إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد مرور خمسين عاما على خوضها: حرب أكتوبر: نصر عسكري وهزيمة سياسية

 

بقلم:هشام الحاجي

لم تمض أيام عن مرور خمسين عاما على حرب أكتوبر التي انطلقت يوم 6 أكتوبر 1973. حدث مهم ولا يمكن أن لا يثير الكثير من الحنين وأيضا الإحباط لدى من تبقى مواجهة الكيان الصهيوني بوصلته. ذلك أنه من الضروري ان لا يلف النسيان هذا الحدث وأن تمثل ذكراه فرصة لمحاولة الإلمام ببعض جوانبه.لا شك أن كل ما يتعلق بالإعداد لخوض حرب أكتوبر في القاهرة ودمشق قد وقع الكشف عنه وأصبح هناك إدراك لكواليس الحدث وبرزت قراءات مختلفة لأبرز الفاعلين فيه .ولكن حرب أكتوبر تمثل لحظة مفصلية في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام، بل أن الدور التخريبي الذي يضطلع به الكيان الصهيونى في الوطن العربي- وعلى جميع المستويات- يجعل من حرب أكتوبر 1973 منعرجا حاسما في مسيرة الوطن العربي.

تنزيل هذه الحرب في سياق الصراع العربي- الصهيوني يتيح مجال قراءة أهم تداعياتها. لا يمكن فصل حرب أكتوبر عن السنوات التي سبقتها والتي أعقبت حرب جوان 1967 التي كانت كارثة كبرى على مصر وسوريا وخاصة على الشعب الفلسطيني. شكلت حرب جوان 1967 خيبة أمل عربية شاملة تعمقت بالخطاب الإعلامي الذي سبقها والذي بالغ في "التبشير بالنصر" وفي توعد الكيان الصهيوني بنهاية قريبة وحتمية وهو ما تجسد في لاءات القمة العربية التي احتضنها الخرطوم موفى أوت 1967 وكانت أول رد سياسي للنظام الرسمي العربي على انهيار جوان 1967.رفعت قمة الخرطوم شعار " لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض وهو ما يعني مواصلة التمسك بمبدأ المواجهة الشاملة وبان الصراع مع الكيان الصهيونى هو صراع وجود وليس صراع حدود . كانت الهوة سحيقة والبون شاسع بين الخطاب والواقع وكشفت هزيمة 1967 أن النظام المجتمعي المتخلف يصعب عليه أن يحقق مكاسب عسكرية. واذا كان الجدل لم يتوقف منذ ذلك التاريخ حول جدية تلويح جمال عبد الناصر بالانسحاب من رئاسة مصر فإن ما هو متأكد أن جمال عبد الناصر قد شرع منذ الساعات الأولى التي أعقبت الهزيمة في التخطيط لرد الفعل ولالحاق هزيمة بالجيش الصهيوني الذي أخذت الدعاية الصهيونية تصوره على أنه " الجيش الذي لا يقهر" .كانت سنة 1970 حافلة بحدثين كان لها تأثير على مستقبل الصراع العربي- الصهيوني وخاصة على مجريات حرب أكتوبر 1973. الحدثان هما المواجهة العسكرية الدامية التي كان الأردن مسرحا لها بين الدولة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي أدت إلى خلق شرخ معنوي وسياسي كبير في جبهة الدول التي تواجه الكيان الصهيوني وإلى إنهاء الوجود العسكري الفلسطيني في المملكة الأردنية وإلى أول تقارب موضوعي، غير معلن رسميا بين الكيان ودولة عربية وهذا ما جعل الأردن لا نكون طرفا في حرب أكتوبر 1973 بل تلعب دورا في تنبيه تل أبيب بالاستعدادات السورية والمصرية. الحدث الثاني الذي شهده نفس العام هو وفاة جمال عبد الناصر وحلول محمد أنور السادات محله وهو الذي لم يكن من قيادات الصف الأول في تنظيم " الضباط الأحرار " .واصل السادات السير في مخطط الاستعداد لحرب رد الاعتبار ولكنه شرع في الابتعاد تدريجيا عن الصديق السوفياتي وهو ما ستكون له نتائجه في ما بعد. خاض السادات حرب أكتوبر بحسابات ونوايا تختلف عن حسابات ونوايا شريكه في الحرب حافظ الأسد الذي تولى السلطة في سوريا سنة 1971. هذه المعطيات جعلت من حرب أكتوبر أقرب إلى انتصار غير مكتمل من الناحية العسكرية ولكنه هزيمة سياسية وهذه واحدة من المفارقات التي تكاد تكون أمرا يميز العرب في العقود الأخيرة.

هزيمة سياسية تظل تداعياتها فاعلة لحد الآن وتتجلى في :

- ارتباك في المقاربة السياسية للصراع العربي- الصهيوني: وذلك بالانزياح من مقاربة محكومة بالعواطف أكثر مما تحتكم للعقل وتعتبر أنه من السهولة بمكان القضاء على الكيان الصهيوني إلى مقاربة محكومة بالتواطؤ والعجز وكانت وراء تقديم تنازلات مجانية ومؤلمة للكيان الصهيوني وقد انطلقت هذه التنازلات مع إيقاف أنور السادات تقدم الجيش المصري في سيناء وتتواصل إلى اليوم في تهافت عدد من الأنظمة العربية على التطبيع مع الكيان الصهيوني. يلتقي الأمران في تقديم جرعة هواء حيوية للكيان كل مرة يشعر فيها بالاختناق دون أن يكون هناك مبرر موضوعي أو تكون هناك مكاسب إستراتيجية تفسر هذه التنازلات.

- تفكك النظام الرسمي العربي تدريجيا منذ نهاية حرب أكتوبر 1973 التي أفرزت هوة بين دمشق والقاهرة ثم إغتيال الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز ثم كانت هرولة أنور السادات للارتماء في أحضان الكيان الصهيوني رصاصة الرحمة على النظام الرسمي العربي ومؤسساته ودخلت الجامعة العربية في حالة عجز هيكلي معلن جعلها تتحول إلى عبء وإلى هيكل يزداد فشله يوميا بعد يوم.

- إخراج الجيوش العربية من معادلة مواجهة الكيان الصهيوني وتحولها شيئا فشيئا إلى أدوات تعاضد أجهزة الشرطة في ضبط الأوضاع داخل كل دولة. ويضاف إلى ذلك استنزاف أكبر الجيوش العربية في مغامرات غير محسوبة سياسيا كتلك التي خاضها الجيش العراقي في حرب الخليج الأولى والثانية وأيضا إنهاك الجيش السوري في العشرية الأخيرة هذا دون أن ننسى هدر إمكانيات الجيش السوداني في الأشهر الأخيرة في اقتتال داخلي عبثي.

- وضع كل الأوراق في سلة واشنطن: ساد وهمان لدى قطاعات فاعلة في النخب العربية الحاكمة وهما أن أمريكا ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تفقد التزامها بقيم الحرية وتقرير المصير للشعوب التي ترزح تحت نير الاستعمار وأنها مجرد قوة عالمية محايدة في الصراع العربي- الصهيوني. الوهمان ساهما في دعم نفوذ واشنطن في العالم وخاصة في منح الكيان الصهيوني أوراق قوة هامة وبطريقة مجانية

- تخلي النظام الرسمي العربي فعليا عن إسناد القضية الفلسطينية: أصبح واضحا منذ نهاية حرب أكتوبر 1973 أن القضية الفلسطينية ليست، في الغالب،؛ إلا ورقة توظفها الأنظمة العربية لدعم نفوذها ودورها إقليميا. كان من النتائج الواضحة لذلك دور النظام السوري في الحرب الأهلية التي عاشها لبنان في أعقاب حرب أكتوبر وما أدت إليه خاصة من نزع البندقية الفلسطينية ودفعها للابتعاد عن محيط المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني.

ولكن هناك ايجابيات أبرزتها حرب أكتوبر ويتعين الإشارة اليها ومن أبرزها:

- توظيف الطاقات والإمكانيات العربية في المعركة وهو ما تجلى في توظيف سلاح النفط العربي. قرار اتخذه الملك فيصل بن عبد العزيز وكان مؤثرا وفاعلا ودليلا على ضرورة الاستفادة من كل الموارد والإمكانيات العربية في صراع لن ينتهي ما لم يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

- إنهاء أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر لأن هذا الجيش لم يحقق أي انتصار منذ خيبة حرب أكتوبر وفشل مرتين في لبنان وحتى في مواجهة المقاومة الفلسطينية فإنه يواجه صعوبات كبيرة لا تتناسب مع ما لديه من إمكانيات وتجهيزات تتجاوز بفوارق ضوئية ما لدى المقاومة الفلسطينية.

وهذا ما يحيلنا إلى مبررات التفاؤل بالمستقبل والتي تتمثل أساسا في:

- المأزق السياسي والأخلاقي للمشروع الصهيوني والذي جعله ينزلق في متاهة عنجهية القوة التي تجعله عبءا على الأنظمة التي تدعمه وعلى ضمير الشعوب التي تتطلع إلى عالم تسوده قيم السلام والحرية.

- حيوية الشعب الفلسطيني وتمسكه بهويته التي عجزت كل سياسات الكيان عن تبخيرها والقضاء عليها. تميز الشعب الفلسطيني في العلوم والثقافة والفنون يمثل التربة الخصبة التي تنمو فيها شجرة المقاومة خاصة مع تمسك أسطوري بالأرض. هنا أسوق ما حدثني به صديق فلسطيني يقيم في تونس وكان مؤخرا في الأراضي الفلسطينية. قال لي إن الشباب الذين التقاهم أشاروا له أنهم يشعرون بالقلق والضجر حين يكونون في سفر خارج فلسطين وانهم يجدون كل متعتهم في مواجهة صعوبات مواجهة أساليب الكيان الصهيوني.

- بداية تشكل عالم متعدد الأقطاب وظهور أعراض الشيخوخة والوهن على النظام السياسي الأمريكي وهو تحول استراتيجي يتعين دعمه والمراهنة عليه خاصة مع تأكد السعي الصيني في لعب دور سياسي في المستوى العالمي.

- غياب مكاسب اقتصادية وسياسية لكل الأنظمة العربية التي راهنت على التطبيع مع الكيان الصهيوني. على العكس من ذلك كانت الحصيلة سلبية لأن الكيان تقوده عقلية النهب والاستحواذ ولا يعرف معنى اقتسام المكاسب بل أن منطق الاستعلاء والنهب تزداد استفحالا لديه يوما بعد يوم إلى حد جعل أحد رموز التطرف فيه تبرر استهداف مسيحيي فلسطين بشعائر تقطر حقدا وكراهية وتكشف عن سياسات تطهير عرقي تمييز على أساس ديني لا مكان لها في عالم يحترم نفسه.

 

 

 

 بعد مرور خمسين عاما على خوضها:  حرب أكتوبر: نصر عسكري وهزيمة سياسية

 

بقلم:هشام الحاجي

لم تمض أيام عن مرور خمسين عاما على حرب أكتوبر التي انطلقت يوم 6 أكتوبر 1973. حدث مهم ولا يمكن أن لا يثير الكثير من الحنين وأيضا الإحباط لدى من تبقى مواجهة الكيان الصهيوني بوصلته. ذلك أنه من الضروري ان لا يلف النسيان هذا الحدث وأن تمثل ذكراه فرصة لمحاولة الإلمام ببعض جوانبه.لا شك أن كل ما يتعلق بالإعداد لخوض حرب أكتوبر في القاهرة ودمشق قد وقع الكشف عنه وأصبح هناك إدراك لكواليس الحدث وبرزت قراءات مختلفة لأبرز الفاعلين فيه .ولكن حرب أكتوبر تمثل لحظة مفصلية في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام، بل أن الدور التخريبي الذي يضطلع به الكيان الصهيونى في الوطن العربي- وعلى جميع المستويات- يجعل من حرب أكتوبر 1973 منعرجا حاسما في مسيرة الوطن العربي.

تنزيل هذه الحرب في سياق الصراع العربي- الصهيوني يتيح مجال قراءة أهم تداعياتها. لا يمكن فصل حرب أكتوبر عن السنوات التي سبقتها والتي أعقبت حرب جوان 1967 التي كانت كارثة كبرى على مصر وسوريا وخاصة على الشعب الفلسطيني. شكلت حرب جوان 1967 خيبة أمل عربية شاملة تعمقت بالخطاب الإعلامي الذي سبقها والذي بالغ في "التبشير بالنصر" وفي توعد الكيان الصهيوني بنهاية قريبة وحتمية وهو ما تجسد في لاءات القمة العربية التي احتضنها الخرطوم موفى أوت 1967 وكانت أول رد سياسي للنظام الرسمي العربي على انهيار جوان 1967.رفعت قمة الخرطوم شعار " لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض وهو ما يعني مواصلة التمسك بمبدأ المواجهة الشاملة وبان الصراع مع الكيان الصهيونى هو صراع وجود وليس صراع حدود . كانت الهوة سحيقة والبون شاسع بين الخطاب والواقع وكشفت هزيمة 1967 أن النظام المجتمعي المتخلف يصعب عليه أن يحقق مكاسب عسكرية. واذا كان الجدل لم يتوقف منذ ذلك التاريخ حول جدية تلويح جمال عبد الناصر بالانسحاب من رئاسة مصر فإن ما هو متأكد أن جمال عبد الناصر قد شرع منذ الساعات الأولى التي أعقبت الهزيمة في التخطيط لرد الفعل ولالحاق هزيمة بالجيش الصهيوني الذي أخذت الدعاية الصهيونية تصوره على أنه " الجيش الذي لا يقهر" .كانت سنة 1970 حافلة بحدثين كان لها تأثير على مستقبل الصراع العربي- الصهيوني وخاصة على مجريات حرب أكتوبر 1973. الحدثان هما المواجهة العسكرية الدامية التي كان الأردن مسرحا لها بين الدولة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي أدت إلى خلق شرخ معنوي وسياسي كبير في جبهة الدول التي تواجه الكيان الصهيوني وإلى إنهاء الوجود العسكري الفلسطيني في المملكة الأردنية وإلى أول تقارب موضوعي، غير معلن رسميا بين الكيان ودولة عربية وهذا ما جعل الأردن لا نكون طرفا في حرب أكتوبر 1973 بل تلعب دورا في تنبيه تل أبيب بالاستعدادات السورية والمصرية. الحدث الثاني الذي شهده نفس العام هو وفاة جمال عبد الناصر وحلول محمد أنور السادات محله وهو الذي لم يكن من قيادات الصف الأول في تنظيم " الضباط الأحرار " .واصل السادات السير في مخطط الاستعداد لحرب رد الاعتبار ولكنه شرع في الابتعاد تدريجيا عن الصديق السوفياتي وهو ما ستكون له نتائجه في ما بعد. خاض السادات حرب أكتوبر بحسابات ونوايا تختلف عن حسابات ونوايا شريكه في الحرب حافظ الأسد الذي تولى السلطة في سوريا سنة 1971. هذه المعطيات جعلت من حرب أكتوبر أقرب إلى انتصار غير مكتمل من الناحية العسكرية ولكنه هزيمة سياسية وهذه واحدة من المفارقات التي تكاد تكون أمرا يميز العرب في العقود الأخيرة.

هزيمة سياسية تظل تداعياتها فاعلة لحد الآن وتتجلى في :

- ارتباك في المقاربة السياسية للصراع العربي- الصهيوني: وذلك بالانزياح من مقاربة محكومة بالعواطف أكثر مما تحتكم للعقل وتعتبر أنه من السهولة بمكان القضاء على الكيان الصهيوني إلى مقاربة محكومة بالتواطؤ والعجز وكانت وراء تقديم تنازلات مجانية ومؤلمة للكيان الصهيوني وقد انطلقت هذه التنازلات مع إيقاف أنور السادات تقدم الجيش المصري في سيناء وتتواصل إلى اليوم في تهافت عدد من الأنظمة العربية على التطبيع مع الكيان الصهيوني. يلتقي الأمران في تقديم جرعة هواء حيوية للكيان كل مرة يشعر فيها بالاختناق دون أن يكون هناك مبرر موضوعي أو تكون هناك مكاسب إستراتيجية تفسر هذه التنازلات.

- تفكك النظام الرسمي العربي تدريجيا منذ نهاية حرب أكتوبر 1973 التي أفرزت هوة بين دمشق والقاهرة ثم إغتيال الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز ثم كانت هرولة أنور السادات للارتماء في أحضان الكيان الصهيوني رصاصة الرحمة على النظام الرسمي العربي ومؤسساته ودخلت الجامعة العربية في حالة عجز هيكلي معلن جعلها تتحول إلى عبء وإلى هيكل يزداد فشله يوميا بعد يوم.

- إخراج الجيوش العربية من معادلة مواجهة الكيان الصهيوني وتحولها شيئا فشيئا إلى أدوات تعاضد أجهزة الشرطة في ضبط الأوضاع داخل كل دولة. ويضاف إلى ذلك استنزاف أكبر الجيوش العربية في مغامرات غير محسوبة سياسيا كتلك التي خاضها الجيش العراقي في حرب الخليج الأولى والثانية وأيضا إنهاك الجيش السوري في العشرية الأخيرة هذا دون أن ننسى هدر إمكانيات الجيش السوداني في الأشهر الأخيرة في اقتتال داخلي عبثي.

- وضع كل الأوراق في سلة واشنطن: ساد وهمان لدى قطاعات فاعلة في النخب العربية الحاكمة وهما أن أمريكا ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تفقد التزامها بقيم الحرية وتقرير المصير للشعوب التي ترزح تحت نير الاستعمار وأنها مجرد قوة عالمية محايدة في الصراع العربي- الصهيوني. الوهمان ساهما في دعم نفوذ واشنطن في العالم وخاصة في منح الكيان الصهيوني أوراق قوة هامة وبطريقة مجانية

- تخلي النظام الرسمي العربي فعليا عن إسناد القضية الفلسطينية: أصبح واضحا منذ نهاية حرب أكتوبر 1973 أن القضية الفلسطينية ليست، في الغالب،؛ إلا ورقة توظفها الأنظمة العربية لدعم نفوذها ودورها إقليميا. كان من النتائج الواضحة لذلك دور النظام السوري في الحرب الأهلية التي عاشها لبنان في أعقاب حرب أكتوبر وما أدت إليه خاصة من نزع البندقية الفلسطينية ودفعها للابتعاد عن محيط المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني.

ولكن هناك ايجابيات أبرزتها حرب أكتوبر ويتعين الإشارة اليها ومن أبرزها:

- توظيف الطاقات والإمكانيات العربية في المعركة وهو ما تجلى في توظيف سلاح النفط العربي. قرار اتخذه الملك فيصل بن عبد العزيز وكان مؤثرا وفاعلا ودليلا على ضرورة الاستفادة من كل الموارد والإمكانيات العربية في صراع لن ينتهي ما لم يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

- إنهاء أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر لأن هذا الجيش لم يحقق أي انتصار منذ خيبة حرب أكتوبر وفشل مرتين في لبنان وحتى في مواجهة المقاومة الفلسطينية فإنه يواجه صعوبات كبيرة لا تتناسب مع ما لديه من إمكانيات وتجهيزات تتجاوز بفوارق ضوئية ما لدى المقاومة الفلسطينية.

وهذا ما يحيلنا إلى مبررات التفاؤل بالمستقبل والتي تتمثل أساسا في:

- المأزق السياسي والأخلاقي للمشروع الصهيوني والذي جعله ينزلق في متاهة عنجهية القوة التي تجعله عبءا على الأنظمة التي تدعمه وعلى ضمير الشعوب التي تتطلع إلى عالم تسوده قيم السلام والحرية.

- حيوية الشعب الفلسطيني وتمسكه بهويته التي عجزت كل سياسات الكيان عن تبخيرها والقضاء عليها. تميز الشعب الفلسطيني في العلوم والثقافة والفنون يمثل التربة الخصبة التي تنمو فيها شجرة المقاومة خاصة مع تمسك أسطوري بالأرض. هنا أسوق ما حدثني به صديق فلسطيني يقيم في تونس وكان مؤخرا في الأراضي الفلسطينية. قال لي إن الشباب الذين التقاهم أشاروا له أنهم يشعرون بالقلق والضجر حين يكونون في سفر خارج فلسطين وانهم يجدون كل متعتهم في مواجهة صعوبات مواجهة أساليب الكيان الصهيوني.

- بداية تشكل عالم متعدد الأقطاب وظهور أعراض الشيخوخة والوهن على النظام السياسي الأمريكي وهو تحول استراتيجي يتعين دعمه والمراهنة عليه خاصة مع تأكد السعي الصيني في لعب دور سياسي في المستوى العالمي.

- غياب مكاسب اقتصادية وسياسية لكل الأنظمة العربية التي راهنت على التطبيع مع الكيان الصهيوني. على العكس من ذلك كانت الحصيلة سلبية لأن الكيان تقوده عقلية النهب والاستحواذ ولا يعرف معنى اقتسام المكاسب بل أن منطق الاستعلاء والنهب تزداد استفحالا لديه يوما بعد يوم إلى حد جعل أحد رموز التطرف فيه تبرر استهداف مسيحيي فلسطين بشعائر تقطر حقدا وكراهية وتكشف عن سياسات تطهير عرقي تمييز على أساس ديني لا مكان لها في عالم يحترم نفسه.

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews