إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

جامعيون في منتدى منظمة البوصلة.. تنبيه من تداعيات ضعف النشاط السياسي والمدني على الانتخابات المحلية

 

تونس-الصباح

لمتابعة مسار اللامركزية، قررت منظمة البوصلة حسب ما أشار إليه أمين الخراط محلل السياسات بهذه المنظمة إطلاق سلسلة من اللقاءات الحوارية حول الانتخابات المحلية وذلك تبعا لصدور الأوامر المتعلقة بدعوة الناخبين يوم الأحد 24 ديسمبر 2023 لهذه الانتخابات،  وبتحديد تراب الأقاليم، والمراسيم المتعلقة بتنقيح القانون الانتخابي وبتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم، وقال إن الهدف منها هو فتح باب النقاش العام حول المسائل المتصلة بالمشاركة السياسية والديمقراطية والحريات بشكل عام.

واستضافت المنظمة في اللقاء الأول المنعقد مساء أول أمس كلا من منى كريم أستاذة القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية ومهدي العش الباحث في المفكرة القانونية.

وبينت كريم أن الكثير من التونسيين يتعاملون مع الانتخابات ببرود ويقولون إنهم لا ينتظرون منها شيئا وهو ما أمكن ملاحظته من خلال نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وتطرقت الجامعية للمراسيم التي أصدرها رئيس الجمهورية قبل انطلاق مجلس نواب الشعب في أعماله قالت إنها أحدثت لخبطة كبيرة على مستوى هرمية القوانين ومن بين هذه المراسيم هناك ثلاثة مراسيم متعلقة بالانتخابات المقبلة، وفسرت أن المراسيم تتم في ثلاث حالات، أولها عندما يفوض البرلمان لرئيس الجمهورية في اتخاذ المراسيم وفق ما نص عليه الفصل 70 من دستور2022 والذي جاء فيه أنه لمجلس نواب الشّعب أن يفوّض لمدّة محدودة ولغرض معين إلى رئيس الجمهورية اتخاذ مراسيم يعرضها على مصادقة المجلس إثر انقضاء المدة المذكورة  أما الحالة الثانية فهي خلال العطلة البرلمانية وذلك طبقا للفصل 73 من الدستور والذي نص على أنه لرئيس الجمهورية أن يتخذ خلال عطلة المجلس بعد إعلام اللجنة القارة المختصة مراسيم يقع عرضها على مصادقة مجلس نواب الشعب وذلك في الدورة العادية الموالية للعطلة، وبالنسبة إلى الحالة الثالثة فقد نص عليها الفصل 80 من الدستور وجاء في هذا الفصل أنه "في حالة حل مجلس نواب الشعب، لرئيس الجمهورية إصدار مراسيم تعرض على مصادقة المجلس في دورته العادية الأولى. يستثنى القانون الانتخابي من مجال المراسيم" ويفهم من هذا الفصل أنه يمكن للرئيس حل البرلمان متى يريد وبالتالي البرلمان ليس سلطة مضادة بل هو في تبعية للسلطة التنفيذية كما أن الحكومة في الدستور ليس من حقها الاستقالة وهي في حالة ملكية لرئيس الجمهورية والحالة الوحيدة التي تستقيل فيها الحكومة هي عند التصويت على لائحة لوم من قبل مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. وأضافت الأستاذة منى كريم أن الفصل 75 من الدستور حدد المجال القانوني بمعنى الميادين التي يقع تنظيمها بقانون وخول لمجلس نواب الشعب لوحده سن قوانين ويوجد من بين هذه الميادين المسائل المتعلقة بالانتخابات وهو ما يعني أن المادة الانتخابية تنظم فقط بقانون أساسي كما جاء في الدستور أن النصوص المتعلقة بتنظيم المجالس الجهوية والمحلية تنظم فقط بقانون أساسي وليس بمرسوم والأهم من ذلك فإن الفقرة الثانية من الفصل 80 استثنت بصريح العبارة القانون الانتخابي من مجال المراسيم، لكن رئيس الجمهورية مرر المراسيم قبل ثلاثة أيام فقط من الجلسة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب.

بناء تصعيدي

ولدى حديثها عن مكامن اللامركزية في دستور 2022 والمراسيم والأوامر الرئاسية قالت الجامعية منى كريم إن هذه العبارة لا وجود لها في دستور 2022 وفي المقابل في دستور 2014 تم التنصيص على أن الدولة تعمل على دعم اللامركزية في إطار وحدة الدولة كما تضمن بابا كاملا تحت عنوان السلطة المحلية، وبينت أن دستور 2022 في الباب السادس المتعلق بالجماعات المحلية والجهويّة والوارد في فصل وحيد نص على أن تمــارس المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحليّة المصالح المحليـــّة والجهويّة حسب ما يضبطه القانون.

وتعقيبا على سؤال حول علاقة هذا الفصل بالبناء القاعدي أجابت أن من يدعون امتلاك المعرفة يقولون إن البناء القاعدي يعني أن الشعب هو الذي يحكم لكن بالعودة إلى المراسيم عدد 8 و9 و10 لسنة 2023 المؤرخة في 8 مارس 2023 والمتعلقة بتنقيح القانون الانتخابي وبحل المجالس البلدية وبتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم يتضح أن الشعب يشارك مباشرة في الانتخابات على مستوى العمادة فقط وبعدها لا يكون له أي دور في تصعيد نواب المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.. وردا على سؤال حول ما إذا كانت الانتخابات المحلية المرتقبة دعما للامركزية أم هي خطوة لمركزة السلطة ذكرت أنها ترى أن هذه الانتخابات هي دعم لمركزة السلطة.. ولاحظت أن أهم مرسوم هو المرسوم عدد 9 والذي تم بمقتضاه حل جميع المجالس البلدية وتعهيد المكلف بالكتابة العامة للبلدية بتسيير شؤون البلدية وذلك تحت إشراف الوالي وهو تجسيد لسلطة المركز والأهم من ذلك إلغاء جميع النصوص المخالفة للمرسوم وأهمها مجلة الجماعات المحلية التي تم إعدادها بجهد كبير ولكن بجرة قلم تم إلغاء كل الأحكام الموجودة في هذه المجلة والمخالفة للمرسوم عدد 9. وقالت كريم إن توقيت إصداره في 8 مارس أي قبل شهرين من انتهاء عهدة المجالس البلدية وقبل 3 أيام من انطلاق مجلس نواب الشعب الجديد في مهامه دليل عن وجود رغبة في السيطرة على المشهد المحلي.. أما بالنسبة إلى المرسوم عدد 8 والذي تعلق بتنقيح القانون الانتخابي ففيه خرق صارخ لمقتضات دستور 2022 الذي نص على أن المادة الانتخابية تكون بقانون أساسي وإضافة إلى ذلك فانه منع مزدوجي الجنسية والأجانب المقيمين في تونس من الترشح للانتخابات كما منع العديد من الوظائف من الترشح لعضوية المجالس البلدية وتم بموجبه تغيير نظام الاقتراع من نظام اقتراع على القائمات إلى نظام اقتراع على الأفراد وتم التنصيص على التزكيات وذكرت أنها لا تعرف سبب الإصرار على شرط التزكيات كما تم تغيير سن الترشح من 18 إلى 20 سنة.

وبخصوص المرسوم العاشر المتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم أشارت الجامعية إلى أنه جاء في إطار تنزيل الفصل الوحيد الوارد في الباب السابع من الدستور والذي اندثرت منه عبارة السلطة المحلية التي كانت موجودة في دستور 2014  كما اندثرت مبادئ التدبير الحر والاستقلالية الإدارية والمالية والتشاركية والحال أن رئيس الجمهورية يحمل شعار "الشعب يريد"، وأضافت أن الانتخابات ستكون بمقتضاه على مستوى العمادة التي تمثل دائرة انتخابية وهو ما من شأنه أن يعزز العروشية وحظوظ العائلات النافذة وفضلا عن ذلك فقد تم اعتماد التناصف في التزكيات لا في الترشحات وهو ما سيحد من مشاركة المرأة في الجهات الداخلية، وسيكون الاقتراع في الانتخابات المحلية على دوريتن ويختار الناخب مترشحا واحدا دون شطب أو تغيير أو إضافة..

وخلصت أستاذة القانون الدستوري منى كريم إلى أن سيادة الشعب وهم، لأن الشعب لا يختار بصفة مباشرة إلا في انتخابات أعضاء المجالس المحلية التي تقام على مستوى العمادات وبعد ذلك ينتهي دوره لأنه من خلال المجلس المحلي يقع تصعيد مجلس جهوي ومن المجلس الجهوي يتم تصعيد مجلس أقاليم ومن مجالس الجهات والأقاليم يقع تصعيد مجلس وطني للجهات والأقاليم ولكن لا أحد يعرف إلى حد الآن ما الذي سيقوم به هذا المجلس الذي يعتبر غرفة نيابية ثانية لأن الفصل 56 من الدستور نص على أن يفوض الشعب صاحب السيادة الوظيفة التشريعية لمجلس نيابي أول وهو مجلس نواب الشعب ومجلس نيابي ثاني وهو المجلس الوطني للجهات والأقاليم  وبالتالي فإن البناء ليس ببناء قاعدي بل هو بناء تصعيدي ينتهي بتركيز غرفة نيابية ثانية يتمتع أعضاؤها بالحصانة مع إمكانية سحب الوكالة منهم وتتمثل صلاحياته في النظر في المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية لضمان التوازن بين الجهات والأقاليم، والرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية ويمكن لثلث أعضائه الطعن بعدم دستورية أحكام قانون المالية أمام المحكمة الدستورية ويمكن لنصف أعضائه الطعن بعدم دستورية القوانين أمام المحكمة الدستورية ويمكن لأي عضو من أعضائه التوجه لأعضاء الحكومة بأسئلة كتابية وشفاهية ويمكن للمجلس دعوة الحكومة للحوار معها حول السياسات التي تم اتابعها والنتائج التي وقع تحقيقها ويمكنه بمعية مجلس نواب الشعب توجيه لائحة لوم للحكومة وخلصت إلى أن إرساء المجلس الوطني للجهات والأقاليم كان بالإمكان أن لا يستوجب انتخابات معقدة كما هو عليه الحال اليوم كما انه لا يستجيب لفكرة البناء القاعدي ومفهوم سيادة الشعب وهو لا يعبر عن دعم اللامركزية بل في المقابل هو تدعيم للمركز.

بناء قاعدي

مهدي العش الباحث في المفكرة القانونية أجاب بدوره عن سؤال حول ما إذا كانت الانتخابات المحلية تجسيدا للبناء القاعدي، وفسر مفهوم البناء القاعدي بالإشارة إلى أن هذه الفكرة تبلورت نتيجة التقاء تيارين ظهرا بعد الثورة وتشكل التيار الأول في قوى تونس الحرة والذي رأى الناشطون فيه في مجالس حماية الثورة التي برزت في الأحياء تعبيرة مجالسية مماثلة لحركات ثورية عرفتها بلدان أوروبية وقد حالوا استلهام نظرية ديمقراطية تتجاوز نقائص الديمقراطية التمثيلية وكانوا يرون أنه يمكن من خلال ذلك الحراك تأسيس نظام سياسي جديد ومنهم بالخصوص سنية الشربطي ورضا شهاب المكي، ولكن هذه الأفكار لم تتطور إلى نظرية ومن بين شعاراتها الديمقراطية المباشرة التي لا تمر عبر الأحزاب السياسية والوكالة المباشرة التي يمكن للناخب سحبها عندما يرى أن الشخص الذي انتخبه خان الوكالة، كما أن هذا الطرح كان يمثله الأستاذ قيس سعيد عندما كان مدرسا في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية فبعدما تشكلت هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في مارس 2011 حصل نقاش داخلها حول نظام الاقتراع وكان هناك توجه أغلبي نحو اختيار النظام النسبي مع أكبر البقايا في حين كان هناك توجه آخر مغاير خارجها عبر عنه الأستاذ قيس سعيد والعميد الصادق بلعيد إذ أنهما دافعا عن الاقتراع على الأفراد والحال أن الأغلبية صلب الهيئة كانت ترى أن التقسيم الترابي الموجود لا يتوافق مع هذا النظام لأنه يقوم على المعتمديات ولأن هناك فوارق ديموغرافية بين المعتمديات وفي المقابل كان سعيد يقول إن الفوارق الديموغرافية بين المعتمديات مهمة جدا لتحقيق أهداف الثورة التي انطلقت من الجهات المهمشة التي فيها عدد أكبر من المعتمديات لكنها بعدد سكان أقل من الجهات المحظوظة تنمويا والتقت معه حول هذه الفكرة قوى تونس الحرة وأدى هذا التلافي إلى إنتاج مشروع البناء القاعدي بمعنى أن تتم الانتخابات في أصغر الدوائر وهي العمادات وتتم على الأفراد وذلك في تجاوز للأحزاب السياسية والأجسام الوسيطة وتسفر الانتخابات عن تشكيل مجلس محلي ومن خلاله يقع تشكيل مجلس جهوي ثم مجلس وطني لكن بعد ذلك عدل سعيد الفكرة وإضافة إلى المجالس المحلية والمجالس الجهوية جاء بمجالس الأقاليم بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم.

وأضاف العش أن البناء القاعدي هو من الناحية التقنية بكل بساطة نظام سياسي ونظام اقتراع ويكمن المشكل في البناء القاعدي في أن السلطة تبقى في يد رئيس الجمهورية فهو المسيطر قانونيا على البرلمان وهذا النظام ليس نظاما رئاسيا لأن تغييب الأحزاب من المشهد وطريقة تصعيد البرلمان جعل البرلمان من الناحية السياسية غير قادر على أن يكون سلطة مضادة لأن التوازن السياسي لا يتحقق إلا عندما يكون البرلمان متكونا من قوى سياسية قوية ومهيكلة.. وبين الباحث أن مشروع البناء القاعدي تم نشر وثيقة حوله سنة 2013 وقام مساندوه لاحقا بحملات تفسيرية له ولكن كان هناك تناقض جوهري في طريقة تنزيله لأن الرئيس قيس سعيد ورغم انه عند ترشحه للانتخابات التشريعية أعلن عن تبنيه للنظام القاعدي فإنه لم يتحدث عنه إلا في جويلية 2021 خلال لقاء جمعه بالناشط السياسي شهاب المكي قبيل أيام قليلة من تعليق أشغال البرلمان وحتى في ذلك اللقاء لم يعن عن توجه نحو تكريس البناء القاعدي ولم يدع التونسيين إلى إبداء رأيهم فيه أو الانخراط في هذا التوجه بل أعلن عن تفعيل الفصل 80 من الدستور ثم أصدر الأمر عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية وبعدها أطلق استشارة الكترونية كانت أسئلتها موجهة لنظام يقوم على البناء القاعدي وفيه نظام رئاسي واقتراع على الأفراد وسحب الوكالة ورغم أن نتيجة الاستشارة عبرت عن رغبة الأغلبية في تنقيح دستور 2014 فإن رئيس الجمهورية اختار سن دستور جديد ولم يأخذ فيه بعين الاعتبار المشروع الذي أعدته الخبراء في الهيئة الاستشارية التي عينها بنفسه لصياغة مشروع دستور جديد والتي ترأسها العميد الصادق بلعيد. وقام بوضع دستور نص على مجلس وطني للجهات والأقاليم دون إعلان عن كيفية انتخابه، ولاحظ الباحث أن الفصل المتعلق بمجال القانون تسربت إليه عبارة المجالس المحلية وهي بصمة واضحة للبناء القاعدي الذي ينطلق من انتخابات محلية على الأفراد. ويرى أن دور المجلس الوطني للجهات والأقاليم غير واضح باستثناء ما يتعلق بالتنمية والرقابة وإمكانية تقديم لائحة لوم بمعية مجلس نواب الشعب ولكن يبقى التصويت لفائدة هذه العريضة أشبه بالمستحيل.

خطاب المركز

وبخصوص كيفية التصعيد للمجلس الوطني للجهات والأقاليم قال الباحث مهدي العش إنه تم اعتماد آلية القرعة ليس كبديل عن الانتخاب بل هي تتم بعد الانتخابات وتكون كل ثلاثة أشهر، وأشار إلى أن الأهم من ذلك هو أن المجالس المحلية فيها ممثلون عن الإدارات المحلية وبهذه الكيفية سيتم تكريس خطاب الإدارة التي يمثلها المركز.. وذكر أنه لا أحد يعرف إلى حد الآن ما هي وظائف المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم والمجلس الوطني للجهات والأقاليم رغم انطلاق المسار الانتخابي.

ونبه المشاركون في المنتدى الأول لمنظمة البوصلة من تداعيات ضعف النشاط السياسي والمدني في تونس في الفترة الأخيرة وقالوا إن هذا المناخ المتسم بعدم مشاركة الأحزاب والتضييق على الحريات سينعكس سلبا على الانتخابات المرتقبة، وحسب توقعاتهم، ستكون الحملة الانتخابية باهتة.

سعيدة بوهلال

جامعيون في منتدى منظمة البوصلة..   تنبيه من تداعيات ضعف النشاط السياسي والمدني على الانتخابات المحلية

 

تونس-الصباح

لمتابعة مسار اللامركزية، قررت منظمة البوصلة حسب ما أشار إليه أمين الخراط محلل السياسات بهذه المنظمة إطلاق سلسلة من اللقاءات الحوارية حول الانتخابات المحلية وذلك تبعا لصدور الأوامر المتعلقة بدعوة الناخبين يوم الأحد 24 ديسمبر 2023 لهذه الانتخابات،  وبتحديد تراب الأقاليم، والمراسيم المتعلقة بتنقيح القانون الانتخابي وبتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم، وقال إن الهدف منها هو فتح باب النقاش العام حول المسائل المتصلة بالمشاركة السياسية والديمقراطية والحريات بشكل عام.

واستضافت المنظمة في اللقاء الأول المنعقد مساء أول أمس كلا من منى كريم أستاذة القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية ومهدي العش الباحث في المفكرة القانونية.

وبينت كريم أن الكثير من التونسيين يتعاملون مع الانتخابات ببرود ويقولون إنهم لا ينتظرون منها شيئا وهو ما أمكن ملاحظته من خلال نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وتطرقت الجامعية للمراسيم التي أصدرها رئيس الجمهورية قبل انطلاق مجلس نواب الشعب في أعماله قالت إنها أحدثت لخبطة كبيرة على مستوى هرمية القوانين ومن بين هذه المراسيم هناك ثلاثة مراسيم متعلقة بالانتخابات المقبلة، وفسرت أن المراسيم تتم في ثلاث حالات، أولها عندما يفوض البرلمان لرئيس الجمهورية في اتخاذ المراسيم وفق ما نص عليه الفصل 70 من دستور2022 والذي جاء فيه أنه لمجلس نواب الشّعب أن يفوّض لمدّة محدودة ولغرض معين إلى رئيس الجمهورية اتخاذ مراسيم يعرضها على مصادقة المجلس إثر انقضاء المدة المذكورة  أما الحالة الثانية فهي خلال العطلة البرلمانية وذلك طبقا للفصل 73 من الدستور والذي نص على أنه لرئيس الجمهورية أن يتخذ خلال عطلة المجلس بعد إعلام اللجنة القارة المختصة مراسيم يقع عرضها على مصادقة مجلس نواب الشعب وذلك في الدورة العادية الموالية للعطلة، وبالنسبة إلى الحالة الثالثة فقد نص عليها الفصل 80 من الدستور وجاء في هذا الفصل أنه "في حالة حل مجلس نواب الشعب، لرئيس الجمهورية إصدار مراسيم تعرض على مصادقة المجلس في دورته العادية الأولى. يستثنى القانون الانتخابي من مجال المراسيم" ويفهم من هذا الفصل أنه يمكن للرئيس حل البرلمان متى يريد وبالتالي البرلمان ليس سلطة مضادة بل هو في تبعية للسلطة التنفيذية كما أن الحكومة في الدستور ليس من حقها الاستقالة وهي في حالة ملكية لرئيس الجمهورية والحالة الوحيدة التي تستقيل فيها الحكومة هي عند التصويت على لائحة لوم من قبل مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. وأضافت الأستاذة منى كريم أن الفصل 75 من الدستور حدد المجال القانوني بمعنى الميادين التي يقع تنظيمها بقانون وخول لمجلس نواب الشعب لوحده سن قوانين ويوجد من بين هذه الميادين المسائل المتعلقة بالانتخابات وهو ما يعني أن المادة الانتخابية تنظم فقط بقانون أساسي كما جاء في الدستور أن النصوص المتعلقة بتنظيم المجالس الجهوية والمحلية تنظم فقط بقانون أساسي وليس بمرسوم والأهم من ذلك فإن الفقرة الثانية من الفصل 80 استثنت بصريح العبارة القانون الانتخابي من مجال المراسيم، لكن رئيس الجمهورية مرر المراسيم قبل ثلاثة أيام فقط من الجلسة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب.

بناء تصعيدي

ولدى حديثها عن مكامن اللامركزية في دستور 2022 والمراسيم والأوامر الرئاسية قالت الجامعية منى كريم إن هذه العبارة لا وجود لها في دستور 2022 وفي المقابل في دستور 2014 تم التنصيص على أن الدولة تعمل على دعم اللامركزية في إطار وحدة الدولة كما تضمن بابا كاملا تحت عنوان السلطة المحلية، وبينت أن دستور 2022 في الباب السادس المتعلق بالجماعات المحلية والجهويّة والوارد في فصل وحيد نص على أن تمــارس المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحليّة المصالح المحليـــّة والجهويّة حسب ما يضبطه القانون.

وتعقيبا على سؤال حول علاقة هذا الفصل بالبناء القاعدي أجابت أن من يدعون امتلاك المعرفة يقولون إن البناء القاعدي يعني أن الشعب هو الذي يحكم لكن بالعودة إلى المراسيم عدد 8 و9 و10 لسنة 2023 المؤرخة في 8 مارس 2023 والمتعلقة بتنقيح القانون الانتخابي وبحل المجالس البلدية وبتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم يتضح أن الشعب يشارك مباشرة في الانتخابات على مستوى العمادة فقط وبعدها لا يكون له أي دور في تصعيد نواب المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.. وردا على سؤال حول ما إذا كانت الانتخابات المحلية المرتقبة دعما للامركزية أم هي خطوة لمركزة السلطة ذكرت أنها ترى أن هذه الانتخابات هي دعم لمركزة السلطة.. ولاحظت أن أهم مرسوم هو المرسوم عدد 9 والذي تم بمقتضاه حل جميع المجالس البلدية وتعهيد المكلف بالكتابة العامة للبلدية بتسيير شؤون البلدية وذلك تحت إشراف الوالي وهو تجسيد لسلطة المركز والأهم من ذلك إلغاء جميع النصوص المخالفة للمرسوم وأهمها مجلة الجماعات المحلية التي تم إعدادها بجهد كبير ولكن بجرة قلم تم إلغاء كل الأحكام الموجودة في هذه المجلة والمخالفة للمرسوم عدد 9. وقالت كريم إن توقيت إصداره في 8 مارس أي قبل شهرين من انتهاء عهدة المجالس البلدية وقبل 3 أيام من انطلاق مجلس نواب الشعب الجديد في مهامه دليل عن وجود رغبة في السيطرة على المشهد المحلي.. أما بالنسبة إلى المرسوم عدد 8 والذي تعلق بتنقيح القانون الانتخابي ففيه خرق صارخ لمقتضات دستور 2022 الذي نص على أن المادة الانتخابية تكون بقانون أساسي وإضافة إلى ذلك فانه منع مزدوجي الجنسية والأجانب المقيمين في تونس من الترشح للانتخابات كما منع العديد من الوظائف من الترشح لعضوية المجالس البلدية وتم بموجبه تغيير نظام الاقتراع من نظام اقتراع على القائمات إلى نظام اقتراع على الأفراد وتم التنصيص على التزكيات وذكرت أنها لا تعرف سبب الإصرار على شرط التزكيات كما تم تغيير سن الترشح من 18 إلى 20 سنة.

وبخصوص المرسوم العاشر المتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم أشارت الجامعية إلى أنه جاء في إطار تنزيل الفصل الوحيد الوارد في الباب السابع من الدستور والذي اندثرت منه عبارة السلطة المحلية التي كانت موجودة في دستور 2014  كما اندثرت مبادئ التدبير الحر والاستقلالية الإدارية والمالية والتشاركية والحال أن رئيس الجمهورية يحمل شعار "الشعب يريد"، وأضافت أن الانتخابات ستكون بمقتضاه على مستوى العمادة التي تمثل دائرة انتخابية وهو ما من شأنه أن يعزز العروشية وحظوظ العائلات النافذة وفضلا عن ذلك فقد تم اعتماد التناصف في التزكيات لا في الترشحات وهو ما سيحد من مشاركة المرأة في الجهات الداخلية، وسيكون الاقتراع في الانتخابات المحلية على دوريتن ويختار الناخب مترشحا واحدا دون شطب أو تغيير أو إضافة..

وخلصت أستاذة القانون الدستوري منى كريم إلى أن سيادة الشعب وهم، لأن الشعب لا يختار بصفة مباشرة إلا في انتخابات أعضاء المجالس المحلية التي تقام على مستوى العمادات وبعد ذلك ينتهي دوره لأنه من خلال المجلس المحلي يقع تصعيد مجلس جهوي ومن المجلس الجهوي يتم تصعيد مجلس أقاليم ومن مجالس الجهات والأقاليم يقع تصعيد مجلس وطني للجهات والأقاليم ولكن لا أحد يعرف إلى حد الآن ما الذي سيقوم به هذا المجلس الذي يعتبر غرفة نيابية ثانية لأن الفصل 56 من الدستور نص على أن يفوض الشعب صاحب السيادة الوظيفة التشريعية لمجلس نيابي أول وهو مجلس نواب الشعب ومجلس نيابي ثاني وهو المجلس الوطني للجهات والأقاليم  وبالتالي فإن البناء ليس ببناء قاعدي بل هو بناء تصعيدي ينتهي بتركيز غرفة نيابية ثانية يتمتع أعضاؤها بالحصانة مع إمكانية سحب الوكالة منهم وتتمثل صلاحياته في النظر في المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية لضمان التوازن بين الجهات والأقاليم، والرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية ويمكن لثلث أعضائه الطعن بعدم دستورية أحكام قانون المالية أمام المحكمة الدستورية ويمكن لنصف أعضائه الطعن بعدم دستورية القوانين أمام المحكمة الدستورية ويمكن لأي عضو من أعضائه التوجه لأعضاء الحكومة بأسئلة كتابية وشفاهية ويمكن للمجلس دعوة الحكومة للحوار معها حول السياسات التي تم اتابعها والنتائج التي وقع تحقيقها ويمكنه بمعية مجلس نواب الشعب توجيه لائحة لوم للحكومة وخلصت إلى أن إرساء المجلس الوطني للجهات والأقاليم كان بالإمكان أن لا يستوجب انتخابات معقدة كما هو عليه الحال اليوم كما انه لا يستجيب لفكرة البناء القاعدي ومفهوم سيادة الشعب وهو لا يعبر عن دعم اللامركزية بل في المقابل هو تدعيم للمركز.

بناء قاعدي

مهدي العش الباحث في المفكرة القانونية أجاب بدوره عن سؤال حول ما إذا كانت الانتخابات المحلية تجسيدا للبناء القاعدي، وفسر مفهوم البناء القاعدي بالإشارة إلى أن هذه الفكرة تبلورت نتيجة التقاء تيارين ظهرا بعد الثورة وتشكل التيار الأول في قوى تونس الحرة والذي رأى الناشطون فيه في مجالس حماية الثورة التي برزت في الأحياء تعبيرة مجالسية مماثلة لحركات ثورية عرفتها بلدان أوروبية وقد حالوا استلهام نظرية ديمقراطية تتجاوز نقائص الديمقراطية التمثيلية وكانوا يرون أنه يمكن من خلال ذلك الحراك تأسيس نظام سياسي جديد ومنهم بالخصوص سنية الشربطي ورضا شهاب المكي، ولكن هذه الأفكار لم تتطور إلى نظرية ومن بين شعاراتها الديمقراطية المباشرة التي لا تمر عبر الأحزاب السياسية والوكالة المباشرة التي يمكن للناخب سحبها عندما يرى أن الشخص الذي انتخبه خان الوكالة، كما أن هذا الطرح كان يمثله الأستاذ قيس سعيد عندما كان مدرسا في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية فبعدما تشكلت هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في مارس 2011 حصل نقاش داخلها حول نظام الاقتراع وكان هناك توجه أغلبي نحو اختيار النظام النسبي مع أكبر البقايا في حين كان هناك توجه آخر مغاير خارجها عبر عنه الأستاذ قيس سعيد والعميد الصادق بلعيد إذ أنهما دافعا عن الاقتراع على الأفراد والحال أن الأغلبية صلب الهيئة كانت ترى أن التقسيم الترابي الموجود لا يتوافق مع هذا النظام لأنه يقوم على المعتمديات ولأن هناك فوارق ديموغرافية بين المعتمديات وفي المقابل كان سعيد يقول إن الفوارق الديموغرافية بين المعتمديات مهمة جدا لتحقيق أهداف الثورة التي انطلقت من الجهات المهمشة التي فيها عدد أكبر من المعتمديات لكنها بعدد سكان أقل من الجهات المحظوظة تنمويا والتقت معه حول هذه الفكرة قوى تونس الحرة وأدى هذا التلافي إلى إنتاج مشروع البناء القاعدي بمعنى أن تتم الانتخابات في أصغر الدوائر وهي العمادات وتتم على الأفراد وذلك في تجاوز للأحزاب السياسية والأجسام الوسيطة وتسفر الانتخابات عن تشكيل مجلس محلي ومن خلاله يقع تشكيل مجلس جهوي ثم مجلس وطني لكن بعد ذلك عدل سعيد الفكرة وإضافة إلى المجالس المحلية والمجالس الجهوية جاء بمجالس الأقاليم بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم.

وأضاف العش أن البناء القاعدي هو من الناحية التقنية بكل بساطة نظام سياسي ونظام اقتراع ويكمن المشكل في البناء القاعدي في أن السلطة تبقى في يد رئيس الجمهورية فهو المسيطر قانونيا على البرلمان وهذا النظام ليس نظاما رئاسيا لأن تغييب الأحزاب من المشهد وطريقة تصعيد البرلمان جعل البرلمان من الناحية السياسية غير قادر على أن يكون سلطة مضادة لأن التوازن السياسي لا يتحقق إلا عندما يكون البرلمان متكونا من قوى سياسية قوية ومهيكلة.. وبين الباحث أن مشروع البناء القاعدي تم نشر وثيقة حوله سنة 2013 وقام مساندوه لاحقا بحملات تفسيرية له ولكن كان هناك تناقض جوهري في طريقة تنزيله لأن الرئيس قيس سعيد ورغم انه عند ترشحه للانتخابات التشريعية أعلن عن تبنيه للنظام القاعدي فإنه لم يتحدث عنه إلا في جويلية 2021 خلال لقاء جمعه بالناشط السياسي شهاب المكي قبيل أيام قليلة من تعليق أشغال البرلمان وحتى في ذلك اللقاء لم يعن عن توجه نحو تكريس البناء القاعدي ولم يدع التونسيين إلى إبداء رأيهم فيه أو الانخراط في هذا التوجه بل أعلن عن تفعيل الفصل 80 من الدستور ثم أصدر الأمر عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية وبعدها أطلق استشارة الكترونية كانت أسئلتها موجهة لنظام يقوم على البناء القاعدي وفيه نظام رئاسي واقتراع على الأفراد وسحب الوكالة ورغم أن نتيجة الاستشارة عبرت عن رغبة الأغلبية في تنقيح دستور 2014 فإن رئيس الجمهورية اختار سن دستور جديد ولم يأخذ فيه بعين الاعتبار المشروع الذي أعدته الخبراء في الهيئة الاستشارية التي عينها بنفسه لصياغة مشروع دستور جديد والتي ترأسها العميد الصادق بلعيد. وقام بوضع دستور نص على مجلس وطني للجهات والأقاليم دون إعلان عن كيفية انتخابه، ولاحظ الباحث أن الفصل المتعلق بمجال القانون تسربت إليه عبارة المجالس المحلية وهي بصمة واضحة للبناء القاعدي الذي ينطلق من انتخابات محلية على الأفراد. ويرى أن دور المجلس الوطني للجهات والأقاليم غير واضح باستثناء ما يتعلق بالتنمية والرقابة وإمكانية تقديم لائحة لوم بمعية مجلس نواب الشعب ولكن يبقى التصويت لفائدة هذه العريضة أشبه بالمستحيل.

خطاب المركز

وبخصوص كيفية التصعيد للمجلس الوطني للجهات والأقاليم قال الباحث مهدي العش إنه تم اعتماد آلية القرعة ليس كبديل عن الانتخاب بل هي تتم بعد الانتخابات وتكون كل ثلاثة أشهر، وأشار إلى أن الأهم من ذلك هو أن المجالس المحلية فيها ممثلون عن الإدارات المحلية وبهذه الكيفية سيتم تكريس خطاب الإدارة التي يمثلها المركز.. وذكر أنه لا أحد يعرف إلى حد الآن ما هي وظائف المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم والمجلس الوطني للجهات والأقاليم رغم انطلاق المسار الانتخابي.

ونبه المشاركون في المنتدى الأول لمنظمة البوصلة من تداعيات ضعف النشاط السياسي والمدني في تونس في الفترة الأخيرة وقالوا إن هذا المناخ المتسم بعدم مشاركة الأحزاب والتضييق على الحريات سينعكس سلبا على الانتخابات المرتقبة، وحسب توقعاتهم، ستكون الحملة الانتخابية باهتة.

سعيدة بوهلال

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews