إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مع تردّد أوروبي في تنفيذ مذكرة التفاهم.. هل تعيد تونس خلط الأوراق من جديد في ملف الهجرة غير النظامية؟

 

 

كيف سترد المفوضية الأوروبية على الموقف التونسي بتأجيل الزيارة وهل ستستجيب لمطالب السلطات التونسية وشروطها الخفية منها والمعلنة؟

تونس- الصباح

ألقت تطورات ملف الهجرة غير النظامية بظلالها في الآونة الأخيرة ميدانيا من خلال تواصل نسق حركة الهجرة المنطلقة من السواحل التونسية نحو ايطاليا، أو كذلك على مستوى المواقف السياسية والدبلوماسية الدولية، على مآل مذكرة التفاهم الموقعة في بين تونس والإتحاد الأوروبي في 16 جويلية 2023، والتي تتضمن محورا أساسيا يتعلق بمكافحة الهجرة غير النظامية، مقابل وعود أوروبية بتقديم مساعدات مالية وفنية واقتصادية لتونس..

أكثر من ذلك، زاد المشهد المتعلق بوضعية المهاجرين في تونس تعقيدا، خاصة بعد العملية الأمنية التي جرت قبل أسبوع في صفاقس، وأفضت إلى نقل مجموعة منهم إلى مدن قريبة كالعامرة وجبينانة، في شبه غياب أي تنسيق أو تدخل من منظمات محلية أو دولية معنية بالهجرة وشؤون اللاجئين..

مقابل ذلك يسارع الجانب الإيطالي إلى وضع إجراءات قانونية وأمنية أكثر خطورة وصرامة لصد المهاجرين وتسهيل عملية ترحيلهم وإطالة حجزهم بمراكز الإيواء، مع إعطاء أولوية للتونسيين لترحيلهم.. مقابل تحرك يتسم بالتردد والبطء للجانب الأوروبي في تنفيذ تعهداته لتونس في مذكرة التفاهم خاصة ما يتعلق منها بالجانب المالي والاقتصادي..   

ومن خلال متابعة تطورات الموقف الدبلوماسي تجاه المسألة، وآخرها إعلان الجانب التونسي تأجيل زيارة وفد المفوضية الأوروبية إلى تونس إلى أجل غير مسمى، دون تقديم إيضاحات عن سبب التأجيل، يتضح أن ملف الهجرة غير النظامية لا يزال يراوح مكانه.

رسائل سياسية

ويحمل قرار تأجيل زيارة وفد المفوضية لتونس، في حد ذاته رسائل سياسية تجاه الاتحاد الأوروبي، لعل أبرزها أنها ما تزال تمسك بخيوط اللعبة... وهو يأتي في وقت تعالت فيه المواقف المنددة بمذكرة التفاهم، وظرف مالي واقتصادي صعب على تونس في غياب أي بوادر لتقدم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي..

ويأتي القرار بعد فترة قصيرة من رفض تونس دخول وفد برلماني أوروبي البلاد والجدل الذي رافق هذا القرار وتداعياته على علاقات تونس بالجانب الأوروبي.

ويدفع الوضع الحالي دوليا ومحليا، للاستنتاج بأن جل ما يتعلق بقضية الهجرة غير النظامية عاد إلى النقطة الصفر، وأعيدت فيه خلط الأوراق من جديد، فكلا الجانبين الأوروبي والتونسي، يعلمان جيدا أن موضوع الهجرة سيكون محل ضغط ونقطة تفاوض رئيسية شاقة ومعقدة في قادم الأيام.

ومردّ ذلك، تنامي خلاف قوي في وجهات نظر الطرفين، في أولويات تطبيق بنود الاتفاقية، بين موقف تونسي يرغب في معالجة الظاهرة من جذورها والنظر إلى أسبابها الحقيقية، وبين موقف أوروبي يرغب في إنهاء المسألة بسرعة وفرض مقاربة أمنية وحلول ردعية، على غرار التصدي لعمليات الهجرة أمنيا، والإبقاء على خيار الترحيل القسري للمهاجرين، والعمل على إحداث مناطق بحرية متقدمة في المياه الإقليمية التونسية. 

لم يخل مضمون الاتفاقية من جدل واسع سواء محليا، أو داخل الفضاء الأوروبي خاصة مع بروز تيار أوروبي معارض يدعو إلى إلغائها بحجة أن الاتفاقية لا تضمن احترام حقوق المهاجرين واللاجئين، كما لم تسلم من انتقادات حادة ومنددة بفحواها صدرت أساسا من بعض المنظمات الحقوقية.

خيارات مفتوحة

ومهما من يكن من أمر، فإن المتتبع لتطورات المشهد في ملف الهجرة غير النظامية، وتحركات الجانب الأوروبي التي يطغى عليها الهاجس الأمني مقابل تردد في المضي قدما في تقديم مساعدات مالية واقتصادية مجزية للجانب التونسي دون ربطها بشرط التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد، يعطي إشارات في الاتجاهين: إما التعاون لحل المعضلة، أو المواجهة بمعنى أن تونس مستعدة لخطط بديلة وخيارات مفتوحة في التعامل مع قضية المهاجرين الوافدين عليها من دول افريقية جنوب الصحراء والراغبين في الهجرة إلى أوروبا.

 ولعل ما أثار حفيظة الجانب التونسي في هذا المجال المقاربة التي قدمها الرئيس الفرنسي ماكرون في التعاطي مع ملف الهجرة ودعوته بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط خاصة تونس وليبيا "أن تستعين بدراسات وخبراء ومعدات على سواحلها للتصدي لهؤلاء المهربين" في إطار "شراكة محترمة..".

الأكثر من ذلك، هو تواتر معلومات وتقارير إعلامية مفادها أن الاتحاد الأوروبي يدرس تقييم إنشاء منطقة بحث وإنقاذ في المياه التونسية، في إطار تنفيذ مذكرة التفاهم المبرمة مع تونس، ليتم بعد ذلك إدراجها في أعمال تنسيق البحث والإنقاذ مع المراكز المماثلة في الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، حسبما ذكرت مصادر دبلوماسية أوروبية لوكالة (نوفا) الإيطالية للأنباء، ما يعطي دليلا إضافيا على أن التعاطي الأوروبي مع ملف المهاجرين غير النظاميين يستند إلى مقاربة أمنية بالأساس..

وكان من المقرر أن تتم مناقشة الفكرة خلال غداء عمل عقد بين الممثلين الدائمين للاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية قبل يومين حول موضوع تنفيذ مذكرة التفاهم مع تونس. ورجحت نفس المصادر أن تشمل المساعدة أيضًا توفير القوارب المجددة وقطع الغيار والمعدات المختلفة والوقود والمحركات، بالإضافة إلى التدريب في حالة توفير المركبات التي تتطلب ذلك، غير أنه لا يتوقع توريد الأسلحة، موضحًا أن الحاجة الحالية هي توفير الأدوات التي يمكن استخدامها بسرعة للإسراع في المضي قدمًا في تنفيذ المذكرة..

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف سترد المفوضية الأوروبية على الموقف التونسي بتأجيل الزيارة، وهل ستستجيب لمطالب السلطات التونسية وشروطها الخفية منها والمعلنة، وتفتح باب المفاوضات من جديد في شأن مذكرة التفاهم وفي كيفية تنفيذها؟، علما أن المفوضية تلقت بالفعل الرسالة، وتعاملت معها بجدية، خاصة بعد تصريحات منسوبة للناطقة باسم المفوضية أكدت فيها أن المفوضية "تجرى مع تونس "اتصالات منتظمة" على المستويين السياسي والتقني لدراسة أنسب وقت لزيارة وفد الاتحاد الأوروبي لتونس".

وقالت في تصريحات خاصة لـوكالة الأنباء الايطالية "نوفا"، إن "اتصالات منتظمة تجري بين الاتحاد الأوروبي وتونس على المستوى السياسي والتقني، سواء في بروكسل أو من خلال بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس، لمواصلة العمل على تنفيذ الركائز الخمس المنصوص عليها في مذكرة التفاهم".

يذكر أن المفوضية الأوروبية، أعلنت خلال الأسبوع الماضي عن حزمة مساعدات عاجلة لتونس بقيمة 127 مليون يورو لدعم جهود مكافحة الهجرة غير النظامية. وقالت في بيان، إنّ 60 مليون يورو من المساعدات ستوجه لدعم موازنة الدولة، فيما ستوجه 67 مليون يورو لتمويل برنامج في مجال الهجرة، موضحة أنه سيجري صرف هذه المبالغ تباعا خلال أيام. وتربط المفوضية هذه الخطوة بخطة لامبيدوزا المكونة من عشر نقاط والهادفة إلى مساعدة إيطاليا في احتواء تدفقات الهجرة الوافدة من السواحل التونسية والليبية.

رفيق بن عبد الله

مع تردّد أوروبي في تنفيذ مذكرة التفاهم..   هل تعيد تونس خلط الأوراق من جديد في ملف الهجرة غير النظامية؟

 

 

كيف سترد المفوضية الأوروبية على الموقف التونسي بتأجيل الزيارة وهل ستستجيب لمطالب السلطات التونسية وشروطها الخفية منها والمعلنة؟

تونس- الصباح

ألقت تطورات ملف الهجرة غير النظامية بظلالها في الآونة الأخيرة ميدانيا من خلال تواصل نسق حركة الهجرة المنطلقة من السواحل التونسية نحو ايطاليا، أو كذلك على مستوى المواقف السياسية والدبلوماسية الدولية، على مآل مذكرة التفاهم الموقعة في بين تونس والإتحاد الأوروبي في 16 جويلية 2023، والتي تتضمن محورا أساسيا يتعلق بمكافحة الهجرة غير النظامية، مقابل وعود أوروبية بتقديم مساعدات مالية وفنية واقتصادية لتونس..

أكثر من ذلك، زاد المشهد المتعلق بوضعية المهاجرين في تونس تعقيدا، خاصة بعد العملية الأمنية التي جرت قبل أسبوع في صفاقس، وأفضت إلى نقل مجموعة منهم إلى مدن قريبة كالعامرة وجبينانة، في شبه غياب أي تنسيق أو تدخل من منظمات محلية أو دولية معنية بالهجرة وشؤون اللاجئين..

مقابل ذلك يسارع الجانب الإيطالي إلى وضع إجراءات قانونية وأمنية أكثر خطورة وصرامة لصد المهاجرين وتسهيل عملية ترحيلهم وإطالة حجزهم بمراكز الإيواء، مع إعطاء أولوية للتونسيين لترحيلهم.. مقابل تحرك يتسم بالتردد والبطء للجانب الأوروبي في تنفيذ تعهداته لتونس في مذكرة التفاهم خاصة ما يتعلق منها بالجانب المالي والاقتصادي..   

ومن خلال متابعة تطورات الموقف الدبلوماسي تجاه المسألة، وآخرها إعلان الجانب التونسي تأجيل زيارة وفد المفوضية الأوروبية إلى تونس إلى أجل غير مسمى، دون تقديم إيضاحات عن سبب التأجيل، يتضح أن ملف الهجرة غير النظامية لا يزال يراوح مكانه.

رسائل سياسية

ويحمل قرار تأجيل زيارة وفد المفوضية لتونس، في حد ذاته رسائل سياسية تجاه الاتحاد الأوروبي، لعل أبرزها أنها ما تزال تمسك بخيوط اللعبة... وهو يأتي في وقت تعالت فيه المواقف المنددة بمذكرة التفاهم، وظرف مالي واقتصادي صعب على تونس في غياب أي بوادر لتقدم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي..

ويأتي القرار بعد فترة قصيرة من رفض تونس دخول وفد برلماني أوروبي البلاد والجدل الذي رافق هذا القرار وتداعياته على علاقات تونس بالجانب الأوروبي.

ويدفع الوضع الحالي دوليا ومحليا، للاستنتاج بأن جل ما يتعلق بقضية الهجرة غير النظامية عاد إلى النقطة الصفر، وأعيدت فيه خلط الأوراق من جديد، فكلا الجانبين الأوروبي والتونسي، يعلمان جيدا أن موضوع الهجرة سيكون محل ضغط ونقطة تفاوض رئيسية شاقة ومعقدة في قادم الأيام.

ومردّ ذلك، تنامي خلاف قوي في وجهات نظر الطرفين، في أولويات تطبيق بنود الاتفاقية، بين موقف تونسي يرغب في معالجة الظاهرة من جذورها والنظر إلى أسبابها الحقيقية، وبين موقف أوروبي يرغب في إنهاء المسألة بسرعة وفرض مقاربة أمنية وحلول ردعية، على غرار التصدي لعمليات الهجرة أمنيا، والإبقاء على خيار الترحيل القسري للمهاجرين، والعمل على إحداث مناطق بحرية متقدمة في المياه الإقليمية التونسية. 

لم يخل مضمون الاتفاقية من جدل واسع سواء محليا، أو داخل الفضاء الأوروبي خاصة مع بروز تيار أوروبي معارض يدعو إلى إلغائها بحجة أن الاتفاقية لا تضمن احترام حقوق المهاجرين واللاجئين، كما لم تسلم من انتقادات حادة ومنددة بفحواها صدرت أساسا من بعض المنظمات الحقوقية.

خيارات مفتوحة

ومهما من يكن من أمر، فإن المتتبع لتطورات المشهد في ملف الهجرة غير النظامية، وتحركات الجانب الأوروبي التي يطغى عليها الهاجس الأمني مقابل تردد في المضي قدما في تقديم مساعدات مالية واقتصادية مجزية للجانب التونسي دون ربطها بشرط التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد، يعطي إشارات في الاتجاهين: إما التعاون لحل المعضلة، أو المواجهة بمعنى أن تونس مستعدة لخطط بديلة وخيارات مفتوحة في التعامل مع قضية المهاجرين الوافدين عليها من دول افريقية جنوب الصحراء والراغبين في الهجرة إلى أوروبا.

 ولعل ما أثار حفيظة الجانب التونسي في هذا المجال المقاربة التي قدمها الرئيس الفرنسي ماكرون في التعاطي مع ملف الهجرة ودعوته بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط خاصة تونس وليبيا "أن تستعين بدراسات وخبراء ومعدات على سواحلها للتصدي لهؤلاء المهربين" في إطار "شراكة محترمة..".

الأكثر من ذلك، هو تواتر معلومات وتقارير إعلامية مفادها أن الاتحاد الأوروبي يدرس تقييم إنشاء منطقة بحث وإنقاذ في المياه التونسية، في إطار تنفيذ مذكرة التفاهم المبرمة مع تونس، ليتم بعد ذلك إدراجها في أعمال تنسيق البحث والإنقاذ مع المراكز المماثلة في الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، حسبما ذكرت مصادر دبلوماسية أوروبية لوكالة (نوفا) الإيطالية للأنباء، ما يعطي دليلا إضافيا على أن التعاطي الأوروبي مع ملف المهاجرين غير النظاميين يستند إلى مقاربة أمنية بالأساس..

وكان من المقرر أن تتم مناقشة الفكرة خلال غداء عمل عقد بين الممثلين الدائمين للاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية قبل يومين حول موضوع تنفيذ مذكرة التفاهم مع تونس. ورجحت نفس المصادر أن تشمل المساعدة أيضًا توفير القوارب المجددة وقطع الغيار والمعدات المختلفة والوقود والمحركات، بالإضافة إلى التدريب في حالة توفير المركبات التي تتطلب ذلك، غير أنه لا يتوقع توريد الأسلحة، موضحًا أن الحاجة الحالية هي توفير الأدوات التي يمكن استخدامها بسرعة للإسراع في المضي قدمًا في تنفيذ المذكرة..

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف سترد المفوضية الأوروبية على الموقف التونسي بتأجيل الزيارة، وهل ستستجيب لمطالب السلطات التونسية وشروطها الخفية منها والمعلنة، وتفتح باب المفاوضات من جديد في شأن مذكرة التفاهم وفي كيفية تنفيذها؟، علما أن المفوضية تلقت بالفعل الرسالة، وتعاملت معها بجدية، خاصة بعد تصريحات منسوبة للناطقة باسم المفوضية أكدت فيها أن المفوضية "تجرى مع تونس "اتصالات منتظمة" على المستويين السياسي والتقني لدراسة أنسب وقت لزيارة وفد الاتحاد الأوروبي لتونس".

وقالت في تصريحات خاصة لـوكالة الأنباء الايطالية "نوفا"، إن "اتصالات منتظمة تجري بين الاتحاد الأوروبي وتونس على المستوى السياسي والتقني، سواء في بروكسل أو من خلال بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس، لمواصلة العمل على تنفيذ الركائز الخمس المنصوص عليها في مذكرة التفاهم".

يذكر أن المفوضية الأوروبية، أعلنت خلال الأسبوع الماضي عن حزمة مساعدات عاجلة لتونس بقيمة 127 مليون يورو لدعم جهود مكافحة الهجرة غير النظامية. وقالت في بيان، إنّ 60 مليون يورو من المساعدات ستوجه لدعم موازنة الدولة، فيما ستوجه 67 مليون يورو لتمويل برنامج في مجال الهجرة، موضحة أنه سيجري صرف هذه المبالغ تباعا خلال أيام. وتربط المفوضية هذه الخطوة بخطة لامبيدوزا المكونة من عشر نقاط والهادفة إلى مساعدة إيطاليا في احتواء تدفقات الهجرة الوافدة من السواحل التونسية والليبية.

رفيق بن عبد الله

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews