إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

للمخرج معز القديري.. مسرحية"11 /14"..رحلة إلى العقل الباطني وتأرجح بين الرغبة في الحياة والعزوف عنها

تونس-الصباح

يبدو أن الثلاثي معز القديري وماهر المومني وماهر مصدق

 أصحاب العمل المسرحي 11/ 14 الذي عرض لأول مرة يوم الاحد الماضي بقاعة الشبان المبدعين بمدينة الثقافة في اختتام تظاهرة "الخروج الى المسرح..الخروج الى الحياة"، كانوا عازمين على تخطي سمات مسرح العبث من حيث عدم المنطقية وكانوا جادين في الطرح بل حرصوا على أن يكون النص معمقا يهدف الى محاولة فك شفرات العقل الباطن وأغوار النفس البشرية من خلال "سيكو دراما" ناتجة عن حالة اكتئاب حادة نتيجة انفصال حبيبين .. لا يسيما أننا بصدد الحديث عن نص مستوحى من مسرحية "ذهان 4:48" للكاتبة المسرحية سارة كين التي انتحرت اياما بعد كتابة النص ولخصت حالتها النفسية بكلمات مؤثرة : "كانت لدي القدرة على البكاء أما الٱن فقد تجاوزت مرحلة الدموع"..

ما يحسب للمخرج والمكون المسرحي معز القديري وبقية المجموعة في هذا العمل هو كيفية طرح الموضوع لأن الفكرة لم تكن لتتماهى مع الرسائل والدلالات لولا حضور كل مقومات المسرح وٱلياته وهو ما أكدته نجمة الفن الرابع دليلة المفتاحي التي كانت متواجدة بين ثلة من المثقفين والفنانين جاؤوا لمواكبة واكتشاف المسرحية الحدث.. دليلة المفتاحي التي كان لـ"الصباح" لقاء معها ثمنت مسرحية 11/ 14 وأكدت على أنه سيكون لها شأن كبير في الساحة الفنية سواء في تونس أو خارجها خاصة إذا ما تمتعت بالدعم المطلوب، كما عبرت عن  فخرها بإنتاجات المسرح التونسي متمنية لكامل فريق العمل التوفيق والنجاح وأن ينسج على غرار هذه الاعمال الراقية..

وإذا ما رجعنا "فلاش باك"  الى أحداث "11/ 14" التي جسدتها شخصيات تتصارع وتتقاتل محاولة إنقاذ جسد مريض ونفس منهكة فإن أول ما يستدعي الانتباه هو الإطار الذي غلب عليه اللون الأبيض إحالة إلى مستشفى الامراض العقلية أو عيادات الامراض النفسية.. تارة موسيقى صاخبة.. وتارة أخرى اصوات صواعق كهربائية ونعيق غربان مزعجة هيمنت على الفضاء منذ البداية كإشارة الى تعكر حالة نفسية وصلت بصاحبها حد الاحباط واليأس من حياة لا معنى لها حد التفكير في الانتحار.. حالة طالت شخصية مكتئبة تبادلها الشخصية الاخرى اطراف الحديث بكلام إيجابي وتساؤلات حول مكمن الداء علهما يتمكنان من"الديشيفراج" (صاحب العمل اراد الإشارة الى ذلك من خلال عنوان المسرحية 11/ 14 علما وانها كانت تحمل عنوان  dépression  نص بطل العمل هيثم المومني ) ومن ثمة الوصول الى شاطئ النجاة ..

الحوار بين شخصين متأرجحين بين الرغبة في الحياة والعزوف عنها  كان باللهجة التونسية واللغة العربية وأحيانا الفرنسية ربما أراد صاحب النص التأكيد على تذبذب وعدم استقرار الحالة النفسية والعقلية..

فمنذ البداية تصعد إحدى الشخصيات وتبوح بما يخالج العقل والمشاعر :

"البارح ما جانيش النوم قعدت معلق في سقف مخي نفكر ..أنا راجل مكسور ما عندو الثقة كان في روحو ..قبل كنت انجم نبكي ونحس حرارة الدموع على خدودي..تواماعادش انجم ناخو حتىdecisionفي حياتي..ماعادش انجم نرقد ماعادش انجم نخمم .. لقد سلمت نفسي الموت هذا العام .. هذي أصبحت حقيقتي.. نحس في افكاري بلوكي نحس روحي باش نموت.. الوحدة قتلتني خلاتني ننسى علاش عايش..ياخي انا علاش عايش.. تصور الواحد مبعد الموت يلقا روحو يعيش في حياة ابدية( مع ضحك هستيري).." تتفاعل الشخصية الاخرى لتقول: تحس روحك ندمت خاطر اعترفت بمشاعرك؟ رد بالك تفهم الي انت خسرت ..ننسى الي انت مشيت ثنية طويلة بحجرها وشوكها ..والي أي واحد في عوضك كان يرجع اما انت كملت وأنا نحب نقلك برافو" ..

 ويتواصل النقاش حول أهمية الحياة من عدمها في ظل نبش آثار الالم والفقدان، وبحركات متقطعة فوق الركح تنم عن وجع وحيرة ملازمتين يؤكد احدهما أن الحلول تظل قائمة مهما بلغ الاكتئاب فيصر على المواساة من خلال سؤال طرحه عشرات المرات: "في هذا الكل عندك أصحاب ؟" في إشارة إلى أهمية الحوار وخطورة جلد الذات..

الطريف في مسرحية 11/ 14 أنها تتميز بكل مقومات الفن الرابع التي من شأنها أن تستفز المتفرج وتتغلغل بسهولة في لاوعي الجمهور بل تجبره على متابعة كل التفاصيل الدقيقة على غرار الموسيقى والاضواء والتعبير الجسدي كما الأسئلة الوجودية وخاصة فك شفرات الإيحاءات والإيماءات الفنية والرسالة التي تتصدر على خشبة المسرح.. الأمر الذي يجعلنا نستحضر العديد من الأعمال المسرحية الهادفة على غرار "جنون" لفاضل الجعايبي وإبداع الفنانة جليلة بكار في كتابة نص مستوحى من قصة واقعية وتحديدا معاناة مريض بالفصام وسط إطار أسري ساهم بشكل كبير في تأزم وضعيته النفسية والعقلية.. لماذا نسوق هذا المثال بالذات، لأنه يمثل أحد الأعمال الخالدة التي تركت أثرا واضحا في الاوساط الفنية باعتبار قيمة وعمق خطاب فصامي يمثل عينة من فئة المهمشين والمنبوذين في المجتمع.. ونحسب أن الممثل محمد علي بن جمعة بطل "جنون" لم يستطع الى الٱن تجسيد دور ٱخر بذلك الاتقان والإبداع. دور لن يمحى من ذاكرة الفن الرابع بما أنه التف حول جزء خطير من همومنا البشرية وعقدنا الباطنة وتناقضات وسطنا المتشعبة..

ولئن كان محور 11 /14 مختلفا عن "جنون" وبعض الاعمال الأخرى في دلالات النص فإنها تلتقي عند اهمية طرح الموضوع وامتداد العالم الركحي الى العالم الواقعي...لتسلط العروض الضوء على خبايا النفس البشرية وتكون بمثابة التشخيص النفسي ومراجعة الذات عبر إثارة ماهو باطن..ما يؤكده الممثل والطبيب النفسي فيتور بودريوس حين يقول : إن التمثيل المسرحي أداة فعالة في علاج مشاكل الصحة النفسية لأنه يتيح للعلاقات بين الناس والأشياء مساحة واسعة من النقاش..

لعل ذلك ما نجح في إثارته مخرج "11 /14 " معز القديري الذي ترك تجربة الاخراج منذ 2014 ليعانق خشبة المسرح من جديد بعمل يستحق التشجيع والتثمين بعد"بث تجريبي" الحائزة مؤخرا على العديد من الجوائز والتتويجات في كبرى التظاهرات الفنية..

ولسائل أن يسأل: متى ستتغير سياسة انتاج الأعمال المسرحية وتلغى فكرة أن نجاح الفنان سيظل يقتصر على احتكاكه بالجمهور فحسب ولسان حال القائمين على التظاهرات يقول: شكر الله سعيكم !، خاصة وأن بلادنا تزخر بالمبدعين والطاقات في مجال الفن الرابع كانوا ومازالوا محل فخر أينما حلوا بأعمالهم الفريدة وحضورهم المتميز؟!!

وليد عبداللاوي

للمخرج معز القديري..   مسرحية"11 /14"..رحلة إلى العقل الباطني وتأرجح بين الرغبة في الحياة والعزوف عنها

تونس-الصباح

يبدو أن الثلاثي معز القديري وماهر المومني وماهر مصدق

 أصحاب العمل المسرحي 11/ 14 الذي عرض لأول مرة يوم الاحد الماضي بقاعة الشبان المبدعين بمدينة الثقافة في اختتام تظاهرة "الخروج الى المسرح..الخروج الى الحياة"، كانوا عازمين على تخطي سمات مسرح العبث من حيث عدم المنطقية وكانوا جادين في الطرح بل حرصوا على أن يكون النص معمقا يهدف الى محاولة فك شفرات العقل الباطن وأغوار النفس البشرية من خلال "سيكو دراما" ناتجة عن حالة اكتئاب حادة نتيجة انفصال حبيبين .. لا يسيما أننا بصدد الحديث عن نص مستوحى من مسرحية "ذهان 4:48" للكاتبة المسرحية سارة كين التي انتحرت اياما بعد كتابة النص ولخصت حالتها النفسية بكلمات مؤثرة : "كانت لدي القدرة على البكاء أما الٱن فقد تجاوزت مرحلة الدموع"..

ما يحسب للمخرج والمكون المسرحي معز القديري وبقية المجموعة في هذا العمل هو كيفية طرح الموضوع لأن الفكرة لم تكن لتتماهى مع الرسائل والدلالات لولا حضور كل مقومات المسرح وٱلياته وهو ما أكدته نجمة الفن الرابع دليلة المفتاحي التي كانت متواجدة بين ثلة من المثقفين والفنانين جاؤوا لمواكبة واكتشاف المسرحية الحدث.. دليلة المفتاحي التي كان لـ"الصباح" لقاء معها ثمنت مسرحية 11/ 14 وأكدت على أنه سيكون لها شأن كبير في الساحة الفنية سواء في تونس أو خارجها خاصة إذا ما تمتعت بالدعم المطلوب، كما عبرت عن  فخرها بإنتاجات المسرح التونسي متمنية لكامل فريق العمل التوفيق والنجاح وأن ينسج على غرار هذه الاعمال الراقية..

وإذا ما رجعنا "فلاش باك"  الى أحداث "11/ 14" التي جسدتها شخصيات تتصارع وتتقاتل محاولة إنقاذ جسد مريض ونفس منهكة فإن أول ما يستدعي الانتباه هو الإطار الذي غلب عليه اللون الأبيض إحالة إلى مستشفى الامراض العقلية أو عيادات الامراض النفسية.. تارة موسيقى صاخبة.. وتارة أخرى اصوات صواعق كهربائية ونعيق غربان مزعجة هيمنت على الفضاء منذ البداية كإشارة الى تعكر حالة نفسية وصلت بصاحبها حد الاحباط واليأس من حياة لا معنى لها حد التفكير في الانتحار.. حالة طالت شخصية مكتئبة تبادلها الشخصية الاخرى اطراف الحديث بكلام إيجابي وتساؤلات حول مكمن الداء علهما يتمكنان من"الديشيفراج" (صاحب العمل اراد الإشارة الى ذلك من خلال عنوان المسرحية 11/ 14 علما وانها كانت تحمل عنوان  dépression  نص بطل العمل هيثم المومني ) ومن ثمة الوصول الى شاطئ النجاة ..

الحوار بين شخصين متأرجحين بين الرغبة في الحياة والعزوف عنها  كان باللهجة التونسية واللغة العربية وأحيانا الفرنسية ربما أراد صاحب النص التأكيد على تذبذب وعدم استقرار الحالة النفسية والعقلية..

فمنذ البداية تصعد إحدى الشخصيات وتبوح بما يخالج العقل والمشاعر :

"البارح ما جانيش النوم قعدت معلق في سقف مخي نفكر ..أنا راجل مكسور ما عندو الثقة كان في روحو ..قبل كنت انجم نبكي ونحس حرارة الدموع على خدودي..تواماعادش انجم ناخو حتىdecisionفي حياتي..ماعادش انجم نرقد ماعادش انجم نخمم .. لقد سلمت نفسي الموت هذا العام .. هذي أصبحت حقيقتي.. نحس في افكاري بلوكي نحس روحي باش نموت.. الوحدة قتلتني خلاتني ننسى علاش عايش..ياخي انا علاش عايش.. تصور الواحد مبعد الموت يلقا روحو يعيش في حياة ابدية( مع ضحك هستيري).." تتفاعل الشخصية الاخرى لتقول: تحس روحك ندمت خاطر اعترفت بمشاعرك؟ رد بالك تفهم الي انت خسرت ..ننسى الي انت مشيت ثنية طويلة بحجرها وشوكها ..والي أي واحد في عوضك كان يرجع اما انت كملت وأنا نحب نقلك برافو" ..

 ويتواصل النقاش حول أهمية الحياة من عدمها في ظل نبش آثار الالم والفقدان، وبحركات متقطعة فوق الركح تنم عن وجع وحيرة ملازمتين يؤكد احدهما أن الحلول تظل قائمة مهما بلغ الاكتئاب فيصر على المواساة من خلال سؤال طرحه عشرات المرات: "في هذا الكل عندك أصحاب ؟" في إشارة إلى أهمية الحوار وخطورة جلد الذات..

الطريف في مسرحية 11/ 14 أنها تتميز بكل مقومات الفن الرابع التي من شأنها أن تستفز المتفرج وتتغلغل بسهولة في لاوعي الجمهور بل تجبره على متابعة كل التفاصيل الدقيقة على غرار الموسيقى والاضواء والتعبير الجسدي كما الأسئلة الوجودية وخاصة فك شفرات الإيحاءات والإيماءات الفنية والرسالة التي تتصدر على خشبة المسرح.. الأمر الذي يجعلنا نستحضر العديد من الأعمال المسرحية الهادفة على غرار "جنون" لفاضل الجعايبي وإبداع الفنانة جليلة بكار في كتابة نص مستوحى من قصة واقعية وتحديدا معاناة مريض بالفصام وسط إطار أسري ساهم بشكل كبير في تأزم وضعيته النفسية والعقلية.. لماذا نسوق هذا المثال بالذات، لأنه يمثل أحد الأعمال الخالدة التي تركت أثرا واضحا في الاوساط الفنية باعتبار قيمة وعمق خطاب فصامي يمثل عينة من فئة المهمشين والمنبوذين في المجتمع.. ونحسب أن الممثل محمد علي بن جمعة بطل "جنون" لم يستطع الى الٱن تجسيد دور ٱخر بذلك الاتقان والإبداع. دور لن يمحى من ذاكرة الفن الرابع بما أنه التف حول جزء خطير من همومنا البشرية وعقدنا الباطنة وتناقضات وسطنا المتشعبة..

ولئن كان محور 11 /14 مختلفا عن "جنون" وبعض الاعمال الأخرى في دلالات النص فإنها تلتقي عند اهمية طرح الموضوع وامتداد العالم الركحي الى العالم الواقعي...لتسلط العروض الضوء على خبايا النفس البشرية وتكون بمثابة التشخيص النفسي ومراجعة الذات عبر إثارة ماهو باطن..ما يؤكده الممثل والطبيب النفسي فيتور بودريوس حين يقول : إن التمثيل المسرحي أداة فعالة في علاج مشاكل الصحة النفسية لأنه يتيح للعلاقات بين الناس والأشياء مساحة واسعة من النقاش..

لعل ذلك ما نجح في إثارته مخرج "11 /14 " معز القديري الذي ترك تجربة الاخراج منذ 2014 ليعانق خشبة المسرح من جديد بعمل يستحق التشجيع والتثمين بعد"بث تجريبي" الحائزة مؤخرا على العديد من الجوائز والتتويجات في كبرى التظاهرات الفنية..

ولسائل أن يسأل: متى ستتغير سياسة انتاج الأعمال المسرحية وتلغى فكرة أن نجاح الفنان سيظل يقتصر على احتكاكه بالجمهور فحسب ولسان حال القائمين على التظاهرات يقول: شكر الله سعيكم !، خاصة وأن بلادنا تزخر بالمبدعين والطاقات في مجال الفن الرابع كانوا ومازالوا محل فخر أينما حلوا بأعمالهم الفريدة وحضورهم المتميز؟!!

وليد عبداللاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews