الروسية الأوكرانية الأطلسية الجارية اليوم.

  وفي حرب الخليج الأولى التي حبست أنفاس العالم والعرب، وصل التوظيف الإعلامي الجديد فيها حد التضليل والكذب والمخاتلة الممنهجة. وقد استعملت فيها كل تقنيات التضليل المستعملة في عالمنا المعاصر في الوسائط الإعلامية الحديثة، وأضحت مادة دراسية في علوم الإعلام والاتصال، من بينها كتاب الخبير كلود يونان "التضليل الإعلامي وآليات السيطرة على الرأي" الذي أورد فيه تفاصيلها. وهي تتلخص في استعمال التناقضات الكلامية في الخطاب السياسي الواحد والتأويلات الكلامية المموهة واللفظيات الكلامية الفارغة والشعوذات الكلامية التي تحتال على المفاهيم وتقنيات الاجتذاب والإغراء والإيحاء.

  تقنيات التضليل الإعلامي

    لقد تبين مع الأيام أنه منذ الإعلان الأمريكي عن التحضيرات لحرب الخليج، مباشرة بعد احتلال العراق للكويت في 2 أوت 1990، ضبطت الإدارة الأمريكية خطة إعلامية قائمة على الرقابة المسبقة والتعتيم على كثير من الأخبار. وقد فرضت القيادة العسكرية الأمريكية رقابة مشددة على مصادر الأخبار للصحفيين، وذلك بعد أن اتعظت من فشل تجربة حرب فيتنام الإعلامية التي خسر فيها الأمريكان الحرب ، بسبب ترك الإعلام حرا طليقا وعدم التحكم فيه، حسب دراسات إعلامية أمريكية عديدة، فكان أن خسرت الحرب قبل بداياتها ونهايتها، عبر تلك الصور الصادمة القادمة من فيتنام والمنشورة في الصحف اليومية عن المدنيين المشوهين بفعل الحرائق المندلعة في الغابات بسبب استعمال الأمريكان قنابل النابالم الحارقة للأحراش لتعقب المقاتلين الفيتكونغ في أوكارهم. وهي صور مروعة ألبت الرأي العام الأمريكي والعالمي وجعلته يخرج في احتجاجات شعبية مطالبا بانسحاب القوات الأمريكية من هناك، وجعلت الشباب يرفض الخدمة العسكرية ، حسب نفس الدراسات.

وفي حرب الخليج تحكّم القادة العسكريون الأمريكان في مصدر الأخبار الذي جعلوا منه جهازا وماكينة يتحدث من خلالها الناطق الرسمي للجيش، أو عدة ناطقين منوعين ومختلفين: (رجل –امرأة/كهل- شاب/أبيض- أسود...) ويرددون نفس المعلومة حسب الهرم العادي أو الهرم المقلوب . وقامت أمريكا للغرض بإجلاء كل الصحافيين من بغداد إلى العاصمة الأردنية عمان حتى لا يكونوا شهودا على الوقائع والحقائق. وكان من بينهم كاتب هذا المقال كمبعوث خاص لوكالة تونس إفريقيا للإنباء لنقل الحقيقة من جبهة المعارك.

    وهكذا أصبحت التغطية الإعلامية متشابهة في التلفزيونات الأميركية التي تعطي حيزا كبيرا للأخبار مثل " أي بي سي" ، أ و "أن بي سي" ،أو "سي بي أس"، التي كانت تنقل الأحداث مباشرة من بغداد، ولكن بنفس المحتوى، قبل أن تستقر قناة "سي. أن. أن" الإخبارية وتنتصب لوحدها في العاصمة العراقية بمراسلها المشهور بيتر أرنات وتصبح الناقلة الوحيدة للأخبار عن سير الاستعدادات للمعركة، أو عن مستجدات المواقف الدبلوماسية الجديدة ، دون أن يستطيع مزاحمتها أي من الصحافة العالمية .

  وبدا للعالم أنه يعيش العصر الذهبي للإعلام، حيث يشاهد المرء وقائع الحروب في المباشر ويتفاعل معها لأول مرة في التاريخ . ولكن الحقيقة هي غير ذلك، لأن هناك من يجلس وراء قاعة الأستوديو ويضع القصص والمعلومات المضللة التي يقبلها بسرعة الرأي العام الذي تعود على "إعلام التسلية" في أوروبا أو أمريكا، أو أيضا "إعلام الدمغجة" في بلدان العالم الثالث .

      وهكذا عاد العالم الغربي الديمقراطي بروحه التحررية، وهو في أوج حرب إعلامية، إلى مربع أحادية الإعلام التي طالما ميزت الصحافة في العالم الثالث.

     وفي تلك الحرب الأولى للخليج جربت الإدارة الأمريكية تلك الأساليب وطورتها في الحرب الثانية للخليج عام 2003 عند احتلال بغداد. وقد حرصت على إغراق وسائل الإعلام الأمريكية وبقية العالم، بكم متلاحق من الأخبار الكاذبة والمتناقضة و"الفَايْكْ نْيُوزْ" وأخبار "الإفْكْ" والتلفيق ، بحيث يختلط الواقع بالخيال المبني على قصص خبرية سردية "سْتُورِي تَالِينْغْ" تؤثر على الرأي العام، ومن خلالها، على سير المعارك في الميدان عبر المس من معنويات العدو.

     وقد وقف الصحفيون من دول العالم الثالث على منهجية الإقصاء التي مارستها الآلة الدعائية الأمريكية في اللقاءات الصحفية ضد الصحفيين المعارضين للسياسات الأمريكية . وهو نفس الأمر الذي تعتمده باقي الدول الأوروبية، حليفة العم سام بدرجات متفاوتة، ولكن بنفس الانضباط الأحادي الاستبدادي للأنظمة القمعية لحرية الصحافة زمن الأزمات الكبرى والحروب، أو حين يتعلق الأمر بأمن إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط .

      وعلى مستوى التحكم في المعلومة ومساراتها، عمدت الإدارة الأمريكية إلى تجهيز المركز الإعلامي للحرب بكل وسائل التواصل حتى يقوم بدوره الأساسي في الترويج لمقولات الإدارة الأمريكية . ويقوم المركز يوميا بعقد أكثر من مؤتمر صحفي سواء في أمريكا أو في مواقع القتال أو في مقر القواعد العسكرية في البلدان المحيطة بالعراق . ويتداول عليه العسكريون من مختلف الرتب، ليقدموا أخر ما عندهم من الأخبار عن سير المعارك حيث يعلنون يوميا بمساعدة الخرائط والصور، عن الانتصارات التي تقوم بها القوات الأمريكية .

    وقد تبين للصحافيين الموجودين على عين المكان والمحرومين من تلك اللقاءات، أن تنظيم تلك المؤتمرات مبرمج بشكل صارم من القيادة الدعائية الأمريكية، حيث يتم حجز مقاعد الصفوف الأمامية لعدد محدود من المراسلين أولهم المساندون للأمريكيين ومنفذو التعليمات، حيث يحجز الصف الأول لشبكات التلفزة الأمريكية الكبرى، حسب درجة الولاء مثل "فوكس نيور" و"سي أن أن" و"سي بي أس" و"أي بي سي" . وبقية الصف الأول إلى مراسلي دول التحالف المساندة مثل تلفزيون رويتر، والتلفزيون الأسترالي وبعض الدول العربية المقربة جدا حد النخاع.

   أما مقاعد الصف الثاني، فيحتلها مراسلو الصحافة المكتوبة الأمريكية "نيويورك تايمز" الأمريكية و"تايمز" البريطانية" و"الحياة" و"الشرق الأوسط" اللندنيتين و"دي فالت" الألمانية.

   أما الصف الثالث ، فقد خصص لبعض دول أوروبا مثل وكالة الأنباء الفرنسية والتلفزيون اليوناني والتلفزيون الإسباني ومراسلي بعض وكالات الأنباء العربية .

   وفي إطار هذا التنظيم المحكم يقتصر طرح الأسئلة على بعض المراسلين المقربين، في حين يكتفي الآخرون بالمتابعة ونقل جواب التصريح من سؤال الصحافيين المحظوظين . كما يقوم الناطق الرسمي باسم المركز الإعلامي باختيار المراسل الذي له الحق في طرح سؤال . ويتم ذلك بصفة مدروسة ومعدة سلفا، ولا يجوز تجاوزها، حيث يمكن أن يعلن الناطق انتهاء اللقاء الصحفي إذا تجرأ أحد المقربين من صحافي الثقة، على طرح سؤال محرج حول سير المعارك أو تجاوزات الحرب. ويجد الناطق في ذلك تبريرا وهو أن ليس له متسع من الوقت أو عليه أن يلتحق بقاعة العمليات حيث هناك الجديد والطارئ سيوافي به الصحافيين في نقطة إعلامية قادمة ومستعجلة.

  وفي نفس الحملة التضليلية حرصت إدارة الرئيس بوش الإبن كما بوش الأب في حرب الخليج الأولى على منع حصول أصوات المعارضة على فرصة للتعبير عن موقفها ضد الحرب. وعمدت إلى الحط من قيمة دعاة السلم وإظهارهم كأدوات لبلدان أخرى، وكأنهم عديمو الوطنية، مما جعل الإعلام "يسير على رجل واحدة" ولا تجد فيه تعبيرا إلا عن صوت واحد، في حين اختفت باقي الأصوات الموضوعية أو المعارضة الباحثة عن الحقيقة.

هكذا تم التحكم في حرب الخليج الأولى التي قادها بوش الأب وفي حرب الخليج الثانية التي قادها بوش الابن كما في الإمبراطوريات السابقة حيث الحكم بالتوريث من الأب الداهية إلى الإبن الأحمق، على غرار الخليفة معاوية الماكيافيلي وابنه وولي عهده يزيد المغرم باللهو والقصف والقِيّان.

   وفي حرب الخليج الثانية كان بوش الأحمق يستلقي ضحكا وهم يترجمون له ما كان يقوله وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف عن سير المعارك وانتصارات العراق الوهمية أو الحقيقية على "العلوج الأمريكان". وكان بوش يقول لمعاونيه :"هذا مثال المطلوب منكم إعلاميا . لقد هزمنا الصحاف في القدرة على الكذب الجميل".

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews