استباق المصادقة على التقسيم الترابي الاستثنائي لصدور أمر دعوة الناخبين بدا للعديد من الملاحظين في غير محله
تونس-الصباح
أخيرا وبعد سد الشغور وأداء الأعضاء الجدد بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات اليمين الدستورية، تمكن مجلس الهيئة من المصادقة على تقسيم الدوائر الانتخابية. كما شرع في نقاش مشروع روزنامة الانتخابات المحلية وذلك قبل صدور الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين وهو ما أثار جدلا حول موعد الانتخابات.
ففي ما يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية، يمكن الإشارة إلى أن مصادقة مجلس الهيئة على هذا التقسيم الجديد شرط أساسي لتنظيم انتخابات أعضاء المجالس المحلية، لأن الهيئة مطالبة بموجب المرسوم عدد 10 لسنة 2023 مؤرّخ في 8 مارس 2023 المتعلّق بتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم، بالقيام بتقسيم استثنائي للمعتمديات التي يقل عدد العمادات فيها عن خمس، إلى دوائر انتخابية لا تقل عن العدد المذكور، وذلك لأن الفصل 28 من المرسوم عدد 10 سالف الذكر نص على ما يلي: "يُعدّ تراب كلّ عمادة دائرة انتخابيّة لانتخاب أعضاء المجلس المحلّي. يتوافق تراب المجلس المحلّي مع تراب المعتمديّة. إذا كان عدد العمادات في إحدى المعتمديّات دون الخمس، تتولّى الهيئة تقسيم المعتمديّة إلى دوائر انتخابيّة لا تقلّ عن العدد المذكور".
وعلى أساس التقسيم الاستثنائي الذي تجريه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يقع إصدار أمر رئاسي، ففي الفصل العاشر من المرسوم عدد 10 ورد ما يلي :"يقع تقسيم الدوائر لانتخابات المجالس المحلّية والجهويّة ومجالس الأقاليم وعدد المقاعد المخصّصة لها بمقتضى أمر".
ونشرت الهيئة يوم 14 سبتمبر الجاري على موقعها الرسمي معطيات مفصلة حول الانتخابات المحلية من بينها أن تراب المجلس المحلي يتوافق مع تراب المعتمدية ويكون نظام الاقتراع فيه عاما ومباشرا على الأفراد بالأغلبية في دورتين من قبل ناخبين مسجلين على مستوى العمادات باعتبارها دوائر انتخابية. ويتم تقسيم الدوائر الانتخابية بموجب أمر على أن تتولى الهيئة تقسيم المعتمديات التي يقل عدد العمادات فيها عن خمس إلى دوائر انتخابية لا تقل عن العدد المذكور.
وتضمن نفس الدليل معطيات أخرى مفادها أن عدد المعتمديّات في تونس يبلغ 279 معتمدية، ويبلغ عدد المعتمديات التي تضمّ أقلّ من 5 عمادات 43 معتمديّة، ويبلغ العدد الجملي للعمادات المعنيّة بالتقسيم لأكثر من دائرة انتخابيّة 59 عمادة من جملة 2085 عمادة، ويبلغ العدد الجملي للدوائر الانتخابيّة المحليّة المعنيّة بالتقسيم الاستثنائي على معنى الفصل 28 من المرسوم عدد 10 لسنة 2023، 129 دائرة انتخابيّة محليّة من جملة 2155 دائرة انتخابيّة محليّة، وهناك 236 معتمدية تضم أكثر من خمس عمادات وتوجد 2026 عمادة مساوية لدائرة انتخابية محلية.
وقبل مصادقة مجلس الهيئة على التقسيم الترابي كانت الهيئة شاركت في المشروع الوطني للتحديد الترابي للدوائر الانتخابيّة المحليّة وذلك بمعية عدد من الوزارات والمؤسسات وأهمها وزارة الداخليّة والمركز الوطني لرسم الخرائط والاستشعار عن بعد والمعهد الوطني للإحصاء والديوان الوطني لقيس الأراضي والرسم العقاري، وقد تمخض هذا المشروع عن صدور قرارات عن وزارة الداخلية ونشرها في الرائد الرسمي وهي تتعلق بضبط الحدود الترابية للعمادات في جميع ولايات الجمهورية.
موعد الانتخابات
ولئن كانت المصادقة على التقسيم الترابي الاستثنائي من مشمولات مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فإن استباقه لأهم حدث في المسار الانتخابي وهو صدور أمر دعوة الناخبين، وذلك بعرضه مشروع روزنامة الانتخابات المحلية ونقاشه منذ يوم الجمعة الماضي بدا للعديد من الملاحظين في غير محله، تماما مثل التصريحات التي أدلى بها رئيس الهيئة وبعض أعضائها والتي تضمنت توقعاتهم بخصوص تاريخ الانتخابات المحلية، فمرة قالوا إن الانتخابات ستكون في نهاية شهر أكتوبر وبداية شهر نوفمبر ومرة أخرى رجحوا أنها ستكون في شهر ديسمبر وتوقعوا أنها ستجري يوم 17 ديسمبر المقبل وهو نفس التاريخ الذي أجريت فيه السنة الماضية انتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب، وكل هذا يدعو إلى التساؤل هل يحق لرئيس الهيئة وأعضائها تقديم توقعاتهم بخصوص المواعيد الانتخابية وهل أن للهيئة دورا في ضبط المواعيد الانتخابية أم أن تحديد الآجال هو اختصاص حصري لرئيس الجمهورية.
وكان نقاش هذه المسألة طرح في السابق في أكثر من مناسبة حتى أن عضو الهيئة السابق ماهر الجديدي قال في تصريح سابق لـ"الصباح" قبل إعفائه من مهامه إنه ليس من صلاحيات أي شخص أن يضبط تاريخ الانتخابيات وفسر أن ضبط تاريخ الانتخابات هو مسألة سيادية تعود بالنظر إلى رئيس الجمهورية، فرئيس الجمهورية هو الجهة الوحيدة التي تقوم بتحديد التواريخ وكل التصريحات التي تمت في المنابر الإعلامية من هنا وهناك حول موعد الانتخابات لا تلزم إلا أصحابها، وفق تعبيره.
ويعد موضوع دعوة الناخبين والجهة التي تتولى تحديد التواريخ الانتخابية موضوعا خلافيا بامتياز بمناسبة عرض مقترحات تنقيح القانون الانتخابي على أنظار مجلس نواب الشعب المنحل، حتى أن هناك من بين أعضاء المجلس وتحديدا نواب كتلة ائتلاف الكرامة قدموا مبادرة تشريعية تهدف إلى تجريد رئيس الجمهورية من صلاحية الإعلان عن موعد الانتخابات وتحويلها لرئيس الحكومة..
وبالعودة إلى أرشيفات لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية نجد أن اللجنة وقبل ثلاثة أيام من غلق البرلمان في 25 جويلية 2021 ناقشت تقريرها المتعلق بتنقيح القانون الانتخابي ونقرأ في هذا التقرير ما يلي: ينص القانون الانتخابي الحالي في فصله 101(جديد) كما تم تنقيحه بمقتضى القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 فيفري 2017 على أن "تتم دعوة الناخبين بأمر رئاسي في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية والرئاسية، وفي أجل أدناه شهران بالنسبة إلى الاستفتاء. وفي إطار مناقشة المقترحين اللذين وردا على اللجنة بخصوص هذا الفصل سواء ضمن المبادرة التشريعية عدد 20/2021 أو ضمن المبادرة عدد 27/2021، تباينت الآراء في هذا الخصوص بين من اقترح أن تتم الدعوة للانتخابات من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مشيرا الى أنه يُتبين بالرجوع إلى عديد التجارب المقارنة أن الدعوة للانتخابات في العديد من الأنظمة سواء كانت رئاسية أو برلمانية، تتم من قبل الهيئة المشرفة على تنظيم الانتخابات ومعبرا في الآن ذاته عن رفضه للمقترح المتمثل في أن تتم الدعوة من قبل رئيس الحكومة كما هو مقترح ضمن المبادرة التشريعية عدد 20 لسنة 2021 وذلك تجنبا لاستغلال هذا الأخير لهذه الصلاحية لغايات شخصية وبين من تمسك بهذا المقترح في اتجاه أن يتولى ذلك رئيس الحكومة. كما ذهب رأي آخر إلى اقتراح أن يتم المحافظة على اختصاص رئيس الجمهورية في إصدار هذا الأمر مع وضع أجل لدعوة الناخبين للاقتراع وفي صورة انقضاء هذا الأجل دون قيامه بذلك، تتولى ذلك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وهناك من اقترح أن تتم الدعوة من قبل رئيس الجمهورية فقط في الحالات المتعلقة بتنظيم انتخابات سابقة لأوانها أو بإجراء استفتاء في بعض المسائل ذات الصبغة الوطنية وفيما عدا تتولي الهيئة الانتخابية الدعوة للانتخابات الدورية. وعند تمرير المقترح المتمثل في أن تتم الدعوة في الحالات المتعلقة بتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها أو بإجراء استفتاء في بعض المسائل ذات الصبغة الوطنية من قبل رئيس الجمهورية، تمت المصادقة بالإجماع على اعتماد هذا المقترح. وبعرض المقترح الثاني والمتعلق بحلول مجلس الهيئة الانتخابية محل رئيس الجمهورية في القيام بدعوة الناخبين وذلك صورة انقضاء الأجل المقرر لذلك بالنسبة إلى الانتخابات الدورية (فيما عدى حالة الانتخابات السابقة لأوانها والاستفتاءات في المسائل الوطنية)، لم يحظ المقترح بموافقة أعضاء اللجنة الحاضرين. وبتمرير المقترح المتمثل في أن تتم الدعوة بالنسبة إلى جميع الانتخابات (فيما عدى حالة الانتخابات السابقة لأوانها والاستفتاءات في المسائل الوطنية) من قبل مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، تمت الموافقة بإجماع الأعضاء الحاضرين. كما وافقت اللجنة بأغلبية أعضاءها الحاضرين على المقترح المتعلق بتعديل الفقرة الأخيرة من الفصل 104 جديدة في اتجاه أن تتم الدعوة للانتخابات بعد التمديد بأمر بقرار من الهيئة الانتخابية وذلك تبعا للتعديلات التي تم إدخالها على الفصل 101 من القانون الانتخابي والمتعلق بدعوة الناخبين للاقتراع، وبنفس الأغلبية على المقترح المتعلق بتعديل الفصل 113 من القانون الانتخابي في اتجاه أن تتم دعوة الناخبين إلى الاستفتاء التشريعي أو الدستوري بأمر رئاسي وبقرار من الهيئة بالنسبة للاستفتاء المحلي، ويُلحق بهما مشروع النص الذي سيعرض على الاستفتاء. وينشر هذا الأمر أو القرار وملحقيه بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية".
أما الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فلديها هي بدورها رأي بخصوص دعوة الناخبين وعبرت عنه في تقريرها الأخير حول الانتخابات التشريعية الذي قدمته لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب والذي تم نشره بالرائد الرسمي يوم 24 أوت الماضي، وقد أوصت فيه بأن يتم إصدار الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين للانتخابات الدورية المقبلة عقب إصدار الرزنامة الانتخابية من قبلها وذلك انسجاما مع النقطة الخامسة من الفصل الثالث من القانون الأساسي المتعلق بالهيئة والتي تقضي بقيام الهيئة بوضع روزنامة الانتخابات والاستفتاءات وإشهارها وتنفيذها بما يتفق مع المدد المقررة بالدستور والقانون الانتخابي وقبل حيز زمني كاف يخول لها الاستعداد الجيد والمبكر للمواعيد الانتخابية. كما اقترحت في نفس التقرير تعديل القانون الانتخابي قصد تمكينها من تحديد التوقيت المخصص للاقتراع تفاديا للإشكاليات اللوجستية أو التنظيمية أو العملياتية ولأنها عادة ما تقرر بعد التشاور مع المؤسستين الأمنية والعسكرية اعتماد توقيت استثنائي في بعض مراكز الاقتراع.
ولكن رئيس الجمهورية لم يتطرق إلى هذه المسألة خلال موكب أداء اليمين الدستورية من قبل الأعضاء الثلاثة الجدد لهيئة الانتخابات وهم بلقاسم العياشي عضو هيئة عليا مستقلة سابقة للانتخابات ونجلاء عبروقي قاض عدلي وأيمن بوغطاس قاض إداري وإنما اكتفى بتوصيتهم بالتصدي للمال الفاسد وللمتسللين للانتخابات.
سعيدة بوهلال
استباق المصادقة على التقسيم الترابي الاستثنائي لصدور أمر دعوة الناخبين بدا للعديد من الملاحظين في غير محله
تونس-الصباح
أخيرا وبعد سد الشغور وأداء الأعضاء الجدد بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات اليمين الدستورية، تمكن مجلس الهيئة من المصادقة على تقسيم الدوائر الانتخابية. كما شرع في نقاش مشروع روزنامة الانتخابات المحلية وذلك قبل صدور الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين وهو ما أثار جدلا حول موعد الانتخابات.
ففي ما يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية، يمكن الإشارة إلى أن مصادقة مجلس الهيئة على هذا التقسيم الجديد شرط أساسي لتنظيم انتخابات أعضاء المجالس المحلية، لأن الهيئة مطالبة بموجب المرسوم عدد 10 لسنة 2023 مؤرّخ في 8 مارس 2023 المتعلّق بتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم، بالقيام بتقسيم استثنائي للمعتمديات التي يقل عدد العمادات فيها عن خمس، إلى دوائر انتخابية لا تقل عن العدد المذكور، وذلك لأن الفصل 28 من المرسوم عدد 10 سالف الذكر نص على ما يلي: "يُعدّ تراب كلّ عمادة دائرة انتخابيّة لانتخاب أعضاء المجلس المحلّي. يتوافق تراب المجلس المحلّي مع تراب المعتمديّة. إذا كان عدد العمادات في إحدى المعتمديّات دون الخمس، تتولّى الهيئة تقسيم المعتمديّة إلى دوائر انتخابيّة لا تقلّ عن العدد المذكور".
وعلى أساس التقسيم الاستثنائي الذي تجريه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يقع إصدار أمر رئاسي، ففي الفصل العاشر من المرسوم عدد 10 ورد ما يلي :"يقع تقسيم الدوائر لانتخابات المجالس المحلّية والجهويّة ومجالس الأقاليم وعدد المقاعد المخصّصة لها بمقتضى أمر".
ونشرت الهيئة يوم 14 سبتمبر الجاري على موقعها الرسمي معطيات مفصلة حول الانتخابات المحلية من بينها أن تراب المجلس المحلي يتوافق مع تراب المعتمدية ويكون نظام الاقتراع فيه عاما ومباشرا على الأفراد بالأغلبية في دورتين من قبل ناخبين مسجلين على مستوى العمادات باعتبارها دوائر انتخابية. ويتم تقسيم الدوائر الانتخابية بموجب أمر على أن تتولى الهيئة تقسيم المعتمديات التي يقل عدد العمادات فيها عن خمس إلى دوائر انتخابية لا تقل عن العدد المذكور.
وتضمن نفس الدليل معطيات أخرى مفادها أن عدد المعتمديّات في تونس يبلغ 279 معتمدية، ويبلغ عدد المعتمديات التي تضمّ أقلّ من 5 عمادات 43 معتمديّة، ويبلغ العدد الجملي للعمادات المعنيّة بالتقسيم لأكثر من دائرة انتخابيّة 59 عمادة من جملة 2085 عمادة، ويبلغ العدد الجملي للدوائر الانتخابيّة المحليّة المعنيّة بالتقسيم الاستثنائي على معنى الفصل 28 من المرسوم عدد 10 لسنة 2023، 129 دائرة انتخابيّة محليّة من جملة 2155 دائرة انتخابيّة محليّة، وهناك 236 معتمدية تضم أكثر من خمس عمادات وتوجد 2026 عمادة مساوية لدائرة انتخابية محلية.
وقبل مصادقة مجلس الهيئة على التقسيم الترابي كانت الهيئة شاركت في المشروع الوطني للتحديد الترابي للدوائر الانتخابيّة المحليّة وذلك بمعية عدد من الوزارات والمؤسسات وأهمها وزارة الداخليّة والمركز الوطني لرسم الخرائط والاستشعار عن بعد والمعهد الوطني للإحصاء والديوان الوطني لقيس الأراضي والرسم العقاري، وقد تمخض هذا المشروع عن صدور قرارات عن وزارة الداخلية ونشرها في الرائد الرسمي وهي تتعلق بضبط الحدود الترابية للعمادات في جميع ولايات الجمهورية.
موعد الانتخابات
ولئن كانت المصادقة على التقسيم الترابي الاستثنائي من مشمولات مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فإن استباقه لأهم حدث في المسار الانتخابي وهو صدور أمر دعوة الناخبين، وذلك بعرضه مشروع روزنامة الانتخابات المحلية ونقاشه منذ يوم الجمعة الماضي بدا للعديد من الملاحظين في غير محله، تماما مثل التصريحات التي أدلى بها رئيس الهيئة وبعض أعضائها والتي تضمنت توقعاتهم بخصوص تاريخ الانتخابات المحلية، فمرة قالوا إن الانتخابات ستكون في نهاية شهر أكتوبر وبداية شهر نوفمبر ومرة أخرى رجحوا أنها ستكون في شهر ديسمبر وتوقعوا أنها ستجري يوم 17 ديسمبر المقبل وهو نفس التاريخ الذي أجريت فيه السنة الماضية انتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب، وكل هذا يدعو إلى التساؤل هل يحق لرئيس الهيئة وأعضائها تقديم توقعاتهم بخصوص المواعيد الانتخابية وهل أن للهيئة دورا في ضبط المواعيد الانتخابية أم أن تحديد الآجال هو اختصاص حصري لرئيس الجمهورية.
وكان نقاش هذه المسألة طرح في السابق في أكثر من مناسبة حتى أن عضو الهيئة السابق ماهر الجديدي قال في تصريح سابق لـ"الصباح" قبل إعفائه من مهامه إنه ليس من صلاحيات أي شخص أن يضبط تاريخ الانتخابيات وفسر أن ضبط تاريخ الانتخابات هو مسألة سيادية تعود بالنظر إلى رئيس الجمهورية، فرئيس الجمهورية هو الجهة الوحيدة التي تقوم بتحديد التواريخ وكل التصريحات التي تمت في المنابر الإعلامية من هنا وهناك حول موعد الانتخابات لا تلزم إلا أصحابها، وفق تعبيره.
ويعد موضوع دعوة الناخبين والجهة التي تتولى تحديد التواريخ الانتخابية موضوعا خلافيا بامتياز بمناسبة عرض مقترحات تنقيح القانون الانتخابي على أنظار مجلس نواب الشعب المنحل، حتى أن هناك من بين أعضاء المجلس وتحديدا نواب كتلة ائتلاف الكرامة قدموا مبادرة تشريعية تهدف إلى تجريد رئيس الجمهورية من صلاحية الإعلان عن موعد الانتخابات وتحويلها لرئيس الحكومة..
وبالعودة إلى أرشيفات لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية نجد أن اللجنة وقبل ثلاثة أيام من غلق البرلمان في 25 جويلية 2021 ناقشت تقريرها المتعلق بتنقيح القانون الانتخابي ونقرأ في هذا التقرير ما يلي: ينص القانون الانتخابي الحالي في فصله 101(جديد) كما تم تنقيحه بمقتضى القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 فيفري 2017 على أن "تتم دعوة الناخبين بأمر رئاسي في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية والرئاسية، وفي أجل أدناه شهران بالنسبة إلى الاستفتاء. وفي إطار مناقشة المقترحين اللذين وردا على اللجنة بخصوص هذا الفصل سواء ضمن المبادرة التشريعية عدد 20/2021 أو ضمن المبادرة عدد 27/2021، تباينت الآراء في هذا الخصوص بين من اقترح أن تتم الدعوة للانتخابات من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مشيرا الى أنه يُتبين بالرجوع إلى عديد التجارب المقارنة أن الدعوة للانتخابات في العديد من الأنظمة سواء كانت رئاسية أو برلمانية، تتم من قبل الهيئة المشرفة على تنظيم الانتخابات ومعبرا في الآن ذاته عن رفضه للمقترح المتمثل في أن تتم الدعوة من قبل رئيس الحكومة كما هو مقترح ضمن المبادرة التشريعية عدد 20 لسنة 2021 وذلك تجنبا لاستغلال هذا الأخير لهذه الصلاحية لغايات شخصية وبين من تمسك بهذا المقترح في اتجاه أن يتولى ذلك رئيس الحكومة. كما ذهب رأي آخر إلى اقتراح أن يتم المحافظة على اختصاص رئيس الجمهورية في إصدار هذا الأمر مع وضع أجل لدعوة الناخبين للاقتراع وفي صورة انقضاء هذا الأجل دون قيامه بذلك، تتولى ذلك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وهناك من اقترح أن تتم الدعوة من قبل رئيس الجمهورية فقط في الحالات المتعلقة بتنظيم انتخابات سابقة لأوانها أو بإجراء استفتاء في بعض المسائل ذات الصبغة الوطنية وفيما عدا تتولي الهيئة الانتخابية الدعوة للانتخابات الدورية. وعند تمرير المقترح المتمثل في أن تتم الدعوة في الحالات المتعلقة بتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها أو بإجراء استفتاء في بعض المسائل ذات الصبغة الوطنية من قبل رئيس الجمهورية، تمت المصادقة بالإجماع على اعتماد هذا المقترح. وبعرض المقترح الثاني والمتعلق بحلول مجلس الهيئة الانتخابية محل رئيس الجمهورية في القيام بدعوة الناخبين وذلك صورة انقضاء الأجل المقرر لذلك بالنسبة إلى الانتخابات الدورية (فيما عدى حالة الانتخابات السابقة لأوانها والاستفتاءات في المسائل الوطنية)، لم يحظ المقترح بموافقة أعضاء اللجنة الحاضرين. وبتمرير المقترح المتمثل في أن تتم الدعوة بالنسبة إلى جميع الانتخابات (فيما عدى حالة الانتخابات السابقة لأوانها والاستفتاءات في المسائل الوطنية) من قبل مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، تمت الموافقة بإجماع الأعضاء الحاضرين. كما وافقت اللجنة بأغلبية أعضاءها الحاضرين على المقترح المتعلق بتعديل الفقرة الأخيرة من الفصل 104 جديدة في اتجاه أن تتم الدعوة للانتخابات بعد التمديد بأمر بقرار من الهيئة الانتخابية وذلك تبعا للتعديلات التي تم إدخالها على الفصل 101 من القانون الانتخابي والمتعلق بدعوة الناخبين للاقتراع، وبنفس الأغلبية على المقترح المتعلق بتعديل الفصل 113 من القانون الانتخابي في اتجاه أن تتم دعوة الناخبين إلى الاستفتاء التشريعي أو الدستوري بأمر رئاسي وبقرار من الهيئة بالنسبة للاستفتاء المحلي، ويُلحق بهما مشروع النص الذي سيعرض على الاستفتاء. وينشر هذا الأمر أو القرار وملحقيه بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية".
أما الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فلديها هي بدورها رأي بخصوص دعوة الناخبين وعبرت عنه في تقريرها الأخير حول الانتخابات التشريعية الذي قدمته لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب والذي تم نشره بالرائد الرسمي يوم 24 أوت الماضي، وقد أوصت فيه بأن يتم إصدار الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين للانتخابات الدورية المقبلة عقب إصدار الرزنامة الانتخابية من قبلها وذلك انسجاما مع النقطة الخامسة من الفصل الثالث من القانون الأساسي المتعلق بالهيئة والتي تقضي بقيام الهيئة بوضع روزنامة الانتخابات والاستفتاءات وإشهارها وتنفيذها بما يتفق مع المدد المقررة بالدستور والقانون الانتخابي وقبل حيز زمني كاف يخول لها الاستعداد الجيد والمبكر للمواعيد الانتخابية. كما اقترحت في نفس التقرير تعديل القانون الانتخابي قصد تمكينها من تحديد التوقيت المخصص للاقتراع تفاديا للإشكاليات اللوجستية أو التنظيمية أو العملياتية ولأنها عادة ما تقرر بعد التشاور مع المؤسستين الأمنية والعسكرية اعتماد توقيت استثنائي في بعض مراكز الاقتراع.
ولكن رئيس الجمهورية لم يتطرق إلى هذه المسألة خلال موكب أداء اليمين الدستورية من قبل الأعضاء الثلاثة الجدد لهيئة الانتخابات وهم بلقاسم العياشي عضو هيئة عليا مستقلة سابقة للانتخابات ونجلاء عبروقي قاض عدلي وأيمن بوغطاس قاض إداري وإنما اكتفى بتوصيتهم بالتصدي للمال الفاسد وللمتسللين للانتخابات.