إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية: في غياب المحكمة الدستورية سيبقى رئيس الجمهورية الناطق الوحيد باسم الدستور

 

-حل المجالس البلدية وتحويل تسيير البلديات إلى الكتاب العامين خرق واضح للقانون لأنه كان من المفروض تنظيم انتخابات بلدية

تونس-الصباح

دعت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية إلى التعجيل في تركيز المحكمة الدستورية لأنه بعد إجراء الحركة القضائية أصبحت تركيبتها واضحة للجميع ولم يبق أمام رئيس الجمهورية سوى تسمية أعضائها بأمر ويبلغ عددهم تسعة وهم 3 من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب و3 من أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية بالمحكمة الإدارية و3 من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات، ونبهت إلى أنه في غياب هذه المحكمة سيبقى رئيس الجمهورية الناطق الوحيد باسم الدستور.

وقدم ممثلو الجمعية خلال ندوة صحفية عقدوها أمس بالعاصمة تقريرا تضمن رصدا لأبرز الخروقات الدستورية خلال الفترة الممتدة من 18 أوت 2022 تاريخ صدور الدستور إلى 18 أوت 2023 وهو تقرير بعنوان "جمهورية الفرد سنة أولى حصيلة هزيلة وخطيرة"، وقالوا إن رئيس الجمهورية انقلب على الدستور الذي وضعه بنفسه وذلك من خلال تمريره مراسيم تضمنت أحكاما تتعارض مع فصول الدستور ومن خلال عدم تركيز المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها المحكمة الدستورية.

أمين اللطيف الباحث في القانون بين أن الدستور صدر يوم 18 أوت 2022 ولكن بعد أقل من شهر واحد فقط أصدر الرئيس المرسوم عدد 54 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، وضرب حرية التعبير والنشر والصحافة والإعلام، وخالف مقتضيات الفصل 37 الذي ينصّ على "حرّية الرّأي والفكر والتّعبير والإعلام والنّشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحرّيات ".

وأضاف أنه فضلا عن المرسوم عدد 54 فإن المرسوم الصادر في 15 سبتمبر 2022 والمتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء جاء في تعارض صارخ مع أحكام الدستور المتعلقة بالمساواة فالدستور في الفصل 23 نص على أن المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون أي تمييز، لكن الفصل 39 من  المرسوم المذكور ألغى حق الاقتراع للأمنيين والعسكريين وقيد حق الترشح من خلال منع الناخبين التونسيين حاملي جنسية أخرى من الترشح في الدوائر الانتخابية بالتراب التونسي ومن خلال إلغاء التمويل العمومي للحملة بما حال دون تكافؤ الفرص بين المترشحين.

ولاحظ الباحث أن المرسوم الانتخابي ضرب حقوق النساء التي كرسها الفصل 51 من الدستور وبالذي بموجبه "تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها وتضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات و تسعى الدّولة إلى تحقيق التّناصف بين المرأة والرّجل في المجالس المنتخبة.. " وفسر أن المرسوم عدد 55 وبإقراره الاقتراع على الأفراد في دورتين دون إيجاد آليات لتحقيق التناصف يكون قد ضرب حق المرأة في التمثيل البرلماني وساهم في عزوف النساء عن الترشح للانتخابات وهو ما تأكد من خلال العدد القليل للنساء اللائي فزن بمقاعد في البرلمان والبالغ 25 أي بنسبة لا تتجاوز 16 بالمائة وهي أضعف نسبة تم تسجيلها منذ انتخابات 2011.

ويتجلى خرق الدستور حسب ما بينه الباحث في القانون أمين اللطيف في عدد من التسميات الرئاسية والتي جاءت في مخالفة لمبادئ الحياد والشفافية والمساواة وهي مبادئ كرسها الفصل 19 من الدستور، وذكر أن التعيينات تتم على أساس الولاءات وفي إطار الانفراد بالرأي واستعرض الباحث بعض الأمثلة منها كيفية إقالة رئيس اللجنة الوطنية للصلح الجزائي في 21 مارس 2023 ثم إقالة مقررتها العامة في 7 جويلية 2023، وإنهاء مهام رئيس مؤسسة فداء في 8 جوان 2023، وتسمية رئيس جديد لها، وإعفاء رئيسة الحكومة من مهامها في منتصف ليلة غرة أوت 2023 وتسمية رئيس جديد للحكومة أدى اليمين في منتصف نفس الليلة.

أين المؤسسات الدستورية؟

أما أمين الجلاصي أستاذ القانون العام فتحدث عن المؤسسات التي نص عليها الدستور والتي لم يقع تركيزها رغم مرور أكثر من عام عن صدور الدستور وهي المحكمة الدستورية والمجلس الوطني للجهات والأقاليم والمجلس الأعلى للقضاء العدلي والمجلس الأعلى للقضاء الإداري والمجلس الأعلى للقضاء المالي والمجلس الأعلى للتربية والتعليم وبين أن الاستثناء الوحيد هو مجلس نواب الشعب، وذكر أن الدستور نص على أن الوظيفة التشريعية تمارسها غرفة أولى وهي مجلس نواب الشعب وغرفة ثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم ولكن إلى حد الآن لا توجد غرفة ثانية كما لم يقع بعد تنظيم الانتخابات المحلية، أما الغرفة الأولى فإن حصيلة القوانين التي مررتها كانت حسب وصفه هزيلة لأنه لا توجد فيها أحكام من شأنها تشجيع الاستثمار وتوفير التشغيل.

وذكر أنه تم حل المجالس البلدية وأصبح تسيير البلديات من مهام الكتاب العامين وهو خرق واضح للقانون لأنه كان من المفروض تنظيم انتخابات بلدية.

وبخصوص المجلس الأعلى للقضاء ذكر أنه يوجد مجلس مؤقت لا تتم استشارته في المسائل التي تهم القضاء ولم يقع إصدار قوانين تنظم المجالس القضائية الثلاثة التي نص عليها دستور 2022،  أما المحكمة الدستورية التي كان من المفروض تركيزها منذ سنة 2015 لكن هذا لم يحدث، وبصدور الدستور الجديد تم تغيير تركيبتها وطريقة اختيار أعضائها ورغم زوال العوائق لم تر هذه المحكمة النور.

وأضاف أنه بمقتضى دستور 2022 تم إلغاء الهيئات الدستورية التي نص عليها دستور 2014  والإبقاء فقط على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وكان من المفروض إصدار قانون جديد لهذه الهيئة لأن الهيئة المؤقتة الحالية غير مطابقة في تركيبتها للدستور، وذكر أن الدستور تضمن هيئة دستورية جديدة وهي المجلس الأعلى للتربية والتعليم ورغم الأزمة التي يمر بها قطاع التعليم فإنه لا أحد يعرف متى سيقع تركيز هذا المجلس وكيف ستكون تركيبته وما هي صلاحياته.

الحقوق والحريات

وذهب أستاذ القانون العام وحيد الفرشيشي إلى أبعد من ذلك وقال: "رغم أن رئيس الجمهورية سن الدستور بنفسه فإنه لم يلتزم بدستوره". وفسر ذلك بالإشارة إلى الفصول المتعلقة بالحقوق والحريات انطلاقا من الفصل 22 إلى غاية الفصل 55 وذكر أن رئيس الجمهورية لم يحترم في النصوص التي مررها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئة التي نص الدستور، وذكر أن دستور 2022 نص على حرية الفرد التي لم تكن موجودة في دستور 2014  لكن لم يقع ضمان حرية الفرد كما لم يقع احترام حرية التنقل وحرية السفر لأن كل من تعلقت به شبهة تم منعه من السفر. وأضاف أن الدستور نص على قرينة البراءة لكن رئيس الجمهورية يشتم المتهمين وهذا يمس من قرينة البراءة، وبين أن الفصل 35 من الدستور نص على أنه لا يمكن إيقاف شخص أو الاحتفاظ به إلا في حالة التلبّس أو بقرار قضائي، ويعلم فورا بحقوقه وبالتهمة المنسوبة إليه، ولكن على أرض الواقع لم يقع إعلام موقوفين بالتهم المنسوبة إليهم ومنهم على سبيل الذكر شمياء عيسى وعصام الشابي، وأضاف أن الدستور نص على حق النفاذ للمعلومة لكن تم منع الصحفيين من الدخول إلى المجلس النيابي ثم منعهم من دخول لجانه والحصول على المعلومات.

وبخصوص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحق في الصحة والتعليم التي كرسها الدستور فلم يقع حسب قوله احترامها مثلها مثل الحريات الأكاديمية، وأضاف الجامعي أن الفصل 47 من الدستور كرس الحق في البيئة السليمة والمتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ وألزم الدولة بتوفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي لكن المشاكل البيئية تفاقمت في صفاقس وغيرها من الولايات، كما كرس الدستور الحق في الماء ونص في الفصل 48 على أنه على الدولة توفير الماء الصالح للشّراب للجميع على قدم المساواة، وعليها المحافظة على الثّروة المائية للأجيال القادمة.  لكن لا توجد مساواة في الوصول إلى الماء.

وتعقيبا عن سؤال حول رأي الجمعية التونسية للحريات الفردية في ما ورد في التصريح الذي أدلى به رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة مؤخرا بخصوص المحكمة الدستورية والتي عبر فيها عن مخاوفه من الدخول في مطبات من خلال تمرير قانون يحول هذه المحكمة إلى سلطة تأسيسية، أجاب الأستاذ وحيد الفرشيشي أن الدستور واضح عندما يتعلق الأمر بتركيبة المحكمة الدستورية وبعد القيام بالحركة القضائية يمكن تسمية أعضائها،  وأضاف أن دور المحكمة الدستورية هو النطق بالدستور، فعلى سبيل الذكر لا الحصر الدستور نص على أن حرية الفرد مضمونة ويجب على المحكمة الدستورية أن تحسم في اللبس الذي تسبب فيه هذا الفصل مثلما يجب عليها أن تبت في الخلاف حول الفصل الخامس من الدستور الذي نص على أن تونس جزء من الأمة الإسلاميّة، وعلى الدّولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض، والمال، والدّين والحريّة.

ولاحظ أن المشكل الذي سيعترض المحكمة الدستورية هو عدم وجود أعمال تحضيرية للدستور، وأشار إلى أن المخاوف الحقيقية ليست من تحول المحكمة الدستورية إلى ناطقة بالدستور  وإنما هي مخاوف من أعضاء المحكمة فجميعهم كبارا في السن والرتب ومعروف عن القضاة الكبار أنهم محافظون والسؤال المطروح هو كيف سيتعاطون مع حرية الفرد ومع الفصل الخامس.

تجاهل المبادرات التشريعية

وردا عن سؤال آخر حول النصوص التي مررها المجلس النيابي خلال الدورة النيابية الأولى بين الفرشيشي أن النواب اقترحوا 12 مبادرة تشريعية وهذا العدد أكبر من مشاريع القوانين التي وردت على المجلس من رئاسة الجمهورية والحكومة ولكن لم يقع عرض أي مبادرة مقدمة من طرف النواب على الجلسة العامة وهو مؤشر خطير ويدل على أنهم لا يعطون قيمة لمبادراتهم، كما أنه لا يوجد تداول كبير حول القوانين التي مرروها ومنها النص المتعلق بالقضاء العسكري إذ فوت النواب على أنفسهم فرصة الحديث عن محاكمة المدنيين  أمام المحكمة العسكرية وحولوا الجلسة من جلسة حول القضاء العسكري إلى جلسة للإشادة بدور المؤسسة العسكرية.

وتعقيبا عن سؤال حول المجلس الأعلى للتربية والتعليم الذي نص عليه الدستور ومخاوف بعض الجامعيين من أن يكون الفصل الخامس من الدستور هو المدخل الذي سيرتكز عليه المجلس في أعماله، أجاب الأستاذ الفرشيشي أن الفصل الخامس يتحدث عن أن الدولة تحقق مقاصد الإسلام ومعروف أن مقاصد الإسلام هي الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين ولكن في دستور 2022 تمت إضافة الحرية، لكن الفصل الخامس  ليس الفصل الوحيد الذي يتحدث عن الإسلام إذ يوجد في علاقة بالتعليم الفصل 44 الذي تحدث عن تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وهو ما يدعو إلى التساؤل هل أن كل مناهج التعليم يجب أن تستمد مضامينها من الفقه الإسلامي، وهل يجب التركيز في التعليم على كل ما يتعلق بالإسلام ومقومات الهوية العربية الإسلامية، فكل هذه الأسئلة حسب قول الجامعي مشروعة بالنظر إلى مضامين الفصلين 5 و44 من الدستور. وأضاف أنه لا يعتقد أن إصلاح التعليم سيستند إلى نتائج الاستشارة الوطنية التي تم إطلاقها مؤخرا لأنه سبق لرئيس الجمهورية أن أطلق استشارة الكترونية ولكنه لم يحترم نتائجها لأن نسبة من طالبوا بإصلاح دستور 2014 أكبر من نسبة من عبروا عن رغبتهم في وضع دستور جديد.

سعيدة بوهلال

الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية:  في غياب المحكمة الدستورية سيبقى رئيس الجمهورية الناطق الوحيد باسم الدستور

 

-حل المجالس البلدية وتحويل تسيير البلديات إلى الكتاب العامين خرق واضح للقانون لأنه كان من المفروض تنظيم انتخابات بلدية

تونس-الصباح

دعت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية إلى التعجيل في تركيز المحكمة الدستورية لأنه بعد إجراء الحركة القضائية أصبحت تركيبتها واضحة للجميع ولم يبق أمام رئيس الجمهورية سوى تسمية أعضائها بأمر ويبلغ عددهم تسعة وهم 3 من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب و3 من أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية بالمحكمة الإدارية و3 من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات، ونبهت إلى أنه في غياب هذه المحكمة سيبقى رئيس الجمهورية الناطق الوحيد باسم الدستور.

وقدم ممثلو الجمعية خلال ندوة صحفية عقدوها أمس بالعاصمة تقريرا تضمن رصدا لأبرز الخروقات الدستورية خلال الفترة الممتدة من 18 أوت 2022 تاريخ صدور الدستور إلى 18 أوت 2023 وهو تقرير بعنوان "جمهورية الفرد سنة أولى حصيلة هزيلة وخطيرة"، وقالوا إن رئيس الجمهورية انقلب على الدستور الذي وضعه بنفسه وذلك من خلال تمريره مراسيم تضمنت أحكاما تتعارض مع فصول الدستور ومن خلال عدم تركيز المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها المحكمة الدستورية.

أمين اللطيف الباحث في القانون بين أن الدستور صدر يوم 18 أوت 2022 ولكن بعد أقل من شهر واحد فقط أصدر الرئيس المرسوم عدد 54 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، وضرب حرية التعبير والنشر والصحافة والإعلام، وخالف مقتضيات الفصل 37 الذي ينصّ على "حرّية الرّأي والفكر والتّعبير والإعلام والنّشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحرّيات ".

وأضاف أنه فضلا عن المرسوم عدد 54 فإن المرسوم الصادر في 15 سبتمبر 2022 والمتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء جاء في تعارض صارخ مع أحكام الدستور المتعلقة بالمساواة فالدستور في الفصل 23 نص على أن المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون أي تمييز، لكن الفصل 39 من  المرسوم المذكور ألغى حق الاقتراع للأمنيين والعسكريين وقيد حق الترشح من خلال منع الناخبين التونسيين حاملي جنسية أخرى من الترشح في الدوائر الانتخابية بالتراب التونسي ومن خلال إلغاء التمويل العمومي للحملة بما حال دون تكافؤ الفرص بين المترشحين.

ولاحظ الباحث أن المرسوم الانتخابي ضرب حقوق النساء التي كرسها الفصل 51 من الدستور وبالذي بموجبه "تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها وتضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات و تسعى الدّولة إلى تحقيق التّناصف بين المرأة والرّجل في المجالس المنتخبة.. " وفسر أن المرسوم عدد 55 وبإقراره الاقتراع على الأفراد في دورتين دون إيجاد آليات لتحقيق التناصف يكون قد ضرب حق المرأة في التمثيل البرلماني وساهم في عزوف النساء عن الترشح للانتخابات وهو ما تأكد من خلال العدد القليل للنساء اللائي فزن بمقاعد في البرلمان والبالغ 25 أي بنسبة لا تتجاوز 16 بالمائة وهي أضعف نسبة تم تسجيلها منذ انتخابات 2011.

ويتجلى خرق الدستور حسب ما بينه الباحث في القانون أمين اللطيف في عدد من التسميات الرئاسية والتي جاءت في مخالفة لمبادئ الحياد والشفافية والمساواة وهي مبادئ كرسها الفصل 19 من الدستور، وذكر أن التعيينات تتم على أساس الولاءات وفي إطار الانفراد بالرأي واستعرض الباحث بعض الأمثلة منها كيفية إقالة رئيس اللجنة الوطنية للصلح الجزائي في 21 مارس 2023 ثم إقالة مقررتها العامة في 7 جويلية 2023، وإنهاء مهام رئيس مؤسسة فداء في 8 جوان 2023، وتسمية رئيس جديد لها، وإعفاء رئيسة الحكومة من مهامها في منتصف ليلة غرة أوت 2023 وتسمية رئيس جديد للحكومة أدى اليمين في منتصف نفس الليلة.

أين المؤسسات الدستورية؟

أما أمين الجلاصي أستاذ القانون العام فتحدث عن المؤسسات التي نص عليها الدستور والتي لم يقع تركيزها رغم مرور أكثر من عام عن صدور الدستور وهي المحكمة الدستورية والمجلس الوطني للجهات والأقاليم والمجلس الأعلى للقضاء العدلي والمجلس الأعلى للقضاء الإداري والمجلس الأعلى للقضاء المالي والمجلس الأعلى للتربية والتعليم وبين أن الاستثناء الوحيد هو مجلس نواب الشعب، وذكر أن الدستور نص على أن الوظيفة التشريعية تمارسها غرفة أولى وهي مجلس نواب الشعب وغرفة ثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم ولكن إلى حد الآن لا توجد غرفة ثانية كما لم يقع بعد تنظيم الانتخابات المحلية، أما الغرفة الأولى فإن حصيلة القوانين التي مررتها كانت حسب وصفه هزيلة لأنه لا توجد فيها أحكام من شأنها تشجيع الاستثمار وتوفير التشغيل.

وذكر أنه تم حل المجالس البلدية وأصبح تسيير البلديات من مهام الكتاب العامين وهو خرق واضح للقانون لأنه كان من المفروض تنظيم انتخابات بلدية.

وبخصوص المجلس الأعلى للقضاء ذكر أنه يوجد مجلس مؤقت لا تتم استشارته في المسائل التي تهم القضاء ولم يقع إصدار قوانين تنظم المجالس القضائية الثلاثة التي نص عليها دستور 2022،  أما المحكمة الدستورية التي كان من المفروض تركيزها منذ سنة 2015 لكن هذا لم يحدث، وبصدور الدستور الجديد تم تغيير تركيبتها وطريقة اختيار أعضائها ورغم زوال العوائق لم تر هذه المحكمة النور.

وأضاف أنه بمقتضى دستور 2022 تم إلغاء الهيئات الدستورية التي نص عليها دستور 2014  والإبقاء فقط على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وكان من المفروض إصدار قانون جديد لهذه الهيئة لأن الهيئة المؤقتة الحالية غير مطابقة في تركيبتها للدستور، وذكر أن الدستور تضمن هيئة دستورية جديدة وهي المجلس الأعلى للتربية والتعليم ورغم الأزمة التي يمر بها قطاع التعليم فإنه لا أحد يعرف متى سيقع تركيز هذا المجلس وكيف ستكون تركيبته وما هي صلاحياته.

الحقوق والحريات

وذهب أستاذ القانون العام وحيد الفرشيشي إلى أبعد من ذلك وقال: "رغم أن رئيس الجمهورية سن الدستور بنفسه فإنه لم يلتزم بدستوره". وفسر ذلك بالإشارة إلى الفصول المتعلقة بالحقوق والحريات انطلاقا من الفصل 22 إلى غاية الفصل 55 وذكر أن رئيس الجمهورية لم يحترم في النصوص التي مررها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئة التي نص الدستور، وذكر أن دستور 2022 نص على حرية الفرد التي لم تكن موجودة في دستور 2014  لكن لم يقع ضمان حرية الفرد كما لم يقع احترام حرية التنقل وحرية السفر لأن كل من تعلقت به شبهة تم منعه من السفر. وأضاف أن الدستور نص على قرينة البراءة لكن رئيس الجمهورية يشتم المتهمين وهذا يمس من قرينة البراءة، وبين أن الفصل 35 من الدستور نص على أنه لا يمكن إيقاف شخص أو الاحتفاظ به إلا في حالة التلبّس أو بقرار قضائي، ويعلم فورا بحقوقه وبالتهمة المنسوبة إليه، ولكن على أرض الواقع لم يقع إعلام موقوفين بالتهم المنسوبة إليهم ومنهم على سبيل الذكر شمياء عيسى وعصام الشابي، وأضاف أن الدستور نص على حق النفاذ للمعلومة لكن تم منع الصحفيين من الدخول إلى المجلس النيابي ثم منعهم من دخول لجانه والحصول على المعلومات.

وبخصوص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحق في الصحة والتعليم التي كرسها الدستور فلم يقع حسب قوله احترامها مثلها مثل الحريات الأكاديمية، وأضاف الجامعي أن الفصل 47 من الدستور كرس الحق في البيئة السليمة والمتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ وألزم الدولة بتوفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي لكن المشاكل البيئية تفاقمت في صفاقس وغيرها من الولايات، كما كرس الدستور الحق في الماء ونص في الفصل 48 على أنه على الدولة توفير الماء الصالح للشّراب للجميع على قدم المساواة، وعليها المحافظة على الثّروة المائية للأجيال القادمة.  لكن لا توجد مساواة في الوصول إلى الماء.

وتعقيبا عن سؤال حول رأي الجمعية التونسية للحريات الفردية في ما ورد في التصريح الذي أدلى به رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة مؤخرا بخصوص المحكمة الدستورية والتي عبر فيها عن مخاوفه من الدخول في مطبات من خلال تمرير قانون يحول هذه المحكمة إلى سلطة تأسيسية، أجاب الأستاذ وحيد الفرشيشي أن الدستور واضح عندما يتعلق الأمر بتركيبة المحكمة الدستورية وبعد القيام بالحركة القضائية يمكن تسمية أعضائها،  وأضاف أن دور المحكمة الدستورية هو النطق بالدستور، فعلى سبيل الذكر لا الحصر الدستور نص على أن حرية الفرد مضمونة ويجب على المحكمة الدستورية أن تحسم في اللبس الذي تسبب فيه هذا الفصل مثلما يجب عليها أن تبت في الخلاف حول الفصل الخامس من الدستور الذي نص على أن تونس جزء من الأمة الإسلاميّة، وعلى الدّولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض، والمال، والدّين والحريّة.

ولاحظ أن المشكل الذي سيعترض المحكمة الدستورية هو عدم وجود أعمال تحضيرية للدستور، وأشار إلى أن المخاوف الحقيقية ليست من تحول المحكمة الدستورية إلى ناطقة بالدستور  وإنما هي مخاوف من أعضاء المحكمة فجميعهم كبارا في السن والرتب ومعروف عن القضاة الكبار أنهم محافظون والسؤال المطروح هو كيف سيتعاطون مع حرية الفرد ومع الفصل الخامس.

تجاهل المبادرات التشريعية

وردا عن سؤال آخر حول النصوص التي مررها المجلس النيابي خلال الدورة النيابية الأولى بين الفرشيشي أن النواب اقترحوا 12 مبادرة تشريعية وهذا العدد أكبر من مشاريع القوانين التي وردت على المجلس من رئاسة الجمهورية والحكومة ولكن لم يقع عرض أي مبادرة مقدمة من طرف النواب على الجلسة العامة وهو مؤشر خطير ويدل على أنهم لا يعطون قيمة لمبادراتهم، كما أنه لا يوجد تداول كبير حول القوانين التي مرروها ومنها النص المتعلق بالقضاء العسكري إذ فوت النواب على أنفسهم فرصة الحديث عن محاكمة المدنيين  أمام المحكمة العسكرية وحولوا الجلسة من جلسة حول القضاء العسكري إلى جلسة للإشادة بدور المؤسسة العسكرية.

وتعقيبا عن سؤال حول المجلس الأعلى للتربية والتعليم الذي نص عليه الدستور ومخاوف بعض الجامعيين من أن يكون الفصل الخامس من الدستور هو المدخل الذي سيرتكز عليه المجلس في أعماله، أجاب الأستاذ الفرشيشي أن الفصل الخامس يتحدث عن أن الدولة تحقق مقاصد الإسلام ومعروف أن مقاصد الإسلام هي الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين ولكن في دستور 2022 تمت إضافة الحرية، لكن الفصل الخامس  ليس الفصل الوحيد الذي يتحدث عن الإسلام إذ يوجد في علاقة بالتعليم الفصل 44 الذي تحدث عن تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وهو ما يدعو إلى التساؤل هل أن كل مناهج التعليم يجب أن تستمد مضامينها من الفقه الإسلامي، وهل يجب التركيز في التعليم على كل ما يتعلق بالإسلام ومقومات الهوية العربية الإسلامية، فكل هذه الأسئلة حسب قول الجامعي مشروعة بالنظر إلى مضامين الفصلين 5 و44 من الدستور. وأضاف أنه لا يعتقد أن إصلاح التعليم سيستند إلى نتائج الاستشارة الوطنية التي تم إطلاقها مؤخرا لأنه سبق لرئيس الجمهورية أن أطلق استشارة الكترونية ولكنه لم يحترم نتائجها لأن نسبة من طالبوا بإصلاح دستور 2014 أكبر من نسبة من عبروا عن رغبتهم في وضع دستور جديد.

سعيدة بوهلال

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews