إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تلوث.. ردم وحرق.. "القمامة" تحاصر التونسي.. ولوبيات تعطل تثمين النفايات

 

تونس أكثر دول الحوض المتوسط تلوثا بالبلاستيك.. والتلوث يفقدنا سنويا 2.5 نقطة نمو

تونس – الصباح

لم يخف التعاطي الرسمي والإعلامي مع ملفات البيئة وقضايا المناخ افتقار تونس إلى إستراتيجية وطنية للتصرف في النفايات الى جانب مواصلة انتهاج الحلول الترقيعية وتقنيات بدائية مضارها أكثر من منافعها.

وحسب منتدى ابن خلدون للتنمية فإنه نسبة الفضلات المنزلية وما شابهها التي تتم رسكلتها وإعادة تثمينها في تونس لا تتجاوز 8 بالمائة في حين تلقى 20 بالمائة من هذه الفضلات في الطبيعة ويقع ردم 70 بالمائة منها في المصبات التي توصف بالمراقبة.

وتأتي هذه الأرقام حسب ورقة بحثية نشرها المنتدى لتعبر عن حجم سوء التصرف في النفايات رغم أهميتها اقتصاديا على أصعدة مختلفة لاسيما في مجال توليد الطاقة البديلة التي تحتاجها تونس خاصة وأن بلادنا تنتج سنويا 2,8 مليون طن من الفضلات منها 350 ألف طن نفايات صناعية خطيرة يفترض أن يكون ثلثها قابلا للرسكلة ايكولوجيا غير أن أغلب النفايات الصناعية تبقى مخزنة بجانب المصانع وذلك في ظل تواصل إغلاق مصب جرادو للنفايات الخطيرة في زغوان منذ 2011 بسبب رفض المواطنين لتواجده.

وينتج التونسي يوميا 0،11 كغ من النفايات البلاستيكية وفق دراسة صادرة عن الوكالة الوطنية لحماية البيئة في 2018 أي ما يعادل 250 ألف طن، 28 % منها تتبخر في الطبيعة و4 % يتم إلقاؤها في البحر بينما لا تتم رسكلة سوى 4 % لتعتبر تونس بذلك ضمن أكثر دول الحوض المتوسط تلوثا بالبلاستيك.

كما شدد المنتدى في ورقته البحثية التي نشرتها "وات" مؤخرا على أن وجود الفضلات المنزلية والصناعية يشكل أحد أهم أسباب التلوث سواء في المحيط الحضري أو الريفي وعاملا مهما في تدهور المحيط وجودة حياة المواطنين مؤكدا أهمية تفعيل ديناميكية الاقتصاد الأخضر والدائري (القائم على رسكلة النفايات) إلى جانب تعزيز المردودية الفنية للتصرف في جمع النفايات ونقلها وتثمينها .

ويؤكد المنتدى أنه لا توجد في تونس معطيات إحصائية دقيقة حول النفايات سواء على المستوى الوطني أو المحلي رغم المحاولات العديدة لتطوير هذا المجال.

ويعتبر منتدى ابن خلدون للبيئة أن التصرف في النفايات اليوم يواجه عقبات تنظيمية ومؤسساتية عديدة بسبب تشتت المسألة بين وزارة البيئة ووكالة التصرف في النفايات من ناحية ووزارة الداخلية والشؤون المحلية من ناحية أخرى مما أعاق خلق ديناميكية مدمجة تطور التصرف في النفايات بالأساس على المستوى المحلي .

في السياق نفسه ورد في بيان اليوم العالمي للبيئة من أجل انتقال بيئي عادل الصادر بتاريخ 6 جوان 2023 قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنه رغم إقرار دستور 2022 بحقوق المواطنين البيئية، يظل الواقع البيئي في عديد المناطق مترديا ويزداد من سنة لأخرى زخم الحراك الاجتماعي البيئي المندد بالتقصير الحاصل من طرف مؤسسات الدولة الموكول إليها ضمان حماية العناصر البيئية على تنوعها وتعزيز التنوع البيولوجي والأمن الغذائي مع الحرص على تبني سياسات تعزز التأقلم مع التغيرات المناخية وتضمن استدامة الموارد وحقوق الأجيال القادمة. ويؤثر تبني خيار تهميش القطاع البيئي، واعتباره قطاعا معزولا عن بقية القطاعات التنموية ومجرد وسيلة للتبييض البيئي وضخ التمويلات الأجنبية، والذي تنتهجه تونس منذ تبنيها في 1991 لوزارة للبيئة، مباشرة على حقوق الأفراد في بيئة سليمة ومتوازنة ومياه شرب آمنة وسهلة المنال بالإضافة الى هواء نقي وتغذية سليمة، هذا مع الانعكاسات المباشرة على صحتهم.

ومازالت "فضيحة" ملف النفايات الايطالية، القضية التي هزت الرأي العام في تونس، عالقة في الأذهان الى اليوم بمختلف تفاصيلها "الدرامية" المتمثلة في استيراد القمامة الأوروبية للحرق والردم في تونس، فهذه "الجريمة النظيفة" كما يسميها البعض فتحت الأعين على الكثير من الممارسات الإجرامية التي تمارس في حق الإنسان والطبيعة.

وحسب الخبير في المجال البيئي وعضو الهيئة المديرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين فإن الإستراتيجية التونسية للتصرف في النفايات مبنية على جملة من السياسات وهي أساسا تقنية الردم ونقل التلوث من مكان الى مكان حيث يتم وضع المصبات بالقرب من المجموعات السكنية التي ليست لها إمكانيات سياسية أو مادية تمكنها من الدفاع عن حقها وحتى التوجه نحو خوصصة أغلب المصبات عبر تمكين الشركات الخاصة عن طريق لزمات من استغلالها ساهم، أمام ضعف الرقابة على هذه الشركات من قبل الدولة، في تشكّل لوبي قوي يدافع على استدامة هذه الإستراتيجية الفاشلة وخاصة مواصلة العمل بتقنية الردم.

وشدد الخبير في المجال البيئي في سياق حديثه لـا"لصباح" على أن هذه الإستراتجية تقوم على الهدر البيئي داعيا الدولة الى إعلان حالة الطوارئ البيئية لأن وضع النفايات الخطرة والمنزلية أصبح خارج السيطرة لأن الإمكانيات المتوفرة لنقلها، ضعيفة ولا تغطي إلا 80 بالمائة من إجمالي الكميات والبقية تلقى في الفضاءات العامة والأودية لذلك أصبحنا محاصرين بالنفايات.

وحسب حسين فإنه يوجد لوبي قوي وضاغط يعمل على تعطيل عمليات تثمين النفايات وفي حال لم تنخرط تونس في منظومة الاقتصاد الدائري (إعادة رسكلة النفايات) فذلك سيكلفنا الكثير لأن التلوث يتسبب في إهدار حوالي 2.5 نقطة نمو سنويا بما يعادل خسارة 40 ألف موطن شغل بالإضافة الى أنه عامل من عوامل انتشار الأمراض الخطيرة خاصة بسبب عمليات الحرق.

واعتبر حسن أن التمسك بالسياسات الفاشلة في معالجة مشكل التلوث قد تنتج عنه صراعات اجتماعية يمكن أن تتحول الى معارك سياسية ونذكر مثال صفاقس وما حصل منذ مدة بسبب مصب النفايات من مشاكل بين أبناء الجهة نفسها.

وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية اعتبر أن إدارة النفايات من أهم التحديات التي تواجهها سياسات وحكومات المجتمعات المعاصرة وذلك على المستوى العالمي وفي كل الدول متقدمة كانت أو نامية، إلا أن المجتمعات النامية وخاصة منها تلك التي تعرف ديمقراطيات ناشئة تواجه هذه التحديات بشكل مضاعف نظرا لتنامي الوعي بحجم هذا الإشكال البيئي وما ينجر عنه من حراك اجتماعي واحتجاجي في ظل إطار سياسي متقلب وقوانين بيئية متقادمة أو غائبة تماما.

وتحت عنوان "أزمة التصرف في النفايات أي سبل للخروج من عنق الزجاجة" أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن تونس تعرف منذ بداية العشرية الأخيرة أزمة مركبة للتصرف في النفايات باختلاف أنواعها، منزلية ومشابهة، صناعية وخطرة تجاوزت انعكاساتها الوضع البيئي بالجهات الأكثر تضررا لتطال جودة الحياة وحتى السلم الاجتماعي ببعض المناطق.

واندلعت في السنوات الأخيرة عديد التحركات الاحتجاجية ضد "التلوث بالنفايات" مع الكشف عن إخلالات سياسة التصرف في النفايات في تونس، كما يتواصل إتباع الردم كطريقة وحيدة متبعة للتصرف في أطنان النفايات المجمعة في المصبات. ويؤدي ردم النفايات الى نتائج كارثية على مختلف العناصر الطبيعية من تربة وهواء وطبقة مائية.

جهاد الكلبوسي

تلوث.. ردم وحرق..   "القمامة" تحاصر التونسي.. ولوبيات تعطل تثمين النفايات

 

تونس أكثر دول الحوض المتوسط تلوثا بالبلاستيك.. والتلوث يفقدنا سنويا 2.5 نقطة نمو

تونس – الصباح

لم يخف التعاطي الرسمي والإعلامي مع ملفات البيئة وقضايا المناخ افتقار تونس إلى إستراتيجية وطنية للتصرف في النفايات الى جانب مواصلة انتهاج الحلول الترقيعية وتقنيات بدائية مضارها أكثر من منافعها.

وحسب منتدى ابن خلدون للتنمية فإنه نسبة الفضلات المنزلية وما شابهها التي تتم رسكلتها وإعادة تثمينها في تونس لا تتجاوز 8 بالمائة في حين تلقى 20 بالمائة من هذه الفضلات في الطبيعة ويقع ردم 70 بالمائة منها في المصبات التي توصف بالمراقبة.

وتأتي هذه الأرقام حسب ورقة بحثية نشرها المنتدى لتعبر عن حجم سوء التصرف في النفايات رغم أهميتها اقتصاديا على أصعدة مختلفة لاسيما في مجال توليد الطاقة البديلة التي تحتاجها تونس خاصة وأن بلادنا تنتج سنويا 2,8 مليون طن من الفضلات منها 350 ألف طن نفايات صناعية خطيرة يفترض أن يكون ثلثها قابلا للرسكلة ايكولوجيا غير أن أغلب النفايات الصناعية تبقى مخزنة بجانب المصانع وذلك في ظل تواصل إغلاق مصب جرادو للنفايات الخطيرة في زغوان منذ 2011 بسبب رفض المواطنين لتواجده.

وينتج التونسي يوميا 0،11 كغ من النفايات البلاستيكية وفق دراسة صادرة عن الوكالة الوطنية لحماية البيئة في 2018 أي ما يعادل 250 ألف طن، 28 % منها تتبخر في الطبيعة و4 % يتم إلقاؤها في البحر بينما لا تتم رسكلة سوى 4 % لتعتبر تونس بذلك ضمن أكثر دول الحوض المتوسط تلوثا بالبلاستيك.

كما شدد المنتدى في ورقته البحثية التي نشرتها "وات" مؤخرا على أن وجود الفضلات المنزلية والصناعية يشكل أحد أهم أسباب التلوث سواء في المحيط الحضري أو الريفي وعاملا مهما في تدهور المحيط وجودة حياة المواطنين مؤكدا أهمية تفعيل ديناميكية الاقتصاد الأخضر والدائري (القائم على رسكلة النفايات) إلى جانب تعزيز المردودية الفنية للتصرف في جمع النفايات ونقلها وتثمينها .

ويؤكد المنتدى أنه لا توجد في تونس معطيات إحصائية دقيقة حول النفايات سواء على المستوى الوطني أو المحلي رغم المحاولات العديدة لتطوير هذا المجال.

ويعتبر منتدى ابن خلدون للبيئة أن التصرف في النفايات اليوم يواجه عقبات تنظيمية ومؤسساتية عديدة بسبب تشتت المسألة بين وزارة البيئة ووكالة التصرف في النفايات من ناحية ووزارة الداخلية والشؤون المحلية من ناحية أخرى مما أعاق خلق ديناميكية مدمجة تطور التصرف في النفايات بالأساس على المستوى المحلي .

في السياق نفسه ورد في بيان اليوم العالمي للبيئة من أجل انتقال بيئي عادل الصادر بتاريخ 6 جوان 2023 قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنه رغم إقرار دستور 2022 بحقوق المواطنين البيئية، يظل الواقع البيئي في عديد المناطق مترديا ويزداد من سنة لأخرى زخم الحراك الاجتماعي البيئي المندد بالتقصير الحاصل من طرف مؤسسات الدولة الموكول إليها ضمان حماية العناصر البيئية على تنوعها وتعزيز التنوع البيولوجي والأمن الغذائي مع الحرص على تبني سياسات تعزز التأقلم مع التغيرات المناخية وتضمن استدامة الموارد وحقوق الأجيال القادمة. ويؤثر تبني خيار تهميش القطاع البيئي، واعتباره قطاعا معزولا عن بقية القطاعات التنموية ومجرد وسيلة للتبييض البيئي وضخ التمويلات الأجنبية، والذي تنتهجه تونس منذ تبنيها في 1991 لوزارة للبيئة، مباشرة على حقوق الأفراد في بيئة سليمة ومتوازنة ومياه شرب آمنة وسهلة المنال بالإضافة الى هواء نقي وتغذية سليمة، هذا مع الانعكاسات المباشرة على صحتهم.

ومازالت "فضيحة" ملف النفايات الايطالية، القضية التي هزت الرأي العام في تونس، عالقة في الأذهان الى اليوم بمختلف تفاصيلها "الدرامية" المتمثلة في استيراد القمامة الأوروبية للحرق والردم في تونس، فهذه "الجريمة النظيفة" كما يسميها البعض فتحت الأعين على الكثير من الممارسات الإجرامية التي تمارس في حق الإنسان والطبيعة.

وحسب الخبير في المجال البيئي وعضو الهيئة المديرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين فإن الإستراتيجية التونسية للتصرف في النفايات مبنية على جملة من السياسات وهي أساسا تقنية الردم ونقل التلوث من مكان الى مكان حيث يتم وضع المصبات بالقرب من المجموعات السكنية التي ليست لها إمكانيات سياسية أو مادية تمكنها من الدفاع عن حقها وحتى التوجه نحو خوصصة أغلب المصبات عبر تمكين الشركات الخاصة عن طريق لزمات من استغلالها ساهم، أمام ضعف الرقابة على هذه الشركات من قبل الدولة، في تشكّل لوبي قوي يدافع على استدامة هذه الإستراتيجية الفاشلة وخاصة مواصلة العمل بتقنية الردم.

وشدد الخبير في المجال البيئي في سياق حديثه لـا"لصباح" على أن هذه الإستراتجية تقوم على الهدر البيئي داعيا الدولة الى إعلان حالة الطوارئ البيئية لأن وضع النفايات الخطرة والمنزلية أصبح خارج السيطرة لأن الإمكانيات المتوفرة لنقلها، ضعيفة ولا تغطي إلا 80 بالمائة من إجمالي الكميات والبقية تلقى في الفضاءات العامة والأودية لذلك أصبحنا محاصرين بالنفايات.

وحسب حسين فإنه يوجد لوبي قوي وضاغط يعمل على تعطيل عمليات تثمين النفايات وفي حال لم تنخرط تونس في منظومة الاقتصاد الدائري (إعادة رسكلة النفايات) فذلك سيكلفنا الكثير لأن التلوث يتسبب في إهدار حوالي 2.5 نقطة نمو سنويا بما يعادل خسارة 40 ألف موطن شغل بالإضافة الى أنه عامل من عوامل انتشار الأمراض الخطيرة خاصة بسبب عمليات الحرق.

واعتبر حسن أن التمسك بالسياسات الفاشلة في معالجة مشكل التلوث قد تنتج عنه صراعات اجتماعية يمكن أن تتحول الى معارك سياسية ونذكر مثال صفاقس وما حصل منذ مدة بسبب مصب النفايات من مشاكل بين أبناء الجهة نفسها.

وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية اعتبر أن إدارة النفايات من أهم التحديات التي تواجهها سياسات وحكومات المجتمعات المعاصرة وذلك على المستوى العالمي وفي كل الدول متقدمة كانت أو نامية، إلا أن المجتمعات النامية وخاصة منها تلك التي تعرف ديمقراطيات ناشئة تواجه هذه التحديات بشكل مضاعف نظرا لتنامي الوعي بحجم هذا الإشكال البيئي وما ينجر عنه من حراك اجتماعي واحتجاجي في ظل إطار سياسي متقلب وقوانين بيئية متقادمة أو غائبة تماما.

وتحت عنوان "أزمة التصرف في النفايات أي سبل للخروج من عنق الزجاجة" أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن تونس تعرف منذ بداية العشرية الأخيرة أزمة مركبة للتصرف في النفايات باختلاف أنواعها، منزلية ومشابهة، صناعية وخطرة تجاوزت انعكاساتها الوضع البيئي بالجهات الأكثر تضررا لتطال جودة الحياة وحتى السلم الاجتماعي ببعض المناطق.

واندلعت في السنوات الأخيرة عديد التحركات الاحتجاجية ضد "التلوث بالنفايات" مع الكشف عن إخلالات سياسة التصرف في النفايات في تونس، كما يتواصل إتباع الردم كطريقة وحيدة متبعة للتصرف في أطنان النفايات المجمعة في المصبات. ويؤدي ردم النفايات الى نتائج كارثية على مختلف العناصر الطبيعية من تربة وهواء وطبقة مائية.

جهاد الكلبوسي