إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

على هامش زيارة الحشاني الى الجزائر.. كيف نترجم العلاقات الطبية الى إنجازات حقيقية ؟

 

العلاقات التونسية الجزائرية لا يجب أن تقتصر على مجرّد زيارات دورية ولابد من تفعيل لجان الشراكة واستغلال البعد التاريخي والحضاري للمناطق الحدودية بين البلدين

بقلم:ريم بالخذيري

الكل يتّفق على أن تونس والجزائر هما شعب واحد في بلدين ولديهما تاريخ طويل مشترك تجسّد في سيلان الدمّين في احداث ساقية سيدي يوسف يوم8 فيفري 1958 حينما اتّحد مناضلو البلدين لصدّ الهجوم الفرنسي. ومنه انطلقت عبارات مثل "خاوة..خاوة" و "الجزائر الشقيقة الكبرى لتونس".

وقد بلغت العلاقات مداها في العشرية السوداء التي مرّت بها الجزائر من 1992 الى 2002 حيث لعبت تونس دورا مهمّا في مساعدة الأشقاء خاصة على المستوى الأمني وحماية الحدود وكذلك لعبت دورا في المصالحة التي حدثت في نهاية هذه الحقبة الدموية.

وفي المقابل حاولت الجزائر مساعدة تونس في العشرية الأخيرة وكان كل رئيس حكومة جديد يقوم بأول زياراته الخارجية لها ما يوحي بأن العلاقات تكاد ترتقي الى الشراكة الشاملة .لكن الواقع غير ذلك وهذه العلاقات الطيبة والخطاب السياسي المتميز والزخم الشعبي لا يعكس واقع الحال في الميزان التجاري وفي الاستثمارات وحتى في المساعدات .

ميزان تجاري محتشم ومختلّ

بدأت التعاملات التجارية بين البلدين في التبلور الحقيقي منذ4 ديسمبر 2008 الذي تم فيه امضاء الاتفاقية التجارية التفاضلية بين البلدين ودخلت حيز التطبيق الفعلي في غرة مارس 2014 وهي تنص على منح كلا البلدين بعضهما البعض امتيازات لا تقل أهمية على تلك التي يمنحها كل منهما إلى الإتحاد الأوروبي. وبالتالي فإنه بمقتضى هذا الاتفاق تتمتع كل السلع الصناعية الجزائرية بالإعفاء التام من المعاليم الديوانية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل عند دخولها السوق التونسية‎.‎

وكذلك إعفاء تام لقائمة من السلع التونسية من المعاليم الديوانية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل عند دخولها إلى السوق الجزائرية وتخفيض هذه الرسوم ‏والضرائب بنسبة 40 % لقائمة ثانية، في حين لا تتمتع بقية السلع غير المدرجة ضمن القائمة الأولى والثانية بأية امتيازات جمركية‎.‎‎

كما نص هذا الاتفاق على تبادل إعفاءات تعريفية للمواد الفلاحية في إطار حصص سنوية لقائمتين من المنتجات التونسية (25 منتج) و الجزائرية (19 منتج).

غير أن هذا الاتفاق تعترضه صعوبات كبيرة في التطبيق .وهو ما يجعل حجم المبادلات التجارية ضعيف ولا يتماشي والعلاقات المتميزة بين البلدين .

وقد سجلت تونس عجزا تجاريا مع جارتها في 2022 بلغ 1.3 مليار دولار.

ورغم تطور هذه المبادلات خلال 8 أشهر الأولى من سنة 2023، بنسبة 58 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الفارطة.

وقد صدّرت تونس إلى الجزائر منتوجات وسلعا بقيمة 7.730 مليون دينار في حين ورّدت من السّوق الجزائرية منتوجات بقيمة تقارب 3743 مليون دينار وهو ما يجعل القيمة الاجمالية للمبادلات التجارية تناهز 4474 مليون دينار.

وتتمثّل الصّادرات التونسيّة نحو السّوق الجزائريّة أساسا في الصّناعات التحويليّة بنسبة 36 بالمائة من اجمالي الصادرات والميكانيكيّة بنسبة 32 بالمائة، تليها المواد الإلكترونيّة بنسبة 13بالمائة والمواد المنجميّة بنسبة 8 بالمائة والمنتجات الغذائيّة والفلاحيّة 6 بالمائة.

وتورّد تونس أساسا من الجزائر الكهرباء و الغاز بنسبة تناهز 15بالمائة .

السوق الموازية ...

المبادلات التجارية "الحقيقية" بين البلدين تنشط على الحدود البرية حيث يتمّ تهريب السلع بكل أنواعها .

ويقول خبراء جزائريون أنه بالنسبة إلى سكان المناطق الحدودية، يوفّر تهريب السلع المحظورة من وإلى تونس إحدى فرص العمل القليلة الثمينة، في منطقة تتسم عادةً بالبطالة. وهذا النشاط يجري على قدم وساق وعلى نطاق واسع إلى درجة أنه خلق اقتصاداً موازياً غير مشروع. وتضيف دراسات أنجزت في هذا الاطار أن أي فهم لأهمية التهريب عبر الحدود في الجزائر لن يكون تاماً أو منجزاً من دون أن يوضع في الاعتبار الحقيقة بأن المهربين، على وجه العموم، متواطئون مع مسؤولي الحدود الجزائريين. وهو ما يجعل هذه الظاهرة مقبولة من لُدن السلطات العليا المحلية، التي تبرّر التراخي في إنفاذ القانون بالقول إن السلع المهرّبة إلى تونس تخدم كمحرّك للاقتصاد المحلي في المناطق المهمشة والمتخلفة. وبالتالي، فهي تخفف من وطأة السخط ضد الحكومة المركزية في الجزائر العاصمة.

فإذا قامت الدولة بقمع المهربين، فسيشعر سكان الأراضي الحدودية بمزيد من اللامبالاة وقد تزداد المنطقة اضطراباً. علاوةً على ذلك، من دون وسيلة بديلة لكسب لقمة العيش، سيواصل بعض الأشخاص الانخراط في التهريب، من دون منح مسؤولي الحدود الإشراف على أنشطتهم. وقد يقع هؤلاء المهربون فريسة لإغراءات الإرهابيين.

وهذا الأسلوب كان معتمدا من السلطة التونسية قبل 2011 على الحدود التونسية الليبية وفي المعابر الحدودية. لكن تنامي ظاهرة الإرهاب وانخراط عدد من المهربين فيه أوقف هذا التراخي وبدأت معاملة المهرّب كالإرهابي .

حلول متاحة

العلاقات التونسية الجزائرية بإمكانها أن ترتقي لمرتبة الشراكة الشاملة شرط توفّر الإرادة السياسية بين البلدين ولا يجب أن تقتصر على مجرّد زيارات دورية ولابد من تفعيل لجان الشراكة .كما يجب استغلال البعد التاريخي والحضاري للمناطق الحدودية بين البلدين .

هذه الشراكة الشاملة لابدّ أن تتجسّد على أرض الواقع ب:

• تفعيل قرارات اللجان الكثيرة التي أقرّت انشاء مناطق تجارية على الحدود وخاصة في ساقية سيدي يوسف بشقيها التونسي والجزائري فهي المكان الأفضل للقيام بهذا المشروع الذي طال انتظاره.

• الغاء كل الحواجز الجمركية على البضائع تصديرا وتوريدا.

• منح المستثمرين في البلدين مرتبة المستثمر الوطني .

• الغاء العمل بحواز السفر والاكتفاء ببطاقة التعريف الوطنية.

• التسريع في انشاء خط حديدي يربط بين البلدين لنقل الأشخاص والبضائع.

بهذه القرارات يمكن أن تترجم العلاقات الطيبة والأخوية على أرض الواقع ويمكن أن تكون زيارة رئيس الحكومة الى الجزائر والاتفاقيات الكثيرة التي أمضيت بين البلدين منطلقا لكل هذا.

 

 

 

 

 

على هامش زيارة الحشاني الى الجزائر..   كيف نترجم العلاقات الطبية الى إنجازات حقيقية ؟

 

العلاقات التونسية الجزائرية لا يجب أن تقتصر على مجرّد زيارات دورية ولابد من تفعيل لجان الشراكة واستغلال البعد التاريخي والحضاري للمناطق الحدودية بين البلدين

بقلم:ريم بالخذيري

الكل يتّفق على أن تونس والجزائر هما شعب واحد في بلدين ولديهما تاريخ طويل مشترك تجسّد في سيلان الدمّين في احداث ساقية سيدي يوسف يوم8 فيفري 1958 حينما اتّحد مناضلو البلدين لصدّ الهجوم الفرنسي. ومنه انطلقت عبارات مثل "خاوة..خاوة" و "الجزائر الشقيقة الكبرى لتونس".

وقد بلغت العلاقات مداها في العشرية السوداء التي مرّت بها الجزائر من 1992 الى 2002 حيث لعبت تونس دورا مهمّا في مساعدة الأشقاء خاصة على المستوى الأمني وحماية الحدود وكذلك لعبت دورا في المصالحة التي حدثت في نهاية هذه الحقبة الدموية.

وفي المقابل حاولت الجزائر مساعدة تونس في العشرية الأخيرة وكان كل رئيس حكومة جديد يقوم بأول زياراته الخارجية لها ما يوحي بأن العلاقات تكاد ترتقي الى الشراكة الشاملة .لكن الواقع غير ذلك وهذه العلاقات الطيبة والخطاب السياسي المتميز والزخم الشعبي لا يعكس واقع الحال في الميزان التجاري وفي الاستثمارات وحتى في المساعدات .

ميزان تجاري محتشم ومختلّ

بدأت التعاملات التجارية بين البلدين في التبلور الحقيقي منذ4 ديسمبر 2008 الذي تم فيه امضاء الاتفاقية التجارية التفاضلية بين البلدين ودخلت حيز التطبيق الفعلي في غرة مارس 2014 وهي تنص على منح كلا البلدين بعضهما البعض امتيازات لا تقل أهمية على تلك التي يمنحها كل منهما إلى الإتحاد الأوروبي. وبالتالي فإنه بمقتضى هذا الاتفاق تتمتع كل السلع الصناعية الجزائرية بالإعفاء التام من المعاليم الديوانية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل عند دخولها السوق التونسية‎.‎

وكذلك إعفاء تام لقائمة من السلع التونسية من المعاليم الديوانية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل عند دخولها إلى السوق الجزائرية وتخفيض هذه الرسوم ‏والضرائب بنسبة 40 % لقائمة ثانية، في حين لا تتمتع بقية السلع غير المدرجة ضمن القائمة الأولى والثانية بأية امتيازات جمركية‎.‎‎

كما نص هذا الاتفاق على تبادل إعفاءات تعريفية للمواد الفلاحية في إطار حصص سنوية لقائمتين من المنتجات التونسية (25 منتج) و الجزائرية (19 منتج).

غير أن هذا الاتفاق تعترضه صعوبات كبيرة في التطبيق .وهو ما يجعل حجم المبادلات التجارية ضعيف ولا يتماشي والعلاقات المتميزة بين البلدين .

وقد سجلت تونس عجزا تجاريا مع جارتها في 2022 بلغ 1.3 مليار دولار.

ورغم تطور هذه المبادلات خلال 8 أشهر الأولى من سنة 2023، بنسبة 58 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الفارطة.

وقد صدّرت تونس إلى الجزائر منتوجات وسلعا بقيمة 7.730 مليون دينار في حين ورّدت من السّوق الجزائرية منتوجات بقيمة تقارب 3743 مليون دينار وهو ما يجعل القيمة الاجمالية للمبادلات التجارية تناهز 4474 مليون دينار.

وتتمثّل الصّادرات التونسيّة نحو السّوق الجزائريّة أساسا في الصّناعات التحويليّة بنسبة 36 بالمائة من اجمالي الصادرات والميكانيكيّة بنسبة 32 بالمائة، تليها المواد الإلكترونيّة بنسبة 13بالمائة والمواد المنجميّة بنسبة 8 بالمائة والمنتجات الغذائيّة والفلاحيّة 6 بالمائة.

وتورّد تونس أساسا من الجزائر الكهرباء و الغاز بنسبة تناهز 15بالمائة .

السوق الموازية ...

المبادلات التجارية "الحقيقية" بين البلدين تنشط على الحدود البرية حيث يتمّ تهريب السلع بكل أنواعها .

ويقول خبراء جزائريون أنه بالنسبة إلى سكان المناطق الحدودية، يوفّر تهريب السلع المحظورة من وإلى تونس إحدى فرص العمل القليلة الثمينة، في منطقة تتسم عادةً بالبطالة. وهذا النشاط يجري على قدم وساق وعلى نطاق واسع إلى درجة أنه خلق اقتصاداً موازياً غير مشروع. وتضيف دراسات أنجزت في هذا الاطار أن أي فهم لأهمية التهريب عبر الحدود في الجزائر لن يكون تاماً أو منجزاً من دون أن يوضع في الاعتبار الحقيقة بأن المهربين، على وجه العموم، متواطئون مع مسؤولي الحدود الجزائريين. وهو ما يجعل هذه الظاهرة مقبولة من لُدن السلطات العليا المحلية، التي تبرّر التراخي في إنفاذ القانون بالقول إن السلع المهرّبة إلى تونس تخدم كمحرّك للاقتصاد المحلي في المناطق المهمشة والمتخلفة. وبالتالي، فهي تخفف من وطأة السخط ضد الحكومة المركزية في الجزائر العاصمة.

فإذا قامت الدولة بقمع المهربين، فسيشعر سكان الأراضي الحدودية بمزيد من اللامبالاة وقد تزداد المنطقة اضطراباً. علاوةً على ذلك، من دون وسيلة بديلة لكسب لقمة العيش، سيواصل بعض الأشخاص الانخراط في التهريب، من دون منح مسؤولي الحدود الإشراف على أنشطتهم. وقد يقع هؤلاء المهربون فريسة لإغراءات الإرهابيين.

وهذا الأسلوب كان معتمدا من السلطة التونسية قبل 2011 على الحدود التونسية الليبية وفي المعابر الحدودية. لكن تنامي ظاهرة الإرهاب وانخراط عدد من المهربين فيه أوقف هذا التراخي وبدأت معاملة المهرّب كالإرهابي .

حلول متاحة

العلاقات التونسية الجزائرية بإمكانها أن ترتقي لمرتبة الشراكة الشاملة شرط توفّر الإرادة السياسية بين البلدين ولا يجب أن تقتصر على مجرّد زيارات دورية ولابد من تفعيل لجان الشراكة .كما يجب استغلال البعد التاريخي والحضاري للمناطق الحدودية بين البلدين .

هذه الشراكة الشاملة لابدّ أن تتجسّد على أرض الواقع ب:

• تفعيل قرارات اللجان الكثيرة التي أقرّت انشاء مناطق تجارية على الحدود وخاصة في ساقية سيدي يوسف بشقيها التونسي والجزائري فهي المكان الأفضل للقيام بهذا المشروع الذي طال انتظاره.

• الغاء كل الحواجز الجمركية على البضائع تصديرا وتوريدا.

• منح المستثمرين في البلدين مرتبة المستثمر الوطني .

• الغاء العمل بحواز السفر والاكتفاء ببطاقة التعريف الوطنية.

• التسريع في انشاء خط حديدي يربط بين البلدين لنقل الأشخاص والبضائع.

بهذه القرارات يمكن أن تترجم العلاقات الطيبة والأخوية على أرض الواقع ويمكن أن تكون زيارة رئيس الحكومة الى الجزائر والاتفاقيات الكثيرة التي أمضيت بين البلدين منطلقا لكل هذا.

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews