إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد.. من كورونا إلى الكوارث الطبيعية هل نستخلص الدرس !...

 

من الكوفيد وتداعياته العابرة للحدود إلى الكوارث الطبيعية من حرائق أو زلازل أو جفاف أو فيضانات إلى كل الكوارث التي يبتدعها الإنسان  من  حروب وصراعات ونزاعات وانسياق للحلول العسكرية الهدامة لا يبدو أن الشعوب ومعهم صناع القرار يستخلصون العبر والدروس أو يتجهون للبحث في الأسباب والدوافع التي يمكن الحد منها حتى لا نقول القضاء عليها نهائيا.. نقول هذا الكلام ونحن نتابع افتتاح موسم الخطب الديبلوماسية من على منبر الأمم المتحدة والدعوات المفتوحة لإنقاذ الإنسانية من كوارث غير مسبوقة... وهي خطب كان يمكن أن تجعل مستقبل الإنسانية في أفضل وأجمل حالاته لو أن تغيير العالم وحل الأزمات يكون بالكلام.. ونحن ندرك أن قادة وحكام العالم الذين يتنافسون على مخاطبة العالم يدركون جيدا أنهم لن يساعدوا في تغيير شيء ليس لأنه لا وجود لحلول سلمية تنقذ شعوب العالم من المآسي ولكن لان زوال هذه الأزمات والمآسي يتضارب مع مصالح المتحكمين في المشهد ومع شروط وحسابات الهيمنة على قيادة العالم.. ومن هنا فان الاعتقاد بان غياب الإرادة السياسية سبب تكرر الأزمات في العالم استمرارها ليس سوى تبرير غبي للمشهد الراهن والإرادة السياسية تكون حاضرة عندما تتماهى مع المصالح الإقليمية والدولية ...

لسنا نريد الانسياق وراء استعراض مهرجان الخطابات السنوية في الأمم المتحدة والتي تكشف للمتتبع أولويات الحضور وتوجهاته في مختلف القضايا الدولية العالقة التي تهد الأمن والاستقرار في أكثر من منطقة في عالم مهدد بانتشار المجاعات والأوبئة و الكوارث الطبيعية غير المسبوقة بالنظر إلى التحولات المناخية الحاصلة وما تسجله من تداعيات خطيرة منذ هز إعصار تسونامي المحيط الهادي إلى مختلف الكوارث التي أغرقت مدنا وجرف أرواحا ودمرت شعوبا وحطمت أحلاما وكشفت تقصير وعجز حكومات لم تكن في الموعد عندما تعلق الأمر بحماية شعوبها من الطوفان...كان الأمر ماثلا للعيان خلال جائحة كوفيد عندما تفرد الأقوياء بالحصول على صفقات الكمامات وكل إمكانيات مواجهة الجائحة قبل التوصل إلى التلاقيح التي كشفت أن الشعوب درجات وأن الأغنياء ومن لديهم إمكانية توفير اللقاح أولى بالحياة من غيرهم وهذه أيضا معضلة كبيرة تتعلق بالفجوة العميقة بين الدول التي استثمرت في البحث العلمي والمعرفة والاكتشافات العلمية والطبية والتكنولوجيا الحديثة وبين الشعوب والأمم التي تعيش على ما تستورده في حياتها اليوم من حبوب للحصول على خبزها اليومي ومن أدوية ولقاحات تقتنيها من المخابر الأجنبية... والأمر ذاته ينسحب  اليوم على الكوارث الطبيعية التي تعري بدورها الفشل الذريع للأنظمة والحكومات التي تفتقر للقدرة على رصد واستباق المخاطر وحماية السكان أو على الأقل تجنيبهم الأضرار الكبيرة.. وسيكون من السذاجة بل من الجهل التوقف عند القناعة بان الكوارث الطبيعية قضاء وقدر لا قدرة للبشر عليه ولا يمكن إلا القبول والتسليم به، وهذا ليس إلا هروبا من المسؤولية وتبرير للفشل، المتأمل فيما حدث ويحدث في تعاطي دول مثل كندا أو اليابان مع الحرائق والزلازل يدرك أن هناك من يخطط ومن يفكر ومن ينفذ الانجازات لتكون متلائمة مع احتياجات الدول في المناطق التي تواجه مخاطر الكوارث الطبيعية... والدرس الياباني يبقى الأهم على الإطلاق مع نجاح اليابان في الاستثمار في بنية تحتية توفر الحماية للمواطن باعتماد بنايات قادرة على الصمود في الزلازل وأكثر من ذلك أن المحاضن والمدارس اليابانية تقدم للأطفال والتلاميذ دروسا وتمارين عن كيفية التصرف خلال الزلازل والاحتماء من الخطر.. وقد رأى العالم حجم الخسائر المادية والبشرية والجروح النفسية والآلام والمآسي في زلزالي تركيا وسوريا بسبب الفساد وعدم احترام المواصفات المطلوبة فتهاوت المباني ولم تصمد مع الزلازل...وها أن الأمر يتكرر في درنة التي تواصل إحصاء ضحاياها بعد اختفاء ثلث المدينة في البحر وفي زلزال المغرب بعد الانهيارات الحاصلة في مراكش وما رافقها من خسائر مرعبة ...

لا خلاف أنه بإمكان الدول أن تضمن عدم تحول المخاطر الطبيعية إلى كوارث تؤدي إلى خسائر في الأرواح وفي الاقتصاد من خلال الاستثمار في البنى التحتية المرنة والقادرة على الصمود بما يمكن من حماية حماية المجتمعات، وهو ما يعني أيضا أن الإنفاق على الحد من الكوارث ليس تكلفة، بل هو استثمار يحمي المجتمعات وينقذ الأرواح وهذا ما يتعين فهمه كما سيتعين أن نفهم أن هيئات رصد الزلازل و الأمطار ليست ترفا، و قد أمكن لهيئات الرصد الأمريكية التحذير من إعصار "دانيال" القادم إلى ليبيا ولكن السلطات المتناحرة كانت منشغلة بصراعاتها على السلطة و لم تتحمل مسؤولياتها فكانت الكارثة مضاعفة ...

نختم بالتساؤل أين نحن في تونس من كل ذلك؟ الأكيد أننا لسنا بمعزل عما يحدث في العالم وفي المنطقة أيضا و الأكيد أنه كلما كانت أجهزة الدولة قادرة على استباق المخاطر كلما كان بالإمكان تجاوز كل المحن... حتى هذه اللحظات لا نعرف السبب أو الأسباب التي أدت إلى غرق بلادنا في الظلام الدامس طوال ساعات مساء أول أمس ولكن نعرف أن ما حدث أصاب التونسيين بالخوف والرعب لبعض الوقت قبل أن تتحرك السلطات المسؤولة عبر المواقع الاجتماعية وتعلن أنها بصدد تجاوز الأمر خلال ساعتين أو أربعة ..

طبعا لا نريد الانسياق وراء محاولات الترويج بان ما حدث بفعل فاعل والأكيد أن نتائج التحقيقات ستكون حاسمة لكشف الأسباب سواء تعلق الأمر بخطإ بشري أو كذلك بانهيار البنية التحتية لمنظومة الكهرباء والغاز ولكن حالة الترقب والذعر التي عاش على وقعها التونسيون تستوجب إطلاق صفارات الإنذار...  كان الأعوان جاهزون وهذا يحسب لهم واستطاعوا تجاوز الإشكال في وقت وجيز ولكن يبقى الأهم ألا يتكرر ما حدث وان يكون بالإمكان استباق الأحداث وتجنب كل السيناريوهات التي يمكن أن تكون حاضرة في الأذهان ...

اسيا العتروس 

ممنوع من الحياد..   من كورونا إلى الكوارث الطبيعية هل نستخلص الدرس !...

 

من الكوفيد وتداعياته العابرة للحدود إلى الكوارث الطبيعية من حرائق أو زلازل أو جفاف أو فيضانات إلى كل الكوارث التي يبتدعها الإنسان  من  حروب وصراعات ونزاعات وانسياق للحلول العسكرية الهدامة لا يبدو أن الشعوب ومعهم صناع القرار يستخلصون العبر والدروس أو يتجهون للبحث في الأسباب والدوافع التي يمكن الحد منها حتى لا نقول القضاء عليها نهائيا.. نقول هذا الكلام ونحن نتابع افتتاح موسم الخطب الديبلوماسية من على منبر الأمم المتحدة والدعوات المفتوحة لإنقاذ الإنسانية من كوارث غير مسبوقة... وهي خطب كان يمكن أن تجعل مستقبل الإنسانية في أفضل وأجمل حالاته لو أن تغيير العالم وحل الأزمات يكون بالكلام.. ونحن ندرك أن قادة وحكام العالم الذين يتنافسون على مخاطبة العالم يدركون جيدا أنهم لن يساعدوا في تغيير شيء ليس لأنه لا وجود لحلول سلمية تنقذ شعوب العالم من المآسي ولكن لان زوال هذه الأزمات والمآسي يتضارب مع مصالح المتحكمين في المشهد ومع شروط وحسابات الهيمنة على قيادة العالم.. ومن هنا فان الاعتقاد بان غياب الإرادة السياسية سبب تكرر الأزمات في العالم استمرارها ليس سوى تبرير غبي للمشهد الراهن والإرادة السياسية تكون حاضرة عندما تتماهى مع المصالح الإقليمية والدولية ...

لسنا نريد الانسياق وراء استعراض مهرجان الخطابات السنوية في الأمم المتحدة والتي تكشف للمتتبع أولويات الحضور وتوجهاته في مختلف القضايا الدولية العالقة التي تهد الأمن والاستقرار في أكثر من منطقة في عالم مهدد بانتشار المجاعات والأوبئة و الكوارث الطبيعية غير المسبوقة بالنظر إلى التحولات المناخية الحاصلة وما تسجله من تداعيات خطيرة منذ هز إعصار تسونامي المحيط الهادي إلى مختلف الكوارث التي أغرقت مدنا وجرف أرواحا ودمرت شعوبا وحطمت أحلاما وكشفت تقصير وعجز حكومات لم تكن في الموعد عندما تعلق الأمر بحماية شعوبها من الطوفان...كان الأمر ماثلا للعيان خلال جائحة كوفيد عندما تفرد الأقوياء بالحصول على صفقات الكمامات وكل إمكانيات مواجهة الجائحة قبل التوصل إلى التلاقيح التي كشفت أن الشعوب درجات وأن الأغنياء ومن لديهم إمكانية توفير اللقاح أولى بالحياة من غيرهم وهذه أيضا معضلة كبيرة تتعلق بالفجوة العميقة بين الدول التي استثمرت في البحث العلمي والمعرفة والاكتشافات العلمية والطبية والتكنولوجيا الحديثة وبين الشعوب والأمم التي تعيش على ما تستورده في حياتها اليوم من حبوب للحصول على خبزها اليومي ومن أدوية ولقاحات تقتنيها من المخابر الأجنبية... والأمر ذاته ينسحب  اليوم على الكوارث الطبيعية التي تعري بدورها الفشل الذريع للأنظمة والحكومات التي تفتقر للقدرة على رصد واستباق المخاطر وحماية السكان أو على الأقل تجنيبهم الأضرار الكبيرة.. وسيكون من السذاجة بل من الجهل التوقف عند القناعة بان الكوارث الطبيعية قضاء وقدر لا قدرة للبشر عليه ولا يمكن إلا القبول والتسليم به، وهذا ليس إلا هروبا من المسؤولية وتبرير للفشل، المتأمل فيما حدث ويحدث في تعاطي دول مثل كندا أو اليابان مع الحرائق والزلازل يدرك أن هناك من يخطط ومن يفكر ومن ينفذ الانجازات لتكون متلائمة مع احتياجات الدول في المناطق التي تواجه مخاطر الكوارث الطبيعية... والدرس الياباني يبقى الأهم على الإطلاق مع نجاح اليابان في الاستثمار في بنية تحتية توفر الحماية للمواطن باعتماد بنايات قادرة على الصمود في الزلازل وأكثر من ذلك أن المحاضن والمدارس اليابانية تقدم للأطفال والتلاميذ دروسا وتمارين عن كيفية التصرف خلال الزلازل والاحتماء من الخطر.. وقد رأى العالم حجم الخسائر المادية والبشرية والجروح النفسية والآلام والمآسي في زلزالي تركيا وسوريا بسبب الفساد وعدم احترام المواصفات المطلوبة فتهاوت المباني ولم تصمد مع الزلازل...وها أن الأمر يتكرر في درنة التي تواصل إحصاء ضحاياها بعد اختفاء ثلث المدينة في البحر وفي زلزال المغرب بعد الانهيارات الحاصلة في مراكش وما رافقها من خسائر مرعبة ...

لا خلاف أنه بإمكان الدول أن تضمن عدم تحول المخاطر الطبيعية إلى كوارث تؤدي إلى خسائر في الأرواح وفي الاقتصاد من خلال الاستثمار في البنى التحتية المرنة والقادرة على الصمود بما يمكن من حماية حماية المجتمعات، وهو ما يعني أيضا أن الإنفاق على الحد من الكوارث ليس تكلفة، بل هو استثمار يحمي المجتمعات وينقذ الأرواح وهذا ما يتعين فهمه كما سيتعين أن نفهم أن هيئات رصد الزلازل و الأمطار ليست ترفا، و قد أمكن لهيئات الرصد الأمريكية التحذير من إعصار "دانيال" القادم إلى ليبيا ولكن السلطات المتناحرة كانت منشغلة بصراعاتها على السلطة و لم تتحمل مسؤولياتها فكانت الكارثة مضاعفة ...

نختم بالتساؤل أين نحن في تونس من كل ذلك؟ الأكيد أننا لسنا بمعزل عما يحدث في العالم وفي المنطقة أيضا و الأكيد أنه كلما كانت أجهزة الدولة قادرة على استباق المخاطر كلما كان بالإمكان تجاوز كل المحن... حتى هذه اللحظات لا نعرف السبب أو الأسباب التي أدت إلى غرق بلادنا في الظلام الدامس طوال ساعات مساء أول أمس ولكن نعرف أن ما حدث أصاب التونسيين بالخوف والرعب لبعض الوقت قبل أن تتحرك السلطات المسؤولة عبر المواقع الاجتماعية وتعلن أنها بصدد تجاوز الأمر خلال ساعتين أو أربعة ..

طبعا لا نريد الانسياق وراء محاولات الترويج بان ما حدث بفعل فاعل والأكيد أن نتائج التحقيقات ستكون حاسمة لكشف الأسباب سواء تعلق الأمر بخطإ بشري أو كذلك بانهيار البنية التحتية لمنظومة الكهرباء والغاز ولكن حالة الترقب والذعر التي عاش على وقعها التونسيون تستوجب إطلاق صفارات الإنذار...  كان الأعوان جاهزون وهذا يحسب لهم واستطاعوا تجاوز الإشكال في وقت وجيز ولكن يبقى الأهم ألا يتكرر ما حدث وان يكون بالإمكان استباق الأحداث وتجنب كل السيناريوهات التي يمكن أن تكون حاضرة في الأذهان ...

اسيا العتروس 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews