إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مدرسة الفرصة الثانية: مسارات إعادة الإدماج المدرسي

الحد من مخاطر التسرب والانقطاع يتطلب بالضرورة دعم التلاميذ ومساعدتهم على تغيير علاقتهم بالمؤسسة التربوية في إطار مشروع تربوي واضح المعالم بالاستعانة بالابتكارات التعليمية وكذلك استخدام التكنولوجيا الرقمية

بقلم منذر عافي

ينظر إلى مشاكل المدرسة في البداية على أنها مشاكل المجتمع ككل لذلك يتم التأكيد على أن المدرسة ليست سوى نتاج المجتمع والسياسة التعليمية. ولقد أصبح التسرب من المدرسة في السنوات القليلة الماضية هو العنوان الرئيسي لمشاكل نظام التعليم في تونس..ومن هذا المنطلق فإن السؤال حول المدرسة هو أولاً وقبل كل شيء سؤال اجتماعي.  وفي الحقيقة تم تطوير عدد من المقاربات التربوية الجديدة، بناءً على المبادئ الأساسية للتعليم في تونس، بما في ذلك داخل المؤسسات العادية على غرار دعم التلاميذ الذين يواجهون صعوبات، وإضفاء الطابع الافرادي على التكوين، كما تعدد التخصصات ذات الصلة بالتأطير النفسي والمرافقة والتوجيه، إلخ.

التسرب المدرسي مؤشر على أداء المؤسسة المدرسية،

صرنا اليوم نستخدم بشكل مكثف مصطلح "المتسربون" للإشارة إلى كل من ضحايا الفشل المدرسي، والعاطلين عن العمل أو المنحرفين في المستقبل، وحتى الإرهابيين المحتملين. أصبح تأطير التلاميذ المنقطعين  اليوم محل اهتمام فعلي وجدي من قبل وزارة التربية اقتناعا منها بأهمية أدوارها الاجتماعية وترسيخا للمنهج القائم على تثمين المهارات الذي يعتبر "قلب العملية التربوية"،  لذلك أطلقت مشروع عمل وطني يقوم على تثمين مهارات التلاميذ المنقطعين واقتراح وسائل التقييم الملائمة مع "تعزيز الهوية التعليمية لهؤلاء التلاميذ، وخلق نسق ثقافي مشترك بينهم، إضافة الى توفير الوسائل للترويج لمدرسة الفرصة الثانية والتعريف بها على أوسع نطاق.،دخلت مدرسة الفرصة الثانية بالمعنى الواسع حقًا في اختصاص وزارة التربية، في إطار التطبيق الفعلي لمبدأ الإنصاف و الرغبة في تحقيق الاندماج المهني والاجتماعي والمدني للشباب. وإكسابهم معارف جديدة –أي الاستثمار في الموارد البشرية وذلك ايمانا بأهمية الآثار الاقتصادية للاستثمار في التعليم. ان التلاميذ الذين يواجهون صعوبات يتم قبولهم في مدرسة الفرصة الثانية ويلعب العمل الذي يقوم به المكونون في هذه المؤسسة دورًا أساسيًا في حصول هؤلاء الشباب على التأهيل الملائم.

ثمة أربعة مجالات رئيسية ينبغي التأكيد عليها وهي الإدارة العقلانية لموضوع مدرسة الفرصة الثانية والقدرة على التقييم والتحقق من جودة المهارات التي يكتسبها المتدربون، وحسن التصرف في الخبرات المكتسبة، وتنظيم الشراكات..وفي هذا السياق عملت وزارة التربية بشكل مكثف على تحديد وتنسيق الجهود مع مختلف الجهات الفاعلة (وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التكوين المهني والتشغيل وغيرهما) قصد تذليل الصعوبات التي من المحتمل أن يواجهها الشاب الراغب في الولوج الى مدرسة الفرصة الثانية.. ربما يبقى السؤال الأهم هو: ما هي الفرصة التي ستقدمها هذه المدرسة في النهاية للشباب الذين تستقبلهم كل سنة؟

إذا كانت المدرسة العادية هي بالفعل الفرصة الأولى لكل فرد للاندماج في المجتمع، فيجب الإشارة الى ان هذا الأمر لا ينطبق على الأشخاص، الذين   انقطعوا وتسربوا بشكل أو بأخر ولم يتوفر الإطار الأسري والاجتماعي الذي يسمح لهم بالاستفادة من التعليم العام الذي توفره مدرسة الفرصة الأولى، وبالتالي بات أملهم ضئيلا في الحصول على وظيفة والاندماج في المجتمع؟ لذلك ينبغي حسن تقدير الجهود المبذولة لتحسين النتائج التعليمية للتلاميذ "المعرضين لخطر التسرب " والتعامل مع القضية كاستثمار عام يمكن ان يكون عائده إيجابيًا، وتكون التكاليف أقل من الفوائد.

إن الحد من مخاطر التسرب والانقطاع يتطلب بالضرورة دعم التلاميذ ومساعدتهم على تغيير علاقتهم بالمؤسسة التربوية في إطار مشروع تربوي واضح المعالم بالاستعانة بالابتكارات التعليمية وكذلك استخدام التكنولوجيا الرقمية. إذا اعتبرنا، أن عملية التنشئة الاجتماعية للتلاميذ في إطار مدرسة الفرصة الثانية تتمثل في بناء هويات اجتماعية ومهنية من خلال معاملة عقلانية تتشكل وفقها رؤية التلاميذ الى المستقبل المحتمل في قطيعة أو استمرارية مع ماض أعيد بناؤه ويقتضي هذا الأمر إعادة تكييف الجوانب العلائقية" التي تهدف إلى مراعاة خصوصيات وأهداف ووسائل المؤسسة.، بالنسبة لمدرسة الفرصة الثانية، والتي يتم ترتيبها دائمًا لإثبات فعاليتها، فإن عملية إعادة صياغة نظامها المرجعي ليست مجرد قضية تعبئة داخلية لإعادة ضبط المهارات التي سيتم تطويرها في المتدربين، ولكنها ترتبط أيضًا، بالرؤية الخارجية فيما يتعلق بالشركاء والشركات والممولين والسياسيين.

أثر التجربة الذاتية للمتعلم في إعادة الإدماج

عندما نتتبع مسارات هؤلاء الشباب، يتسنى لنا معرفة الى أي مدى ارتبط تسربهم بعملية معقدة تبدأ أحيانًا في وقت مبكر جدًا من تعليمهم. بالنسبة للكثيرين منهم، هناك حالة من المعاناة في مواجهة تراكم الصعوبات من جميع الأنواع لم يتم التفطن اليها او تتم معالجتها في الإبان المعالجة العلمية.ان هؤلاء التلاميذ "المنقطعين عن الدراسة" معرضون لخطر عدم القدرة على الاندماج الاجتماعي بشكل أكبر لأن لديهم القليل جدًا من الموارد المالية نظرا للصعوبات الاقتصادية التي تمر بها عائلاتهم. لكننا نجد أيضًا توفر الرغبة الشديدة في هؤلاء لإعادة نحت أنفسهم بطرق أخرى، خارج المدرسة، وبشكل أكثر تحديدًا من خلال العمل. مهما يكن الأمر، على الرغم من الأسباب الذاتية والموضوعية التي قادت هؤلاء الشباب الى ترك المدرسة للتسرب منها بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فإنهم يعرضون أنفسهم لمسارات اجتماعية محفوفة بالمخاطر إذا لم تتم مرافقتهم المرافقة الجيدة. ومن المسلم به أن خلق العديد من الآليات المرافقة والإحاطة يجعل من الممكن استعادتهم من جديد ودعمهم ومساعدتهم على استعادة الأمل في بناء مسارات جديدة خاصة بهم، على الرغم من أننا غالبًا ما نلاحظ ان المدة الزمنية بين ترك المدرسة واللجوء إلى هذه الآليات تبدو أحيانا طويلة جدًا، ولا نعرف الكثير عن نمط حياة التلميذ المنقطع وملامح سلوكه.

في الواقع، يتم انجاز أعمال مهمة من قبل القائمين على مدرسة الفرصة الثانية والمدربين من اجل مساعدة التلاميذ المدمجين على استعادة الخبرات التعليمية والاجتماعية والشخصية والمهنية التي عاشوها من أجل تجاوز سلبياتها وتمكينهم من تطوير علاقات جديدة مع التعلم ومن تقدير ذواتهم. بل ان عديد التلاميذ الذين استعادتهم مدرسة الفرصة الثانية استطاعوا الاندماج بيسر ودون تعقيدات، منذ بداية الدورة، حيث أمكن للمشرفين مساعدتهم بيداغوجيا ونفسيا على تجاوز مرحلة عدم اليقين الاجتماعي والمدرسي.

ان عدم اليقين هذا باعتباره "تجربة اجتماعية ناتجة عن عدم الاستقرار، وعن  الأزمة النفسية المرتبطة بالتجربة المدرسية الفاشلة وكذلك بعملية التنشئة الاجتماعية المختلة داخل الأسرة. بعد أن واجه المتدربون بالفعل العديد من أشكال عدم اليقين، من هذا المنطلق، ستساعد مدرسة الفرصة الثانية التلاميذ المنقطعين والمتسربين على الاندماج في السياق الاجتماعي والاقتصادي مجددا....

أهمية التعاون الدولي في بناء وتطوير مدرسة /مدارس الفرصة الثانية

تعد مدرسة الفرصة الثانية في تونس نتاج ثقافة التعاون والشراكة التي سارت على نهجها وزارة التربية. فنحن إزاء تجربة خصوصية تتمثل في الانخراط في عمل تشاركي وتعاوني لإعادة استقطاب التلاميذ المتسربين قصد تزويدهم بالمهارات المناسبة للاندماج في سوق الشغل،وهي تقوم على إعادة التعاقد الجماعي والتعاون، لأهداف وممارسات تكوينية تربوية. ويبدو أن الطريقة التي يتصور بها المدربون التعلم الذي سيحققه المتدربون تشير إلى أن تنمية المهارات الحياتية، كعملية تطبيع اجتماعي، تشكل، بالنسبة لهم، شرطًا أساسيًا للاندماج المهني..

 وبهذا المعنى، فإن المنهج القائم على تثمين المهارات المتبع هنا، من خلال إصلاح النظام المرجعي، يبدو مثل "تكنولوجيا تعليمية" بقدر ما يظهر "تكنولوجيا اجتماعية". لأنه يؤدي في الواقع إلى حركة جماعية للتساؤل حول الأهداف التكوينية والتعليمية لمدرسة الفرصة الثانية.

أدت هذه اللحظة الحاسمة في تاريخ التعليم في تونس إلى تحديد مشكلة معينة، من ناحية، مشكلة الاندماج المهني والاجتماعي للشباب، ومن ناحية أخرى إطار عمل ملائم، تم تحديده بالكامل تقريبًا خارج المؤسسة التعليمية التقليدية، سواء من حيث استقبال هؤلاء الشباب ودعمهم، أو من حيث التدابير، التي يتم تنظيمها إلى حد كبير من خلال دراسة العمل و/ أو الوصول إلى التوظيف بواسطة التدريب الداخلي او عبر التعاقد والشراكة مع القطاع الخاص.

ثمة بالفعل خطر كبير من رؤية التسرب من المدرسة كظاهرة موضوعية بسهولة، يمكن نقلها دون احتياطات من سياق مجتمعي إلى آخر، والتي ستكون مستقلة عن المعالجة المؤسسية التي تخضع لها. ويترتب على الوقوع في هذا الفخ عواقب عديدة، لا سيما تلك المتعلقة بتحميل المتسرب تبعات المشكلة، من خلال الوصم والتوصيفات المختلفة، الاجتماعية، النفسية أو التربوية.

أخيرًا، ترى وزارة التربية أنه من مسؤوليتها دعم المتدربين في مدرسة الفرصة الثانية ومرافقتهم من اجل تعديل سلوكهم ورؤيتهم لذواتهم وللآخرين في ارتباط بخلفياتهم وتاريخهم الشخصي وتجاربهم الاجتماعية والمهنية. والذي ينعكس بشكل خاص من خلال الإرادة المعلنة لإنجاح هذه المبادرة.

مدرسة الفرصة الثانية: مسارات إعادة الإدماج المدرسي

الحد من مخاطر التسرب والانقطاع يتطلب بالضرورة دعم التلاميذ ومساعدتهم على تغيير علاقتهم بالمؤسسة التربوية في إطار مشروع تربوي واضح المعالم بالاستعانة بالابتكارات التعليمية وكذلك استخدام التكنولوجيا الرقمية

بقلم منذر عافي

ينظر إلى مشاكل المدرسة في البداية على أنها مشاكل المجتمع ككل لذلك يتم التأكيد على أن المدرسة ليست سوى نتاج المجتمع والسياسة التعليمية. ولقد أصبح التسرب من المدرسة في السنوات القليلة الماضية هو العنوان الرئيسي لمشاكل نظام التعليم في تونس..ومن هذا المنطلق فإن السؤال حول المدرسة هو أولاً وقبل كل شيء سؤال اجتماعي.  وفي الحقيقة تم تطوير عدد من المقاربات التربوية الجديدة، بناءً على المبادئ الأساسية للتعليم في تونس، بما في ذلك داخل المؤسسات العادية على غرار دعم التلاميذ الذين يواجهون صعوبات، وإضفاء الطابع الافرادي على التكوين، كما تعدد التخصصات ذات الصلة بالتأطير النفسي والمرافقة والتوجيه، إلخ.

التسرب المدرسي مؤشر على أداء المؤسسة المدرسية،

صرنا اليوم نستخدم بشكل مكثف مصطلح "المتسربون" للإشارة إلى كل من ضحايا الفشل المدرسي، والعاطلين عن العمل أو المنحرفين في المستقبل، وحتى الإرهابيين المحتملين. أصبح تأطير التلاميذ المنقطعين  اليوم محل اهتمام فعلي وجدي من قبل وزارة التربية اقتناعا منها بأهمية أدوارها الاجتماعية وترسيخا للمنهج القائم على تثمين المهارات الذي يعتبر "قلب العملية التربوية"،  لذلك أطلقت مشروع عمل وطني يقوم على تثمين مهارات التلاميذ المنقطعين واقتراح وسائل التقييم الملائمة مع "تعزيز الهوية التعليمية لهؤلاء التلاميذ، وخلق نسق ثقافي مشترك بينهم، إضافة الى توفير الوسائل للترويج لمدرسة الفرصة الثانية والتعريف بها على أوسع نطاق.،دخلت مدرسة الفرصة الثانية بالمعنى الواسع حقًا في اختصاص وزارة التربية، في إطار التطبيق الفعلي لمبدأ الإنصاف و الرغبة في تحقيق الاندماج المهني والاجتماعي والمدني للشباب. وإكسابهم معارف جديدة –أي الاستثمار في الموارد البشرية وذلك ايمانا بأهمية الآثار الاقتصادية للاستثمار في التعليم. ان التلاميذ الذين يواجهون صعوبات يتم قبولهم في مدرسة الفرصة الثانية ويلعب العمل الذي يقوم به المكونون في هذه المؤسسة دورًا أساسيًا في حصول هؤلاء الشباب على التأهيل الملائم.

ثمة أربعة مجالات رئيسية ينبغي التأكيد عليها وهي الإدارة العقلانية لموضوع مدرسة الفرصة الثانية والقدرة على التقييم والتحقق من جودة المهارات التي يكتسبها المتدربون، وحسن التصرف في الخبرات المكتسبة، وتنظيم الشراكات..وفي هذا السياق عملت وزارة التربية بشكل مكثف على تحديد وتنسيق الجهود مع مختلف الجهات الفاعلة (وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التكوين المهني والتشغيل وغيرهما) قصد تذليل الصعوبات التي من المحتمل أن يواجهها الشاب الراغب في الولوج الى مدرسة الفرصة الثانية.. ربما يبقى السؤال الأهم هو: ما هي الفرصة التي ستقدمها هذه المدرسة في النهاية للشباب الذين تستقبلهم كل سنة؟

إذا كانت المدرسة العادية هي بالفعل الفرصة الأولى لكل فرد للاندماج في المجتمع، فيجب الإشارة الى ان هذا الأمر لا ينطبق على الأشخاص، الذين   انقطعوا وتسربوا بشكل أو بأخر ولم يتوفر الإطار الأسري والاجتماعي الذي يسمح لهم بالاستفادة من التعليم العام الذي توفره مدرسة الفرصة الأولى، وبالتالي بات أملهم ضئيلا في الحصول على وظيفة والاندماج في المجتمع؟ لذلك ينبغي حسن تقدير الجهود المبذولة لتحسين النتائج التعليمية للتلاميذ "المعرضين لخطر التسرب " والتعامل مع القضية كاستثمار عام يمكن ان يكون عائده إيجابيًا، وتكون التكاليف أقل من الفوائد.

إن الحد من مخاطر التسرب والانقطاع يتطلب بالضرورة دعم التلاميذ ومساعدتهم على تغيير علاقتهم بالمؤسسة التربوية في إطار مشروع تربوي واضح المعالم بالاستعانة بالابتكارات التعليمية وكذلك استخدام التكنولوجيا الرقمية. إذا اعتبرنا، أن عملية التنشئة الاجتماعية للتلاميذ في إطار مدرسة الفرصة الثانية تتمثل في بناء هويات اجتماعية ومهنية من خلال معاملة عقلانية تتشكل وفقها رؤية التلاميذ الى المستقبل المحتمل في قطيعة أو استمرارية مع ماض أعيد بناؤه ويقتضي هذا الأمر إعادة تكييف الجوانب العلائقية" التي تهدف إلى مراعاة خصوصيات وأهداف ووسائل المؤسسة.، بالنسبة لمدرسة الفرصة الثانية، والتي يتم ترتيبها دائمًا لإثبات فعاليتها، فإن عملية إعادة صياغة نظامها المرجعي ليست مجرد قضية تعبئة داخلية لإعادة ضبط المهارات التي سيتم تطويرها في المتدربين، ولكنها ترتبط أيضًا، بالرؤية الخارجية فيما يتعلق بالشركاء والشركات والممولين والسياسيين.

أثر التجربة الذاتية للمتعلم في إعادة الإدماج

عندما نتتبع مسارات هؤلاء الشباب، يتسنى لنا معرفة الى أي مدى ارتبط تسربهم بعملية معقدة تبدأ أحيانًا في وقت مبكر جدًا من تعليمهم. بالنسبة للكثيرين منهم، هناك حالة من المعاناة في مواجهة تراكم الصعوبات من جميع الأنواع لم يتم التفطن اليها او تتم معالجتها في الإبان المعالجة العلمية.ان هؤلاء التلاميذ "المنقطعين عن الدراسة" معرضون لخطر عدم القدرة على الاندماج الاجتماعي بشكل أكبر لأن لديهم القليل جدًا من الموارد المالية نظرا للصعوبات الاقتصادية التي تمر بها عائلاتهم. لكننا نجد أيضًا توفر الرغبة الشديدة في هؤلاء لإعادة نحت أنفسهم بطرق أخرى، خارج المدرسة، وبشكل أكثر تحديدًا من خلال العمل. مهما يكن الأمر، على الرغم من الأسباب الذاتية والموضوعية التي قادت هؤلاء الشباب الى ترك المدرسة للتسرب منها بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فإنهم يعرضون أنفسهم لمسارات اجتماعية محفوفة بالمخاطر إذا لم تتم مرافقتهم المرافقة الجيدة. ومن المسلم به أن خلق العديد من الآليات المرافقة والإحاطة يجعل من الممكن استعادتهم من جديد ودعمهم ومساعدتهم على استعادة الأمل في بناء مسارات جديدة خاصة بهم، على الرغم من أننا غالبًا ما نلاحظ ان المدة الزمنية بين ترك المدرسة واللجوء إلى هذه الآليات تبدو أحيانا طويلة جدًا، ولا نعرف الكثير عن نمط حياة التلميذ المنقطع وملامح سلوكه.

في الواقع، يتم انجاز أعمال مهمة من قبل القائمين على مدرسة الفرصة الثانية والمدربين من اجل مساعدة التلاميذ المدمجين على استعادة الخبرات التعليمية والاجتماعية والشخصية والمهنية التي عاشوها من أجل تجاوز سلبياتها وتمكينهم من تطوير علاقات جديدة مع التعلم ومن تقدير ذواتهم. بل ان عديد التلاميذ الذين استعادتهم مدرسة الفرصة الثانية استطاعوا الاندماج بيسر ودون تعقيدات، منذ بداية الدورة، حيث أمكن للمشرفين مساعدتهم بيداغوجيا ونفسيا على تجاوز مرحلة عدم اليقين الاجتماعي والمدرسي.

ان عدم اليقين هذا باعتباره "تجربة اجتماعية ناتجة عن عدم الاستقرار، وعن  الأزمة النفسية المرتبطة بالتجربة المدرسية الفاشلة وكذلك بعملية التنشئة الاجتماعية المختلة داخل الأسرة. بعد أن واجه المتدربون بالفعل العديد من أشكال عدم اليقين، من هذا المنطلق، ستساعد مدرسة الفرصة الثانية التلاميذ المنقطعين والمتسربين على الاندماج في السياق الاجتماعي والاقتصادي مجددا....

أهمية التعاون الدولي في بناء وتطوير مدرسة /مدارس الفرصة الثانية

تعد مدرسة الفرصة الثانية في تونس نتاج ثقافة التعاون والشراكة التي سارت على نهجها وزارة التربية. فنحن إزاء تجربة خصوصية تتمثل في الانخراط في عمل تشاركي وتعاوني لإعادة استقطاب التلاميذ المتسربين قصد تزويدهم بالمهارات المناسبة للاندماج في سوق الشغل،وهي تقوم على إعادة التعاقد الجماعي والتعاون، لأهداف وممارسات تكوينية تربوية. ويبدو أن الطريقة التي يتصور بها المدربون التعلم الذي سيحققه المتدربون تشير إلى أن تنمية المهارات الحياتية، كعملية تطبيع اجتماعي، تشكل، بالنسبة لهم، شرطًا أساسيًا للاندماج المهني..

 وبهذا المعنى، فإن المنهج القائم على تثمين المهارات المتبع هنا، من خلال إصلاح النظام المرجعي، يبدو مثل "تكنولوجيا تعليمية" بقدر ما يظهر "تكنولوجيا اجتماعية". لأنه يؤدي في الواقع إلى حركة جماعية للتساؤل حول الأهداف التكوينية والتعليمية لمدرسة الفرصة الثانية.

أدت هذه اللحظة الحاسمة في تاريخ التعليم في تونس إلى تحديد مشكلة معينة، من ناحية، مشكلة الاندماج المهني والاجتماعي للشباب، ومن ناحية أخرى إطار عمل ملائم، تم تحديده بالكامل تقريبًا خارج المؤسسة التعليمية التقليدية، سواء من حيث استقبال هؤلاء الشباب ودعمهم، أو من حيث التدابير، التي يتم تنظيمها إلى حد كبير من خلال دراسة العمل و/ أو الوصول إلى التوظيف بواسطة التدريب الداخلي او عبر التعاقد والشراكة مع القطاع الخاص.

ثمة بالفعل خطر كبير من رؤية التسرب من المدرسة كظاهرة موضوعية بسهولة، يمكن نقلها دون احتياطات من سياق مجتمعي إلى آخر، والتي ستكون مستقلة عن المعالجة المؤسسية التي تخضع لها. ويترتب على الوقوع في هذا الفخ عواقب عديدة، لا سيما تلك المتعلقة بتحميل المتسرب تبعات المشكلة، من خلال الوصم والتوصيفات المختلفة، الاجتماعية، النفسية أو التربوية.

أخيرًا، ترى وزارة التربية أنه من مسؤوليتها دعم المتدربين في مدرسة الفرصة الثانية ومرافقتهم من اجل تعديل سلوكهم ورؤيتهم لذواتهم وللآخرين في ارتباط بخلفياتهم وتاريخهم الشخصي وتجاربهم الاجتماعية والمهنية. والذي ينعكس بشكل خاص من خلال الإرادة المعلنة لإنجاح هذه المبادرة.