إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حكاياتهم.. الفساد الأكبر، والفساد الأصغر !..

 

يرويها: أبو بكر الصغير

  إن انعدام الردع يحدث الفساد، وانعدامه بدرجة مطلقة يحدث الفساد المطلق.

   من خلال تحديد تنظيم العلاقات بين المجال العام والمصلحة الخاصة للأفراد، يهدف الفهم الموضوعي للفساد بالإضافة إلى الفئات الفنية المختلفة التي تؤهله، إلى ضمان احترام سلامة المجال العام .

 فهو أحد أسس واشتراطات الشرعية الديمقراطية أو الجمهورية.

   أي حكم يضمن نظام القانون من خلال الاحترام المطلق لمبدأ تساوي المسافة بين الأفراد من القانون و المصلحة العامة، وهنا بالذات يكمن مبدأ العدالة الذي تقوم عليه فكرة الدولة العادلة التي تعتبر المرجعية لهذا الإطار .

    في مثل هذا النظام، يشكل الاستيلاء غير المشروع على موارد الدولة أو الإضرار بها، عملاً خطيرًا للغاية وغير عادل في الأساس لأنه يزعزع استقرار طريقة الارتباط بين الأفراد تماما وضمان السيرورة الطبيعية لعملية التنمية.

   يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك لنقول إن الفساد، بأشكاله المختلفة، يعيد بشكل فعال تقديم النظام الاجتماعي والقانوني القديم، الذي كان يقوم على تصور متمايز للقدرات الاجتماعية الفردية، "الامتيازات" بدلا من "الحقوق" ، فميثاق الفساد لا يتألف فقط من اختلاس علاقة السلطة، ولا من السرقة للمال العام أو الموارد العامة غير الملموسة أو الإضرار بها، ولكن في تنفيذ استثناء الوضع، الذي يدمر مبدأ المساواة في الوضع المدني و يعيد بشكل فعال النظام الإقطاعي ما قبل الديمقراطي .

 غالبا ما نهتم ونتحدث عن الفساد الأصغر كالاحتكار أو الارتشاء، و يغيب الاهتمام بما هو فساد اكبر الذي غالبا ما تكون تكلفته باهظة جدا على المجموعة الوطنية كتعطيل المشاريع وعرقلة الإنتاج وغلق المصانع والابتزاز بالإضرابات الخ ..

 نحن اليوم وإذا ما تأكدت الأنباء أمام "جريمة دولة".

 تفاصيل الحادثة أن بلادنا قامت سنة 2018 بإعلان مناقصة دولية لشراء قاطرات لنقل الفسفاط بقفصة، يبلغ عددها الإجمالي عشرين قاطرة بمئات المليارات.

  تم تكليف لجنة لمتابعة عملية الشراء و تقديم المواصفات الفنية المطلوبة.

  وصلت هذه القاطرات لتونس وذلك بأمل زيادة إنتاج الفسفاط من خلال تغيير القاطرات التقليدية المستعملة بهذه الجديدة ذات السعة التحميلية تبلغ 4000 طن، في حين لا تتجاوز سعة القاطرات التقليدية 2200 طن .

 لكن حصلت الصدمة عندما أراد المسؤولون عن شركة الفسفاط إجراء اختبارات الاستغلال لهذه القاطرات الجديدة اكتشفوا أنه لا يمكنها المرور عبر أنفاق الثالجة و تسير فقط على خط المتلوي وهو الخط رقم 13 الذي يربط توزر بالغريبة في صفاقس !.

 تجدر الإشارة إلى أن نفق الثالجة تم تشغيله في شهر فيفري 2022 بعد انقطاع دام حوالي ست سنوات، منذ أكتوبر 2017 بالضبط، بسبب الفيضانات، ورغم إعادة فتحه، لم تتمكن القاطرات الجديدة من عبور الخط 15 الذي يربط المتلوي بالكاف عبر وديان الثالجة .

 هل هذا معقول، كانت الشركة تأمل مضاعفة الإنتاج فإذا بها تجد نفسها في وضع عكسي، السبب فساد مسؤولين بلا شكّ هم مطمئنون على أجورهم وامتيازاتهم وكلّ المنح .

 كيف يعقل أن يتم إعلان مناقصة دولية بهذا المبلغ الضخم من العملة الصعبة لقاطرات قبل إعداد الملف الفني ودراسة وضع السكة وحالتها و الممرات و الأنفاق وإن لزم الأمر التفكير في مدى ملاءمة هذه القاطرات و محركاتها للطقس و للهواء ولتربة وغبار الفسفاط . انّه الفساد الأكبر، الإضرار بمصالح وأموال المجموعة الوطنية .

 إن الصمت على الفساد لم يكن يوماً سوى إطعام ديناصور، لا يعرف معنى الشبع !!.

 فالمرء عندما لا يتخذ موقفاً ضد الفساد فإنه يدعمه ضمنياً.

 

 

 

حكاياتهم..   الفساد الأكبر، والفساد الأصغر !..

 

يرويها: أبو بكر الصغير

  إن انعدام الردع يحدث الفساد، وانعدامه بدرجة مطلقة يحدث الفساد المطلق.

   من خلال تحديد تنظيم العلاقات بين المجال العام والمصلحة الخاصة للأفراد، يهدف الفهم الموضوعي للفساد بالإضافة إلى الفئات الفنية المختلفة التي تؤهله، إلى ضمان احترام سلامة المجال العام .

 فهو أحد أسس واشتراطات الشرعية الديمقراطية أو الجمهورية.

   أي حكم يضمن نظام القانون من خلال الاحترام المطلق لمبدأ تساوي المسافة بين الأفراد من القانون و المصلحة العامة، وهنا بالذات يكمن مبدأ العدالة الذي تقوم عليه فكرة الدولة العادلة التي تعتبر المرجعية لهذا الإطار .

    في مثل هذا النظام، يشكل الاستيلاء غير المشروع على موارد الدولة أو الإضرار بها، عملاً خطيرًا للغاية وغير عادل في الأساس لأنه يزعزع استقرار طريقة الارتباط بين الأفراد تماما وضمان السيرورة الطبيعية لعملية التنمية.

   يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك لنقول إن الفساد، بأشكاله المختلفة، يعيد بشكل فعال تقديم النظام الاجتماعي والقانوني القديم، الذي كان يقوم على تصور متمايز للقدرات الاجتماعية الفردية، "الامتيازات" بدلا من "الحقوق" ، فميثاق الفساد لا يتألف فقط من اختلاس علاقة السلطة، ولا من السرقة للمال العام أو الموارد العامة غير الملموسة أو الإضرار بها، ولكن في تنفيذ استثناء الوضع، الذي يدمر مبدأ المساواة في الوضع المدني و يعيد بشكل فعال النظام الإقطاعي ما قبل الديمقراطي .

 غالبا ما نهتم ونتحدث عن الفساد الأصغر كالاحتكار أو الارتشاء، و يغيب الاهتمام بما هو فساد اكبر الذي غالبا ما تكون تكلفته باهظة جدا على المجموعة الوطنية كتعطيل المشاريع وعرقلة الإنتاج وغلق المصانع والابتزاز بالإضرابات الخ ..

 نحن اليوم وإذا ما تأكدت الأنباء أمام "جريمة دولة".

 تفاصيل الحادثة أن بلادنا قامت سنة 2018 بإعلان مناقصة دولية لشراء قاطرات لنقل الفسفاط بقفصة، يبلغ عددها الإجمالي عشرين قاطرة بمئات المليارات.

  تم تكليف لجنة لمتابعة عملية الشراء و تقديم المواصفات الفنية المطلوبة.

  وصلت هذه القاطرات لتونس وذلك بأمل زيادة إنتاج الفسفاط من خلال تغيير القاطرات التقليدية المستعملة بهذه الجديدة ذات السعة التحميلية تبلغ 4000 طن، في حين لا تتجاوز سعة القاطرات التقليدية 2200 طن .

 لكن حصلت الصدمة عندما أراد المسؤولون عن شركة الفسفاط إجراء اختبارات الاستغلال لهذه القاطرات الجديدة اكتشفوا أنه لا يمكنها المرور عبر أنفاق الثالجة و تسير فقط على خط المتلوي وهو الخط رقم 13 الذي يربط توزر بالغريبة في صفاقس !.

 تجدر الإشارة إلى أن نفق الثالجة تم تشغيله في شهر فيفري 2022 بعد انقطاع دام حوالي ست سنوات، منذ أكتوبر 2017 بالضبط، بسبب الفيضانات، ورغم إعادة فتحه، لم تتمكن القاطرات الجديدة من عبور الخط 15 الذي يربط المتلوي بالكاف عبر وديان الثالجة .

 هل هذا معقول، كانت الشركة تأمل مضاعفة الإنتاج فإذا بها تجد نفسها في وضع عكسي، السبب فساد مسؤولين بلا شكّ هم مطمئنون على أجورهم وامتيازاتهم وكلّ المنح .

 كيف يعقل أن يتم إعلان مناقصة دولية بهذا المبلغ الضخم من العملة الصعبة لقاطرات قبل إعداد الملف الفني ودراسة وضع السكة وحالتها و الممرات و الأنفاق وإن لزم الأمر التفكير في مدى ملاءمة هذه القاطرات و محركاتها للطقس و للهواء ولتربة وغبار الفسفاط . انّه الفساد الأكبر، الإضرار بمصالح وأموال المجموعة الوطنية .

 إن الصمت على الفساد لم يكن يوماً سوى إطعام ديناصور، لا يعرف معنى الشبع !!.

 فالمرء عندما لا يتخذ موقفاً ضد الفساد فإنه يدعمه ضمنياً.